بغداد ترتبط بعلاقات طيبة مع النظام السوري وإيران، وكذلك مع تركيا
بغداد ترتبط بعلاقات طيبة مع النظام السوري وإيران، وكذلك مع تركيا

منذ بداية شهر يونيو وعلى نحو لافت برز اسم العراق ضمن مسارين سوريين، الأول يتعلق بجهود "الوساطة" في عملية بناء الحوار بين أنقرة ودمشق والثاني ذهب باتجاه مسار "اللجنة الدستورية" السورية، بتأكيد الأخير وحليفه الإيراني على ضرورة استئناف جولاتها في العاصمة بغداد، بدلا عن جنيف. 

وفي حين لا تعرف طبيعة الدور الذي قد تلعبه العاصمة العراقية في المشهد السوري في المرحلة المقبلة يوضح خبراء لموقع "الحرة" أن بروز اسم بغداد يسير باتجاه تحويلها إلى "عاصمة مفاوضات مستقبلية"، استنادا لمحددات داخلية وأدوار لعبتها سابقا ضمن هذا الإطار. 

وما يزال مسار الدفع بالحوار بين النظام السوري وتركيا معلقا حتى الآن. 

لكن ووفقا لمصدر حكومي نقلت عنه وكالة "شفق نيوز" العراقية، مطلع يونيو، فإن مساعي بغداد لـ"تذويب الخلافات بين دمشق وأنقرة ومحاولة إعادة العلاقات إلى سابق عهدها أثمرت عن اجتماع سيجمعهما في العاصمة العراقية قريبا". 

وأشارت الوكالة إلى أن "وجود ترحيب كبير من قبل دمشق وأنقرة بوساطة بغداد"، مضيفة أن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني وفريقه الحكومي "توصلوا خلال الفترة الماضية إلى نتائج إيجابية بهذه الوساطة عبر اتصالات ولقاءات ثنائية غير معلنة". 

وتحدث السوداني بنفسه عن ذات القضية على قناة "خبر تورك" التركية، مطلع يونيو. 

وشكلت تصريحاته آنذاك "نقلة نوعية بعد أن نجحت حكومته في تحقيق توافق سياسي بين السعودية وإيران مطلع العام الماضي، وكادت أن تحقق ذات الشيء بين إيران والأردن ومصر، لولا تعثر المحادثات بين البلدان الثلاثة"، كما يشير فراس إلياس، أستاذ "الاستراتيجية والأمن الوطني" في جامعة الموصل. 

وفيما يتعلق بمسار "الدستورية السورية" فقد طالب مندوبا النظام السوري وإيران لدى الأمم المتحدة، الأربعاء، بعقد اجتماعاتها مجددا في بغداد. 

وتؤكد المعارضة السورية حتى الآن على رفضها للموقف المذكور على لسان مسؤولي النظام وإيران، ولم يؤيده علنا المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، إذ يصر على ضرورة استئناف المسار الدستوري الخاص بالبلاد في جنيف. 

ماذا وراء بروز اسم بغداد؟ 

وترتبط بغداد بعلاقات طيبة مع النظام السوري وإيران، وكذلك مع تركيا. 

لكنها بعيدة عن أطراف المعارضة السورية، ولذلك تسود ضبابية حول إمكانية إحداثها أي خرق يتعلق باستئناف اجتماعات كتابة الدستور السوري على أرضها عوضا عن جنيف. 

ويعتقد المحلل السياسي العراقي، هيثم الهيتي، أن "شكل العاصمة العراقية المستقبلي بين سوريا ولبنان وإيران والولايات المتحدة الأميركية سيشابه إلى حد كبير الدور الذي لعبته سلطة عُمان في عملية التوافق بين دول الخليج وإيران". 

ويضيف لموقع "الحرة" أن "سلطة عمان كانت مركزا تفاوضيا بين جميع الخصوم، والآن تأخذ بغداد دورا مشابها في الشرق الأوسط". 

