جرف الصخر تتحول لقاعدة عسكرية إيرانية في العراق. أرشيفية
الحرة تتحرى تفتح ملف جرف الصخر العراقية وأهميتها العسكرية

في برنامج "الحرة تتحرى" استعرض الجزء الأول من تحقيق "جرف الصخر العراقية... العودة الممنوعة " قصة أهالي جرف الصخر في العراق، الذين أصبحوا نازحين في بلدهم، ورغم مرور 10 سنوات على تحرير المنطقة من داعش تعتبر العودة لبلداتهم محرَّمة عليهم.

وفي الجزء الثاني القصة، يستعرض برنامج "الحرة تتحرى" الأهمية العسكرية للمنطقة باعتبارها مركزا للتصنيع الحربي أكان في عهد النظام السابق، أو بعدما أصبحت خاضعة لسيطرة الميليشيات الموالية لطهران، والتي يصفها البعض بأنها أصبحت "قاعدة عسكرية إيرانية" داخل العراق.

جرف الصخر هي واحدة من خمس نواحٍ في قضاء المسيب في العراق، تتبع إداريا محافظة بابل، وتقع على بعد نحو 60 كلم جنوب غرب بغداد. تضم عدة قرى وبلدات، من بينها واحدة تحمل اسمها، وتعد المركز الإداري للناحية.

في أواخر أكتوبر من عام 2014، أصبحت جرف الصخر ضمن قائمة المناطق العراقية المحررة من تنظيم داعش، لكن تزامن ذلك مع إخلاء لسكان الناحية على يد قوات الحشد الشعبي.

مايكل نايتس، زميل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قال لـ"الحرة" إنه في عام "في 2014 ولموقعها الاستراتيجي جنوب بغداد، استولت قوات الحشد الشعبي على جرف الصخر، واتخذتها قاعدة عسكرية ومنذ ذلك الحين بقيت المنطقة تحت سيطرة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وتعد واحدة من أضخم ثلاث قواعد لتلك الميليشيات في العراق".

مقربون من الحشد الشعبي أكدوا دخول الحشد الشعبي جرف الصخر، وقال المحلل السياسي العراقي، مفيد السعيدي: "دخلت قيادات الحشد الشعبي، وألوية الحشد الشعبي، بعد أن ذهب أكثر من ثلث مساحة العراق في يد عصابة داعش الإجرامية. القوات الأمنية بصورة عامة، والمنظومة السياسية، وحتى منظومة الحشد الشعبي، هي دفعت الدماء وضحت، ولازالت تضحي، من أجل لملمة شتات الوضع العراقي، ودحر العصابات الإجرامية بصورة عامة".

سبع سنوات مرت على إعلان الحكومة العراقية الانتصار على تنظيم داعش، وانتفى السبب وراء دخول قوات الحشد الشعبي إلى جرف الصخر ، ولكن إلى اليوم لا يزال المكان تحت سيطرة كاملة للفصائل المسلحة، وسكانه مهجرين بعيدا عن منازلهم، وقد يعود ذلك إلى المكانة العسكرية والاستراتيجية لهذه المنطقة.

سامي الجارالله، عالم فيزياء عراقي يقول لـ"الحرة" إن "جرف الصخر تقع عليه ثلاث منشآت مهمة وهذه مجهزة أبنية كاملة جاهزة، وهي مخصصة للأمور العسكرية. هي كانت مبنية بناء جيدا جدا، ومسيَّجة، من ناحية الخدمات، كلها جاهزة، ككهرباء، كمياه المجاري (الصرف الصحي)، كل شيء فيها، كل الخدمات، التي يتم احتياجها هي موجودة، وممكن أن تكون معسكرا كاملا".

المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة، ناجي حرج، يقول: "المعلومات لدينا هي أنه استخدمت بعض المصانع القديمة، التي كانت تابعة للدولة قبل عام 2003، وأنه يجري التعاون مع الحرس الثوري الإيراني في كل هذه القضايا. عندما لا يسمح لأي مسؤول عراقي بالذهاب إلى جرف الصخر، والتجول في جرف الصخر، وعندما لا يسمح للأهالي بالعودة، إذاً هنالك أمر خطير جدا يجري إخفاؤه".

