يتجاوز عدد أصحاب البطاقات الحمراء بحسب ملفات وزارة الدفاع 67 ألف عراقي
يتجاوز عدد أصحاب البطاقات الحمراء بحسب ملفات وزارة الدفاع 67 ألف عراقي

أكثر من 20 عاماً مضت على سقوط نظام البعث، ولا يزال أكثر من 67 ألف عراقي بانتظار رفع القيود وتعويضهم من آثار عقوبات صارمة فرضتها "بطاقة حمراء"، حرمتهم من حقوقهم المدنية، وصنفتهم على أنهم مرتكبو "جريمة مخلة بالشرف"

يشرح علي الشافعي، المتحدث الإعلامي باسم أصحاب البطاقات الحمراء لـ "الحرة" أسباب منح تلك البطاقة "المشؤومة" كما يصفها للجنود المُسرحين من الخدمة بداية من العام 1994 وحتى العام 2000. 

فالنظام السابق، كما يقول: "مارس سياسات ظالمة خلال تسعينيات القرن الماضي بالاعتداء على دول الجوار أو العراقيين في الداخل، وكان مطلوباً من الجنود المشاركة بتلك الحروب العبثية، وتنفيذ الأوامر العسكرية دون نقاش".

وبالنتيجة: "آلاف الجنود رفضوا الالتحاق وتنفيذ تلك السياسيات وتحولوا إلى هاربين ومطاردين، وهو نوع من أنواع الاعتراض على سياسيات النظام السابق".

وهؤلاء الجنود كما يشير الشافعي "اعتبرهم النظام خونة، وأصدر بحقهم العديد من القرارات المجحفة".

ومن ضمن تلك القرارات: "قطع صيوان الأذن والوسم على الجبين والإعدام، وهي عقوبات اضطر النظام حينها إلى وقفها بعد اعتراض الأمم المتحدة، فاخترعت الحكومة عقوبة مبتكرة تحارب الإنسان نفسياً، وتسبب له إذلالاً اجتماعياً خطيراً، باعتباره متهماً بجريمة مخلة بالشرف". 

والجرائم المخلة بالشرف لم ترد بفقرة خاصة ضمن التشريعات العراقية، وإنما جاءت ضمن فقرات منها جرائم السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض.

لقطة عامة للعاصمة العراقية بغداد
العراق.. كشف سبب "رائحة الكبريت" المنتشرة منذ أيام
أما مصدر هذه الرائحة في بغداد، فهو بحسب المعلومات التي وردت في المؤتمر الصحافي ونقلتها وكالة الأنباء الرسمية (واع)، فهو مصفى الدورة ومحطة الطاقة الحرارة بالدورة ومحطة القدس في شمال بغداد والمحطات الكهربائية الأخرى، إضافة لمعامل الإسفلت والطابوق وعددها أكثر من 250، واستخدام بعض الكور لصهر منتجات النحاس وغيرها وحرق النفايات في النهروان ومعسكر الرشيد.

خدمة مضاعفة وعقوبات مدنية 

بعد رفضه الانصياع للأوامر العسكرية أوائل تسعينيات القرن الماضي، قرر أبو حسين الهروب من الجيش والتواري عن الأنظار، وما أن استقرت الأوضاع حتى سلم نفسه إلى السلطات وحُكم عليه بالسجن.

بعد خروجه من السجن استجاب لقرار الخدمة المضاعفة كعقوبة تالية، ثم خدم مدة هروبه مضاعفة مرتين، وحين تم تسريحه كما يقول لـ "الحرة": "فوجئت بتسريحي وفق البطاقة الحمراء، رغم السجن والخدمة الطويلة. والعقوبة الأصعب كانت اعتباري متهما بجريمة مخلة بالشرف".

