شح المياه وارتفاع درجات الحرارة والتلوث .. عوامل تهدد بيئة العراق
شح المياه وارتفاع درجات الحرارة والتلوث .. عوامل تهدد بيئة العراق

الجفاف وإرتفاع درجات الحرارة والتلوث، عوامل تهدد الحياة البيئية في أهوار جنوب العراق، هذا ما خلصت إليه الجهات المختصة خلال ورشة عمل أقيمت في محافظة البصرة وشارك فيها باحثون من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".

يقول هادي عبد الحسين، مسؤول شعبة الأهوار في حكومة البصرة المحلية، إن هور الحويزة يعاني حاليا شحا في المياه بسبب قلة كميات المياه التي تصل إليه من مناطق المشرح والكحلاء في محافظة ميسان.

وأضاف عبد الحسين، أن هور "المدينة" يعاني أيضا من شح المياه "لاعتماده بشكل أساسي على نهر الفرات الذي تأثر بالتغيرات المناخية من ارتفاع بدرجات الحرارة وقلة تساقط الامطار، وبالتالي الحصص المائية المخصصة للأهوار اصبحت قليلة" بحسب تعبيره.

اليونيسكو .. الجفاف يعتبر العامل والمهدد رقم واحد لاهوار العراق

مظفر عبد الباقي، الباحث في المركز الاقليمي العربي للتراث التابع لمنظمة اليونسكو أوضح من جهته لـ "الحرة"، أن شح المياه يعتبر العامل المهدد الأول لأهوار جنوب العراق.

يقول عبد الباقي إن أهوار العراق هي مسطحات مياه عذبة ضحلة قابلة للجفاف سريعا وتقع في منطقة حارة وجافة تعرضت مؤخرا إلى تغيرات مناخية قاسية، ويشير إلى أن "كل هذا يلقي بضلاله سلباً على الأهوار وعلى التنوع الاحيائي الموجود في المنطقة" على حد قوله.

وليد الموسوي، مدير بيئة المنطقة الجنوبية في محافظة البصرة، طرح بدوره جملة من الحلول لإنقاذ أهوار العراق، منها إعادة النظر في الحصص المائية، وبناء محطات لتحلية المياه، فضلا عن خطوات أخرى لضمان إستقرار سكان الأهوار والحفاظ على التنوع الاحيائي.

يقول الموسوي لـ "الحرة" إن "أكبر تهديد تتعرض له بيئة الأهوار هو شح المياه وقلة الاطلاقات المائية اضافة الى التلوث نتيجة مياه الصرف الصحي والتي تؤثر سلباً على نوعية المياه وعلى التنوع الاحيائي".

وبينما يطالب العراق إيران وتركيا بإطلاق حصصه من المياه كاملة في نهري دجلة والفرات وروافدهما، تطالب طهران وأنقرة بغداد باستثمار أمثل للمياه وعدم تركها تذهب هدرا نحو الخليج.

وتعمل منظمات أممية ووكالات أميركية على دعم جهود العراق للحفاظ على التنوع الإحيائي في أهوار الجنوب ودعم السكان المحليين للحد من هجرتهم نحو المدينة.

وأعلن العراق، الأربعاء، إستراتيجية وطنية شاملة تهدف لتمكينه من الحفاظ على البيئة وحماية المياه، وإعادة تدويرها وخفض انبعاثات الكربون.

ويواجه العراق الذي يعتبر وفقاً للأمم المتحدة من الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، معاناة مستمرة نتيجة عقود من الصراعات وغياب الاستقرار الأمني وانتشار الفساد في غالبية مرافق الدولة، مما أدى لانهيار البنية التحتية وتعطيل السياسات العامة في أكثر الأحيان.

وتمتد الخطة البيئية المدعومة من قبل الأمم المتحدة، والوكالة الأميركية للتنمية "يو أس أيد" لست سنوات (2024- 2030)، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

الإستراتيجية الجديدة من شأنها المحافظة على الموارد المائية ومكافحة تلوث المياه، لا سيما من خلال ضمان معالجة مياه المجاري وإعادة تدويرها لأغراض السقي أو إنعاش أهوار الجنوب التي تعاني من الجفاف خلال موسم الصيف.

كما تعتمد على حلول مبتكرة بهدف حصاد مياه الأمطار، وتشجيع استخدام طرق الريّ الحديثة.

ويمثل الجفاف الذي تعاني منه مناطق واسعة في العراق، خصوصا وسط وجنوبي البلاد، تحديا كبيراً، بالإضافة للتصحر وتراجع معدلات هطول الأمطار. 

وتسعى الخطة الإستراتيجية أيضاً، إلى مراقبة النظم البيئية البحرية وإدارة المناطق الساحلية وإنشاء محميات بحرية، بالتزامن مع تطوير البنى التحتية لموانىء العراق، والتأكد من معالجة أي تلوث ناجم عن ذلك.

الحشد الشعبي شارك في معارك تحرير جرف الصخر من داعش عام 2015 - أرشيف (رويترز)

رغم تكرار تعهداتها بحماية مستشاري قوات التحالف الدولي والمصالح الأميركية والغربية في العراق، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتمكن خلال السنوات الماضية من إيقاف هجمات وتهديدات المليشيات الموالية لإيران على هذه المصالح.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في بيان، الأحد الماضي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدد خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث "التزام العراق بحماية مستشاري التحالف الدولي الذين يتواجدون في العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية لدعم جهود مكافحة داعش، كما شدد على التزام العراق بحصر استخدام القوة بيد الدولة وتعزيز الاستقرار الداخلي".