النائب العراقي السابق، محمد سلمان الطائي، يشير من جانبه إلى انتهاء عمليات التحرير "ولم يسمح للسكان بالعودة إلى مزارعهم، وإلى بيوتهم، وإلى مساكنهم، مثلما سمح لمئات الآلاف من النازحين، من العمليات العسكرية في باقي المحافظات".

رئيسة لجنة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المعنية بالاختفاء القسري، باربرا لوشبيهلر، ذكرت أنه "أحيانا يخرج الأشخاص الذين يتحكمون في المنطقة لنقل ميليشيات معينة، ويهددون علنا أي مسؤول عراقي 'إذا اقتربت من المكان ستندم'، وهذا يعني أن الناس خائفون جدا من الذهاب إلى جرف الصخر، أو حتى التعامل مع هذا الملف".

توجهت "الحرة" بسؤال للمحل السياسي، السعيدي، عن أسماء الفصائل الموجودة في جرف الصخر، لكنه رفض تسمية أي منها، ولفت إلى أنه "في تلك المنطقة، ألوية حشد شعبي، لا أريد أن أسميها".

متابعون للملف أكدوا أن أكثر الميليشيات سيطرة على المنطقة هي: كتائب حزب الله، المدرجة منذ عام 2009 على القوائم الأميركية للمنظمات الإرهابية العالمية.

ويقول نايتس: "تأسست كتائب حزب الله على يد أبو مهدي المهندس، الحليف الأكثر ولاء لإيران داخل العراق، والذي عمل بشكل مباشر مع الجنرال قاسم سليماني، وعندما دخلت قوات الحشد الشعبي جرف الصخر، عام 2014، شكلت هذه الكتائب قوة القتال الرئيسية، فحصلت على هذه المنطقة القيّمة جنوب بغداد، لأنها كانت أهم ميليشيا عراقية مدعومة من طهران".

واحتفاءً للميليشيات بالسيطرة الكاملة، غيرت قوات الحشد الشعبي اسم الناحية إلى جرف النصر وأعلنتها منطقة مغلقة يُمنع دخولها.

ويلفت تقرير معهد دراسات الحرب الأميركي إلى أن "جرف الصخر، كانت في السابق، منطقة ذات غالبية سنية لتصبح اليوم ذات أغلبية شيعية، تهيمن عليها كتائب حزب الله وتمنع السكان السنة من العودة، وتبعد قوات الأمن العراقية الأخرى عن المنطقة، لإخفاء أنشطتها عن حكومة بغداد".

ويوضح نايتس "لم تدمر قوات الحشد الشعبي جرف الصخر عندما اقتحمتها، بل على العكس فبعد طرد السكان، هيمنت تماما على المنطقة، لكن مع الحفاظ على البنى التحتية سليمة قدر الإمكان".

وهنا يطرح السؤال: لماذا كان هذا الحرص وسط قتال عنيف ضد عناصر داعش؟

ويقول نايتس إن "المنطقة المجاورة لجرف الصخر كانت مركز المجمع الصناعي العسكري في عهد صدام حسين، وبالتالي كانت موقعا للمنشآت، الخاصة باختبار القذائف والصواريخ".

ويؤكد ذلك الفيزيائي العراقي، الجارالله، الذي كان واحدا من العلماء الذين عملوا في مختبرات جرف الصخر قبل عام 2003، قائلا: "جرف الصخر تقع في شمال محافظة بابل. منطقة غالبيتها، هي منطقة زراعية. المكان الذي كنا فيه بعيد عن المنطقة الزراعية، بعيد عن النهر. كان اسم المشروع '190'، أو 'الأثير'. المنشأة الثانية 'الرحاب;، التي كانت تخص المختبرات البيولوجية، ومختبر ودائرة أخرى أيضا، تابعة لهيئة التصنيع العسكري، التي هي 'منشأة الشهيد'".

ولا تقتصر أهمية المنطقة على وجود المنشآت العسكرية فقط، بل تتضاعف باعتبارها كانت ساحة شاسعة لاختبار الأسلحة.

