التعديلات المقترحة أثارت موجة غضب واسعة في أوساط المجتمع المدني
التعديلات المقترحة أثارت موجة غضب واسعة في أوساط المجتمع المدني

قالت اللجنة القانونية النيابية في مجلس النواب العراقي، الجمعة، إنها ستأخذ بعين الاعتبار جميع الاعتراضات حول قانون الأحوال الشخصية فيما بينت عدم وجود فرض إرادة في تمرير القانون.

وتصاعد الجدل الخلافي حول مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية وأثارت التعديلات المقترحة موجة غضب واسعة في أوساط المجتمع المدني وسط اتهامات بأنها تعزز الطائفية في البلاد وتهضم حقوق المرأة، بل وتشرعن زواج القاصرات.

عضو اللجنة رائد المالكي قال لوكالة الأنباء العراقية، إن جميع الاعتراضات والملاحظات بشأن قانون الأحوال الشخصية ستؤخذ بعين الاعتبار، لافتاً إلى أن "المخاوف عن القانون مفهومة بشكل خاطئ من خلال الإعلام ومن جهات نسبت للقانون بنود فقرات غير موجودة" بحسب الوكالة.

وأضاف المالكي أنه "لا يوجد فرض إرادة في تمرير القانون وأن جلسة القراءة الثانية انتهت بالاستناد للمقترحات التي سيؤخذ بها وتدارسها في صياغة مقترح القانون. عضو اللجنة القانونية النيابية".

و أشار أيضا إلى أن جوهر القانون هو إعطاء الحرية للعراقيين باختيار أحوالهم الشخصية وفق الدستور الذي كفلها في المادة 41 منه، بحسب تعبيره.

وأنهى مجلس النواب، الاثنين الماضي، مناقشة مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959المادتين 2و 10".

المحكمة الاتحادية العليا قالت بدورها، الثلاثاء، إن الدستور منح العراقيين حرية تنظيم الأحوال الشخصية وفقاً للديانة والمذهب والمعتقد. 

وجاء في تفسير المحكمة، نقلا عن وكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن المادة 41 من الدستور العراقي لسنة 2005، نصت على "منح الشعب العراقي حرية تنظيم أحواله الشخصية وفقاً للديانة أو المذهب أو المعتقد أو وفقاً لاختياراتهم الشخصية، ولا يجوز تقييد ممارسة ذلك الحق أو تحديده إلا بناءً على قانون على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية على أن يتم تنظيم تلك الحرية في الالتزام بالأحوال الشخصية بقانون".

وناقش رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، الأربعاء، الملاحظات المتعلقة بالمشروع بعد انتهاء مجلس النواب من القراءة الأولية له. 

وقال المجلس في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية، إن زيدان استقبل مجموعة من النساء من أعضاء مجلس النواب وشبكة النساء العراقيات، حيث ناقشوا الملاحظات المتعلقة بتعديل القانون.

ويلقى المشروع دعما قويا من المكون الشيعي في البرلمان العراقي، بدعوى أنه يستند إلى الدستور العراقي، ومن أبرز المعارضين للتعديلات "تحالف 188" الذي يضم مجموعة من الحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني، وقوى سياسية ومدنية، وأعلنوا في بيان سابق رفضهم للتعديلات لما تمثل من "انتهاك سافر للدستور والحقوق والحريات الواردة فيه، ويمثل تراجعا عن الحقوق القانونية التي اكتسبتها المرأة".

كما يعتبر التحالف أن التعديلات سوف "تقود إلى انقسام مجتمعي طائفي ومذهبي".

ويمنح القانون الحق للمواطنين في اختيار اللجوء إلى إحدى ما يطلق عليهم مدونتين (واحدة شيعية وأخرى سنية) في تنظيم أحوالهم الشخصية، ويُعِد  المجلسان السنّي والشيعي المدونات، التي تمثل ضوابط وأحكام شرعية، ويتم تقديمها إلى البرلمان.

وبحسب المقترحات يتم تقديم تلك المدونات من المجلسين السني والشيعي إلى البرلمان، خلال ستة أشهر من سن التشريع.