ويعود ذلك لفكرة أن "بغداد هي العاصمة التي يوجد فيها نوعين رئيسيين من النفوذ أو أكثر"، بحسب المحلل الهيتي. 

وعلى أساس أن فيها نفوذا أميركا "هائلا" وكذلك على الصعيد الإيراني، وعلى أرضها جزء لا يستهان به من النفوذ التركي يمكن القول، وفقا للهيتي، إن بغداد "باتت عاصمة تجمع الأجندات المختلفة". 

كما يُنظر إلى بغداد على أنها موقف مناسب لـ"المفاوضات" بسبب موقفها المؤيد لسوريا وإيران، كما يقول الباحث المختص بالشأن الإيراني، محمود البازي. 

ويضيف أن ما سبق "يساعد في تحقيق التوازن في ديناميكيات اللجنة الدستورية التي كانت ترجح لكفة الغرب في تكوينها المتمثل في قوى المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني والحكومة السورية". 

وقد توفر هذه التركيبة "بيئة أكثر دعما للحكومة السورية، التي تتماشى مع المصالح الإيرانية، مقارنة بجنيف، حيث النفوذ الغربي أقوى". 

"دفعة ودعم إيراني"  

وفقا لأستاذ "الاستراتيجية والأمن الوطني" في جامعة الموصل، فراس إلياس تدرك حكومة السوداني أهمية النجاح في تحقيق المسعى السياسي الإقليمي (الوساطة)، لاسيما وأن رئيسها يطمح لتحقيق ولاية ثانية العام المقبل. 

ومن خلال تقديم نفسه "كصانع للسلام الإقليمي" يمكن أن يعطي ذلك للسوداني "دفعة قوية لتحقيق نوع من الدعم الخارجي له"، حسب إلياس. 

ويأتي ذلك في حال تعرض لضغوط داخلية من قبل القيادات السياسية الشيعية المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، والتي قد تنافسه على رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة، بحسب ذات المتحدث. 

ومن ناحية أخرى، يوضح إلياس أن "أي تقارب يحدث بين تركيا والنظام السوري سيمثل جائزة كبرى لإيران، وتحديدا في الساحة السورية". 

كما سيؤدي بشكل أو بآخر إلى إعادة تهذيب الدور التركي، وبالشكل الذي يجعله أكثر توافقا مع الدور الإيراني في الساحة السورية"، بحسب حديثه. 

وعلى أساس ذلك، يشير إلى أن انخراط رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، فالح الفياض في سياق "الوساطة" وكذلك دعم قوى "الإطار التنسيقي" للسوداني "يمثل بشكل آخر دعم إيراني للتحرك العراقي". 

ويرى إلياس أن "ما لم تحققه إيران من تركيا عبر مسار أستانة، قد تحققه عبر الوساطة العراقية"، وأن "نظرة بسيطة لطبيعة المكاسب التي قد تحققها طهران في الساحة السورية من أي تقارب بين تركيا والنظام سيجعلها أكبر الداعمين لمبادرة السوداني". 

ومن شأن التوافق المذكور وفق قوله أن "يجعل دورها الإقليمي أكثر تأثيرا، خصوصا وإنها تطمح لجعل هذه المبادرة بمثابة انطلاقة إقليمية للفوز في قطف المزيد من الاستحقاقات السياسية في سياق مبادرة الحل السياسي للحرب في غزة". 

"بين خصمين والدستورية" 

ورغم أن النتائج ما تزال "صفرية" في العلن على خط بناء الحوار بين أنقرة ودمشق تشهد الأيام الحالية حراكا على صعيد التصريحات وتبادل الأهداف والرؤى. 

وفي حال انخرطت بغداد في العملية المستمرة منذ بداية عام 2022 ستكون الطرف الوسيط الثالث من نوعه، بعد روسيا وإيران. 

لكن على الطرف المقابل وفيما يتعلق بـ"اللجنة الدستورية السورية" تشير تعليقات لأعضاء معارضين فيها إلى حالة من التمسك بانعقاد اجتماعات المسار في جنيف. 