ويشرح العالم الجارالله "بعد جرف الصخر، داخلين إلى صحراء الأنبار، فمن هذا المنطلق، كانت هي ميدان رمي لفحص المنتج، المقذوفات والأعتدة، التي كانت تُصنع، فهذه المنطقة هي كانت متخصصة لفحص المقذوفات، بكل أنواعها تقريبا، التي (كانت) تنتج آنذاك بالعراق".

جرف الصخر تتضمن قواعد لتدريب المقاتلين . أرشيفية

هذه البنى التحتية الحربية، جعلت من جرف الصخر في نظر مراقبين موقعا جاهزا للاستخدام لمن يملك السيطرة الكاملة على المنطقة.
 
ويرى نايتس أن "المنطقة صالحة للاستخدام، أولا، هي مجهزة بتوصيلات الكهرباء الصناعية على شبكة الطاقة العراقية، وثانيا، بها مصانع كبيرة يمكن تنظيفها وإعادتها للعمل، ثالثا، هي تحتوي على منشآت ضخمة تحت الأرض محصنة ضد الهجمات العسكرية، وبالإمكان إخفاء الكثير داخل تلك الأنفاق الكبيرة كمراكز تصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ".

جرف الصخر عبر الأقمار الصناعية

لا عودة لأهالي جرف الصخر. أرشيفية

ودخلت "الحرة تتحرى" جرف الصخر عبر العالم الافتراضي، من خلال صور الأقمار الصناعية بحثا عن أدلة على وجود أنشطة عسكرية بداخلها.

وفي صيف عام 2018 نشرت وكالة رويترز خبرا مفاده نقل إيران صواريخ باليستية لجماعات شيعية تقاتل بالوكالة عنها في العراق.

وأفاد التقرير "تطور إيران قدراتها على صنع المزيد من الصواريخ في العراق، لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط، ولامتلاك وسيلة تمكّنها من ضرب خصومها في المنطقة".

بعدها بثلاث سنوات وفي الذكرى السابعة لتأسيسها استعرضت قوات الحشد الشعبي أسلحتها في عرض عسكري كان الأكبر من نوعه.

الأكاديمي والباحث السياسي الإيراني، حسين رويران، لم ينكر في مقابلة مع "الحرة" تزويد إيران الحشد الشعبي بالعتاد الحربي.

وقال رويران: "إيران ساعدت في بناء الحشد الشعبي، وقامت بتدريبه وتسليحه أيضا، جل السلاح الموجود بأيدي الحشد الشعبي هو إيراني".

لا أحد يستطيع دخول جرف الصخر عير الميلشيات الموالية لإيران. أرشيفية

إيران زودت الحشد الشعبي بالأسلحة الخفيفة، وكذلك بالمسيرات، وكذلك نعم حتى الصواريخ. وهذا ضمن صفقات سلاح بين الطرفين، من هنا هل يمتلك الحشد الشعبي صواريخ؟ نعم هو يمتلك صواريخ.

وفقا لتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومن بين أكثر من 60 فصيلا يشكلون الحشد الشعبي، تسيطر كتائب حزب الله على الإدارات الرئيسة، ومن بينها الصواريخ.

ويقول نايتس: "كتائب حزب الله مجموعة موالية جدا لإيران، فيلق القدس في الحرس الثوري بناها وطورها، أفرادها عراقيون، لكنها في الأصل وحدة تابعة لفيلق القدس داخل العراق، وهذا يعني أنها نادرا ما تفعل أي شيء بدون أوامر أو على الأقل موافقة طهران".

وأشار إلى "أن كتائب حزب الله تستخدم بشكل أساسي الطائرات المسيرة والصواريخ وأنظمة الراجمات المقدمة من إيران".

اليوم، وطبقا للخبراء، تفرض كتائب حزب الله سيطرة كاملة على جرف الصخر.

عالم الفيزياء العراقي، الجارالله، رجح تخزين الصواريخ الإيرانية في نفس المنطقة التي كانت قبل عام 2003 مركزا للصناعة الحربية العراقية.

