بعد مقتله بضربة نفذتها الولايات المتحدة الأميركية في بغداد، تباينت المعلومات التي انتشرت عن "أبو باقر الساعدي" والمنصب الذي كان يشغله القيادي البارز في كتائب حزب الله العراقية المدعومة بقوة من قبل إيران، لكنها صبت جميعها في قاسم مشترك بأنه "لم يكن اسما عاديا".
وبينما حمّلته وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" مسؤولية التخطيط والمشاركة بالهجمات التي أسفرت عن مقتل 3 جنود أميركيين، يوضح صحفيون وباحثون عراقيون وتحليل موجز لـ"معهد واشنطن" أن نشاطه الميليشياوي يتجاوز حدود العراق وسوريا أيضا باتجاه الخليج.
لم يكن اسم الساعدي يتردد خلال السنوات الماضية، وفي أعقاب التصعيد بالهجمات ضد القوات الأميركية منذ 17 أكتوبر. وبعد مقتله لم تنشر له إلا 3 صور عبر مواقع التواصل، إحداها في مدينة حلب بسوريا قبل عام واثنتان في العراق.
ويرتبط ذلك كما يوضح الباحث العراقي في شؤون الحركات الإسلامية المسلحة، رائد الحامد لموقع "الحرة" بحالة التعتيم الكبيرة التي تفرضها كتائب حزب الله وتحيط من خلالها بهكيليتها وأسماء ومناصب القادة الذين يتولون مهامها.
الحامد يشير إلى أن 5 مناصب نسبت لـ"الساعدي" في الساعات الماضية، وبينها مسؤول وحدة الصواريخ والطائرات المسيّرة داخل "الكتائب"، والقائد الفعلي للميليشيا، فضلا عن منصب كشفت عنه وكالة "فراس برس" نقلا عن مصدر بأنه كان يشغل مسؤول "ملف سوريا العسكري" داخل الميليشيا.
ويضيف أنه يمكن التأكيد باختلاف المناصب التي ارتبطت به على أنه "قيادي مهم في كتائب حزب الله ولديه منصب رفيع".
ويتفق الباحث السياسي العراقي، جاسم الشمري على ذات الفكرة.
ويقول إن ردود الأفعال حول مقتله تؤكد أن "الساعدي شخصية كبيرة، وحتى يقال إنه أهم شخصية اغتيلت في العراق بعد مقتل أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني في 2020".
الشمري يوضح لموقع "الحرة" أن "مقتله داخل حي سكني في بغداد يشير أيضا إلى مكانته الهامة، ليس على مستوى حزب الله العراقي فحسب، بل على مستوى ما يسمى بالمقاومة الإسلامية داخل العراق وخارجه".
وهناك دلائل أخرى تؤكد على ذلك، بينها البطاقة التي وجدت إلى جانب سيارته بعد الاستهداف، حيث تشير إلى توليه منصب "مستشار لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني"، وفق الشمري.
وتبين صورٌ أخرى وجود علاقات لـ"الساعدي" مع رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، وعلى أساس ذلك يرى الباحث أنه "لا يمكن لأي شخصية اعتيادية أن تكون بهذا المستوى".
"حلقة وصل"
وتصنف واشنطن كتائب حزب الله منظمة "إرهابية" وسبق أن استهدفت الفصيل بغارات في العراق في الأسابيع الأخيرة، كما فرضت عقوبات على ستة أشخاص منتمين لها، في 17 نوفمبر الماضي.
وشيّعت الميليشيا "الساعدي" ظهر الخميس بحشود كبيرة تخللها وجود عناصر حملوا رايات وصور للقتيل، وعليها عبارة "الشهيد القائد الكبير".
ويعتقد فيليب سميث وهو باحث في جامعة ماريلاند ومتابع لنشاطات وكلاء إيران أنه "هذه المرة الأولى في تاريخ ملصقات كتائب حزب الله التي تنشر فيها عبارة (الشهيد القائد الكبير)".