يشرح أبو حسين المعاناة النفسية التي تعرض لها خلال تلك المدة من عمره لـ"الحرة": "لم أتمكن من العمل في القطاع الخاص، وألغيت البطاقة التموينية من عائلتي في وقت كان المجتمع بأكمله يعاني من العوز والفقر، بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرض علينا، بعد اجتياح الكويت".

كان ذلك القرار بالذات (إصدار البطاقة الحمراء): "إهانة اجتماعية هائلة فأنا كنت مطالباً بتحمل التعامل السيء من الفرقة الحزبية، وفي نقاط التفتيش. حياتنا كمدنيين انتهت، وحتى عقد القران كان ممنوعاً فتأخر زواج معظمنا، والبعض تزوج خارج المحكمة وفق عقد شرعي". ونتيجة لذلك "إما أصبح لدينا أبناء بلا هويات رسمية، أو اضطر البعض إلى تسجيلهم بأسماء أقارب الدرجة الأولى".

وكما يقول علي الشافعي فالبطاقة الحمراء "كانت تعني في كل مكان شيئا واحدا، أننا مطلوبون للحكومة". كل هذه الإجراءات كانت مترافقة مع "قطع الأرزاق فعشنا في فقر وحرمان لسنوات، فلا يمكن أن نعمل بدوائر الدولة، ومن الصعب الحصول على عمل بالقطاع الخاص، ناهيك عن عدم السماح لنا بامتلاك سيارة أو بيت".

الظلم موزع بالتساوي

يتجاوز عدد أصحاب البطاقات الحمراء، بحسب ملفات وزارة الدفاع العراقية 67 ألف عراقي كما يشير الشافعي: "ولا يشمل فقط أبناء الجنوب كما يتوقع الكثيرون، بل لدينا أصحاب بطاقة حمراء حتى من تكريت نفسها (مسقط رأس النظام السابق صدام حسين)".

كما يوجد "نحو 8 آلاف عراقي من القومية الكردية، بالإضافة إلى الأقليات العراقية المتنوعة من المسيحيين والشبك الإيزيدين والكاكائية، ولم يسلم من البطاقة الحمراء أي مكون عراقي من زاخو حتى الفاو".

ويتفق شيرزاد أبو مصطفى، وهو عراقي كردي ولد في العاصمة بغداد، تعود أصوله إلى مدينة دهوك العراقية في إقليم كردستان، مع ما ذهب إليه علي الشافعي.

واضطر شيرزاد أبو مصطفى كما يقول لـ "الحرة" إلى ترك الخدمة العسكرية خلال فترة تنفيذ عمليات الأنفال، ومرة ثانية أوائل التسعينيات: "كان المطلوب مني ضرب أبناء جلدتي، وتنفيذ قرارات إبادة بحقهم، وهذا ما لا يمكن تخيله".

قرار شيرزاد ترك الخدمة خلال تلك المرحلة قائلا: "كلفني الكثير معنوياً ونفسياً، وما أن استقر الوضع حتى سلمت نفسي للسلطات، حكم علي بالسجن، ثم قضيت ثلاثة أضعاف الخدمة، أي تسع سنوات كاملة من عمري".

في ذلك الوقت: "كان يفترض أن يتم قطع أذني أو وسم بين الحاجبين بحرف الجيم (جبان) كعقوبة للهاربين من التجنيد، ولكن في تلك الفترة رفضت الأمم المتحدة العقوبات التي فرضها النظام، فعوقبت بالبطاقة الحمراء التي ما زالنا نعاني من تبعاتها حتى اليوم".

الأمر ذاته ينطبق على شاكر الجبوري وهو من أهالي الحويجة بمحافظة كركوك، والذي حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص: "تم تخفيف الحكم بعد لستة أشهر مع مضاعفة الخدمة، وجرى تسريحي ببطاقة حمراء. وكان مسموحاً لأي شخص إهانتي وإذلالي دون القدرة على تقديم الشكوى، لأنني كنت اعتبر مواطن من الدرجة الثانية".