وقال: "الصواريخ البالستية خزْنها، يكون له معايير معينة معين، وهذه المعايير موجودة في المباني، التي كنا فيها، في موقع الأثير، الذي كان يسمى موقع 190. فلذلك، إذا أرادوا البحث عن مكان، لوضع كل أنواع الأسلحة في مكان آمن وأبنية جاهزة، فهو جرف الصخر، وتحديدا موقع الأثير".

الميلشيات الموالية لإيران تسطير على جرف الصخر

بعض المتابعين للملف ربطوا بين ذلك وقرار صدر عن الحكومة العراقية، عام 2018، العام ذاته الذي ظهرت فيه أخبار عن نقل إيران لصواريخ إلى الميليشيات الموالية لها في العراق.

ويشير نايتس إلى أنه "بين عامي 2018 و2019 منعت حكومة عادل عبد المهدي الطائرات الأميركية المسيرة من التحليق فوق جرف الصخر، ما سمح خلال هذه الفترة بإخفاء عدد من شحنات الأسلحة الإيرانية في المنطقة، التي تعتبرها طهران مخزنا آمنا للصواريخ الباليستية في العراق، فهي تحتوي على عدد كبير من المباني الفارغة، ولا يسمح لأي مدني أو وسيلة إعلام بدخولها".

وتواصلت "الحرة" مع مستشارين للحكومة العراقية للتعليق ولكنهم اعتذروا لحساسية الموضوع.

ووسط إغلاق تام، دخلت "الحرة" إلى جرف الصخر عبر تطبيق غوغل إيرث، والذي أتاح فرصة مراقبة ورصد أي تغيير حدث في المنطقة.

حتى يوليو عام 2022، كانت منشآت التصنيع الحربي السابقة في أماكنها على مدى العقدين الماضيين، ما يجعلها وفقا لتحليلات متخصصين، مكانا مناسبا للميليشيات المسلحة.

ويقول نايتس من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "لدى كتائب حزب الله عدد من القواعد داخل جرف الصخر من بينها مقر كبير للقيادة، هذه مبان محصنة فيها قسم للمستشارين الإيرانيين ومرافق اتصالات مؤمنة يمكنها استقبال البث المشفر من إيران، كما توجد عدة مراكز للتدريب بعضها مخصص للقناصة، ومشغلي الأسلحة الثقيلة والقوات الخاصة، فضلا عن مواقع للتدرب على تجميع وتشغيل الطائرات المسيرة".

جرف الصخر لم تعد تحت سيطرة الحكومة العراقية

على الرغم من إخلاء سكان الناحية بالكامل، وإعلان الميليشيات استمرار بقائها في جرف الصخر بحجة حفظ الأمن إلا أنه بالعودة إلى غوغل إيرث لوحظت حركة بناء في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة.

إذ تظهر الخرائط موقعا قريبا من محطة توليد الطاقة والذي كان خاليا قبل دخول الحشد الشعبيا في  أكتوبر عام 2014، وبعدها بسنتين بدأ هذا المبنى في الظهور والتوسع.

لكن الدليل على وجود حركة نقل ضخمة من المنطقة وإليها يظهر في أرض خالية، في عام 2014، تحولت، بحلول عام 2018، إلى محطة لتفريغ عشرات الشاحنات ذات الحمولة المجهولة.

ويقول عالم الفيزياء، الجارالله: "بالإمكان استخدام المواقع الثلاثة، هذه الأثير 100 بالمئة يستغلونها، ساكنين بها. البقية هل هي يستخدموها أم لا؟ لكن كون هذه أبنية فعلا جاهزة، أنا لا أعتقد سيتركها، وإنما تستغل. لماذا؟ لأنها أفضل أبنية مؤثثة وضمن المعايير العسكرية، ولذلك هي تكون مطلوبة لهذا النوع من الخزن، الذي هو خزن الصواريخ البالستية، لأن قاعات ضخمة هي مخصصة لهذا الشيء".

في المقابل، ينفي مقربون من طهران والحشد الشعبي وجود أي قواعد أو قوات إيرانية لا في جرف الصخر ولا في العراق.

