قرار إغلاق المخيمات يثير مخاوف
قرار إغلاق المخيمات يثير مخاوف

يجسد الوضع الذي يعشيه المعلم العراقي خالد (52 عاما) في قضاء سنجار بمحافظة نينوى شمالي العراق الوضع المتردي في القضاء، بينما تتجه الحكومة العراقية إلى إغلاق مخيمات كردستان ما يجبر العديد من سكان سنجار على العودة لمناطقهم في غياب الخدمات.

وأكد خالد وناشطون لموقع "الحرة" صعوبة الوضع الأمني في سنجار، حيث يعقد تصارع قوى وميلشيات مسلحة مسألة عودة النازحين الذين أجبروا على ترك بيوتهم قبل نحو 10 سنوات عندما اجتاح تنظيم "داعش" مناطقهم.

واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن خطط إغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان بحلول 30 يوليو، وهو الموعد الرسمي الذي أعلنته الحكومة "ستهدد حقوق الكثير من سكان المخيمات، ومن بينهم أهالي منطقة سنجار الشمالية".

وتقول المنظمة إن سنجار لا تزال "غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات الاجتماعية اللازمة لضمان الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لآلاف النازحين الذين قد يضطرون إلى العودة قريبا". 

الوضع الأمني وتردي الخدمات

على الرغم من الحافز المالي، فإن العديد من النازحين داخليا يترددون في العودة إلى ديارهم بسبب استمرار العنف، ويشير خالد، وهو معلم يعمل لدى الحكومة الاتحادية، إلى أن صراعات بين حزب العمال الكردستاني وقوات الجيش والحشد الشعبي تخلق حالة من عدم الاستقرار.

وتحدث الأب لأربعة أبناء في تصريحاته لموقع "الحرة" عن مناوشات تحدث بين حزب العمال والجيش الوطني، وتساءل: "كيف يعود النازحون في مثل هذا الوضع".

ويلخص عيسى سعدو، الناشط الأيزيدي المقيم في ألمانيا المشكلة في "غياب الجوانب الخدمية والمخلفات الحربية وعدم إعادة إعمار المنطقة، وغياب التعويضات بالإضافة إلى المشاكل السياسية".

ويشير سعدو إلى مشاكل في الإدارة المحلية، وعلى سبيل المثال، ليس هناك قائمقام في قضاء سنجار يدير الأمور الإدارية والخدمية في المنطقة، بسبب الصراع بين حكومة وبغداد وحكومة كردستان ممثلة في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وسنجار، وهي منطقة جبلية في شمال غرب العراق، موطن لخليط من السكان الأكراد والعرب، والأيزيديين وهم أقلية إثنية ودينية يتحدثون الكردية.

وفي أغسطس 2014، اجتاح تنظيم "داعش" جبل سنجار وقتل عناصره أعدادا كبيرة من هذه الأقلية واحتجزوا آلافا من النساء الفتيات واتخذوهن سبايا.

وفيما خطف أكثر من 6400 منهم، أُنقذ حوالي نصفهم أو تمكنوا من الفرار، بينما لايزال مصير الآخرين مجهولا.

وبعد ثلاث سنوات من الاجتياح، أعلن العراق عام 2017 الانتصار على التنظيم الذي ترك خلفه أكثر من 200 مقبرة جماعية يرجح أنها تضم حوالي 12 ألف جثة، وفقا للأمم المتحدة.


وتقول هيومن رايتس ووتش إن 80 في المئة من البنية التحتية و70 في المئة من بلدة سنجار، أكبر مدينة في القضاء، دمر خلال النزاع ضد تنظيم "داعش" بين 2014 و2017. 

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، لا يزال حوالي 183 ألف شخص من سنجار نازحين، وهذا يشمل 85 في المئة من السكان الأيزيديين في القضاء. 

في الوقت الحالي، تستضيف 65 في المئة من البلدات والمدن في سنجار نصف سكانها الأصليين أو أقل، بينما لم تشهد 13 بلدة أي عودة على الإطلاق منذ 2014.

وبعد نحو 10 سنوات من اجتياح "داعش"، لاتزال سنجار غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات. ووفقا لوزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان، تستضيف المخيمات الـ23 المنتشرة في الإقليم حاليا حوالي 157 ألف شخص، كثيرون منهم من سنجار.