ويتحدث محمد الشمري الذي كان ينتمي إلى الحرس الجمهوري وهو من محافظة بابل إلى "الحرة" عن العذاب النفسي الكبير الذي كان يعاني منه، ليس هو فقط، بل كل من رفض التجنيد في ذلك الوقت: "لم نكن نسكن بيوتنا، وكنا مطاردين يمكن أن يتم إعدامنا رمياً بالرصاص في أي وقت يتم إلقاء القبض فيه علينا".

النظام كما يشير: "غير العقوبة لاحقاً، وحولها إلى عقوبات مهينة كقطع الأذن أو الوسم على الجبين". أما صاحب البطاقة الحمراء "فكان مشبوهاً ومحروماً من حقوقه المدنية هو وعائلته".

موتى أحياء

جميع من التقى مهم موقع "الحرة" من أصحاب البطاقة الحمراء يشتركون في الخطوط العريض للمعاناة، مع اختلاف في الموقع الجغرافي. فأحمد الوائلي فصل من وظيفته عندما كان معاوناً قضائياً عام 1996 ورغم محاولاته بعد سقوط النظام للعودة إلى الوظيفة إلا أنه فوجئ: "بأنهم يعملون بنفس قرارات النظام السابق، وتم رفض عودتي، كون البطاقة سجلت قيداً جنائياً لحاملها، وضاعت كل جهودي الدراسية ومستقبلي".

ويقول إبراهيم محمد إن البطاقة الحمراء: "تحمل في طياتها قصصاً يشيب لها الشاب، وعقوبات ضد الإنسانية من تعذيب وسجون". ويرى أن ما حصل لهم "كان سحقاً لنا كبشر". ورغم عدم حصولهم على حقوقهم حتى الآن "إلا أننا لن نتنازل مهما دار الزمن".

فيما يختصر هيثم حسين، وهو من أهالي الناصرية، قصص أصحاب البطاقة الحمراء بوصفهم: "الموتى الأحياء".

وبعد سقوط النظام العام 2003، كما يقول علي الشافعي: "سقطت العقوبات المدنية. مع ذلك، حتى هذه اللحظة وزارة الدفاع تعتبرنا هاربين ومعاقبين وتسير وفق قرارات البعث".

لا تعويض

ورغم إصدار قرارات التعويض للمتضررين من النظام السابق وفق القانون رقم 5 لسنة 2009: "إلا أن أصحاب البطاقات الحمراء لم يتم شمولهم بالتعويض أو الراتب، ولا حتى بإمكانيه الحصول على تقاعد مقابل الخدمة الطويلة في الجيش أو ضم تلك الفترة إلى الخدمة المدنية لأغراض التقاعد" كما يقول الشافعي.

ويتعلق الأمر "بوجود ربط بين البطاقة الحمراء والهروب من الخدمة العسكرية، لكن الحقيقة أننا عدنا، وتمت معاقبتنا بالحبس ومضاعفة فترة التجنيد ثم تم تسريحنا. وهذا يعني أننا لم نكن جبناء، ولا هاربين من الخدمة لكنها كانت طريقتنا في الاعتراض على قرارات النظام آنذاك وهذا ما تم معاقبتنا عليه".

ويشير إلى أن أصحاب البطاقات الحمراء: "غير منضوين لحزب أو كتلة، ولسنا من مكون معين لكن قضيتنا تتعلق بجميع المكونات، ولهذا السبب لم نجد صدى لمطالباتنا داخل البرلمان. وحرمنا مرة أخرى من بناء مستقبلنا خلال حكم النظام السابق، وحرمنا من التعويض عن الضرر بعد العام 2003".

وكان أبو حسين يعتقد أنه سيدخل مرحلة جديدة بعد سقوط النظام: "فقد رفع عنا القيد الجنائي في وزارة الداخلية. لكن، القيد العسكري بقي مستمراً ولم يكن لنا الحق بالتعويض كوننا بقيد عسكري وليس سياسيا. كما لا يحق لنا نقل الخدمة بسبب استمرار وجود البطاقة الحمراء وتعليماتها في وزارة الدفاع حتى الآن".