ويقول الباحث الإيراني، رويران: "ما يطرح أن إيران موجودة في بعض القواعد في جرف النصر، أو في أي مكان آخر، في تصوري هو يعني اتهام ترفضه إيران. نعم، لإيران حلفاء في العراق، ولكن ليس هناك من تواجد عسكري إيراني في أي قاعدة من قواعد الحشد الشعبي. تلتقي إيران أيديولوجيا مع الكثير من الفصائل في العراق، ولكن هذا لا يعني أن إيران متواجدة ميدانيا، أو تدير عمليات معينة من داخل العراق".

جرف الصخر بلدة تقع جنوب غرب العاصمة بغداد وخضعت لسيطرة تنظيم داعش قبل هزيمته

ربما لا توجد قوات لطهران على أرض العراق، لكن الدلائل تشير إلى أن الصواريخ المستخدمة في الهجمات على قواعد تستضيف قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة كانت صواريخ إيرانية.

في ربيع عام 2020، شنت كتائب حزب الله هجوما صاروخيا على قاعدة تستضيف قوات التحالف الدولي في معسكر التاجي شمالي بغداد ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود.

وردت الولايات المتحدة بقصف خمسة مواقع تابعة للميليشيا، من بينها جرف الصخر.

وقال بيان لوزارة الدفاع الأميركية آنذاك: "استخدمت الولايات المتحدة الطائرات لمهاجمة مواقع الأسلحة التابعة لميليشيا كتائب حزب الله المدعومة من إيران، موقعان في جرف الصخر، أحدهما لتخزين الصواريخ الثقيلة المطورة والآخر لإنتاج وقود الدفع وتخزين أسلحة تقليدية متقدمة".

وأضاف "نحن واثقون من أننا دمرنا هذه المنشآت بشكل فعال، ونتوقع أنها لن تكون قادرة بعد الآن على إيواء أنواع الأسلحة المتقدمة التي قدمتها إيران، واستخدمتها الميليشيا في الهجمات على معسكر التاجي".

بالرغم من ذلك استمرت هجمات الميليشيات على قواعد التحالف الدولي لتتصاعد إلى أكثر من 170 هجوم منذ خريف عام 2023.

وفقا لتقارير أميركية، لم تعد جرف الصخر مجرد مخزن للأسلحة الإيرانية، ويقول نايتس: "لدينا عدد من المناسبات التي تم فيها استخدام جرف الصخر كموقع إطلاق متقدم للصواريخ الإيرانية أو أنظمة الطائرات المسيرة، ونمتلك دليلا على ذلك وهو الخريطة التي أصدرتها وزارة الدفاع الأميركية، وتوضح أن الهجوم على قاعدة (تستضيف) التحالف في التنف في سوريا صيف عام 2022 حدث باستخدام مسيرة أطلقت من جرف الصخر".

معسكر الميليشيا في جرف الصخر تعرض للقصف في مارس الماضي

ويقول المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة، حرج، إن "الميليشيات سيطرت على المدينة وهجرت الناس من المساكن. جرف الصخر أغلقت تماما بوجه عودة الناس الذين كانوا يسكنون فيها، إذا أنتم حررتم المدينة من الإرهابيين، والآن هنالك قرابة عشر سنوات من سيطرة مطلقة لكم (الميليشيات) على المدينة، ومداخلها ومخارجها، يفترض الآن أن المدينة آمنة جدا، وبالتالي لا بد أن يعود الناس إلى مساكنهم، وإلى قراهم، ويمارسوا حياتهم الطبيعية، بدلا أن يبقوا يعانون الأمرّين، كونهم الآن نازحين في مناطق أخرى".

وبعد عشر سنوات من تهجير أهالي جرف الصخر قد يكون أملهم في العودة بعيد المنال، فالأهمية الاستراتيجية والعسكرية لبلدتهم تحتّم عليهم البقاء نازحين داخل وطنهم ، أما الميليشيات ومن خلفها، إيران، فلا تبدي أي نية للجلاء عن المنطقة.

