لا أحد يستطيع دخول جرف الصخر عير الميلشيات الموالية لإيران. أرشيفية
صورة أرشيفية لعناصر مليشيات عراقية موالية لإيران- تعبيرية

وصف بيان صادر عن المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي بعد اجتماعه برئاسة القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني وقادة أمنيين وعسكريين، الحديث عن اتخاذ الأراضي العراقية منطلقاً لتنفيذ هجمات بأنه "ذرائع كاذبة".

وقال في الوقت ذاته، إن "مصالح العراق العليا تحتم العمل على إبعاد أراضيه وأجوائه عن آلة الحرب".

وأضاف البيان أن التلويح بإمكانية قصف العراق تحت مبرر اتخاذ أراضيه منطلقا لهجمات أو ردود فعل "مسوغات يراد لها أن تكون مبررا للاعتداء على البلاد وسيادتها وحرمة أراضيها" وفق تعبيره.

وتحذر المحللة السياسية العراقية والمستشارة السابقة بمركز المورد للدراسات الإستراتيجية سهاد الشمري، من توسع دائرة الصراع. إذ تقول لـ"الحرة" إن "المرجعية الدينية في النجف المتمثلة برجل الدين السيد علي السيستاني أصدرت توجيهات تكاد تكون تقصد بها رئيس الحكومة في إطار التاكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة وحدها، وأن تكون الدولة هي المسيطرة على جميع الأمور الفنية والعسكرية".

وترى الشمري أن قرار الحكومة هو "النأي بالعراق عن كافة المخاطر، لأن البديل عن ذلك هو توسيع دائرة الاشتباك التي لها أضرارها الكبيرة على العراق في مختلف الجوانب".

ويشاطرها الرأي المحلل السياسي، علي عبد الزهرة، الذي يقول لـ"الحرة" إن بغداد تعرف خطورة التصعيد وهي "ملتزمة بالمسار الدبلوماسي والحوار لحل الأزمات والنزاعات وعدم التصعيد مطلقا".

مخاطر الأمر الواقع

يضيف عبد الزهرة أن استخدام الأراضي العراقية لقصف إسرائيل حاصل فعليا لكن بشكل غير مباشر، من خلال ما يعرف بتنسيقية "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي نفذت عمليات ضد إسرائيل من داخل العراق.

ويتابع "لو أرادت إيران تنفيذ أعمال ضد إسرائيل انطلاقاً من أراض عراقية سيتم تبويب الأمر على أن فصائل عراقية ساندت إيران في عمليات الرد ولا يعد إعلانا رسميا بتبني إيران هذه العمليات، ولا يعد خرقا للسيادة العراقية، لكن تبعاته يتحملها العراق نظرا لاشتراكه في التوتر وتداعياته".

ومنذ أكثر من عام و "المقاومة الإسلامية في العراق" تشن هجمات مستمرة على إسرائيل وقواعد عراقية وسورية تستضيف قوات أميركية، وبلغ عدد الهجمات التي شنتها خلال 200 يوم نحو 243 هجوما.

وكثفت هذه الفصائل هجماتها خلال الأيام الماضية، تحديدا بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران، مستخدمة الطائرات المسيرة لضرب أهداف لها في العمق الإسرائيلي.

وظهر مصطلح "المقاومة الإسلامية في العراق" لأول مرة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما شنّت فصائل مسلحة من داخل العراق هجوما عبر مسيّرات على قاعدة حرير (شمال العراق) العسكرية التي تستضيف قوات أميركية، بحسب دراسة نشرت على منصة معهد واشنطن للشرق الأوسط.

من جانبه يرى اللواء المتقاعد صفاء الأعسم أن توسيع دائرة الصراع يعني زيادة كرة النار التي تتدحرج في المنطقة، مضيفاً لـ"الحرة" أن حماية العراق من هجمات إسرائيلية يكمن في أن العراق شريك إستراتيجي ومهم للولايات المتحدة، لكن بقاءه بعيدا عن التوتر مرهون بتجنبه المشكلات الأمنية والعسكرية".

وخلص اجتماع بين مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي والملحق العسكري الإيراني في بغداد، اللواء مجيد مجيد، إلى التاكيد على موقف العراق الرافض لاستخدام الأجواء العراقية للتجاوز على إيران وأي دولة من دول المنطقة، وفق بيان صادر عن مستشارية الأمن القومي العراقية.

ويضيف الأعسم أن حكومة العراق "لها سيطرة على فصائل المقاومة ذات التمثيل السياسي في الحكومة والبرلمان، لكن الفصائل التي لها امتداد ودعم لوجستي إيراني، فهذا يحتاج إلى تفاهمات لأن العلاقة هنا متداخلة ومتشعبة".

ما الذي سيتغير بعودة ترامب؟

لا تتوقع الشمري حدوث تغيير على مستوى التعاون والتفاهم بين العراق والولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، وتقول لـ"الحرة": "تربط البلدين اتفاقيات ثنائية طويلة الأمد ومهمة على مختلف الأصعدة".

