تباينت ردود فعل المراقبين بشأن المخاوف من توسع الصراع في المنطقة إلى "حرب شاملة" قد يدخل العراق طرفا فيها، سيما بعد استمرار فصائل تطلق على نفسها وصف "المقاومة الإسلامية في العراق" في شن هجمات على أهداف في إسرائيل.
هذه المخاوف جاءت بعد إعلان الجيش الاسرائيلي، الأربعاء، اعتراض طائرة مسيرة أطلقت من الشرق في اتجاه مدينة إيلات الساحلية، ورصد مسيرة أخرى تسقط في المنطقة، وهو هجوم تبنته مجموعة فصائل عراقية موالية لطهران.
صد هذه الهجمات تزامن مع تصريحات للرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، حين قال إن "الحرب الشاملة ممكنة في الشرق الأوسط لكن هناك أيضا إمكانية لتسوية صراع إسرائيل في غزة ومع حزب الله"، حسب قوله.
مصر والأردن والعراق حذرت بدورها، في بيان مشترك الأربعاء، من أن إسرائيل "تدفع المنطقة إلى حرب شاملة"، وشددت على أن وقف هذا التصعيد يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بحسب البيان.
وتبنت الفصائل العراقية المسلحة هجوما "بالطيران المسير" على إيلات في إسرائيل. ودعا فصيل "كتائب حزب الله" في العراق، الأربعاء، الفصائل الموالية لإيران إلى "زيادة منسوب وحجم عملياتها ومستوى تهديدها" لإسرائيل.
الفصائل المسلحة العراقية والصراع في الشرق الأوسط
يرى اللواء الركن العراقي المتقاعد والخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، د.عماد علو، في حديث لموقع الحرة أن هذه الفصائل كانت منخرطة في هذا الصراع منذ نوفمبر الماضي، من خلال عمليات نفذتها في الداخل العراقي ضد القوات الأميركية وهجمات أخرى في إسرائيل.
وينوه علو إلى أن تلك الفصائل كانت طرفا في ما يعرف بـ"استراتيجية وحدة الساحات"، إذ تعمل تحت مظلة قيادة مشتركة مع فصائل أخرى في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
ويضيف علو أن تكثيف الفصائل العراقية هجماتها جاء ردا على ما وصفه بـ "التصعيد الاسرائيلي" في لبنان، وتوقع أن يكون لهذه الخطوة رد فعل إسرائيلي أو أميركي من خلال استهداف مواقع تابعة لهذه الفصائل.
مدير برنامج العراق في المجلس الأطلسي بواشنطن، د. عباس كاظم، يرى من جهته أنه "بديهيا، عندما يتوسع الصراع ويتم استهداف مصالح لجهات جديدة، فسنجد أن دولا أو أطرافا أخرى ستدخل على خط الصراع مما يعقد من مسار جهود السلام برمتها".
ويشير كاظم في حديثه لموقع الحرة إلى أن رد الفعل على العمليات التي تنفذها الفصائل المسلحة مستقبلا مرهون بحجم الهجمات والجهات المتورطة به من جهة، والضرر الذي ستتسبب به من جهة أخرى.
ويرى عباس أن "الجميع يتوقع أن يتوسع هذا الصراع ونفقد السيطرة عليه جراء دخول جهات في هذه الحرب، وأن الحد من ذلك يعتمد على قدرة اللاعبين الكبار، مجلس الأمن الدولي، والولايات المتحدة وإيران وحتى العراق، على أداء دورهم في نزع فتيل الأزمة" بحسب تعبيره.
الحكومة العراقية والفصائل المسلحة .. علاقة معقدة
أشار عماد علو إلى أن الموقف الرسمي العراقي واضح في هذا الشأن، وهو عدم انخراط البلد في الحرب أو الرغبة في توسيع الصراع، وأن هذا الموقف اقتصر على تقديم الدعم الانساني والإسناد الطبي واللوجستي للبنانيين والفلسطينيين، بحسب تعبيره.
ويستبعد علو وجود مبرر لأي جهة في توسيع نطاق الحرب باتجاه العراق بسبب مواقف بغداد الرسمية حيال هذا الموضوع. وأوضح أن هذه الفصائل تأخذ بعين الاعتبار موقف العراق الرسمي ولا ترغب في توسيع الصراع "الذي قد يفضي إلى ما لا يحمد عقباه من تبعات على أمن واستقرار البلد"، لكنه توقع أن تواصل هذه الفصائل شن هجماتها من خارج الأراضي العراقية لكي يكون الرد على هذه العمليات محدودا.
