من شوارع بغداد.. أرشيفية
من شوارع بغداد.. أرشيفية

دعت السلطات العراقية سكان البلاد، الأحد، إلى ملازمة منازلهم يومي 20 و21 نوفمبر المقبل، بهدف إجراء تعداد عام للسكان والمساكن.

والتعداد الذي تعده وزارة التخطيط هو الأول من نوعه منذ عام 1997. وشمل يومها 15 محافظة، مستثنيا المحافظات الثلاث التي تشكل حاليا إقليم كردستان العراق في شمال البلاد.

وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مطلع أغسطس "أهمية التعداد العام للسكان الذي يأتي بعد 27 عاماً على آخر عملية تعداد، كونه يوفر البيانات أمام أصحاب القرار في جميع المفاصل، ويمنح معلومات مهمة في التخطيط وتوجيه الجهود بالوجهة الصحيحة".

وفي اجتماع، الأحد، ترأسه السوداني، جرى بحث ومتابعة التحضيرات الجارية واتخاذ "جملة مقررات تسهل من عملية الإعداد والتدريب لإجراء الإحصاء".

وأفاد بيان أصدره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بأنه تقرر "فرض حظر التجوال في عموم محافظات العراق يومي 20 و21 نوفمبر المقبل".

وأشار إلى "معالجة المتطلبات مع حكومة إقليم كردستان العراق في ما يخص تدريب الكوادر الإحصائية لعملية الترقيم والحصر".

وأرجئت مرارا عملية إحصاء كانت مقررة العام 2010 بسبب خلافات سياسية بشأن المناطق المتنازع عليها بين العرب والاكراد والتركمان في شمال البلاد.

ومحافظتا كركوك ونينوى الواقعتان شمال العراق على حدود كردستان هما في صلب النزاع بين الحكومة العراقية والسلطات الكردية.

ومثل أغلب دول العالم، يجري التعداد السكاني في العراق مرة واحدة كل عشر سنوات، لذا كان مفترضاً أن يتمَّ في عام 2007، ليتم إرجاؤه إلى 2009 بسبب الظروف الأمنية، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 تم إرجاؤه مُجدداً.

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، فإن استعدادات تنفيذ التعداد بدأت منذ عام 2019، وكان مأمولاً أن يُنفذ عام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، بعدما كان مستحيلاً على المُنظمين تكليف 150 ألف باحث ميداني بالتجوّل على المنازل في هذه الظروف، لذا أُرغمت وزارة التخطيط على تأجيل المشروع. 

وفي عام 2022، أُعلنت بغداد نيتها تنفيذ التعداد مجددا، وهو ما لم يحدث أيضاً بسبب الميزانية الكبيرة التي احتاجها الجهاز المركزي للإحصاء وتبلغ 120 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة من توفيرها حينها.

وستُحتّم نتائج الإحصاء إجراء تغييرات في الموازنة العامة. فإقليم كردستان يحصل على حصة من الموازنة مقابلة نسبة سكانه، وهي القضية التي تسببت في خلافٍ دائم بين الطرفين، بعدما قرّرت بغداد خفض حصة الإقليم إلى 12.6 في المئة بدلاً من 17 في المئة، رغم الاعتراضات الكردية على ذلك، بسبب التفاوت في تحديد عدد سكان الإقليم بين الطرفين.

توزيع الموازنة العامة الاتحادية بين المحافظات مرهونٌ هو الآخر بعدد سكانها؛ لذا يمثل التعداد السكاني بيئة صراع من قِبَل المحافظات الباحثة عن زيادة حصصها المالية.

رغم تكرار تعهداتها بحماية مستشاري قوات التحالف الدولي والمصالح الأميركية والغربية في العراق، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتمكن خلال السنوات الماضية من إيقاف هجمات وتهديدات المليشيات الموالية لإيران على هذه المصالح.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في بيان، الأحد الماضي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدد خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث "التزام العراق بحماية مستشاري التحالف الدولي الذين يتواجدون في العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية لدعم جهود مكافحة داعش، كما شدد على التزام العراق بحصر استخدام القوة بيد الدولة وتعزيز الاستقرار الداخلي".

وقال رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، لموقع "الحرة" إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تستطع وقف التهديدات والهجمات التي طالت المصالح الأميركية في العراق، لعدم قدرتها على حصر السلاح بيد الدولة.

وأضاف أن الحكومات لم تتمكن أيضا "من الوصول إلى تفاهمات سياسية مع هذه الفصائل، وأيضا لعدم قدرتها على التأثير على بيئتها السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي الائتلاف السياسي الحاكم في العراق"، وفق رأي الشمري.

وأردف قائلا: "حاولت الحكومة ممارسة تأثير خارجي على هذه الفصائل بالحديث مع إيران، لكن لم تحقق تقدما ملموسا".