وقال رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، لموقع "الحرة" إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تستطع وقف التهديدات والهجمات التي طالت المصالح الأميركية في العراق، لعدم قدرتها على حصر السلاح بيد الدولة.

وأضاف أن الحكومات لم تتمكن أيضا "من الوصول إلى تفاهمات سياسية مع هذه الفصائل، وأيضا لعدم قدرتها على التأثير على بيئتها السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي الائتلاف السياسي الحاكم في العراق"، وفق رأي الشمري.

وأردف قائلا: "حاولت الحكومة ممارسة تأثير خارجي على هذه الفصائل بالحديث مع إيران، لكن لم تحقق تقدما ملموسا".

ولفت إلى أن التهدئة الحالية التي فرضت على هذه الفصائل نتيجة حسابات معينة قد تنتهي وتستأنف هذه الفصائل هجماتها، خاصة إذا ما استشعرت أن هناك هجوم وشيك عليها وحتى على إيران.

وكثفت الميليشيات العراقية الموالية لإيران المنضوية في ما يطلف عليها "المقاومة الإسلامية في العراق" خلال العامين الماضيين من هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على البعثات الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي والمصالح الأميركية في إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى. 

وشنت هجمات أيضا على إسرائيل وقواعد أميركية في سوريا، انطلاقا من الأراضي العراقية.

ويتفق الخبير الاستراتيجي، علاء النشوع، مع الشمري في عدم قدرة الحكومة العراقية على السيطرة على هذه الميليشيات وسلاحها.

وقال النشوع، لموقع "الحرة"، إن هذه الميليشيات التي يسميها بـ"قوى اللادولة" تمتلك قدرات أكبر من كل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية من ناحية الأسلحة والمعدات كالصواريخ، والطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة.

وأضاف: "لا يمكن مواجهة قوى اللادولة ومعالجتها من قبل أي قوة عسكرية عراقية حكومية، إضافة إلى أن القرار السياسي والعسكري والأمني العراقي محدود الصلاحيات، نظرا للتأثير المباشر لهذه القوى على القرار الحكومي، وأي قرار قد يصدر ضد إرادتها لن يكون مجديا".

ولفت النشوع الى أن العراق لا يستطيع اتخاذ أي قرار يخالف الأجندة الإيرانية، لأن إيران عبر نفوذها وأذرعها انتشرت في مفاصل الدولة العراقية. 

وبيّن أن "إيران تتحكم بكل مقدرات العراق ضمن قواعد اللعبة التي تديرها في المنطقة من خلال مفهوم وحدة الساحات، حتى بعد انهيار الساحتين اللبنانية والسورية ومضي الساحة اليمنية نحو الانهيار، لاتزال إيران تحتفظ بالساحة العراقية وتعتبرها مجالها الحيوي المؤثر على الوضع الإقليمي والدولي".

وأعلنت المليشيات العراقية في نوفمبر الماضي، عن إيقاف هجماتها ضد المصالح الأميركية وإسرائيل، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. 

لكن قادة هذه المليشيات أكدوا في تصريحات صحفية، في الشهرين الماضيين، أن قرار إلغاء عملياتهم لا يعني إلغائها بالمطلق.

وأعرب الكاتب المحلل السياسي، علي البيدر، عن اعتقاده، أن الدولة العراقية بدأت تفرض نفسها في المشهد خصوصا في الجوانب الأمنية.

وقال البيدر، لموقع "الحرة"،  إنه "لا يمكن الحديث عن حماية مطلقة، لا للوجود الأميركي المسلح ولا للمصالح الغربية بشكل عام، لوجود تحديث مستمر للجماعات المسلحة والخطط الأمنية، حتى على مستوى المسميات، ففي كل يوم يظهر اسم وجماعة مسلحة وفصيل جديد وعملية جديدة، لكن الواقع الأمني اليوم أفضل، فضلا عن وجود رادع دولي قد يقلل من نسبة استهداف تلك المصالح".

ورأى البيدر أن عملية حصر السلاح بيد الدولة في العراق تحتاج إلى سنوات طويلة وإلى وعي مجتمعي وثقافة شعبية. 

وأضاف: "ما زلنا خارج الحسابات في هذا الجانب، يمكن أن يحصر السلاح عندما توفر بيئة مناسبة لذلك، قد تكون القوة المفرطة، أو الذهاب إلى خيار السلام الشامل".

وتنضوي الميليشيات العراقية الموالية لإيران في هيئة الحشد الشعبي، ووصل عددها إلى أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب العشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة.

وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال لرويترز، في يناير الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

وتأتي هذه الخطوة على خلفية التحولات في الشرق الأوسط التي شهدت تدهور حلفاء إيران المسلحين في غزة ولبنان، والإطاحة بنظام بشار الأسد أكبر حلفاء طهران.

ويتوعد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب - بعد تسلمه السلطة - بتكثيف الضغوط على طهران التي دعمت منذ فترة طويلة عددا من الأحزاب السياسية ومجموعة من الفصائل المسلحة في العراق.

ويشعر بعض المسؤولين في بغداد بالقلق من أن الوضع الراهن هناك قد ينقلب رأسا على عقب بعد ذلك، لكن حسين قلل من أهمية هذا الأمر في مقابلة مع رويترز خلال زيارة رسمية إلى لندن.