وقالت سارة صنبر، الباحثة المتخصصة بالملف العراقي في هيومن رايتس ووتش إن "العديد من السنجاريين يعيشون في المخيمات منذ 2014، ويستحقون العودة إلى ديارهم، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة وطوعيّة.

ولتشجيع العودة، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين عن حزمة من المساعدات والحوافز للعائدين، منها مبلغ يُدفع مرة واحدة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (حوالي 3 آلاف دولار) لكل أسرة، وبعض الوظائف الحكومية، وفوائد الضمان الاجتماعي، وقروض للمؤسسات التجارية الصغرى بدون فوائد.

وأعلن المتحدث باسم الوزارة، علي عباس، لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن "الدعم سيتوقف عن مخيمات النازحين بعد تاريخ 30 يوليو، حيث سيكون التوجه إلى العائلات العائدة، كما ستتوقف المنحة بعد هذا التاريخ".

وأكدت الحكومة العراقية مجدا، الاثنين، موقفها من إغلاق المخيمات بحلول نهاية يوليو، إذ أشار المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهانكير، إلى استمرار عمل وزارته على تجهيز المخيمات بالمساعدات وعدم وجود أي خلل بذلك.

وقال جهانكير في تصريح تابعته "الغد برس"، إن "المساعدات توزع بين الأسر القاطنة في المخيمات بشكل مكثف".

وأضاف أن "إغلاق مخيمات النزوح بموعدها المحدد المقبل يعد من أهم الخطوات التي تنفذها الوزارة بالوقت الحالي".

ووجدت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في 2023 أن العوائق الرئيسية أمام عودة السنجاريين هي "تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات عن فقدان ممتلكاتهم وسبل عيشهم، وتأخر إعادة الإعمار، والوضع الأمني غير المستقر، وانعدام العدالة والمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحقهم.

ومن جانبه، يقول خالد، الذي تحدث مع موقع "الحرة" إن "المخيمات تعاني من الاكتظاظ وهناك جيل جديد نشأ هناك خلال 10 سنوات من النزوح، لكن العودة ليست البديل".

ويشر خالد إلى تردي الخدمات في المنطقة، قائلا إن "عملية الإعمار في القضاء متوقفة تقريبا. بعض العائدين يدخلون أبناءهم مدارس خاصة بهم، وهؤلاء يعملون بوظائف خدمية مساندة للجيش أو الحشد أو حزب العمال الكردستاني".

ويوضح أن الوظائف أو الأعمال التجارية أو الزراعية قليلة جدا.

وفي 2 مايو، قال موظف في مديرية التعليم في نينوى لهيومن رايتس ووتش إنه أعيد بناء أربعة من أصل 24 مدرسة تضررت أو دُمرت أثناء العمليات العسكرية، وستفتح مجددا قريبا، لكنه قال إن 86 مدرسة فقط تعمل الآن من أصل 206 كانت موجودة قبل 2014.

وقال الآباء والأمهات الذين قابلتهم المنظمة إنهم يدفعون 5 آلاف دينار عراقي (حوالي 3.82 دولار) لكل طفل في كل فصل دراسي حتى تتمكن المدارس من انتداب معلمين، في بلد يفرض فيه التعليم العام المجاني.

وقال الموظف: "أخبرت رئيس الوزراء أثناء زيارته الأخيرة أننا بحاجة إلى بناء 100 مدرسة على الأقل في حال عودة المهجرين، لأن هناك 100 مدرسة في المخيمات".

وقال مدير "مستشفى سنجار العام" دلشاد علي لهيومن رايتس ووتش في 4 أبريل إن المستشفى لا يزال متضرّرا ومهجورا، ولا يزال الطاقم الطبي يعمل في موقع كان مخصصا للاستخدام المؤقت.

وتشرف منظمة "سلسة الأمل" غير الحكومية على بناء توسعة تضم 27 سريرا في الموقع المؤقت "لمنحنا مزيدا من القدرة، وقد انتهت من ذلك تقريبا. لكن ذلك ليس كافيا، خاصة إذا عاد مزيد من الناس".

