محتجون في بغداد يرفعون صور زملاء لهم قتلوا في احتجاجات تشرين 2019.
محتجون في بغداد يرفعون صور زملاء لهم قتلوا في احتجاجات تشرين 2019.

بمحافظة البصرة أقصى جنوبي العراق، تجلس لوديا ريمون، الناشطة العراقية البارزة، وتتصفح في هاتفها الذكي، ما يُذكرها به الفيس بوك لأشياء كتبتها قبل خمس سنوات.

صارت احتجاجات تشرين 2019 بالنسبة لها، ذكرى "تفتخر" بها.

يعود بها شريط الذكريات إلى يوم السابع عشر من أغسطس 2020، أي بعد عشرة أشهر من اندلاع الاحتجاجات.

في ذلك اليوم، مرّت الرصاصات من جانبها، عندما حاول مسلحون اغتيالها، وهي في طريقها لمجلس عزاء رفيقها في الاحتجاجات، تحسين أسامة، الذي اغتيل في 14 أغسطس 2020 في محافظة البصرة.

اندلعت احتجاجات تشرين في الأول من أكتوبر 2019، ورفع فيها المحتجون شعارات تندد بالفساد والمحاصصة السياسية. استخدمت حكومة عادل عبد المهدي آنذاك، أساليب عنف عديدة تجاه المحتجين، وفقاً لمنظمات حقوقية.

يُظهر مقطع الفيديو الذي نُشر آنذاك، ويوثق محاولة اغتيال ريمون، كيف كانت سيارة تويوتا (كراون)، وتُعرف بالعراق باسم "البطة" تنتظرها بالقرب من منزلها.

تقول خلال مقابلة مع موقع "الحرة": "قبل ساعات من محاولة الاغتيال، اتفقنا على الذهاب لمجلس عزاء تحسين في منطقة الكرمة. لم أستطع الذهاب لوحدي، فطلبت من صديقي فهد الزيدي وعباس صبحي أن يقلاني معهما".

اتفقوا على أن يستقلوا سيارة الزيدي، لأنها تسع سبعة أشخاص، وهي كافية بالنسبة لهم.

كان الموعد بينهم في الساعة الخامسة، في الشارع الذي يقابل منزل ريمون. عندما وصلوا إلى "رأس الشارع" وفقاً للتعبير العراقي، وهو بداية الشارع المؤدي إلى المنزل، خرجت لهم ريمون.

قبل ثلاثة أيام من عملية الاغتيال، لم تخرج من المنزل، أي منذ مقتل تحسين. كانت تخرج إلى ساحة الاحتجاج في الساعة الرابعة عصراً، وهو توقيت واظبت عليه، إلا أنها توقفت عن ذلك، مذ قُتل رفيقها.

"قبل يوم من الاغتيال، أبلغني جيراني بأن هناك سيارة تراقب منزلي، وتقف بالقرب منه عند الساعة الرابعة عصراً، وهو موعد خروجي للساحة" تقول ريمون.

عندما اقتربت من سيارة أصدقائها، وشاهدت سيارة "البطة"، تذكرت ما أبلغها به جيرانها، فركضت مسرعة ورمت نفسها بسيارة رفيقها.

تتحدث وهي تستذكر تلك اللحظات التي كادت أن تُفقدها حياتها: "لو لم يبلغني جيراني، ولو لم أتذكر مواصفات السيارة، لفقدت حياتي. لولا شجاعة فهد وتداركه للأمر سريعاً، لقُتِلنا".

أصيب عباس برصاصة استقرت في منطقة الرئة.

سريعاً، نقلوه إلى المستشفى التعليمي في البصرة. هناك عرفت ريمون، بأن إحدى الرصاصات أصابتها، لكن إصابتها، لم تكن خطرة.

صارت احتجاجات تشرين التي خرجت فيها ريمون، وقبلها في احتجاجات عامي 2015 و2018، بمثابة الفرص التي يُمكنها من خلالها تغيير ما تُريد تغييره. 

