لا تعتبر الضربة الأميركية التي استهدفت موقعا لـ"كتائب حزب الله" العراقي، صباح الأربعاء، في منطقة جرف الصخر جنوب بغداد "اعتيادية"، حسب مراقبين.
وتبدو الضربة "استثنائية" لاعتبارات ترتبط بتفاصيل تشكيل هذه الميليشيا ونفوذها قياسا بنظيراتها في البلاد، وللساحة التي تشكّل ركيزتها الأولى من جهة أخرى.
وأسفرت الضربة الأميركية عن ثمانية قتلى من الفصيل، وجاءت بعد ضربة مماثلة لم تؤكدها أو تتبناها واشنطن، وقتل إثرها، ليلة الثلاثاء، القيادي في نفس الميليشيا، فاضل المكصوصي.
وقالت وسائل إعلام عراقية ومقربون من "حزب الله العراقي" عبر مواقع التواصل إن "المكصوصي" قضى داخل سيارته "بعدما تعرضت لقصف من قبل طائرة أميركية من دون طيار"، وأنه تم تشييعه، الأربعاء، بحضور قيادات من "الحشد الشعبي" العراقي، وآخرين من الحوثيين في اليمن.
وتأتي هذه الحوادث في أعقاب تعرض القواعد الأميركية في سوريا والعراق لسلسلة هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة من جانب ميليشيات تدعمها إيران، ووفق آخر الإحصائيات زاد عددها منذ يوم 17 من أكتوبر عن 60 هجوما، أسفرت عن إصابات بين القوات الأميركية.
وعلى الرغم من أن ما يقرب من نصف الهجمات كانت على قواعد تستضيف قوات أميركية في العراق، فإن الولايات المتحدة ردت باستهداف مواقع في سوريا فقط، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات خلال الأيام الماضية قبل أن تغيّر واشنطن وجهة الرد عبر ضربة الثلاثاء، بحسب مراقبين.
ونددت الحكومة العراقية، الأربعاء، في بيان بالضربات الأميركية، معتبرة أنها "انتهاك واضح للسيادة" العراقية.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة، باسم العوادي، في بيان: "ندين بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف النصر، والذي جرى بدون علم الجهات الحكومية العراقية ما يُعد انتهاكا واضحا للسيادة (...) كما تشدد الحكومة العراقية على أنّ أيّ عمل أو نشاط مسلّح يتم ارتكابه من خارج المؤسسة العسكرية، يعد عملاً مداناً ونشاطاً خارجاً عن القانون".
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" وصحيفة "واشنطن بوست"، الأسبوع الماضي، أن "أحد أسباب تركيز الولايات المتحدة على سوريا هو أن الولايات المتحدة لا تريد المخاطرة باستفزاز الحكومة العراقية من خلال توجيه ضربات داخل حدودها، ما قد يؤدي إلى مقتل أو جرح عراقيين".
لكن ما الأسباب التي دفعت واشنطن لتغيير وجهة الرد من سوريا إلى العراق؟ وما هي كتائب حزب الله العراقي التي طالتها الضربات من دون غيرها من الميليشيات.
"فرع فيلق القدس"
وتأتي الضربات التي تلقتها كتائب حزب الله العراقي بعدما استهدفتها الولايات المتحدة بعقوبات، متهمة إياها بالمسؤولية عن الهجمات التي استهدفت واشنطن وشركاءها في العراق وسوريا مؤخرا.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، بتاريخ 17 نوفمبر الحالي، إن العقوبات فرضت على ستة أشخاص منتمين لكتائب حزب الله، التي سبق وصنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية.
وكان من بين المستهدفين عضو في الهيئة الرئيسية التي تتخذ القرارات بالجماعة، ومسؤول الشؤون الخارجية، وقائد عسكري قالت وزارة الخزانة إنه يعمل مع الحرس الثوري الإيراني لتدريب مقاتلين.
وتوضح ورقة تحليلية لـ"معهد واشنطن" أن كتائب حزب الله هي الميليشيا الرئيسية في العراق، وتعمل تحت القيادة المباشرة لإيران، ولها مجموعة واسعة من الخلايا المسؤولة عن العمليات الحركية والإعلامية والاجتماعية.
وتُعد بحكم الأمر الواقع فرعا تابعا لـ "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني، وكانت قد تشكّلت من اندماج "جماعات خاصة" بين الفترة الممتدة من 2005 إلى 2007.
في عام 2009، أدرجت الولايات المتحدة كتائب حزب الله ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية العالمية الخاضعة لإدراج خاص" لمهاجمتها القوات الأميركية وزعزعة استقرار العراق.
ويشير "معهد واشنطن" إلى أنها "الفصيل الأكثر نفوذا في قوات الحشد الشعبي العراقية، وتسيطر على الإدارات الرئيسة (رئاسة الأركان، والأمن، والاستخبارات، والصواريخ، والأسلحة المضادة للدروع)".
"أدلة تثبت ضلوعها"
ولا يقتصر نشاط كتائب حزب الله على العراق فحسب، بل في سوريا أيضا، سواء عندما انخرطت في القتال إلى جانب نظام الأسد، أو مؤخرا في أثناء إقدامها على الزج بعناصر، من أجل المشاركة في مهاجمة القوات الأميركية هناك، كما قال مراقبون في تقرير سابق لموقع "الحرة".
وتُظهر أدلة واضحة ومقنعة أن كتائب حزب الله تابعة لـ "فيلق القدس"، وفق "معهد واشنطن"، وهناك أدلة موثوقة أنها "تنفذ إجراءات محددة بموجب تعليمات أو توجيهات الحرس الثوري".