عباس كاظم قال من جهته إن "خيوط هذا الصراع متشابكة، فالحكومة العراقية من جهة غير قادرة على إقناع الجهات التي تحمل شعار 'دعم الفلسطينيين' على عدم التدخل خوفا من الانتقادات الداخلية، ومن جهة أخرى، العديد من هذه الفصائل المسلحة لها رؤى مختلفة وتعمل خارج سيطرة الدولة في العديد من الملفات، وهذه هي إحدى المشكلات العراقية في مرحلة ما بعد 2003".
ويشير كاظم إلى أن الحكومة العراقية لا تُحسد على هذا الموقف بسبب "الملفات المتشابكة واهتمامها بأجندات وأولويات داخلية، وعدم رغبتها في أن تدخل في صراع نجحت هذه الحكومة لحد الآن في منع أن يكون العراق طرفا فيه" بحسب تعبيره.
هل يدخل العراق طرفا في "الحرب الشاملة" إذا وقعت؟
واستبعد عماد علو في حديثه لموقع الحرة، أن يدخل العراق طرفا في هذا الصراع، إذ يقول إن العراق والمجتمع الدولي لا يرغب في توسيع نطاق الحرب، لأن ذلك ليس من مصلحة أي جهة بسبب تبعات ذلك على أمور عدة أبرزها تدفق الطاقة والتجارة الدولية، والمخاوف من أن تتحول هذه الحرب إلى صراع عالمي، بحسب تعبيره.
أما عباس كاظم فيقول إن "ترك الأمور بيد الجهات المتصارعة فقط سيؤدي إلى "سيناريوهات سيئة جدا في المنطقة"، مؤكدا أن ما نحتاجه اليوم هو الحكمة والحنكة السياسية، وأن تطرح الجهات المتصارعة البدائل على الطاولة لحل الأزمة بدلا من التركيز على مسيرة الصراع والأضرار المتوقعة.
ويضيف كاظم أن الصراع في الشرق الأوسط لا يُعنى بالحدود الجغرافية بسبب تعقيدات المنطقة وتشابك المصالح، وأن الحكمة هنا هي ليست في أن يركز كل طرف على كيفية إدارة هذا الصراع بل منع توسعه وإيقافه.
وينهي مدير برنامج العراق في المجلس الأطلسي بواشنطن حديثه لموقع الحرة بالقول: "أي جهة أو دولة بإمكانها أن تبدأ حربا، لكن إنهاء هذا الصراع لن يكون بيدها، فالحرب تبدأ بإرادة معينة لكن الظروف هي التي ترسم نهايتها، ولا أحد يرغب في حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط والتي هي منذ فترة طويلة على فوهة بركان".
وكثفت الفصائل المسلحة العراقية هجماتها على إسرائيل لتخفيف الضغط عن حزب الله، مستهدفة مواقع متنوعة من خلال ضربات صاروخية وطائرات مسيرة. ففي الأشهر الأخيرة، أعلنت الفصائل، التي تضمّ عدة من أبرزها كتائب حزب الله والنجباء وكتائب سيد الشهداء وهي ثلاثة فصائل مستهدفة بعقوبات أميركية، شن هجمات بطائرات بدون طيار على أهداف في إسرائيل.
ومنذ فجر الأحد، أعلنت هذه الفصائل الموالية لإيران استهداف إسرائيل بما لا يقل عن 11 هجوما بالمسيرات والصواريخ، ومنذ أبريل، أكدت إسرائيل وقوع عدد من الهجمات الجوية من جهة الشرق، من دون أن توجه أصابع الاتهام إلى جهة محددة، قائلة إنها اعترضت المسيرات خارج مجالها الجوي.
وفي إطار تضامنها مع الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، تبنت هذه الفصائل تنفيذ أكثر من 175 هجوما صاروخيا وبطائرات مسيرة في نهاية 2023 في العراق وسوريا، استهدفت قواعد تستضيف جنودا أميركيين في إطار التحالف الدولي لمواجهة تنظيم "داعش".
ومنذ أبريل، أكدت إسرائيل وقوع عدد من الهجمات الجوية من جهة الشرق، قائلة إنها اعترضت المسيرات خارج مجالها الجوي.