يشار إلى أن الفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية الحالي الصادر عام 1959، تشترط بلوغ الزوجين 18 عاما لعقد القران، أو 15 عاما مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي والقابلية البدنية".

وترفض منظمات مجتمع مدني التعديلات الجديدة، التي يرون أنها سوف تفتح الباب أمام زواج القاصرات، إذ سيكون الرأي في الزواج هنا بعيدا عن القاضي والمحكمة، وتحدده المدونة الشيعية أو السنية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها الجدل بشأن إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية أو إلغائه، ففي عام 2014، أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي تقدم به وزير العدل آنذاك، حسن الشمري، جدلا واسعا وسخطا من منظمات المجتمع المدني، واعتبرته انتهاكا خطيرا لحقوق الطفولة لأنه يجيز تزويج الطفلة تحت سن 9 أعوام.

ويحدد  مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري  قواعد الميراث والزواج والطلاق والنفقة، ويرى المدافعون عن القانون أنه لا يفعل سوى تنظيم الممارسات اليومية لاتباع المذهب الجعفري.

لكن معارضيه الذين يمثلون تيارات مدنية يعتبرون المشروع خطوة إلى الوراء وانتهاكا لحقوق المرأة في العراق، ويشعرون بالقلق من أن يفاقم الاحتقان الطائفي في بلاد تشهد توترات سنية شيعية متواصلة.

مجلس القضاء الأعلى في العراق
مطالبات بإعادة صياغة المناهج الدراسية لتوضيح أن العشائر هي جزء تابع للدولة العراقية وليس موازياً لها

تشكل النزاعات العشائرية في العراق تهديداً خطيراً لبنية المجتمع، حيث تستمر منذ سنوات طويلة دون حلول جذرية تضع حداً لهذه الظاهرة، وباتت ساحات الصراعات القبلية بديلاً عن قاعات المحاكم، مما ينذر بمخاطر كبيرة على استقرار المجتمع، إذ يعود تصاعد هذه الظاهرة واستمرارها إلى لجوء الأفراد إلى العشيرة كبديل لتسوية خلافاتهم، نتيجة ضعف تطبيق القانون وانتشار الفساد.

وفي سابقة خطيرة تعكس تعقيد ملف النزاعات العشائرية، اضطرت عشائر أربعة من منتسبي قوات الرد السريع العراقية، في يناير من العام الجاري، إلى دفع مبلغ 100 مليون دينار عراقي (حوالي 68 ألف دولار)، "كـ دية عشائرية" لقبيلة البو بدر في محافظة واسط جنوبي العراق.

إذ عُقدت "الجلسة العشائرية" في منزل رئيس القبيلة النائب في البرلمان العراقي، أحمد البدري، بحضور قائد فرقة الرد السريع، على خلفية مقتل أحد أبنائها، حسبما افاد مصدر من أبناء القبيلة لموقع "الحرة".

وجاءت هذه الواقعة إثر تظاهرة نظمها عدد من الفلاحين احتجاجاً على خلاف حول مياه نهر الرحمة بأحد أقضية محافظة واسط، مما دفع قوات الرد السريع إلى التدخل لتفريق التظاهرة، وقد أدى ذلك إلى مقتل أحد المتظاهرين، واتُهم أربعة من منتسبيها بذلك، ما يبرز تجاوز القانون واللجوء إلى الأعراف العشائرية لحل النزاع.

القبيلة.. حينما تمسي أقوى من القانون

المراقب السياسي، مضر الحسن، أكد لموقع "الحرة" أن الإرادة السياسية باعتبارها إرادة فاعلة للدولة، هي إرادة شكلية وليست حقيقية في العراق، وبالتالي فإن غياب هذه الإرادة يعوق جهود تحجيم سطوة العشائر وحصر السلاح بيد الدولة، مما يؤدي إلى ضعف سيادة القانون ويعزز من هيمنة العشائر.