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، أكدت النائبة الأيزيدية السابقة في البرلمان العراقي، خالدة خليل، إنه "لا يوجد أي شخص لا يريد العودة إلى وطنه، لكن أين يهذب هؤلاء؟ إلى ملاجئ مثلا؟".

وتشير النائبة السابقة إلى أن الجهات المسلحة مثل حزب العمال الكردستاني والفصائل الخارجة عن القانون التي لا تعمل بأمر القائد العام للقوات المسلحة تعيق عملية الإعمار. 

وتتهم خليل الحكومة بعدم الجدية في تطبيق اتفاقية سنجار التي تنص على إخراج الجهات المسلحة وإعمار سنجار وعودة النازحين طوعيا. 

وأعلنت الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، في 2020، توصلهما لاتفاق حول إدارة مدينة سنجار، وصفه الطرفان بـ"التاريخي،" وذلك بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين.

واتفق الجانبان حينها على إدارة سنجار من النواحي الإدارية والأمنية والخدمية بشكل مشترك، وعلى أن توكل مهمة الترتيبات الأمنية للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان، وإدارة الخدمات أيضا بالتعاون بين الطرفين.

نازحون من سنجار في احد المخيمات بعد ما فقدوا ديارهم بالمنطقة الواقعة شمال غرب العراق
وصفه الطرفان بـ"التاريخي".. أبرز بنود اتفاق بغداد وأربيل حول سنجار
توصلت بغداد وأربيل، الجمعة، إلى اتفاق حول سنجار وصفه الطرفان بالتاريخي ويمكنهما من إدارة شؤون المنطقة إداريا وأمنيا وخدميا، بشكل مشترك، وذلك بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين الى ديارهم بعد ما شردوا منها من قبل داعش.

وتؤكد النائبة السابقة لموقع "الحرة" أنه لا يجب إجبار النازحين على العودة: "القوانين الدولية لا تسمح بإجبار أي أحد على العودة. هذه العودة يجب أن تكون طوعية. يجب أن يكون الإنسان حرا في اختيار المكان الذي يعيش فيه".

وتشير الباحثة المختصة بشؤون الأقليات، سانتا عيسى، أيضا في تصريحات لموقع "الحرة" أن سبب المشاكل التي تعاني منها سنجار هي "صراع القوى المسيطرة" خاصة قوى الحشد الشعبي وقوى البيشمركة، وهذا الصراع موجود حتى من قبل ظهور "داعش".

وتتساءل الباحثة المقيمة في أوروبا والتي عملت مع مراكز اللجوء ولديها علاقات وثيقة بأفراد الأقلية الأيزيدية: "أين يهذب العائدون؟ هذا الوضع يدفعهم للهجرة للخارج وهذا أيضا أمر غير متاح. لذلك لا توجد لديهم خيارات".

وتقول عيسى إن "المشاريع في العراق تتأخر بسب صراعات القوى. توجد مشاريع نظريا لكن فعليا لا تنفذ".

ويعتبر الناشط سعدو أن هناك انخفاضا في العنف بعد مجيء الحشد الشعبي مع وجود الشرطة الاتحادية والمحلية، منذ سبع سنوات، ويؤكد أن المشكلة الأساسة تتمثل في الصراعات السياسية ونقص الخدمات.

واتفق المراقبون الذين تحدث معهم موقع "الحرة" على مخاوف من عودة تنظيم "داعش" إلى هذه المناطق مرة أخرى.

ويشير سعدو بشكل خاص إلى مخاوفه من عودة العائلات من مخيم الهول، وأغلبهم يسكنون في محافظة نينوى والمناطق القريبة من سنجار، وهو ما قد يسبب مشاكل أمنية في المنطقة.

وتخشى عيسى أيضا من عودة عناصر "داعش" مرة أخرى، وتشير إلى أن المخيمات باتت بؤرة للتشدد بالفعل.