ويضيف لموقع "الحرة" أن الميليشيا صنعت في السابق مثل هذا الملصق لأبي مهندس المهندس فقط، وهو ما يشير إلى مكانة "الساعدي" الكبيرة داخل كتائب حزب الله.
ويوضح تحليل موجز لـ"معهد واشنطن" أن زعيم كتائب حزب الله كان "حلقة وصل حية للفصيل وقوات الحشد الشعبي والجماعة الواجهة (ألوية الوعد الحق)".
المعهد كشف أنه عمل حارسا شخصيا موثوقا به لمؤسس كتائب حزب الله وقوات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وأنه "أحد الأشخاص القلائل الذين سُمح لهم بدخول الغرفة عندما كان يعقد الأخير اجتماعات مع مسؤولي الحرس الثوري".
كما سُمح له في السابق بحمل الأسلحة حول كبار القادة مثل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني.
ينتمي الساعدي بحسب "معهد واشنطن" إلى جناح أبو حسين الحميداوي وهو الأمين العام الذي يقود جناح العمليات الخاصة في "الكتائب".
و"هو مقرب من إرهابي آخر ومنتهك لحقوق الإنسان مدرج على لائحة العقوبات الأميركية، وهو أبو زينب اللامي (الاسم الحقيقي حسين فالح)"، حسب تحليل المعهد الأميركي.
وعندما اندلعت احتجاجات أكتوبر عام 2019 كان الساعدي ضابطا كبيرا في مديرية الأمن المركزي (أمن الحشد) التي يترأسها أبو زينب اللامي، وبالتالي موظفا في الحكومة العراقية وجزءا من قوات أمن الدولة.
وفي ذلك الوقت ارتبط اسم "اللامي" بالكثير من الانتهاكات والجرائم، أبرزها سحق التظاهرات الشعبية، باستخدام قناصة تابعين لمليشيات مدعومة من إيران وملثمون، حسبما كشفت وكالة رويترز في وقت سابق.
"جهد استخباراتي كبير"
ورغم أن كتائب حزب الله في العراق تأسست رسميا في أبريل 2007، فإن قادتها شاركوا منذ الثمانينيات في أنشطة إرهابية بدعم من إيران، وفق تقرير لموقع "صوت أميركا".
وبعد 2003 توسع نشاط هؤلاء ومنهم أبو مهدي المهندس مؤسس الميليشيا الذي قتل في غارة أميركية في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب في 2020.
الكاتب والصحفي العراقي، عمر الجنابي يرى في عملية قتل الساعدي "جهدا استخباراتيا أميركيا كبيرا، لأن "الهدف كان متحركا وفي منطقة ليست عسكرية".
كما أن عملية نشر وثائقه دون بقية القتلى وقبل احتراق سيارته كما أظهرت المشاهد المصورة التي جرى تداولها "يؤكد وجود عناصر على الأرض كانوا بانتظار الهجوم"، وفق الصحفي.
ويضيف لموقع "الحرة": "هذا بحد ذاته سيقلق جميع قيادات الفصائل المسلحة وخصوصا العسكرية والأمنية".
الجنابي يعتبر أن قتله في بغداد يشكّل "ضربة نوعية لعدة أسباب"، وأهمها المكان والتوقيت.
وتعرضت السيارة التي كان يستقلها الساعدي للضربة في شارع تجاري في العاصمة العراقية، وبحسب معلومات الكاتب العراقي فإنه "كان باجتماع وبعد خروجه بوقت قصير طاله قصف جوي".
كما أن العملية جاءت رغم تعليق حزب الله لعملياته، في وقت ظن الجميع أن قيادات العسكرية "في مأمن".
ويتابع الجنابي: "الساعدي قيادي عسكري نوعي وعمل مسؤولا عن الدعم اللوجستي في الخارج ومسؤولا عن العمليات بالصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة، بالإضافة إلى عمله في الحشد الشعبي".