ويرى الحسن أن الالتزام بالعُرف العشائري يتفوق على الالتزام بالقانون في المجتمع العراقي، لاسيما في القضايا الأمنية والاجتماعية، ويستند هذا العرف إلى قوة العشائر ونفوذها في الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية، حيث تفرض الإرادة القبلية تأثيرها على القرارات الحكومية، كما أن بعض مؤسسات الدولة تحتكر لصالح أبناء العشائر، مما يؤدي إلى تجاوزات على القانون.

ويضيف أن ما تقدم يسهم بشكل فعلي في تنامي قوة العشيرة وسطوتها، بل إن الأمر النزاعات العشائرية حيزاً كبيراً تدفع أحياناً لإعاقة عمليات تطبيق القانون خشية ملاحقات تطال المعنيين بتنفيذ أوامر القبض بحق المطلوبين.

ويشير الحسن إلى أن بعض العشائر أصبحت مركزاً لنمو اقتصاديات كبيرة بفضل النفوذ الذي تتمتع به، مما يعكس نظاماً يشبه بل يتفوق على النظام الإقطاعي الذي كان سائدًا قبل الخمسينيات.

ويؤكد أن الدولة العراقية غير قادرة على الحد من نفوذ العشائر، سيما وأن الحكومات التي تشكلها الأحزاب السياسية المرحلية تعتمد على هذه العشائر في تنفيذ أجنداتها، مما يجعلها جزءاً من منظومة الفساد كما يرى المراقب السياسي.

فضلاً عن ذلك، فإن هذه الأحزاب تعتمد بشكل كبير على العشائر في الانتخابات، مما يعزز من قوتها السياسية، كما أن الدولة غير قادرة على حصر السلاح بيدها بشكل شفاف وعملي، نظراً لأن قوة العشيرة تستند على السلاح في الحفاظ على نفوذها.

قوة موازية تهدد هيبة الدولة

يرى الخبير القانوني، وائل منذر، أن النزاعات العشائرية تمثل تهديداً خطيراً للأمن في العراق، حيث تتسبب في إضعاف هيبة الدولة وتؤدي إلى إرباكها في السيطرة على مناطق واسعة، سيما في وسط وجنوب البلاد، إذ تمتلك بعض العشائر قوة عسكرية، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة التي استحوذت عليها بعد سقوط نظام 2003، مما يمنحها قدرة على تحدي السلطة وعرقلة تنفيذ القانون.

ويوضح أنه رغم إنشاء مديرية لشؤون العشائر في وزارة الداخلية، ولجان خاصة في رئاسة مجلس الوزراء ولجنة العشائر في مجلس النواب لكن هذه الإجراءات لم تسهم بشكل فعّال في جعل العشائر طرفاً داعماً لتطبيق وإنفاذ القانون.

ويشير إلى أن الممارسات التي تقوم بها العشائر، مثل ما يُعرف بـ"الدكة العشائرية"، تندرج قانونًا تحت نطاق جرائم التهديد، فقد نظم قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، في المادة 430، الأحكام القانونية الخاصة بجرائم التهديد، التي تصل عقوبتها إلى السجن لمدة لا تتجاوز 7 سنوات لكن مجلس القضاء الأعلى اعتمد منذ 5 سنوات آلية خاصة، حيث اعتبر التهديد المسلح الذي تنفذه العشائر مشمولاً بأحكام قانون الإرهاب.

ويضيف الخبير القانوني أن التهديد المسلح من قبل العشائر يندرج ضمن أحكام المادة 2 من قانون الإرهاب لعام 2005، مما يعرض مرتكبي هذه الأفعال لعقوبات شديدة قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، وفي الحالات المخففة تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات، إذ يُعد إطلاق العيارات النارية على منازل الأفراد تهديداً مباشراً وإلقاء

للرعب بين المواطنين، وأسهم تشديد العقوبات في انخفاض نسبة "الدكة العشائرية" بشكل ملحوظ، وفقاً للخبير.

ويبيّن أن اللجوء المتزايد من الأفراد إلى العشيرة لحل خلافاتهم، يعود إلى طبيعة التركيبة الاجتماعية العشائرية في مناطق معينة، بالإضافة إلى قلة الوعي وضعف إجراءات التقاضي وبطئها، لذا يفضل الأفراد اللجوء إلى العشيرة باعتبارها حلاً سريعاً لحسم النزاعات، كما أنها تحقق نتائج ملموسة أكثر ما يحققه لهم القانون.