وصلت قضية أصحاب البطاقات الحمراء إلى البرلمان عام 2021 عبر إحدى النائبات، وجرت قراءة أولى لتعديل قانون تعويض المتضررين الذين فقدوا جزءاً من أجسامهم من جراء ممارسات النظام البائد رقم (5) لسنة 2009.

وعدا عن هذا الإدراج لم يتحرك الملف في البرلمان، ويقول محمد الشمري أن الأمر قد يكون متعلقاً بـ"المساومات السياسية المتعلقة بإقرار القوانين مقابل قوانين اخرى، فملف أصحاب البطاقات الحمراء لا يتعلق بحزب معين أو مكون ليكون أقوى داخل أروقة مجلس النواب".

عضو مجلس النواب، زوزان كوجر، تؤيد قضية أصحاب البطاقات الحمراء داخل البرلمان. وتقول لـ"الحرة" أن هذه الشريحة "تعرضت إلى عقوبات عسكرية، وأخرى مدنية انتهكت حقوقهم، ولم يتم إنصافهم من قبل الحكومات المتعاقبة بعد 2003".

وأضافت أن هناك اتجاها خلال الدورة البرلمانية الحالية لتعديل قانون تعويض المتضررين ليتم شمولهم "حيث تمت القراءة الأولى للتعديل الثالث على قانون المتضررين، ويتم حالياً دراسته ضمن اللجان المختصة، مثل القانونية والمالية والدفاع والأمن لشمولهم بالتعويض أو الرواتب التقاعدية".

أما التأخير الذي حصل فمرجعه إلى "وجود جنبة مالية، وهو ما يعني إضافة تخصيصات ضمن الموازنة. وعندما يتم استيفاء المواد القانونية من اللجان المختصة سيتم دفعه إلى القراءة الثانية، وسنقف معه لإنصاف هذه الشريحة التي تعرضت لتعامل تمييزي وفقدت الكثير من حقوقها خلال حكم النظام السابق". 

العراق

في زوايا معتمة تحت الأرض، وفي مناطق عسكرية مغلقة لا تدخلها حتى الدولة، تتوسع بصمت إمبراطورية تسليح تقودها إيران من قلب العراق.

ليست مجرد شحنات تمر عبر الحدود، بل مصانع متكاملة، وخبراء تحت غطاء دبلوماسي، وتكنولوجيا حربية متقدمة تُبنى وتُختبر داخل الأراضي العراقية ـ وكل ذلك تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي.

من الطائرات المسيّرة الانتحارية إلى صواريخ "رعد 1" بعيدة المدى، لم تعد هذه الأسلحة تُصنع في طهران فحسب، بل أيضا في جرف الصخر والزعفرانية وعين التمر والنهراون، لتغذي صراعات في اليمن، وسوريا، ولبنان. 

والنتيجة؟ عراق محاط بالاتهامات، غارق في شبكات السلاح، ومهدد بالتورط في حروب لا تعنيه.

ورغم محاولات الحكومة العراقية التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، يظهر الواقع على الأرض عكس ذلك، مع عشرات الميليشيات التي لا تزال تحتفظ بترسانتها من الأسلحة وتعمل كذراع إقليمي لطهران.

في خضم الحرب ضد تنظيم داعش قبل بعض سنوات، استطاعت إيران نقل جزء من تكنولوجيتها العسكرية إلى العراق، وأسست بنية تحتية لصناعة الأسلحة وتخزينها، بالتعاون مع الفصائل العراقية المسلحة الموالية لطهران.