ويعتبر حسن الحريري عضو "الهيئة المصغرة" في اللجنة الدستورية أن تأكيد النظام وحليفه الإيراني على ضرورة استئناف اللجنة في بغداد بمثابة "مناورة"، ومحاولة لإظهار أنهم منسجمين مع العملية الدستورية ومتوافقين معها بالإيجاب. 

ويشير طارق الكردي عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المعارضة لموقع "الحرة" إلى أن المشكلة ليست في المكان، بل في العراقيل التي يضعها النظام السوري، والتي جعلت 8 جولات ماضية دون أي نتائج. 

ويقول: "بالنسبة لنا (كهيئة تفاوض سورية معارضة) ما زالنا نعتبر أن "جنيف هي المقر الرئيسي الأساسي والرئيسي لاجتماعات الدستورية". 

ومن خلال اختيار بغداد تستفيد سوريا (النظام) وإيران من معارضة روسيا لجنيف لتحويل المكان إلى موقع أكثر توافقا من الناحية الجيوسياسية مع مصالحهما والمصالح الروسية، كما يعتقد الباحث السياسي البازي. 

ويمكن اعتبار الدعوة إلى عقد الاجتماعات في بغداد "بمثابة الخطوة الأولى في نقل هذه المناقشات تدريجيا إلى دمشق"، على حد قوله. 

ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز السيطرة على عملية الانتقال السياسي في سوريا. 

ويتابع البازي أن "الأمر مدفوع بالضعف في الموقف الأوربي والأميركي والعربي من التسوية السياسية، حيث تحاول الحكومة السورية تقليل النفوذ الغربي والأميركي". 

"رسائل وعاصمة مفاوضات" 

ويرى الباحث في الشأن الإيراني البازي أن النظام السوري وإيران يحاولون "تحصيل ملعب مبدئي ومناسب لهم (بغداد)، كمقدمة لنقل المفاوضات إلى دمشق". 

ويعتقد أيضا أنهم يحاولون "تحويل بغداد إلى عاصمة مفاوضات مستقبلية لكل الملفات الإقليمية، سواء بين النظام وتركيا أو اللجنة الدستورية"، مستفيدين بذلك من دورها السابق في المفاوضات بين الرياض وطهران. 

ويسلط ما سبق الضوء على "الدور المتضائل لمساحات النفوذ التقليدية التي يهيمن عليها الغرب مثل جنيف لصالح العواصم الإقليمية الأكثر توافقا مع المصالح السورية والإيرانية"، على حد تعبير البازي. 

ورغم أن بغداد "لاعب محوري ليس مؤثر ومغيّر" إلا أنها "مكان مناسب لطرح جميع الأجندات المختلفة، والتوافق على فكرة معينة"، بحسب حديث المحلل السياسي العراقي، هيثم الهيتي. 

ويعتبر أنه قد "نرى حلا سوريا أميركيا إيرانيا في بغداد، ومدفوعا بالتخوفات من اندلاع حرب محتملة بين حزب الله وإسرائيل". 

"اعتبارات وراء الانخراط" 

من جهته، يعتقد الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي أن بروز دور العراق "كوسيط إقليمي" مدفوع أولا باعتبارات بغداد. 

وأهم تلك الاعتبارات: تحييد العراق عن حالة الاستقطاب الإقليمي وتجاوزها، بما ينعكس إيجابا على الوضع الداخلي العراقي أمنيا واقتصاديا. 

إلى جانب تعزيز هوامش العراق في علاقته مع الدول الإقليمية وأبرزها إيران، وفقا لحديث الدسوقي لموقع "الحرة". 

ويوضح أنه "مما يساعد العراق على تولي دور الوسيط هو علاقته الجيدة مع مختلف القوى الفاعلة في المنطقة وأبرزها إيران". 