ويعتقد منذر أن الحد من ظاهرة النزاعات العشائرية يتطلب حلولاً تأخذ عدة جوانب، من أبرزها تطبيق العقوبات المشددة على كل من يقدم على أفعال الدكة العشائرية.

كما يرى ضرورة إعادة صياغة المناهج الدراسية لتوضيح أن العشائر هي جزء تابع للدولة وليس موازياً لها، مع ترسيخ هذه الفكرة وتوعية المجتمع بها، ومحاربة الفساد واختيار ضباط أكفاء لتسريع إجراءات التقاضي بين الأفراد، يرافقها توفير الحماية القانونية لرجال إنفاذ القانون.

"محاربة الفوضى بالقانون"

أكد مساعد وزير الداخلية لشؤون العشائر، اللواء ناصر النوري، في تصريح خاص لموقع "الحرة"، أن وزارة الداخلية العراقية تولي اهتماماً كبيراً في ملف النزاعات العشائرية وتبذل جهوداً حقيقية للحد من هذه الظاهرة التي تهدد السلم الأهلي وأضاف أن الوزارة نجحت بهذا وتمكنت من خفض نسبة النزاعات في المجتمع العراقي إلى نحو 90 بالمئة.

وأشار النوري إلى أن هناك إجراءات استباقية تواصل الوزارة العمل عليها للحد من ظاهرة النزاعات العشائرية، من بينها، تفعيل قانون السلم المجتمعي الذي يتضمن تصحيح مسار العرف العشائري وتهذيب التقاليد القبلية، وأيضاً اعتماد الأعراف العشائرية الأصيلة بعيداً عن السلوكيات العشائرية غير السوية.

بالإضافة إلى توحيد ما يُعرف بالثانية العشائرية بعموم البلاد، هذه الإجراءات سيتم إقرارها قريباً في لجنة العشائر النيابية، مع التأكيد على أن كل ما يخالف هذه القواعد سيتعرض للمسائلة القانونية، سيما وأن تجدد النزاعات العشائرية، أرجعه النوري إلى المغالاة في الفصول العشائرية، ما يؤدي إلى صعوبة تسديدها ويخلق فوضى تسهم في استمرار النزاعات وتطورها.

كما أن رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية تبنت حصر السلاح المنفلت كجزء من التحوطات الاستباقية إذ تواصل الوزارة عمليات مصادرة الأسلحة، وتم إيداع أعداد كبيرة من هذه الأسلحة في المديرية العامة للبنى التحتية التابعة للوزارة، مع استمرار العمل في هذا الإطار.

وفيما يخص تجارة المخدرات، شدد النوري على أنها تعد أحد مسببات الصراعات العشائرية، حيث تدر أرباحاً طائلة، لذلك، وجه وزير الداخلية بتطويق هذه التجارة بجهود عالية، كما تم تفعيل لجنة فض النزاعات وتم تشكيل في كل قسم من أقسام عشائر المحافظات، لجان هيئة الرأي لتدارك تطور النزاعات والعمل على فضها بالتعاون مع شيوخ العشائر قبل الوصول إلى ما يُعرف بـ "الدكة العشائرية".

وبيّن أن أكثر المناطق التي تشهد صراعات قبلية، وفق دراسة أعدت، هي شمالي البصرة وأطرافها الغربية، بالإضافة إلى عدد من أقضية محافظة ميسان وأطراف العاصمة بغداد، فضلاً عن محافظة ذي قار.

وأكد أن الوزارة وعبر هذه الإجراءات، من أهمها لجان هيئة الرأي في المحافظات، تمكنت من حسم أكثر من 6400 نزاع عشائري، منذ عام 2020 وحتى الأن ، قبل أن يصل إلى الاشتباك المسلح أو الدكة العشائرية، وفي عام 2024، وقع 100 نزاع عشائري وتم فض معظمها عبر تدخل الوزارة بشكل مباشر.