ويُظهر رجحان الأدلة أيضا أن إيران تزودها بالمساعدة المالية والعسكرية وتشاطر معها المعلومات الاستخباراتية، فضلا عن المساعدة في اختيار قيادتها ودعمها والإشراف عليها.
وعلى موقعها الرسمي تعرّف كتائب حزب الله نفسها بأنها تشكيل "مقاوم يؤمن بمبادئ الإسلام وينتهج خط الاسلام المحمدي الاصيل وآل البيت الأطهار عليهم السلام في رفض الظلم ومقارعة الظالمين".
وترى أن "ولاية الفقيه" هي الطريق الأمثل "لتحقيق حاكمية الإسلام في زمن الغيْبة" أي غيْبة المهدي، الإمام الثاني عشر وفقا لمذهب الإثنا عشرية الشيعي.
وتشير تقارير متقاطعة إلى أن مؤسسها الأول هو أبو مهدي المهندس، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار بغداد، في عام 2020، وقضى معه قائد "فيلق القدس" سابقا، قاسم سليماني.
ويُقدر عدد مسلحي "الكتائب" بسبعة آلاف عنصر، وفقا لأرقام غير رسمية، ويُعتبر أسلوب عملها شبيها بأسلوب حزب الله اللبناني، كما أشرفت على تدربيها قيادات إيرانية ولبنانية أبرزهم، عماد مغنية، الذي قُتل في سوريا، عام 2015.
وبعد المهندس تولى، حسين الحميداوي، (أحمد محسن فرج الحميداوي)، منصب الأمين العام فيها، ويعتبر أيضا عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك" أبرز القياديين فيها. وكلاهما مصنف على قوائم الإرهاب الأميركية.
ما الذي تغيّر؟
وللولايات المتحدة نحو 2000 عسكري أميركي يقدمون المشورة في العراق، بموجب اتفاق مع حكومة بغداد، ونحو 900 جندي في سوريا، لمواجهة تنظيم "داعش"، ومراقبة وكلاء إيران الذين ينقلون الأسلحة عبر الحدود.
وحتى الآن لا تبدو ملامح واضحة بشأن تصعيد الميليشيات ضدها، وما إذا كانت الضربات التي تم تنفيذها سواء في سوريا والعراق ستشكل رادعا لها.
ويرى المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن، هيثم الهيتي، أن "الرد الأميركي الذي استهدف كتائب حزب الله يأتي من منطلق المرحلة الجديدة، والتي ليست قضية العراق فحسب، وإنما الشرق الأوسط امتدادا من اليمن ومرورا بغزة ووصولا لسوريا".
ويقول الهيتي: "المعركة كبيرة وأي تجنب للهجمات يعني فتح الأبواب للطرف الثاني لمزيد من الاعتداءات".
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، تعرضت القوات الأميركية في سوريا والعراق لأكثر من 60 هجوما.
ولذلك يضيف الهيتي لموقع "الحرة" أن "التجنب سيعني نوعا من التنازل والتراجع الكبير في المنطقة، ويمكن أن يعطي مؤشرا للطرف الآخر أن أميركا غير حاسمة في اتخاذ قرار عسكري معين في وقت معين".
ويضيف: "أميركا كسرت الخيار الدبلوماسي، وأرادت إرسال رسالة إنذار بأنه من غير المسموح أن يتحول العراق لساحة صراع وساحة لانطلاق الضربات على المصالح الأميركية".
ويتابع الهيتي أن "القادم قد يطرح السؤال الأكبر.. هل الأطراف الموالية لإيران ستجلب أميركا إلى فخ عسكري وستستمر في الضربات أم أنها النهاية؟".
وهناك تساؤلات من قبيل: "ما هو موقف الحكومة العراقية؟ ولاسيما أنها جسد هجين جزء منه تابع للميليشيات"، ويرى الهيتي أنها "لن تنسلخ عن نفسها من جانب الميليشيات، وفي المقابل ستظهر حسن النية لواشنطن".
"ليست مصممة للتصعيد"
في غضون ذلك، يعتبر الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن "الضربة الأميركية التي استهدفت موقع لكتائب حزب الله قرب بغداد تبدو استثنائية بشكل نسبي"، كون "الولايات المتحدة تحاول عادةً تجنب الضربات المباشرة في العراق نفسه ضد أهداف ذات صلة بإيران".
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن مخاطر التصعيد في العراق، وخاصة أنها تختلف عما هي عليه في سوريا.
ويضيف بوهل لموقع "الحرة" أنه "ومع تواجد المزيد من الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق، هناك خطر أكبر للهجوم"، وعلاوة على ذلك، هناك مخاطر دبلوماسية أيضا، فبغداد لا تريد التورط في حرب بالوكالة بين إيران والعراق.
وتعد كتائب حزب الله واحدة من أكبر وأقوى الميليشيات المتحالفة مع إيران في البلاد.
وتوصّل الضربة التي تلقتها من الولايات المتحدة رسالة إلى إيران، بأنها مستعدة لاستهداف أحد الأصول الرئيسية المؤيدة لها، ردا على المضايقات التي تدعمها ضد القوات الأميركية، وفق حديث الباحث الأميركي.
لكنه يؤكد أن "واشنطن ليست مصممة على التصعيد، بل مصممة للإشارة إلى مخاطر المزيد من التصعيد في حال استمرار المضايقات".
من جهته، يعتقد المحلل السياسي، الهيتي، أن "الخيار العسكري الأميركي الذي حصل في العراق يأتي لتجنب ضربات أكثر، ويمثل رسالة إنذار قاسية".
ويوضح الهيتي أنه "في المرحلة القادمة ستنكشف كيفية سير الأمور، إذا ازدادت الضربات على القوات الأميركية، هذا يعني أن الخيار العسكري أصبح المسار الرئيسي وانتهى مبدئيا المسار السياسي".