ويعتقد أن طهران "لا تمانع في تصدير العراق كوسيط إقليمي، طالما أن هذا الدور يساعدها في الوصول لاختراقات في علاقتها مع الدول العربية، وأبرزها السعودية ومصر والأردن". 

وفي الملف السوري، برز دور العراق كوسيط بين النظام السوري وتركيا بحكم علاقته مع كلا الطرفين، فضلا عن وجود قضايا وتهديدات مشتركة بين هذه الأطراف. 

وبينما لا يستبعد الدسوقي أن يكون لبغداد دورا كوسيط إقليمي بين أنقرة ودمشق لا يرى ذات المشهد على صعيد مسار كتابة الدستور السوري. 

ويشرح بالقول: "إن الغاية من طرح بغداد كمقر لاستضافة اجتماعات (الدستورية) هو إحراج المعارضة وتوتير علاقتها مع بغداد من طرف، وتحميلها مسؤولية الرفض وتعطيل مسار اللجنة من جهة أخرى". 

ومن جانب آخر يشير الأكاديمي العراقي إلياس إلى أن رئيس الحكومة العراقية السوداني "يدرك أهمية سحب ورقة النظام السوري من جانبها الأمني إلى الجانب السياسي، عبر البدء بمسار سياسي يعيد إنتاج تصور جديد للأخير". 

ولن يكتسب الانفتاح السعودي، وكذلك العربي على نظام بشار الأسد دفعة أقوى، "إذا بقيت تركيا خارج معادلة الانفتاح"، بحسب إلياس. 

ويقول في سياق حديثه عن أسباب سير بغداد على طريق الوساطة إن "استمرار التوتر بين (أنقرة ودمشق)، وتحديدا على مستوى الحل السياسي للأزمة السورية، قد يمثل عقدة سياسية تقف عائقا أمام أي مبادرة سياسية للتوافق بين النظام السوري وتركيا والدول العربية". 

العراق

يضع تذبذب أسعار النفط عالميا العراق على صفيح ساخن اقتصاديا، بسبب اعتماده بشكل شبه كامل في موازنته المالية السنوية على ما يصدره من النفط الخام.

وحدد العراق تصدير النفط بسعر 70 دولارا للبرميل في الموازنة المالية الثلاثية للسنوات المالية (2023،2024،2025) التي أقرها مجلس النواب العراقي قبل عامين.

ورغم أن أسعار النفط شهدت، الثلاثاء الماضي، ارتفاعا طفيفا، لكن سبق ذلك تراجع سريع لأسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين، حيث وصل فيهما سعر البرميل الى عتبة 60 دولارا، الامر الذي وضع العراق على موعد مع ظروف مالية معقدة، فيما إذا استمر هذا التراجع خلال الأشهر المقبلة.

ويعتبر مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، أزمة أسواق النفط العالمية "أزمة مؤقتة"، لافتا إلى أن العراق يتحصن باحتياطيات من النقد الأجنبي ما زالت ساندة للاقتصاد الوطني، وستساعده كثيرا على مواجهة أزمة أسواق النفط العالمية.

ويؤكد صالح لموقع "الحرة"، "على المستوى الوطني، الخطط المالية الحالية والمستقبلية آخذة بالاعتبار الاحتمالات كافة بالتحوط لهذه الأحداث، مع تدابير مالية مختلفة ضامنة للنفقات الضرورية في مقدمتها تأمين رواتب الموظفين والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية وتنفيذ المشاريع الخدمية وفق البرنامج الحكومي بشكل مرن دون توقف بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص".

وتزامن انخفاض أسعار النفط عالميا مع تأخر المصادقة على مخصصات عام 2025 في الموازنة الثلاثية، ويعزو خبراء اقتصاديون تحدث معهم موقع "الحرة"، التأخير الحكومي في إرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب للتصويت عليها إلى محاولات الحكومة لتكييف الإيرادات والنفقات لتفادي حدة الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بالعراق مع استمرار تقلبات الأسواق العالمية.

وأشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، خلال ترأسه اجتماعاً لرؤساء الدوائر الخدمية في محافظة ذي قار جنوب العراق، الى أن حكومته شهدت ظهور العجز فعلياً في الموازنة، لتحقيقها الإنجاز، لافتا الى وجود كفاءة في الصرف والأداء والعمل، فيما كان العجز سابقاً تخطيطياً.

ونقل الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي عن السوداني قوله خلال الاجتماع، "حكومتنا رتبت آلية الإنفاق وفق مبدأ الأهم ثم المهم، وعملنا في الكثير من القطاعات وحققنا نتائج إيجابية".

ويلفت الخبير في قطاع النفط والغاز، كوفند شيرواني، الى أن تراجع أسعار النفط إلى 65 دولارا للبرميل أو 60 دولارا سيؤدي إلى تراجع إيرادات العراق، وبالتالي زيادة العجز الموجود في الموازنة الذي يقارب 49 مليار دولار لعامي 2023 و 2024.

ويستبعد أن يتسبب هذا الانخفاض، بأي تأثير على الرواتب والمعاشات، لأن الرواتب والمعاشات بمجملها لا تصل إلى 80 ترليون دينار من موازنة تبلغ سنويا 200 ترليون دينار.

ويضيف شيرواني لموقع "الحرة"، "تراجع الإيرادات سيؤدي إلى استقطاع جزء من الموازنة الاستثمارية التي تختص بإنشاء المشاريع الجديدة التي تدر إيرادات إضافية، وكذلك ستتأثر عملية توفير فرص عمل جديدة، وربما سيؤدي استمرار التراجع إلى تقليل النفقات التشغيلية للدولة".

ووفق شيرواني، سيكون لأي انخفاض في أسعار النفط تأثير كبير على العراق بالذات مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط، في إشارة إلى مجموعة أوبك.

ويوضح شيرواني سببين لكون العراق الأكثر تأثرا بالانخفاض، أولهما الإنتاج العالي للعراق الذي يتجاوز 4 ملايين برميل يوميا، ويصدر منها حسب مقررات "أوبك +" نحو 3.3 برميل يوميا.

ويكمن السبب الثاني بحسب شيرواني في اعتماد الاقتصاد العراقي بنسبة تتجاوز 90% على إيرادات النفط، فأي تقلبات في الأسعار تجعله يتأثر بدرجة أكبر، داعيا الدولة العراقية إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة، وتنشيط القطاعات الأخرى من الزراعة والصناعة والسياحة وتحسين نظام الضرائب والجمارك لزيادة الإيرادات.

وأكدت الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري، على إجراء إصلاحات اقتصادية للنهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد ومواجهة الأزمات.

وحددت ستة محاور من المنهاج للنمو الاقتصادي، تمثلت بالعمل على إحداث تحوّل تدريجي من الاقتصاد الريعي الحالي المعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلى اقتصاد متنوع الدخل، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المجالات الزراعية والصناعية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والبيئة، التي من شأنها توفير فرص عمل واستقطاب الاستثمارات محليا ودوليا.

ووفق مراقبين للشأن الاقتصادي العراقي تحدثوا لموقع "الحرة"، ما زالت خطوات الحكومة لتنويع الاقتصاد تسير ببطء، بينما يتطلب الوضع الاقتصادي للبلد إصلاحات سريعة لتفادي أي أزمة مالية مرتبطة بأسعار النفط.

ويحذر الخبير المالي إبراهيم علي من ظروف مالية معقدة قد يشهدها العراق إثر تذبذب أسعار النفط وتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية ما سيؤثر بشكل كبير على استقراره الاقتصادي والاجتماعي.

ويبين علي لموقع "الحرة"، أن الوضع المالي في العراق "يتطلب تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة سريعة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وهذه الخطوة بحاجة الى جهود من الحكومة لتعزيز القطاعات الإنتاجية وتحسين بيئة الاستثمار".