وأشار إلى أن دائرة شؤون العشائر في وزارة الداخلية مستمرة في عقد المؤتمرات العشائرية الأمنية في جميع مضايف محافظات البلاد بحضور قادة الأجهزة الأمنية في كل محافظة.

وتهدف هذه المؤتمرات إلى التثقيف بمخاطر هذه النزاعات وترجمة القانون على أرض الواقع ومنع حدوث هذه الصراعات، ولفت إلى منح صلاحيات للمحافظين باعتبارهم رؤساء اللجان الأمنية في المحافظات لتطبيق أشد العقوبات على كل من يخالف القانون، بما في ذلك معاقبة كل من يعتدي أو يفرض على موظفي الدولة، خاصة المنتسبين الأمنيين، الفصل العشائري.

وأوضح النوري، أن القوات الأمنية تتابع ميدانياً أي نزاع عشائري وتتدخل على الفور لمنع تطوره، حيث أُعتقل في الآونة الأخيرة 4 من شيوخ العشائر لفرضهم دية عشائرية على ضباط ومنتسبين.

البطيخ.. عندما يصبح سبباً للموت

أوضح الخبير في الشؤون الأمنية سيف رعد لموقع "الحرة" أن قوات الأمن العراقية تتعامل بحذر بالغ مع ملف النزاعات العشائرية، نظراً لحساسيته الشديدة وتركيبته المعقدة وما يترتب عليه من تبعات تاريخية واجتماعية كبيرة.

فهذه العشائر والقبائل كانت قد اكتسبت بعد عام 2003 نفوذاً متزايداً على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ أن علاقاتها الواسعة بالطبقة السياسية ومسؤولي الدولة، بالإضافة إلى امتداداتها بالدول الإقليمية ساعدت في تعزيز قوتها السياسية والميدانية.

ويضيف رعد أن من أبرز التحديات في معالجة النزاعات القبلية يكمن في مسألة نزع سلاح العشائر بشكل واقعي، وهو أمر معقد يواجه صعوبات في التنفيذ الفعلي سواء عبر تطبيق القانون أو من خلال التفاهمات السياسية.

ففي حال استخدام القوة لفرض الأمر، فإن العشائر سترد بقوة مشابهة بفضل ما تملكه من نفوذ سياسي وترسانة أسلحة متوسطة وثقيلة،ما يهدد بتصاعد التوتر على الجانب الأمني، أما في حالة التفاهمات، فإن التدخلات السياسية قد تُفضي إلى عملية تسويف هذه الملفات دون الوصول إلى حلول حقيقية.

ويؤكد رعد، حسب مشاهداته وقوع العديد من الحالات التي اضطر خلالها ضباطاً ومنتسبين في قوات الأمن العراقية إلى دفع دية عشائرية، على خلفية حوادث قتل أو إصابات غير مقصودة طالت مدنيين تواجدوا صدفة في مناطق شهدت اشتباكات مع عصابات أو أثناء ملاحقة مجرمين أو تجار مخدرات.

ويشير الخبير الأمني إلى أن تداعيات النزاعات العشائرية تشكل تحدياً أمنياً خطيراً على المؤسسات الرسمية وسلطة القانون، وقد خرجت هذه النزاعات مؤخراً عن الأعراف العشائرية ومنطق العقل، خاصة مع انتشار السلاح بين أفراد هذه العشائر.

حيث نشب خلاف بين شخصين حول سعر البطيخ أدى إلى تبادل تجاوزات لفظية، وتطور الأمر إلى نزاع عشائري أسفر عن مقتل 6 أشخاص من العشيرتيّن جنوبي بغداد، كما وقع نزاع عشائري في محافظة ميسان نتيجة حادث سير تسبب في دهس أحد المواشي، ولم ينتي النزاع إلا بعد دفع دية مقابل موت الحيوان.

فيما شهدت الكوادر الطبية العديد من الاعتداءات والتهديدات من قبل بعض الأفراد، لأسباب متنوعة تشمل الأخطاء الطبية أوالوفاة الطبيعية في المستشفيات،التي يربطها البعض بتقصير من الكادر الطبي، ويُعتبر هذا أحد الأسباب التي دفعت العديد من الأطباء إلى الهجرة خارج العراق بسبب الملاحقات العشائرية وغياب الحماية لهذه الفئة، فضلاً عن إجبارهم على دفع مبالغ طائلة تحت مسمى "الدية العشائرية".