مطالبات بالعراق بالعفو العام - AFP

وجّه قرار المحكمة الاتحادية في العراق ضربة للمساومة السياسية التي كان البرلمان العراقي مسرحًا لها في 21 يناير الفائت، حين اعتمد ثلاثة قوانين جدلية دفعة واحدة، كان ينتظر كلّ من الشيعة والسنّة والأكراد تبنّيها.

وكان البرلمان قد أقرّ تعديلًا على قانون الأحوال الشخصية العراقي، تقدّمت به الكتل الشيعية صاحبة الأغلبية في البرلمان، وتعديلًا لقانون العفو العام، الذي تقف وراءه كتل برلمانية سُنّية.

كما أقرّ البرلمان قانونًا تقدّم به الأكراد يسمح بإعادة الأراضي الزراعية المصادَرة قبل عام 2003 إلى أصحابها الأصليين، وهم في الغالب من الأكراد.

بيد أن المساومة السياسية التي أفضت إلى تصويت ثلاثي في جلسة واحدة، سرعان ما تمّت مواجهتها من نواب لجؤوا إلى المحكمة الدستورية، التي علّقت العمل بهذه القوانين إلى حين النظر في دستوريتها.

وجاء هذا القرار بناءً على طلب تقدّم به 11 نائبًا من كتل مختلفة للطعن في دستورية عملية التصويت في جلسة 21 يناير، إذ اعتبروا أن آلية التصويت كانت غير دستورية.

أثار قرار المحكمة جدلًا، لا سيّما أن شخصيات سُنّية اعتبرت أن هذا الإجراء يستهدف بشكل مباشر قانون العفو العام.

وكانت كتل سُنّية في البرلمان العراقي قد ضغطت من أجل إقرار هذا القانون، إذ إن العديد من المسجونين بمثل هذه التهم هم من السُنّة، وأدين معظمهم بالانتماء إلى تنظيمي القاعدة وداعش وتنفيذ هجمات ضد القوات العراقية والمدنيين، معظمها بين عامي 2004 و2018.

وشهدت محافظات عدة، بينها نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك، حراكًا احتجاجيًّا على قرار المحكمة.

غضب سني

وكان رئيس مجلس النواب السابق، رئيس حزب "تقدم"، محمد الحلبوسي، قد دعا إلى مظاهرات "عارمة تهزُّ أركان الظلم وتعلن رفضها لولاية محكمة جاسم عبود العميري على السلطات"، في إشارة إلى رئيس المحكمة الاتحادية الذي أصدر الأمر الولائي.

وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل، لموقع "الحرة"، إن عملية الطعن بالقوانين حق دستوري، مبينًا أن النواب قد مارسوا حقهم في الطعن بالقوانين وآلية إقرارها.

وأوضح خليل أن "الأمر الولائي" يعني أن المحكمة ستقوم بالتدقيق والتمحيص "بمحتوى القوانين" من الناحية "الشكلية"، أي آلية التصويت عليها، ومن ناحية المضمون "كي لا تكون فقراتها معارضة لمواد دستورية".

وأكد خليل أن عملية إقرار القوانين كانت مصحوبة بعيوب في "الإجراءات"، لأنها لم تكن واضحة لدى جميع النواب المشاركين في الجلسة.

وأضاف أن الجلسة كانت قد أكملت نصابها القانوني، لكن المشكلة تكمن في آلية عملية التصويت، "لأنه لم يتضح عدد النواب الرافضين من عدد الموافقين على القوانين الثلاثة، وهذا الأمر يُعدّ عيبًا شكليًا".

اعتراض على آلية التصويت

ودفع التصويت بسلة واحدة بعض النواب إلى اتخاذ مواقف رافضة وحادة، حيث قام النائب ياسر الحسيني بجمع أكثر من 130 توقيعًا لإقالة رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني.

وعزا الحسيني ذلك إلى المخالفات التشريعية التي اتبعها المشهداني في عملية التصويت على تلك القوانين، والفوضى التي حدثت في جلسة 21 يناير.

أما النائب أوميد محمد، عضو اللجنة القانونية النيابية، فاعتبر أن القوانين التي تم التصويت عليها في تلك الجلسة ليس عليها أي إشكاليات "دستورية"، لأنه سبق تلك الجلسة جلسات أخرى.

