بغداد تطمح إلى مرحلة جديدة من العلاقات الشاملة مع واشنطن. أرشيفية
بغداد تطمح إلى مرحلة جديدة من العلاقات الشاملة مع واشنطن. أرشيفية

لا يخفي العراق سعيه إلى مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، تركز بشكل أكبر على السياسة والاقتصاد والطاقة، بعدما كانت لسنوات طويلة تركز على المجالين الأمني والعسكري.

وتتباين المواقف في العراق، ما بين الموقف الرسمي، الذي يرى أن العلاقات تتجه نحو الأفضل، وموقف الخبراء والمراقبين الذين يرون أن الإدارة القادمة سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية، ستستخدم "مبدأ القوة" في سياستها مع العراق.

ويقول فرهاد علاء الدين، وهو مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون العلاقات الخارجية: "بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية المقبلة، ستظل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة محكومة باتفاق الإطار الاستراتيجي، والمصالح المشتركة، والتعاون في مجالات الأمن والطاقة والاستثمارات الاقتصادية والتبادل الثقافي".

ويشير  في مقابلة مع "الحرة" إلى "أهمية العراق كمحور استقرار في المنطقة، للدور الذي يلعبه في تحقيق التوازنات والاستقرار الإقليمي".

وفي 27 أكتوبر الحالي، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال ترأسه الاجتماع الدوري للجنة التنسيقية العليا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، على أهمية تعزيز العلاقات مع أميركا والانتقال إلى شراكة اقتصادية متينة.

وشدد حسين على ضرورة عدم التركيز على الجوانب العسكرية والأمنية فقط، بل توسيع التعاون ليشمل المجالات الاقتصادية، والصحية، والتعليمية، والبيئية.

ويقول السياسي العراقي عمر عبد الستار لموقع "الحرة" إن "الولايات المتحدة لها سياسة موحدة، سواء كان المرشح الفائز ديمقراطيا أو جمهوريا، لكن هذه السياسة تختلف في التعامل مع ملفات جنوب آسيا، فيما إذا كان الرئيس الفائز كاملا هارس أو دونالد ترامب، أما بالنسبة لدول غرب آسيا وجنوب غرب آسيا ومنها العراق، فالسياسية الخارجية موحدة تتسم باستخدام القوة."

ويشير عبد الستار إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية ستنفذ انسحابها من العراق في أكتوبر 2025، سواء كانت الإدارة المقبلة ديمقراطية أو جمهورية".

بلينكن قال إن واشنطن تواجه "شراكات" قد تؤثر على النظام العالمي وتهدده - صورة لأسوسييتد برس
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط؟
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، إن قوة ونجاح حلفاء الولايات المتحدة يعتمد على نجاحها بالدرجة الأولى. وأكد أن بلاده عملت على تفعيل شراكاتها وتحالفاتها حول العالم، وذلك خلال كلمة له بشأن مستقبل الدبلوماسية الأميركية، ألقاها في معهد الخدمة الخارجية (FSI) بمدينة أرلينغتون في ولاية فيرجينيا.

وحرصت الولايات المتحدة خلال السنوات الثماني الماضية سواء في ظل إدارة الجمهوريين أو الديموقراطيين، على تجنب تصعيد العنف أو الإخلال بالوضع السياسي والاقتصادي في العراق.

ويعتبر الخبير الاستراتيجي العراقي الناصر دريد ما أسماها "الإجراءات العقابية" الأميركية ضد مجموعة من البنوك والمصارف العراقية خلال السنوات الأربع الماضية، "تصعيدا" اقتصاديا مع النظام السياسي في العراق.

ويقول لموقع "الحرة": "إذا ما استمرت الإدارة الديمقراطية في الحكم، فتستمر وتيرة العلاقات بالشكل القائم حاليا، على أساس المواجهة الاقتصادية، مع بقاء العلاقات السياسية بشكلها الحالي، الذي يبدو طبيعياً، لكن في حال وصول ترامب فسيكون هناك نوع من الشدة في المواجهة السياسية وربما حتى العسكرية".