وأكد الخبير الأمني أن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، تتطلب اتخاذ عدة خطوات، أهمها فرض هيبة الدولة وسلطة القانون، والتحرك بقرار سياسي وطني بعيداً عن أي تدخلات إضافة إلى نزع سلاح العشائر، ويرى أن أي حلول لن تنجح دون وجود إرادة سياسية حقيقية.

"حرب على كل شيء"

يقول الناشط المدني، حسين العامل، لموقع "الحرة"، إن النزاعات العشائرية تهدد أمن وطمأنينة المدنيين كما أنها تضعف ثقتهم بالمنظومة الأمنية، خاصة مع استمرار هذه النزاعات دون حلول فعالة تحد منها.

ويضيف أن المحافظات الجنوبية تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في هذه النزاعات، إذ سجلت محافظة ذي قار جنوبي العراق، 120 نزاعاً عشائرياً مسلحاً خلال عام 2024 فقط، أي بمعدل 10 نزاعات شهرياً، وفقاً لإحصائيات رسمية، على حد قوله.

ويؤكد تعدد أسباب النزاعات العشائرية، منها ما يتعلق باختلافات كبيرة مثل النزاع على الحصص المائية في المناطق الزراعية، بسبب شح المياه الذي تعيشه البلاد، كما تحدث نزاعات نتيجة لعمليات بيع وشراء السيارات بالأجل، بالإضافة إلى التعاملات المالية خاصة الربوية منها.

إلى جانب ذلك، هناك نزاعات تنشأ لأسباب تبدو بسيطة، مثل التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، وقع نزاع عشائري في أحدى النواحي أطراف مدينة الناصرية خلف عدد من القتلى والجرحى بينهم ضابط برتبة كبيرة، بسبب تعليق أحد المواطنين على منشور خاص برئيس وحدة إدارية على الفيسبوك يتعلق بإنتقاد أحد المشاريع في المنطقة.

كما تتسبب أحياناً دخول مواشي "أبقار وأغنام" إلى الأراضي الزراعية في اندلاع نزاعات، حيث يعتبر أصحاب الأراضي ذلك تعدياً على ممتلكاتهم، فيما قد تتطور الخلافات البسيطة، مثل مشاجرات بين الأطفال أو شجار عابر بسبب مباراة كرة قدم، إلى نزاعات عشائرية مسلحة.

أما بالنسبة لتفاقم النزاعات العشائرية، فيُرجع الناشط المدني ذلك إلى التعصب القبلي وتأخر حسم الخلافات في القضاء، كما أن تدخل الفصائل المسلحة في هذه النزاعات يزيد من تعقيد الوضع، ويعيق جهود القوات الأمنية أحياناً لفض هذه النزاعات حتى لاتضطر لمواجهة هذه الفصائل.

ويعتقد العامل، أن الدولة العراقية لا تمتلك الإمكانية الكافية للسيطرة على النزاعات العشائرية، في ظل امتلاك بعض العشائر لترسانة من الأسلحة التي قد تشمل أسلحة متوسطة وثقيلة التي تستخدمها العشائر ضد القوات الأمنية إذا لزم الأمر، إذ دفع أحد النزاعات العشائرية إلى غلق مدرسة حكومية لمدة أسبوع في أحد أقضية محافظة ذي قار، ولم يُسمح بإعادة فتحها إلا بعد تعهدات ووساطات.

ويضيف أن بعض العشائر تعمل على تعزيز ترسانتها التسليحية لمواجهة الخصوم، ما يثبت وجود تجارة سلاح داخل العراق حسب قوله، فالهزيمة في النزاع العشائري

تعتبر عاراً يمتد لأجيال، ويرى أن إنهاء هذه الظاهرة الخطيرة مرهون بفرض هيبة الدولة وتعزيز سيادة القانون، بالإضافة إلى القضاء على الفساد.