سلاح منفلت، فساد، ميليشيات، فقر، وغياب للقانون، كلها أسباب دفعتها للنزول إلى الشارع.

منذ ثلاث سنوات، لم تعش ريمون باستقرار. كانت تتنقل بين مدينة وأخرى، لكنها مكثت طويلاً في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق.

لجأ الكثير من النشطاء إلى الإقليم الكوردي، وبعضهم غادر  إلى تركيا ودول أخرى.

قُتل نحو 600 متظاهر في احتجاجات تشرين، وجُرح الآلاف، وعلى إثرها قدمت حكومة عادل عبد المهدي استقالتها.

تقول متألمة وهي تسترجع شريط لحظات كادت أن تنتهي فيها حياتها: "لم أعرف بأنني أصبت. في المستشفى، شعرت بحرارة في قدمي. عرفت حينها بأنني مصابة، فصرخت بصوت عالٍ".

هناك كُشف عليها، فظهرت إصابتها بجرح بمنطقة قريبة من الورك، نتيجة ملامسة الرصاصة، لكنها لم تخترقها "الحمد لله الذي نجاني"، تقول ريمون.

في ذلك اليوم، كانت ترتدي الحجاب والعباءة السوداء، وهو زي لم ترده سابقاً، خاصة وأنه زي إسلامي، وهي مسيحية.

ارتدته لأنها ستذهب إلى مجلس عزاء في منطقة عشائرية. كان من حسن حظها ارتداء زي لم تُعرَف به سابقاً.

"لم يعرفني القتلة، لأنهم لم يروني بهذا الزي. عندما ركضت تعرفوا علي. لو أنهم عرفوني منذ البداية، لتمكنوا من قتلي" تضيف الناشطة البصرية.

قبل شهرين من حادثة محاولة الاغتيال، وردت ريمون مكالمة من رقم "غير مُعرّف".

 هذه الأرقام لا يُمكن التعرف عليها، وتُستخدم لإبقاء هوية المتصل مجهولة، وعادة ما تمتلك السلطات والقِوى المتنفذة في مؤسسات الدولة، هذه الآلية.

كان صوت الاتصال لشخص في عمر متوسط، مثلما تقول ريمون. تحدث معها بدبلوماسية، وأبلغها بأنه "مثل والدها ويُريد نصيحتها فقط".

طلب منها أن تتوقف عن المشاركة في الاحتجاجات. كان يقول لها "أنت تؤثرين في الشباب، والبث المباشر الذي تظهرين به بشكل مستمر، يُحفزهم على الاحتجاج".

تقول ريمون: "عندما انتشر فايروس كورونا، وفُرض حظر التجوال، وضعفت الاحتجاجات، كُنت أخرج يومياً سيراً على الأقدام لساحة الاحتجاج. من هناك، كنت أظهر ببث مباشر على الفيس بوك، أحفز الشباب. بعد كل بث بربع ساعة تقريباً، يتوافد الشباب إلى الساحة".

عرض عليها المتصل المجهول، اختيار أي مؤسسة حكومية للتوظف فيها، مقابل إنهاء نشاطها الاحتجاجي.

في لحظة ما وخلال الحديث، سألته ريمون: ماذا لو لم أتوقف?

تنقل عنه الناشطة البصرية قوله: "لن تُكلفينا أكثر من 1500 دينار عراقي" في إشارة إلى سعر الرصاصة.

لم تفهم ما كان يقصد، فردت عليه: لماذا تعرض عليّ وظيفة، إن كُنت تراني بهذه القيمة.

سخر منها لأنها "لم تفهم ما قاله".

في تلك الفترة، تلقى المتظاهرون تهديدات عديدة، بعضها بالقتل، وأخرى بقضايا تتعلق بشؤون خاصة، مثل وظائفهم، خاصة الذين يعملون في مؤسسات حكومية، وأخرى بذويهم.