ويرى دريد أن "اختلاف السياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع العراق وقضايا الشرق الأوسط ما بين إدارتي ترامب وهارس، تكمن في كون الأول سيكون أكثر حدة في التعامل مع إيران ووكلائها في العراق والمنطقة، وسيذهب إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة إيران وأذرعها بعد أكتوبر 2025".

أما هارس وفقاً للخبير الاستراتيجي، فستبحث في الدرجة الأولى عن تطبيع سعودي إسرائيلي، وفي ما بعد تشكيل تحالف دولي لمواجهة إيران ربما في 2025 أو 2026، على حد قوله.

وركزت العلاقات بين بغداد وواشنطن خلال العقدين الماضيين، على الجوانب العسكرية والأمنية ومكافحة الإرهاب، نتيجة للأوضاع التي كان يعيشها العراق، لكنهما تسعيان إلى توسيعها لتشمل مجالات أخرى.

وتخضع العلاقات العراقية الأميركية لاتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة الأميركية عام 2008، وبدأ الجانبان بتنفيذ بنودها عام 2009، وتتضمن الاتفاقية 11 بندا تشمل المجالات الدبلوماسية والسياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، وتنص على علاقات طويلة الأمد بين البلدين وفق مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمصالح المشتركة.

صورة أرشيفية لرئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد- تعبيرية
صورة أرشيفية لرئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد- تعبيرية

أقام رئيس الجمهورية، عبد اللطيف جمال رشيد، دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية العليا ضد كل من رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، ورئيس مجلس النواب، ووزيرة المالية الاتحادية، إضافة إلى وظائفهم.

وتضمنت الدعوى 4 مطالب لرشيد في ما يخصّ رواتب موظفي إقليم كردستان، أولها "إصدار أمر ولائي عاجل، يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف رواتب موظفي إقليم كردستان بجميع فئاتهم، سواء للأشهر السابقة أو اللاحقة، مع التأكيد على عنصر الاستعجال في هذه القضية".

وثانيها: "ضمان الاستمرارية، بإلزام وزارة المالية بصرف الرواتب دون توقف أو تأخير، وعدم ربطها بأي متطلبات إدارية أو فنية مثل ميزان المراجعة أو الإجراءات الرقابية الأخرى".

وثالثها: "توطين الرواتب وفق تعليمات البنك المركزي العراقي، والسماح للموظفين باختيار المصرف الذي يفضلونه، بالتنسيق بين وزارة المالية الاتحادية ونظيرتها في حكومة الإقليم".

ورابع هذه المطالب في دعوى الرئيس العراقي "تعديل قانون الموازنة"، حيث طالب مجلس النواب بتعديل البند (12) الفقرة (ج) من قانون الموازنة العامة لعام 2023. وضمان تنفيذ تعهدات الإقليم بتمويل الخزينة العامة بإيراداته النفطية بشكل عادل وشفاف".

أيضاً دعا رشيد لإلغاء شرط تخصيص 6 دولارات أميركية لكلفة إنتاج النفط في الإقليم، باعتباره "تعسفياً" ويضر بالمصلحة الاقتصادية للدولة.

تظاهرات وإضراب طعام

وتأتي دعوى رشيد بالتزامن مع استمرار التظاهرات والإضراب عن الطعام في إقليم كردستان؛ تنديدا باستمرار مشكلة رواتب الموظفين.

كما يستمر الجدل بشأن آلية صرفها، ومساعي الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول تضمن استقرار التمويل والعدالة في توزيع الموارد.

ونقل نشطاء في مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو يزعمون فيها أن القوات الأمنية في الإقليم قمعت المحتجين واعتدت عليهم بالضرب أو بالغاز المسيل للدموع.

بعضهم تساءل عن دور المحافظات التابعة للحكومة الاتحادية في دعم هذه التظاهرات، أسوة بما جرى في "انتفاضة تشرين" خريف 2019.

وعلقت رئيسة كتلة "حراك الجيل الجديد" النيابية سروة عبد الواحد، على ما يجري في كردستان: "السلطة التي لا تريد سماع مطالب شعبها لا تستحق البقاء".