وقال محمد، لموقع "الحرة"، إنه تم التصويت على جميع بنود تلك القوانين "كل مادة على حدة"، وعليه لا يشوب هذه القوانين أي عيب دستوري.

بيد أنه استطرد قائلًا إن الإشكالية تكمن في "الآلية" التي تم بها التصويت على تلك القوانين "بالمجمل"، موضحًا أن بعض النواب كانوا "يتوقعون" صدور أمر ولائي عندما توجه عدد من النواب إلى المحكمة الاتحادية.

وأرجع السبب إلى قانون العفو العام، معتبرًا أنه في حال تم تنفيذه، فإنه سيتيح الإفراج عن عدد كبير من السجناء.

وقال: "وإذا ما أقرت المحكمة بعدم دستورية آلية التصويت وأعادت القوانين إلى مجلس النواب للتصويت عليها مرة أخرى، فإنه من الصعوبة بمكان إعادة المفرج عنهم إلى السجون مرة أخرى، لذلك كان الأمر الولائي متوقعًا لحين حسم الدعوى بشكل نهائي في المحكمة الاتحادية".

وأكد محمد أنه في حال خلصت المحكمة في قرارها النهائي إلى عدم قانونية آلية التصويت، فإن الأمور سترجع إلى "نقطة التصويت بالمجمل على القوانين" وليس إلغاء القوانين بالكامل.

لكنه رأى أن هناك "احتمالية ضعيفة" لتبني المحكمة الاتحادية تلك الطعون وما جاء فيها، لا سيما أن "هناك سابقة لدى مجلس النواب في عملية التصويت بسلة واحدة على مجموعة من القرارات في الدورات السابقة".

وأثار قرار المحكمة الاتحادية ردودًا غاضبة لدى المكوّن السني، الذي هدد بالانسحاب من الحكومة ومن مجلس النواب. كما تم تعطيل الدوام الرسمي في ثلاث محافظات سنية يوم الأربعاء الماضي، وظهرت بوادر لتظاهرات احتجاجية واسعة في المناطق السنية، ردًّا على قرار المحكمة الاتحادية.

عيب بالشكل

ورأى رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، أن المحكمة اتخذت ذلك القرار ليس "لوجود عيب جوهري في تلك القوانين، وإنما لوجود عيب شكلي صاحب عملية التصويت على تلك القوانين".

ولفت إلى أن الطعون وُجّهت بسبب "عدم تشريعية" آلية التصويت، كونها غير مدرجة ضمن النظام الداخلي لعمل مجلس النواب، الذي يؤكد أن عملية التصويت يجب أن "تتم على كل قانون بشكل فردي".

لكن هناك سابقة لمجلس النواب في عملية التصويت بسلة واحدة على مجموعة من القوانين في الدورات السابقة، لكن لم يتم الطعن بها في حينها، وفق الغراوي.

وأردف قائلًا: "واليوم، لأنه تم الطعن بها، فقد أصدرت المحكمة هذا الأمر الولائي".

ودفعت موجة التصعيد والاحتجاجات الرافضة التي شهدتها الساحة العراقية بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية، كلا من رئاسة الوزراء ورئيس مجلس النواب إلى دعوة إدارة ائتلاف الدولة الحاكم لعقد جلسة طارئة يوم السبت المقبل لمناقشة الوضع الذي تمر به البلاد، والأحداث التي أعقبت صدور الأمر الولائي.

وأكد النائب ريبوار عبد الرحمن، المتحدث باسم كتلة "الجيل الجديد"، أن الجميع يحترمون قرارات المحكمة الاتحادية، وهي "ملزمة وباتة".

وقال عبد الرحمن، لموقع "الحرة"، إن كتلة "الجيل الجديد" لم توافق على آلية التصويت على تلك القوانين الجدلية "بسلة واحدة"، لما تحمله تلك القوانين من أمور "خلافية" وقابلة للنقاش.