تنتج مصانع السلاح التابعة لمديرية الإنتاج الحربي في هيئة الحشد الشعبي طائرات مسيرة وصواريخ بالستية متنوعة المديات، وتطور دبابات ومدرعات روسية وأنظمة اتصالات رقمية وغرف تحكم وسيطرة، إلى جانب مدافع ثقيلة وقذائف وقطع غيار وأسلحة متوسطة وخفيفة وذخائر.

ورغم حديث هيئة الحشد الشعبي عن تطوير قدرات تسليحية أحيانا، اعتذر العديد من السياسيين وحتى الخبراء العراقيين المقربين من أحزاب السلطة والمعارضين أيضا، من الحديث عن الموضوع.

ويرجح خبراء وسياسيون تحدث معهم موقع "الحرة" التكتم عن الموضوع ناتج الخوف من التعرض للاستهداف أيدي مخابرات الحرس الثوري الإيراني التي تتولى "بالتنسيق مع المليشيات العراقية ملف حماية الخبراء الإيرانيين ومواقع صناعة الأسلحة والصواريخ.

ولمعرفة تفاصيل الصناعات الحربية في هيئة الحشد الشعبي، تواصل موقع "الحرة"، 

واعتذر  كريم الكناني، مسؤول العلاقات في هيئة الحشد، عن التصريح، قائلا إنه "ليس مخولا" التصريح عن هذا الموضوع، بينما لم يجب المتحدث الرسمي للهيئة، مؤيد الساعدي، على أسئلة "الحرة".

في المقابل، يشير القيادي في حزب الحرية الكردستاني الإيراني المعارض، خليل نادري، إلى أن إيران ما زالت تواصل تزويد مليشياتها في العراق بالسلاح، وترسل عبر العراق السلاح وقطع الغيار إلى ميليشياتها في اليمن ولبنان.

ويضيف نادري لموقع "الحرة" أن "الحرس الثوري يتبع طريقتين لتزويد المليشيات في العراق والمنطقة بالسلاح: الأولى هي إرسال الأسلحة بشكل مباشر، والثانية إرسال قطع الغيار والخبراء المختصين بصناعة الأسلحة إلى هذه البلدان".

ويلفت نادري إلى أن قطع غيار الأسلحة تصل على شكل قطع متفرقة كي لا تثير الشكوك بينما يدخل الخبير الإيراني تحت غطاء موظف دبلوماسي وينتقل فيما بعد إلى موقع صناعة الأسلحة.

ويشير نادري إلى أن الأسلحة التي يصنعها الحشد  الشعبي في العراق، وخاصة الطائرات والصواريخ، لم تكن خاصة بتسليح المليشيات داخل العراق فحسب، بل زود الحرس الثوري مليشيات الحوثي وحزب الله اللبنانية بها.

وتتوزع مصانع سلاح الحشد الشعبي، وفقا لنادري، في مناطق متفرقة من العراق، منها مصانع تحت الأرض مخفية تمام عن الأنظار، وأخرى في مناطق عسكرية مغلقة لا تستطيع حتى الجهات الحكومية العراقية دخولها، ومنها المصانع الواقعة في بلدة جرف الصخر جنوب غربي العاصمة بغداد.

ويضيف نادري "تحتضن بلدة جرف الصخر مواقع رئيسية لصناعة الصواريخ ومحركاتها وإنتاج وقودها. وتنتج هذه المواقع صواريخ قصيرة المدى إلى جانب إنتاج الصواريخ البالستية واختبارها، بينما تتمركز في بلدة الزعفرانية جنوب شرقي بغداد صناعة صواريخ أرض ـ أرض وقذائف الهاون الثقيلة".

ويشير نادري إلى أن بلدات عين التمر في محافظة كربلاء، والنهراون في بغداد، تحتضن هي الأخرى مصانع صواريخ ومخازن خاصة بتخزين هذه الصواريخ إلى جانب مصانع خاصة بالذخائر ومخازنها أيضا.