وأوضحت في منشور على حسابها في منصة إكس، الأحد، أن القوات الأمنية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني منعت المتظاهرين من دخول أربيل.

وأضافت عبد الواحد "السلطة التي تغلق آذانها ولا تريد سماع مطالب شعبها لا تستحق البقاء، ولن يكون مصيرها أفضل من غيرها من دكتاتوريات المنطقة".

رد الحكومة الكردية

وقالت وزارة الداخلية في حكومة كردستان العراق، الأحد، إن تلبية مطالب الموظفين والمواطنين كانت ولا تزال ضمن أولوياتها.

وأكدت "استمرار" التنسيق مع الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول مناسبة، مشيرة لتحقيق "تقدم ملموس" بهذا الشأن، بحسب بيان رسمي.

وقالت الوزارة إنها "تعمل بروح المسؤولية لمعالجة القضايا العالقة، ملتزمةً بالحوار والتفاوض ضمن الأطر القانونية للوصول إلى حلول مستدامة".

وحذرت الوزارة من محاولات بعض الأطراف، سواء داخل العراق أو خارجه، لاستغلال المطالب المشروعة "لأغراض أخرى" وفق تعبيرها.

واتهمت حزب العمال الكردستاني ( بي كي كي) وجماعات وصفتها بـ"الخارجة عن القانون"، بأنها تسعى إلى "الإخلال بأمن واستقرار مناطق في الإقليم" في إشارة إلى أنها من يقف خلف التظاهرات.

كما جاء في بيان وزارة الداخلية الكردية أنها "تحترم حق التظاهر السلمي"، مشددةً على أنها "لن تتهاون مع أية محاولات تهدف لزعزعة الأمن أو تجاوز القانون".

وقالت إن "أي تصرفات غير قانونية ستواجه بالإجراءات القانونية اللازمة".

في سياق متصل، قال محافظ أربيل أوميد خوشناو، الأحد، إن المحافظة لم تتلق أي طلبات رسمية لتنظيم تظاهرات أو اعتصامات، محذراً من أن أي تظاهرة غير قانونية ستواجه بالقانون.

وأضاف خوشناو في مؤتمر صحفي أن "أي جهة ترغب في إقامة تظاهرة أو اعتصام من دون الحصول على التقديرات أو الموافقات القانونية، سنقف أمامها باسم القانون وقوانين تنظيم التظاهرات".


قرار سابق "بتوطين الرواتب"

وفي فبراير 2024، أمرت المحكمة الاتحادية حكومة في بغداد، بدفع رواتب موظفي كردستان مباشرةً، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.

وألزم رئيس المحكمة جاسم العميري في الحكم الذي بثّه التلفزيون الرسمي الحكومة في بغداد "بتوطين رواتب" جميع موظفي الإقليم بكافة الوزارات والمؤسسات العامة، فضلاً عن المتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية، "لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم".

وأوضح أن هذه المدفوعات "تخصم من حصة الإقليم المحددة بموجب قانون الموازنة لهذه السنة وللسنوات القادمة".

وأضاف القاضي أنه ينبغي على كل الجهات المعنية بهذه الآلية الجديدة "تنفيذ" القرار "دون الرجوع" إلى سلطات الإقليم.

ويلزم القرار كذلك أربيل "بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية"، فارضاً كذلك تدقيقاً على البيانات الخاصة بتلك الايرادات.

وكان لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة لسنوات متأتية من صادراته النفطية.

لكن منذ مارس 2023، توقّفت تلك الصادرات نتيجةً لقرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات النفط من كردستان.

وينبغي إثر هذا القرار أن تمرّ مبيعات نفط الإقليم عبر الحكومة الاتحادية في بغداد، مقابل نسبة في الموازنة الاتحادية تخصص لإقليم كردستان.

وتشهد العلاقات بين بغداد والإقليم الذي حصل على حكم ذاتي عام 1991، توتراً متواصلاً لا سيما حول قضية رواتب الموظفين التي تسمم العلاقات بين الطرفين بشكل متكرر.