ويقول سعدو إن الحكومة لم تتخذ خطوات واضحة وجدية تجاه معاقبة عناصر "داعش"، ويعتقد أن المحاكمات التي تجريها غير كافية ودون مستوى الطموح وهناك إفلات من العقاب. وينتقد النشاط قانون العفو العام الذي يرى أنه سمح بإطلاق سراح متشددين وعودتهم إلى أحضان "داعش"

وتخشى عيسى من عدم تقبل المجتمع الأيزيدي أيضا للنساء المغتصبات حال جميع المجتعمات الشرقية التي تنظر إلى المغتصبات بدونية، وتقول إنه يتم اشتراط عودتهن بتخليهن عن أبنائهم من مسلحي داعش، لكن عيسى ينفي ذلك، ويقول إن المغتصبات يتم استقبالهن بكل ترحاب.

واتفق الناشطون الذين تحدث معهم موقع "الحرة" على أن الأيزديين لم يحصلوا على التعويضات المناسبة.

ووجد تقرير هيومن رايتس ووتش أنه لا يوجد أحد من سكان سنجار حصل على تعويض مالي على خسارة ممتلكاته وسُبل عيشه كما ينص على ذلك "القانون رقم 20 لعام 2009".

وتشير على أنه تمت الموافقة على 3500 طلب في انتظار السداد من قبل "الدائرة المالية في نينوى". 

وبحلول فبراير 2024، ارتفع عدد الطلبات المكتملة إلى 8300، دون أن يحصل أي شخص على أي مدفوعات، وفق ما قال لـهيومن رايتس ووتش القاضي عمار محمد، وهو رئيس لجنة التعويضات في تلعفر، التي تشرف على اللجنة الفرعية للتعويضات في سنجار.

وعلى مدى الأشهر الماضية، قال العديد من المسؤولين الحكوميين لهيومن رايتس ووتش إنه سيتم قريبا الإفراج عن الأموال المخصصة لدفع تعويضات السنجاريين.

وأكّد أحدهم أن ذلك سيتم "في أقرب وقت الأسبوع المقبل"، وأن الانطلاق في مشاريع إعادة الإعمار وشيك، ولكن بعد مرور سنة، لم يحصل تقدم كبير.

وقال مسؤولان حكوميان لـهيومن رايتس ووتش إن التأخير في صرف التعويضات كان ناتجا عن "مشاكل في الميزانية" حالت دون دفع الأموال المخصصة.

آراء متباينة بين الشباب حول سبل حل الصراع في الشرق الأوسط
آراء متباينة بين الشباب حول سبل حل الصراع في الشرق الأوسط

عام كامل مر على الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وتتزامن الذكرى الأولى أيضا مع تكثيف الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية ضد حزب الله في لبنان، لتثير التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط  قلق الشباب العراقي بشأن مستقبلهم وأمن بلادهم، في ظل التحذيرات من أن يتحول هذا الصراع إلى "حرب شاملة".

وجهات نظر هؤلاء الشباب تنوعت بشأن "الدور" المتوقع للعراق في المرحلة المقبلة، لا سيما مع وجود فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران دخلت خط الصراع.

وتباينت ردود أفعال شباب تحدثوا لموقع الحرة بشأن موقفهم من تطور الأحداث المتسارع، فالبعض ذكر أن التصعيد في المنطقة قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، وعبروا عن رفضهم لأن يتحول العراق ساحة للصراعات بدلاً من أن يكون لاعبًا رئيسيًا للتهدئة والسلام.

بينما قال آخرون إن خيار التصعيد السياسي والعسكري هو السبيل الوحيد لردع أي تهديدات مستقبلية، بعد أن فشلت مبادرات السلام والتهدئة في نزع فتيل الأزمة، بحسب تعبيرهم.

مع جهود السلام .. لكن بتوحيد الإرادات أولا

الناشط شبّر عبد الوهاب قال لموقع الحرة، إنه من دعاة السلام والتهدئة ويرفض مبدأ التصعيد، وإن شباب العراق يحمل آمالًا كبيرة لمستقبل المنطقة ويرى في السلام السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار.

يضيف عبد الوهاب أن الشباب، إذا كان لهم دور في اتخاذ القرار، فمن المرجح أن يتّبعوا نهجًا سلميًا يركز على الحوار، متجنبين التصعيد العسكري الذي قد يهدد أمن العراق ويعمق الأزمات في المنطقة.