ووفق القيادي الكردي الإيراني، أنشأ الحرس الثوري مصنعا لإنتاج الصواريخ ومنها صاروخ "رعد1"، وهو من فئة الصواريخ بعيدة المدى الذي يعرف بإمكانياته الكبيرة في تجنب الدفاعات الجوية.

واستعرضت هيئة الحشد الشعبي طائرات مسيرة قالت إنها من صناعاتها الحربية، خلال الاستعراض العسكري الذي نظمته بمناسبة الذكرى السابعة لتأسيسها عام 2021.

وأشارت "قناة العالم" الإيرانية في تقرير مصور عن الاستعراض، إلى أن الطائرات المسيرة التي استعرضها الحشد كانت إحداها شبيهة بطائرات "سايا" الإيرانية وطائرات "صماد 3"، التي تستخدمها مليشيات الحوثي اليمنية في هجماتها، وهي طائرات انتحارية.

وفي استعراض لها عام 2022، كشفت هيئة الحشد عن أسلحة جديدة ومتطورة، وأشارت مواقع عراقية وأخرى إيرانية قريبة من الحرس الثوري، إلى أن أبرز الأسلحة التي استعرضها الحشد شملت منظومة حسيب والراصد للقيادة والتحكم في الطائرات المسيرة، ودبابات 72T الروسية، التي أجرت عليها شركة كرار الإيرانية تعديلا تمثل بإضافة الدروع الجانبية لها، إلى جانب استعراض أجهزة تشويش، وأبراج اتصالات متنقلة حديثة.

وتكشف معلومات دقيقة حصل عليها موقع "الحرة" من حزب الحرية الكردستاني المعارض، عن وجود العديد من الشركات الإيرانية المختصة بالصناعات العسكرية مرتبطة بالحشد الشعبي، وتعمل فرق مهندسيها وخبرائها داخل مصانع أسلحة الحشد.

من تلك الشركات شركة "رستافن ارتباط" التي تشكل جزءا من الصناعات الدفاعية الإيرانية، وهي مختصة بتوفير خدمات الاتصال والمعدات المختصة بالاتصالات والمنظومات الإلكترونية وقطع غيار الأسلحة للقوة الجوية التابعة للحرس الثوري ومجموعة صناعات الصواريخ البحرية الإيرانية، إلى جانب الرادارات.

وإلى جانب "رستافن ارتباط"، تنشط في هذا المجال شركة "فناور موج خاور"، المعروفة بـ"فناموج"، المختصة بصناعة الصواريخ وتجربتها وهي شركة تصميم وصناعة كافة أنواع الصواريخ ومكوناتها.

وتشير معلومات "حزب الحرية" الكردستاني الإيراني إلى أن شركة شاهد لصناعات الطيران موجودة أيضا في العراق، وهي شركة إيرانية مختصة بتصميم وصناعة المروحيات والطائرات المسيرة، وتنقل هذه الشركة طائراتها المسيرة من طراز "شاهد101" و"شاهد136" على شكل قطع إلى داخل العراق ليتم تجميعها داخل مصانع الحشد الشعبي.

وضمن متابعته لملف صناعة السلاح الإيراني في العراق، تواصل موقع "الحرة" مع قيادي في أحد الأحزاب العراقية القريبة من الإطار التنسيقي، الذي اشترط عدم الإشارة الى اسمه أو اسم حزبه مقابل الحديث عن ملف صناعات الحشد الشعبي الحربية.

وفي عام 2018، نقلت رويترز في تقرير استقصائي عن مصادر إيرانية وعراقية وغربية "أن طهران قدمت صواريخ باليستية لجماعات شيعية تقاتل بالوكالة عنها في العراق، وإنها تطور القدرة على صنع مزيد من الصواريخ هناك لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط ولامتلاك وسيلة تمكنها من ضرب خصومها في المنطقة".