ولفت إلى أن التهدئة الحالية التي فرضت على هذه الفصائل نتيجة حسابات معينة قد تنتهي وتستأنف هذه الفصائل هجماتها، خاصة إذا ما استشعرت أن هناك هجوم وشيك عليها وحتى على إيران.

وكثفت الميليشيات العراقية الموالية لإيران المنضوية في ما يطلف عليها "المقاومة الإسلامية في العراق" خلال العامين الماضيين من هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على البعثات الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي والمصالح الأميركية في إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى. 

وشنت هجمات أيضا على إسرائيل وقواعد أميركية في سوريا، انطلاقا من الأراضي العراقية.

ويتفق الخبير الاستراتيجي، علاء النشوع، مع الشمري في عدم قدرة الحكومة العراقية على السيطرة على هذه الميليشيات وسلاحها.

وقال النشوع، لموقع "الحرة"، إن هذه الميليشيات التي يسميها بـ"قوى اللادولة" تمتلك قدرات أكبر من كل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية من ناحية الأسلحة والمعدات كالصواريخ، والطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة.

وأضاف: "لا يمكن مواجهة قوى اللادولة ومعالجتها من قبل أي قوة عسكرية عراقية حكومية، إضافة إلى أن القرار السياسي والعسكري والأمني العراقي محدود الصلاحيات، نظرا للتأثير المباشر لهذه القوى على القرار الحكومي، وأي قرار قد يصدر ضد إرادتها لن يكون مجديا".

ولفت النشوع الى أن العراق لا يستطيع اتخاذ أي قرار يخالف الأجندة الإيرانية، لأن إيران عبر نفوذها وأذرعها انتشرت في مفاصل الدولة العراقية. 

وبيّن أن "إيران تتحكم بكل مقدرات العراق ضمن قواعد اللعبة التي تديرها في المنطقة من خلال مفهوم وحدة الساحات، حتى بعد انهيار الساحتين اللبنانية والسورية ومضي الساحة اليمنية نحو الانهيار، لاتزال إيران تحتفظ بالساحة العراقية وتعتبرها مجالها الحيوي المؤثر على الوضع الإقليمي والدولي".

وأعلنت المليشيات العراقية في نوفمبر الماضي، عن إيقاف هجماتها ضد المصالح الأميركية وإسرائيل، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. 

لكن قادة هذه المليشيات أكدوا في تصريحات صحفية، في الشهرين الماضيين، أن قرار إلغاء عملياتهم لا يعني إلغائها بالمطلق.

وأعرب الكاتب المحلل السياسي، علي البيدر، عن اعتقاده، أن الدولة العراقية بدأت تفرض نفسها في المشهد خصوصا في الجوانب الأمنية.

وقال البيدر، لموقع "الحرة"،  إنه "لا يمكن الحديث عن حماية مطلقة، لا للوجود الأميركي المسلح ولا للمصالح الغربية بشكل عام، لوجود تحديث مستمر للجماعات المسلحة والخطط الأمنية، حتى على مستوى المسميات، ففي كل يوم يظهر اسم وجماعة مسلحة وفصيل جديد وعملية جديدة، لكن الواقع الأمني اليوم أفضل، فضلا عن وجود رادع دولي قد يقلل من نسبة استهداف تلك المصالح".

ورأى البيدر أن عملية حصر السلاح بيد الدولة في العراق تحتاج إلى سنوات طويلة وإلى وعي مجتمعي وثقافة شعبية. 

وأضاف: "ما زلنا خارج الحسابات في هذا الجانب، يمكن أن يحصر السلاح عندما توفر بيئة مناسبة لذلك، قد تكون القوة المفرطة، أو الذهاب إلى خيار السلام الشامل".

وتنضوي الميليشيات العراقية الموالية لإيران في هيئة الحشد الشعبي، ووصل عددها إلى أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب العشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة.

وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال لرويترز، في يناير الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

وتأتي هذه الخطوة على خلفية التحولات في الشرق الأوسط التي شهدت تدهور حلفاء إيران المسلحين في غزة ولبنان، والإطاحة بنظام بشار الأسد أكبر حلفاء طهران.

ويتوعد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب - بعد تسلمه السلطة - بتكثيف الضغوط على طهران التي دعمت منذ فترة طويلة عددا من الأحزاب السياسية ومجموعة من الفصائل المسلحة في العراق.

ويشعر بعض المسؤولين في بغداد بالقلق من أن الوضع الراهن هناك قد ينقلب رأسا على عقب بعد ذلك، لكن حسين قلل من أهمية هذا الأمر في مقابلة مع رويترز خلال زيارة رسمية إلى لندن.