"من الداخل إلى الخارج"
وبحسب المصادر المتقاطعة وحديث الباحثين لم يقتصر نشاط الساعدي في السابق على الساحة العراقية أو السورية، بل كان له دورا في الظل في منطقة الخليج.
ويكشف تحليل "معهد واشنطن" أنه قاد غارة بطائرة بدون طيار في 2 فبراير 2021 على دولة الإمارات، في حادثة تبنتها "ألوية الوعد الحق"، وهي الميليشيا الواجهة لكتائب حزب الله.
وسبق وأن تبنت "ألوية الوعد الحق" هجمات باتجاه المملكة العربية السعودية.
ويوضح التحليل أن "الساعدي" كان يسيطر على الخلية التي تشكلت في شرق بغداد وجلبت طائرات بدون طيار مقدمة من إيران إلى جنوب العراق.
وبعد ذلك أطلقها باتجاه أهداف مدنية إماراتية باستخدام الإحداثيات التي قدمها "فيلق القدس" عبر منشآت "الكتائب" في جرف الصخر.
ماذا بعد؟
وأسفرت الضربة الأميركية ليلة الأربعاء عن مقتل أركان العلياوي مسؤول الإعلام في كتائب حزب الله وواحد أو أكثر من السائقين أو الحراس الشخصيين، ولم تتسبب في إصابات بين المدنيين.
وجاءت الضربة ردا على هجوم تعرضت له قاعدة لوجستية للقوات الأميركية في 28 يناير في الأردن على مقربة من الحدود مع سوريا والعراق، وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين.
ويقول الكاتب الجنابي إن الملفت في بيان القيادة المركزية الأميركية أنه أكد على "استمرار عملية المحاسبة للمسؤولين عن ضرب القواعد العسكرية".
وفي المقابل لوحت الحكومة العراقية بصد الهجمات التي تطال العراقيين والأرض العراقية ردا على استهداف الساعدي.
ويعني ما سبق أن حكومة تحالف الإطار التنسيقي التي يترأسها السوداني "قد تضع العراق بمواجهة مباشرة مع التحالف الدولي"، حسب الكاتب العراقي.
ويضيف: "هذا يحصل للمرة الأولى منذ أن واجهت حكومة صدام حسين التحالف بقيادة أميركا وانتهت المواجهة بغزو واحتلال العراق عام 2003".
كما أن تهديد فصائل في الحشد الشعبي للقوات الأميركية بالانتقام وخصوصا "حركة النجباء" و"أنصار الله الأوفياء" و"كتائب سيد الشهداء" يؤكد أن العراق مقبل على تصعيد عسكري وأمني.
وربما تعود القوات الأميركية من خلال التصعيد إلى شوارع بغداد والمدن الأخرى إذا ما استمرّ من الجانبين، كما يتوقع الجنابي.
و"إذا لم ترد كتائب حزب الله على الضربة المؤلمة فستكون هذه علامة على أن وقف التصعيد الذي أمرت به إيران لا يزال هدف طهران"، وفق تحليل "معهد واشنطن".
ويشير إلى أنه بدلا من ذلك "قد نرى رد فعل عسكريا أوليا وربما في سوريا دون التسبب في وقوع خسائر في صفوف الأميركيين، لتلبية الحاجة إلى رد واضح".
ويمكن لحركة النجباء أن تنتقم نيابة عن كتائب حزب الله، وربما مرة أخرى في سوريا.
وقد ترى "الكتائب" وإيران أن أفضل انتقام هو إخراج القوات الأميركية من العراق، وقد يدفعان بالمسار البرلماني بدلا من ذلك، حسب تحليل المعهد الأميركي.
وما سبق يتوقعه أيضا الباحث السياسي جاسم الشمري، بقوله إن "المرحلة القادمة قد تشهد تحركات برلمانية تدعو لخروج القوات العراقية من البلاد".