وخلال السنوات الماضية، تسببت أسلحة المليشيات بإحراج العراق دوليا عبر هجماتها المتكررة على قواعد عسكرية ومصالح أميركية في إقليم كردستان ومناطق العراق الأخرى وسوريا، واستهدافها للداخل الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تؤكد باستمرار سعيها لحصر السلاح بيدها، بما في ذلك سلاح المليشيات المسلحة، لكن دون جدوى فهذه المليشيات ما زالت متمسكة بأسلحتها.

وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، في تصريح لموقع "الحرة" في أبريل الماضي، إن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد في أكثر من مناسبة التزام العراق الثابت بحصر السلاح بيد الدولة، وضمان خضوع جميع التشكيلات المسلحة، بما في ذلك هيئة الحشد الشعبي، بشكل كامل للقائد العام للقوات المسلحة.

وأوضح علاء الدين أن "الحكومة تمضي بخطى مدروسة نحو استكمال هيكلة المنظومة الأمنية، من خلال حوارات بنّاءة مع مختلف الأطراف الوطنية، بهدف تعزيز سلطة الدولة، وحماية السلم والاستقرار، ومنع أي محاولات لزجّ العراق في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحه".

ويرى السياسي العراقي المستقل، مثال الآلوسي، أن هدف إيران من تصنيع المسيرات والصواريخ محليا بأيادي عراقية داخل العراق هو إطلاق يد المليشيات فوق الدولة والقيام بإرهاب الأطراف العراقية لغرض ابتزازها أو السيطرة عليها، وابعاد مسؤولية هذا الإرهاب عن طهران.

ويضيف الآلوسي لموقع "الحرة"، "ينبغي فهم أن عمليات تصنيع السلاح الإيراني خارج إيران تجري ضمن شراكة كبرى تعتمد على المال العراقي والغطاء والنقل بمساهمة عراقية وكذلك العاملين والمصنعين، والجميع شركاء في رسم صورة تحكم طهران بالإرهاب الإقليمي".

وأضاف أن "إيران تعمل بأصابعها العراقية لتنفيذ أهدافها ومنها إعادة تسليح حزب الله اللبناني والجماعات الأخرى الموالية لها في المنطقة".

وتنضوي تحت جناح الحشد الشعبي أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب عشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة، وقد شاركت غالبية هذه الفصائل خلال السنوات الماضية في الحرب الأهلية في سوريا ضمن صفوف المليشيات الإيرانية.

وأعلنت مساندتها لحزب الله اللبناني وشنت العديد من الهجمات الصاروخية على أهداف داخل إسرائيل خلال عامي 2023 و2024 قبل إعلانها إيقاف الهجمات مؤقتا في نهاية العام الماضي 2024.

ويعتقد المحلل السياسي في مركز "رامان" للبحوث والاستشارات، شاهو قرداغي، أن خطاب قيادات الحشد الشعبي وذهابهم سابقا للقتال خارج العراق يبين أن جزءا من هذه الأسلحة، رغم ادعاء استخدامها للدفاع عن العراق فقط، انتهت بيد فصائل موالية لإيران خارج العراق، سواء في سوريا أو غيرها.

ويوضح قرداغي لموقع "الحرة" أن "وصول هذه الأسلحة إلى فصائل غير عراقية خطر حقيقي يهدد بتوريط العراق في صراعات ومشاكل خارجية هو في غنى عنها خاصة في ظل حالة الهدوء والاستقرار وتوفير الخدمات التي يعيشها البلد خلال الفترة الحالية".

ويؤكد قرداغي على أن إيران تستغل الأراضي العراقية كقاعدة خلفية لتسليح وتمويل أذرعها المسلحة في المنطقة، فهي تُدخل خبراء وسلاح عبر حدود غير خاضعة لسيطرة الدولة، وتستخدم الفصائل كغطاء لتمرير السلاح إلى مليشياتها في سوريا ولبنان واليمن، مما يورط العراق في صراعات إقليمية لا ناقة له فيها ولا جمل.