وفي ظل الظروف الحالية، يقول عبد الوهاب إن الشباب العراقي يبقى متفائلاً بشأن إمكانية تحقيق السلام، ولكنهم يدركون أن ذلك يتطلب جهودًا متكاملة وتعاوناً بين جميع الأطراف.

عبد الوهاب أضاف أن مفهوم السلام يعني وجود دولة قوية تحمي الحقوق وتدافع عن السيادة والهوية الوطنية، وهذا لا يعني برأيه، أن ينأى العراق عن دوره الإنساني والدبلوماسي في مساعدة الآخرين، سيما في ظل التهديدات الإسرائيلية الأخيرة.

وذكر عبد الوهاب أن الدفاع عن النفس والسيادة من الحقوق الأساسية، شريطة أن يتحقق ذلك عبر الدولة "التي هي من تحدد قوانين اللعبة"، من خلال الجهد الدبلوماسي وتعزيز السياسة الخارجية، وليس عبر التشتت في مراكز صنع القرار كما يحدث حاليا، حينما عجزت الدولة عن فرض إرادتها والسيطرة على الفصائل المسلحة التي لا تأخذ بنظر الاعتبار موقف العراق الرسمي والقرارات التي يتخذها.

هذا التشتت، يقول عبد الوهاب، جعل الشباب في حيرة من أمرهم. ويقول إنهم يريدون السلام وإبعاد العراق عن هذه "الفوضى" لكن ليس على حساب الفلسطينيين واللبنانيين، بحسب تعبيره.

وذكر عبد الوهاب أن دور الشباب في المرحلة المقبلة مهم جدا في حال منحوا فرصة المشاركة في مراكز صنع القرار، من خلال الوقوف إلى جانب الجهات التي تدعو إلى الحوار والتفاوض والتهدئة ورفض لغة الحرب والصراع، وأيضا مشاركتهم في مبادرات الدعم الإنساني والمادي والدبلوماسي.

حملات الضغط و"التواصل الاجتماعي" سلاح آخر للتهدئة

الناشط الشاب عزيز شيركاني أشاد بموقف العراق الرسمي الداعم للفلسطينين واللبنانيين، ودعوته إلى التهدئة وتحقيق السلام الشامل وتقديم المساعدات الإنسانية والمادية لضحايا هذا الصراع.

لكن شيركاني أوضح لموقع الحرة، أن هذا الموقف الرسمي واجهه رد فعل مغاير من قبل الفصائل المسلحة التي تنفذ عمليات وتشن هجمات عبر الحدود. فهذه العمليات، برأيه، ستؤدي إلى توسيع دائرة الحرب إلى مناطق أخرى في سوريا والعراق.

يضيف شيركاني أن الصراع المسلح أينما كان "له تبعات خطيرة على الجميع"، ويشير إلى أهمية تعزيز جهود وقف إطلاق النار في المنطقة لمنع وقوع المزيد من الضحايا الأبرياء من أطفال ونساء في غزة ولبنان.

ورغم التحديات التي تواجه دول المنطقة، يقول شيركاني إن الشباب العراقي قادر على لعب دور محوري في جهود إنهاء الصراع، من خلال المشاركة في حملات الضغط التي تدعو إلى السلام وتحذر من مخاطر التوسع في العمليات العسكرية.

وأشار شيركاني إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة مهمة بيد الشباب لنقل الحقيقة والكشف عن الجهات التي تثير الفتنة وتنتفع من استمرار الصراع في الشرق الأوسط.

الشباب، بالنسبة لشيركاني، هم الأساس في بناء جسور الحوار وتعزيز السلام، وهم الجيل القادر على تغيير الواقع الحالي وبناء مستقبل أفضل، على حد قوله.

تصعيد لا بد منه .. رغم التبعات

المنتجة السينمائية الشابة، شهد الطائي، كان لها رأي آخر، وتقول إن بعد فشل جهود السلام ودعوات الحوار، بات على العراق اليوم أن يعزز دوره المحوري لمساعدة دول المنطق التي تتعرض لتهديدات.

الطائي ذكرت لموقع الحرة، أنها مع فكرة التصعيد رغم التبعات، فهذا التصعيد برأيها، هو الحل الوحيد لإيقاف الطرف الآخر الذي لا يستمع إلى الاصوات التي تدعو إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، بحسب تعبيرها.