وأضاف أن لدى الكتلة ملاحظات بخصوص بنود القوانين التي تم التصويت عليها، لا سيما قانون العفو العام، بالرغم من الفائدة التي ستجنيها طائفة كبيرة من المجتمع العراقي، "إلا أننا لم نكن مع شمول المتهمين بالفساد المالي والإداري وتجار المخدرات بهذا القانون".

عودة الحق لأصحابه

وذكر عبد الرحمن أنهم صوتوا على القوانين الثلاثة بسلة واحدة، لأن من ضمنها قانون إعادة العقارات إلى أصحابها، لأن ذلك القانون سيعيد "الحق" لأصحابه، بحسب قوله، وسيحل مشكلة كبيرة من الأراضي الواقعة ضمن المناطق المتنازع عليها.

من جهته، قال رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية، علي مهدي، لموقع "الحرة" إن التصويت على القوانين الثلاثة معًا كانت نتيجة "اتفاق" بين الكتل السياسية الكبيرة.

فكل قانون تدعمه كتلة معينة، فقانون العفو العام يؤيده السنة، وقانون العقارات كان من مطالب الأكراد، وقانون الأحوال الشخصية طالب به الشيعة، والتصويت بسلة واحدة كان "حلًا أرضى جميع الأطراف"، بحسب تعبيره.

وأوضح مهدي أن مجلس النواب متلكئ في أدائه، لأن هناك الكثير من القوانين شرعت في الأعوام الماضية وتحتاج لإعادة النظر فيها، مثل "قانون المساءلة والعدالة"، الذي كان ينبغي التخلص منه منذ 10 سنوات، إلا أنه لا يزال نافذًا.

وانتقد الخبير القانوني، زهير ضياء الدين، أداء الدورة الحالية لمجلس النواب العراقي في تشريع القوانين، واصفًا إياه بـ"أضعف الدورات البرلمانية" التي جعل التصويت يكون بمثابة صفقات بين الكتل السياسية.

وقال ضياء الدين، لموقع "الحرة"، إن تمرير القوانين بدون عد أصوات المؤيدين والرافضين، وبشكل جماعي، يأتي في سياق الممارسات "السلبية" التي يتبناها مجلس النواب الحالي، بحسب تعبيره.

الاستثناءات في قانون العفو العام

يشار إلى أن تعديل قانون العفو العام يستثني المدانين بـ"جرائم إرهابية" تسببت بمقتل شخص أو بـ"عاهة مستديمة"، وبـ"جريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية"، وفق ما نقلت فرانس برس عن النائب المستقل محمد عبد الأمير عنوز من محافظة النجف.

غير أن القانون يتيح "بموجب قرار قضائي، إعادة التحقيق والمحاكمة لمن يدّعي بأن الاعترافات انتزعت منه تحت التعذيب" أو دين بناء على "معلومات من مخبر سري".

وأكّد النائب عن حزب "تقدّم" طالب المعماري لفرانس برس "التحقيق وإعادة المحاكمة في قضايا المدانين بسبب مخبر سري".

ويستثني هذا القانون كذلك مرتكبي جرائم الاغتصاب وسفاح القربى والاتجار بالبشر والخطف والتطبيع مع إسرائيل، إلا أنه سيطبق على المتهمين باختلاس الأموال العامة "في حال تسديدهم المبالغ"، وفق عنوز.

وكان النائب السني رعد الدهلك قال، عقب إقرار القوانين، إن قانون العفو العام لن يؤدي إلى إطلاق سراح السجناء على الفور. وأضاف "نحن، الكتلة السنية في البرلمان، طالبنا بإعادة المحاكمة ومراجعة جميع تحقيقات السجناء، والمحاكم ستقرر مصيرهم".

وينطبق القانون على جميع العراقيين المدانين والمتهمين بجرائم ما زالت قيد التحقيق أو المحاكمة. كما يسمح بمراجعة أحكام الإعدام.

ويقول مسؤولون حكوميون ومصادر قضائية إن القانون الجديد من شأنه أن يخفف الضغوط على السجون المكتظة، والتي تضم حاليا نحو 67 ألف سجين، وهو ما يتجاوز بكثير قدرتها الاستيعابية البالغة 25 ألف سجين.