في اليوم الذي تلى الاتصال، ظهرت ريمون ببث مباشر على صفحتها في الفيس بوك. وردها تعليق من مُتابع كتب لها: "تُريدينها تحدٍ. إذن، لتكن كذلك". تعتقد الناشطة، بأن التعليق كان لصاحب الاتصال.

لم تتوقع أن تتعرض لمحاولة اغتيال، أو أن تكون ضمن خارطة المستهدفين من النشطاء، حتى لحظة اغتيال صديقها تحسين، الذي اغتيل قبلها بثلاثة أيام.

"لم أتوقع أنهم سيقتلون النساء"، تقول ريمون مستغربة مما حدث لها ولرفيقتها ريهام يعقوب، التي اغتيلت بعد يومين من محاولة اغتيالها.

تُعتبر يعقوب، أبرز الوجوه النسائية التي اغتيلت في احتجاجات تشرين، وربما في التاريخ النسوي العراقي في القرن الأخير.

أثار مقتل الفتاة العشرينية، جدلاً واسعاً في العراق، ووصفت بأنها "أيقونة الاحتجاجات".

نشطت يعقوب في احتجاجات عام 2018، وأسست نادياً صحياً لتشجيع النساء على ممارسة الرياضة، وكانت تبث نشاطاتها بشكل مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي.

بعد أيام من مقتلها، زار رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي منزلها، والتقى عائلتها. آنذاك، أقسم الكاظمي بأن "الجناة لن يفلتوا من العقاب".

ورغم مرور نحو أربع سنوات على اغتيالها، إلا أن الجناة ما زالوا يفلتون من العقاب.

لم تثمر اللجان الحكومية التي شُكلت في حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، للتحقيق بشأن عمليات القتل في الاحتجاجات، عن أية نتائج.

"كانت التحقيقات مضحكة جداً"، تقول ريمون.

بعد ساعات من محاولة الاغتيال، زار وفد أمني منزلها. كان الوفد برئاسة عميد في جهاز الأمن الوطني.

سألني العميد: "هل لديك أعداء من الممكن أن ينفذوا هكذا عملية، لأن ليس من المعقول أن تُستهدفي لأنكِ شاركت في الاحتجاجات. هناك الآلاف غيرك".

استفز السؤال ريمون، فتجادلت مع الضابط. اتهمته حينها بمحاولة "تسويف" قضيتها. قالت له: "تعرف السيارة جيداً، وتعرف من أراد قتلي، وهي ذات السيارة التي قتلت تحسين".

بسبب الجدال بينهما، وجه العميد كلامه إلى والدها: "الآن عرفنا لماذا أرادوا قتلها، بسبب لسانها الطويل".

صرخت ريمون في وجه الضابط، وطلبت منه مغادرة المنزل.

بعد ثلاث سنوات على الحادثة، استدعي والدها إلى مركز شرطة الأصمعي في البصرة، ونصحه الضابط المسؤول عن القضية بـ"تسجيلها ضد مجهول".

"حتى الآن، وضعي الأمني غير مستقر. لا أعرف في أية لحظة أكون ضحية سلاحهم. أعرف بأنهم لن يجعلوني أستمر طويلاً"، تختم ريمون بألم.

صورة أرشيفية لعبور عراقيين المنفذ الحدودي البري مع الكويت
صورة أرشيفية لعبور عراقيين المنفذ الحدودي البري مع الكويت

عادت الخلافات الحدودية بين العراق والكويت إلى دائرة الضوء عقب إعلان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الخميس، عن قرب انطلاق المفاوضات بين البلدين لحل "الملفات العالقة".

جاء ذلك، خلال لقائه في واشنطن الخميس، مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، إذ أشار إلى أن "الحوارات هي السبيل الصحيح لحل المشاكل" بحسب بيان لوزارة الخارجية العراقية.

ورغم ترسيم الحدود البرية بين الكويت وبغداد من قبل الأمم المتحدة، بعد الغزو العراقي للدولة الخليجية عام 1990، تظل مسألة الحدود البحرية عالقة منذ ذلك الوقت.

وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة أكدوا بدورهم أهمية "التزام العراق بسيادة الكويت وسلامة أراضيها واحترام الاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، سيما قرار مجلس الأمن رقم 833 في شأن ترسيم الحدود بين الكويت والعراق".

وفي بيان صدر عقب اجتماعهم في نيويورك، في 25 سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا الوزراء الحكومة العراقية إلى ضمان بقاء اتفاقية الكويت والعراق لتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله سارية المفعول. 

وفي يناير عام 2013، أقر مجلس الوزراء العراقي، اتفاقية مع الكويت تتعلق بتنظيم الملاحة في خور عبد الله المطل على مياه الخليج. وصادق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية في وقت لاحق من العام ذاته لتدخل رسميا حيز التنفيذ.

وبعد مضي عقد، قضت المحكمة الاتحادية في العراق بعدم دستورية الاتفاقية وبررت قرارها "لمخالفة أحكام المادة (61/ رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على أن عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية تنظم بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".

قرار المحكمة العراقية أعاد إلى الواجهة المشاكل الحدودية بين بغداد والكويت، التي تعهد البلدان على تجاوزها مؤخرا، بعد التحسن التدريجي في العلاقات خلال السنوات الماضية.

نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية يستقبل مساعدة وزير الخارجية الأمريكي في واشنطن استقبل نائب رئيس مجلس الوزراء...

Posted by ‎وزارة الخارجية العراقية‎ on Thursday, October 3, 2024

موقع الحرة أجرى هذا اللقاء الخاص مع وزير الاعلام الكويتي الأسبق سامي النصف للحديث عن موقف الكويت من قرارات العراق الأخيرة بشأن الحدود البحرية بين البلدين.

الملفات العالقة بين العراق والكويت هل هي "مشكلة" بسيطة أم أنها تحولت إلى "أزمة" معقدة؟

سامي النصف: "هذه الملفات ليست بمشكلة أو أزمة إذا كانت هناك "نوايا حسنة" لحسمها، فمشكلة الحدود البحرية بين البلدين بسيطة جدا تمخضت باتفاق بين البلدين وأقر البرلمان العراقي عام 2013 لهذه الاتفاقية التي اعتبرها "تنظيمية" لتقاسم المسؤولية والتعاون المشترك بين البلدين في مجالات عدة منها مثلا للتصدي لعمليات التهريب، وبالتالي، فإن الكويت ليست لديها مشكلة وترى أن العلاقات مع العراق تسير في المسار الصحيح".

ما هي أبرز الملفات العالقة بين الكويت والعراق وهل هي أيضا "معقدة" مثل الحدود البحرية بين البلدين؟

سامي النصف: "رفات الأسرى الكويتيين من بين هذه القضايا التي يجد الجانب الكويتي أن الحكومة العراقية مهتمة بها وترغب في حسمها، وهي متجهة إلى غلقها، رغم صعوبتها. الأرشيف الكويتي الذي سرق أثناء غزو العراق للكويت عام 1990، هذا ملف آخر يمكن أن ينتهي إذا توفرت النوايا الحسنة وتسارعت الجهود في عملية البحث عن هذا الأرشيف وإعادته إلى السلطات الكويتية".

"أضف إلى ذلك، هناك تكامل في العلاقات بين البلدين، فالكويت ستظل "بوابة العراق" لدول الخليج، والعراق يعتبر "عمقا استراتيجيا" للكويت. وخلال فترة 400 عام، 97 بالمئة من هذه الفترة كانت العلاقات بين البلدين متكاملة، وأنا أؤكد مرة ثانية أهمية عمق العلاقة الأخوية بين البلدين سيما أن المنطقة لا تحتمل المزيد من الأزمات".