وتعترف الطائي أن تصعيد العراق في موقفه ستكون له تداعيات، لكنها أوضحت أنه بلد قوي وقادر على مواجه هذه "الضربات"، فما يحدث في المنطقة أمر "غير طبيعي" برأيها، وتقول إنه من غير المعقول أن تقف الدولة مكتوفة اليدين.

وتتساءل الطائي "ماذا حققت الجهات الداعية للتهدئة أمام هذا العدد الهائل من الضحايا وما خلفته آلة الحرب من دمار وتهجير ونزوح في المنطقة؟".

تقول المنتجة السينمائية إن الموقف العراقي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كرامة الإنسان وأن يتبع نفس الأساليب التي يستخدمها الطرف الإسرائيلي والأعذار التي يلجأ إليها في النزاع الذي يشهده الشرق الأوسط، بحسب تعبيرها.

رسالة وأهداف عدة.. ماذا وراء هجمات الميليشيات العراقية على إسرائيل؟
وفي حين يقول الخبراء إنها تحمل أهدافا لا تنفصل عن الوضع الذي يعيشه حزب الله في لبنان، يشيرون في المقابل إلى أنها "قد تكون جزءاً من عمليات الإسناد" التي أخذت شكلا جديدا خلال الأشهر الماضية لما يعرف بـ"وحدة الساحات".

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، حذر من "تبعات خطيرة" جراء توسيع رقعة الحرب بالمنطقة.

وأضاف في تدوينة له على منصة (إكس)، أنه خلال مشاركته في اجتماع طارئ للدول الاعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها 79، أكد أهمية عقد قمة طارئة مشتركة للدول العربية والإسلامية "للتباحث بشأن الأوضاع الخطيرة التي تمر بها المنطقة والخروج بمقررات فاعلة لوقف اطلاق النار في قطاع غزة والضفة الغربية و لبنان والبحر الأحمر".

وأوضح أن "توسيع رقعة الحرب الدائرة في المنطقة قد يفضي إلى تبعات خطيرة يأتي في مقدمتها توفير مناخ ملائم لقيام التنظيمات الإرهابية بإعادة نشاطها الإرهابي"، بحسب تعبيره.

وتحسّن تصنيف العراق بمؤشر السلام العالمي لعام 2024، حيث ارتفع مرتبتين مقارنة بالعام الماضي.

وبحسب تصنيف المؤشر GPI، الذي صدر عن معهد الاقتصاد والسلام العالمي للعام الحالي، فإن العراق جاء بالمرتبة 151 عالمياً من أصل 163 دولة حول العالم. والعراق في هذا التصنيف جاء في المرتبة 16 إقليميا من أصل 20 دولة من الشروق الأوسط وشمال أفريقيا.

السفيرة الأميركية لدى العراق، ألينا رومانوفسكي، قالت بدورها، إن التهديدات لأمن العراق واستقراره وسيادته لا تزال قائمة. 

وأضافت في تغريدة على منصة "إكس" بمناسبة اليوم الدولي للسلام، في 21 سبتمبر الماضي، أن الولايات ملتزمة "بالعمل جنبا إلى جنب مع شركائنا في الحكومة العراقية والمجتمع المدني لتعزيز عراق سلمي ومزدهر للأجيال القادمة".

وتقول الأمم المتحدة إن السلام لا يعني غياب الصراعات فحسب، وإنما يتطلب أيضاً "عملية تشاركية ديناميكية إيجابية يُشجع فيها الحوار وتُحل النزاعات بروح التفاهم المتبادل والتعاون".

وفي عالم يشهد تصاعدا في وتيرة التوترات الجيوسياسية والصراعات طويلة الأمد، تشير المنظمة الدولية إلى أنها رسمت القيم اللازمة لثقافة السلام، والتي تشمل احترام الحياة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز اللاعنف، والالتزام بالتسوية السلمية للصراعات؛ والتمسك بالحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن والتعاون والتعددية والتنوع الثقافي والحوار والتفاهم على جميع مستويات المجتمع وبين الأمم.

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرارات اللاحقة، بأهمية اختيار المفاوضات بدلا من المواجهة، و"العمل معاً وليس ضد بعضنا البعض" بحسب تعبيرها.