وفي مقابلة متلفزة بُثت، في مارس الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن حكومته تمكنت من رفع نسبة الإيرادات غير النفطية خلال العامين والنصف الماضيين إلى %14 بعد أن كانت 7% خلال السنوات الماضية".

وتابع السوداني "وضعنا هدفا في قانون الموازنة وهو رفع الإيرادات غير النفطية إلى %20 خلال 3 سنوات"، مؤكدا مضي حكومته باتجاه تحقيق هذه النسبة.

وأشار السوداني إلى أن العراق قادر على تجاوز هذه النسبة لكنه بحاجة إلى مجموعة من الخطوات، وحددها بوجود حاضنة سياسية للقرارات دون مزايدات، وقبول شعبي، وتشريع قوانين تساهم في رفع الإيرادات غير النفطية.

ويرى الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن الاقتصاد العراقي هش ويتأثر بأي أزمة اقتصادية خارجية لأنه مرتبط بالأسواق العالمية، نتيجة عدم وجود إنتاج محلي متنوع يسد حاجات المواطن.

ويؤكد العنزي لموقع "الحرة" أن "الحلول مطروحة وموجودة، لكن ليس هناك جدية من قبل حكومة اعتمدت على النفط وتكاسلت فكريا وليس إداريا، لذلك واقع الاقتصاد العراقي متهالك لا يمكن إدارته ومتحول إلى استهلاكي حكومة وشعبا".

ويسعى العراق وبحسب الهيئة الوطنية للاستثمار، إلى جذب الاستثمارات النوعية، وتنمية ثقة الشركات الدولية بالبيئة الاستثمارية في البلاد.

وقال رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، حيدر محمد مكية، في تصريح نشره موقع الهيئة في 8 أبريل الحالي، إن "مشاركة ممثلين عن 60 شركة أميركية تعمل في مجالات حيوية ومهمة في زيارة العراق، يعد مؤشرًا واضحًا على تنامي ثقة الشركات الأميركية ببيئة الاستثمار في العراق"، مشيرا إلى أن العراق يشهد تطورات إيجابية في إطار الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية.

وأكد مكية على أن فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والخدمات المصرفية، يشكل محورًا مهمًا في توجهات الحكومة الحالية نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتحسين بيئة الأعمال.

وأعلنت السفارة الأميركية في بغداد، في 7 أبريل، وصول وفد تجاري أميركي مكون من 60 شركة إلى بغداد، مبينة أن غرفة التجارة الأميركية ستوقع خلال هذه الزيارة على مذكرة تفاهم مع اتحاد غرف التجارة العراقية لتعزيز العلاقات بين القطاع الخاص الأميركي ونظيره العراقي.

وقالت السفارة في بيان، إن "غرفة التجارة الأميركية برئاسة ستيف لوتس تقود وفدًا مكونًا من 101 عضو من حوالي 60 شركة أميركية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة إلى العراق"، لافتة إلى أن هذه أول مهمة تجارية معتمدة من وزارة التجارة الأميركية إلى العراق وأكبر وفد تجاري أميركي إلى العراق خلال تاريخ الغرفة.

ويعاني العراق من آثار الأزمات التي شهدها خلال العقود الأربعة الماضية نتيجة الحروب التي خاضها والصراعات السياسية الداخلية والأزمات الدولية إثر تذبذب أسعار النفط، التي أثرت على الواقع الاقتصادي للبلاد.

ولعل أبرز ما يعمق من أزمة الاقتصاد العراقي هو الفساد الإداري والمالي الذي يعيق الإصلاحات الحكومية.

وتؤكد الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري أن مكافحة الفساد الإداري والمالي والحد من هدر المال العام تأتي في مقدمة أولوياتها، عبر دعم وتفعيل الهيئات الرقابية ومتابعة ملفات الفساد الكبيرة التي سبق إعدادها من قبل الجهات الرقابية، وبعضها بالتعاون والشراكة مع جهات دولية مختصة بمكافحة الفساد في فترة الحكومات السابقة.