لكن هناك تباين في المواقف الكويتية بين من يتحدث عن "عمق العلاقة الأخوية" وبين الموقف الرسمي مثلا لدول مجلس التعاون الخليجي، فالبعض وصف البيان الأخير بـ "شديد اللهجة"، أسباب هذا الاختلاف في الخطاب الرسمي؟

سامي النصف: "لهجة البيان المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة "حكيمة" وليست ضد العراق، فالكويت كانت له تجربة مع النظام السابق الذي حوّل "قضية صغيرة" عالقة بين البلدين إلى أزمة و"كارثة" انتهت بغزو دولة عربية شقيقة عام 1990. دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في أن يُحسم ملف الحدود بين البلدين بالكامل لكي لا نسمح لأي جهة أن "تتلاعب" به في المستقبل أو تستغله كورقة تصعيدية تنتهي بمشكلة كبيرة مشابهة لما حدث قبل 30 عاما. حسم الملفات وتصفير المشاكل، قاعدة اعتمدتها دول الخليج، وأدعو العراق أيضا إلى أن يحسم القضايا العالقة مع دول الجوار".

"اتفاقية خور عبد الله" أقرها البرلمان العراقي عام 2013، ودولة الكويت ذكرت لاحقا أن قرار المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية هذه الاتفاقية "شأن عراقي داخلي" .. لماذا إذا كل هذه المخاوف الخليجية إذا كان الموضوع "داخليا" أم تعتقد أن للمشكلة بعد أممي؟

سامي النصف: "هذه الاتفاقية متفرعة من القرار الأممي رقم 833، أيضا هذه الاتفاقية سُلمت نسخة منها إلى الأمم المتحدة بعد أن وافق العراق عليها رسميا عام 2013. المشكلة تكمن في وجود أطراف عراقية تحاول "نسف" هذه الاتفاقيات، وللعراق تجارب مشابهة عندما أقر اتفاقية شط العرب (اتفاقية الجزائر) عام 1975 وقرر إلغاءها لاحقا وكانت السبب في نشوب حرب لثمان سنوات، ليوافق نظام صدام حسين لاحقا على هذه الاتفاقية بعد غزو الكويت عام 1990".

"هذا المسار يضر ولا ينفع، وبالتالي على العراق أن يحسم هذا الملف (اتفاقية خور عبد الله) سيما أن العراق هو المستفيد من هذه الاتفاقية لأن لدى الكويت العديد من الموانئ على الخليج بعيدة عن خور عبد الله، والعراق هو بأمس الحاجة لهذا التنسيق بين البلدين. ليس لدي شك بنوايا الحكومة العراقية الراغبة في حسم هذه الملف متى ما حسنت النوايا، والعراق في النهاية هو المتضرر الوحيد إذا أصر على اعتماد نهج عدم الاعتراف بالاتفاقات الدولية، المشكلة هنا "عراقية-عراقية" قبل أن تكون "عراقية - كويتية"".

قرارات المحكمة الإتحادية في العراق مُلزمة ولاتستطيع أي جهة رفضها وبالتالي الحكومة العراقية في هذه الحالة مقيدة دستوريا ولا تستطيع عمل أي شيء، برأيك ما هي الخيارات التي ستلجأ لها الكويت في المرحلة المقبلة للتعامل مع هذا الملف؟

سامي النصف: "الكويت أكدت أكثر من مرة أن القضية "عراقية-عراقية"، وليس لديها أي اعتراض إذا أعادت الحكومة العراقية هذه الاتفاقية إلى البرلمان للمصادقة عليها من جديد. أي تحرك أو إجراء آخر سيكون دليلا عن وجود جهات تحاول "زرع الألغام" في العلاقات بين البلدين، والعراق سيكون هو المتضرر الكبير في حال تم رفض هذه الاتفاقية، لأن الكويت تقع ضمن منظومة خليجية متكاملة ومن مصلحة العراق أن يعزز علاقاته مع هذه الدول".

"أضف أيضا أن العراق اكتوى سابقا من قضية الحدود التي تسببت في حرب مع إيران استمرت لثمان سنوات بسبب رفض اتفاقية شط العرب، عدم الاعتراف بالحدود كان أيضا السبب في حرب عام 1991 وما تلاها من تبعات ومآسٍ عانى منها الشعب العراقي، وعلى الجميع أن يستفيد من دروس الماضي، بهذه المناسبة، أنا أعرب عن شكري لدور الولايات المتحدة الأميركية، "الحكيم والضاغط" لحسم هذا الملف وأتصور أن المصلحة العامة تقتضي من العراق أن ينهي جميع الملفات الخلافية".

العديد من العراقيين وصفوا القرارات التي فرضت عليهم بعد غزو الكويت بالمجحفة، مشيرين مثلا إلى أن اتفاقية خور عبد الله خنقت العراق، وطالبوا بإعادة النظر باتفاقيات الملاحة بحيث لا تؤثر سلبا على الموانئ العراقية وتحجم من دورها؟

سامي النصف: "هذا غير صحيح بدليل أن العراق يبني الآن واحدا من أكبر الموانئ في المنطقة، ميناء الفاو العراقي أكبر من جميع موانئ الكويت مجتمعة، وبالتالي لا يوجد أي "خنق" للعراق في الملاحة البحرية. العراق يمتلك أيضا موانئ أخرى على الخليج مثلا ميناء أم قصر والزبير. الكويت تاريخيا ساعدت العراق في الملاحة البحرية، فالموانئ الكويتية هي التي دعمت العراق خلال الحرب مع إيران والتي أجبرت العراق آنذاك على غلق جميع موانئه".

"اتفاقية خور عبد الله هي تنظيمية والعراق هو الذي بادر بهذه الخطوة، وتم إيداع نسخة من هذه الاتفاقية إلى الأمم المتحدة. مرة ثانية، العراق هو المتضرر الوحيد من رفض هذه الاتفاقية أو التأخر في حسم ملف الحدود. من المهم جدا أن تلتزم الدول باتفاقاتها المشتركة والعراق إذا رفض ذلك، قد يفتح شهية دولة كبيرة مثل تركيا وتلغي مثلا اتفاقات سابقة مع العراق وتطالب من جديد بضم الموصل إلى أراضيها بعد أن كانت في السابق ولاية تابعة لها في العهد العثماني. إيران أيضا قد تعتمد نفس النهج وتغير من موقفها بشأن الاتفاقات السابقة مع العراق بشأن الحدود المشتركة".

"ليست هناك مصلحة لأي شخص في إعادة فتح ملفات تم الاتفاق عليها سابقا، وأذّكر هنا بأن ملف الحدود العراقية الكويتية تم حسمه من قبل الأمم المتحدة بعد أن استمعت إلى شكوى الطرفين. المنظمة الدولية شكلت لجنة خبراء خاصة شارك فيها الطرفان، العراقي والكويتي، وانتهى هذا الملف. ليس من مصلحة العراق أن تستغل أطرافا داخلية وبسبب المشاكل التي يمر بها البلد أحيانا، هذه الظروف وتطالب بإعادة فتح هذه الملفات".

في حال أصر العراق على موقفه الرافض للاتفاقية السابقة .. هل ستكون هناك تبعات على العراق قد تصل إلى فرض عقوبات دولية أو يدخل من جديد تحت طائلة الفصل السابع؟

سامي النصف: "الضرر الأكبر برأي هو أن يسيء العراق بعلاقاته مع الكويت ودول الخليج، والمكسب الوحيد هو أن يعزز العراق العلاقات مع دول هذه المنطقة لأن هناك مصلحة "ربح-ربح" مشتركة، ضرر الإساءة لهذه العلاقات أكبر من فرض عقوبات دولية أو إجراءات الفصل السابع. لدى العراق الآن فرصة ذهبية لتحسين علاقاته والاستفادة من التجربة الخليجية، هذه الفائدة والمكسب تتم عبر تصفير العراق مشاكله مع الكويت".