من جانبه، يصف عبد الزهرة المرحلة المقبلة بـ"الضبابية"، منطلقا من تصريح ترامب بأنه ينوي إنهاء الحروب وإحلال السلام في الشرق الأوسط.

ويستبعد أن يتم تنفيذ هذه الوعود "بالتفاوض والحوار والتفاهم"، بالتالي يتابع عبد الزهرة، أن استخدام القوة قد يطال فصائل مسلحة وإن كان على مستوى قيادات وليست بنى تحتية، وهو أمر قد يربك بعض القوى السياسية العراقية التي تملك أجنحة مسلحة، وجزء منها مشارك وبشكل فعال في تكوين الحكومة.

وأفاد بيان حكومي أن السوداني هاتف ترامب، وجدد الطرفان التأكيد على أهمية العمل المشترك والمضيّ بالشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وتعزيز العلاقات الثنائية بطرق تتجاوز الجانب الأمني، من خلال التعاون الوثيق في مجالات الاقتصاد، والمال، والطاقة، والتكنولوجيا.

وقال البيان إن السوداني اطلع على الوعود الانتخابية لترامب، تحديدا ما يتعلق منها بإنهاء الحروب في المنطقة والتنسيق لتحقيق ذلك.

وتقول الشمري إن السوداني يعتمد الدبلوماسية المنتجة التي يكون فيها التفاوض والتفاهم عمادا وأساسا بين الدول المختلفة في المنطقة، إلى جانب سعيه لمحاولة إيجاد هدنة، وإعادة الاستقرار الأمني لا سيما داخل العراق.

مقاتلون من المعارضة في ريف حمص.
مقاتلون من المعارضة في ريف حمص. Reuters

يكتنف الغموض حول مشاركة المليشيات العراقية الموالية لإيران في الحرب السورية، التي عادت لدائرة الضوء مجددا منذ بدء فصائل المعارضة هجوما واسعا ضد نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية وسيطرتها على مدينتي حلب وحماة واستمرار زحفها باتجاه العاصمة دمشق.

ويؤكد الموقف الرسمي العراقي على عدم السعي للتدخل العسكري بسوريا، وجدد الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، الجمعة، تأكيده على ذلك الموقف، مضيفا في بيان أن "العراق يعمل بقوة على إيجاد حل سياسي متوازن للتداعيات الأخيرة".

لكن موقف هيئة الحشد الشعبي وكذلك المليشيات العراقية غير واضح حتى الآن، رغم أنها أكدت عدم المشاركة في الحرب السورية الا بموافقة رسمية من الحكومة.

ويتزامن غموض موقف المليشيات العراقية من المشاركة في الحرب مع دعوة زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) مقتدى الصدر، الخميس الماضي، الحكومة والفصائل العراقية المسلّحة إلى "عدم التدخل" فيما يحصل بسوريا.

وشدّد الصدر في منشور على منصة "إكس" على "ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم فيما سبق"، داعيا "الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي."

ويوضح المحلل السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي،عصام حسين، لـ"الحرة"، "يرى مقتدى الصدر أن الأحداث في سوريا صراع دولي، بمجرد أن يتدخل العراق سينتقل هذا الصراع الدولي إلى العراق الذي يشهد أمانا."

ويشير حسين الى أن الفصائل العراقية التي كانت في منطقة البوكمال السورية الحدودية مع العراق انسحبت، الجمعة، مستبعدا مشاركة الفصائل العراقية في الحرب السورية هذه المرة لامتلاكها مصالح سياسية واقتصادية وارتباطات دولية.

وعلى نقيض الصدر أعلنت مليشيا "أبو الفضل العباس" بزعامة أوس الخفاجي، الخميس، عن إعادة تشكيل قواتها، وأنها ستتجه بعد استكمال العدد والعدة إلى دمشق وستتمركز بجوار مرقدي "السيدة زينب" و"السيدة رقية" دون المشاركة في أي عمليات عسكرية خارج محيط المرقدين التزاما بقرارات الحكومة العراقية والمرجعية الشيعية.

ويبدو أن المليشيات العراقية تسعى لتقاسم الأدوار في المرحلة الحالية تجاه الأحداث في سوريا، حيث تعلن قسم منها أنها ستدخل الأراضي السورية لممارسة دورها في حماية دمشق من السقوط بيد فصائل المعارضة، التي يعتبرها العراق"جماعات إرهابية"، بينما تشير مليشيات أخرى الى أنها تتطلع إلى حل سياسي وأنها ملتزمة بالموقف الحكومي الرسمي.

ويرى الخبير السياسي إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، أن تقاسم الأدوار قد يكون في المرحلة الأولى، على اعتبار أن الحكومة العراقية أو حتى الفصائل بحاجة إلى مسار دبلوماسي ومسار آخر عسكري.

ويبين الشمري لـ"الحرة"، "لكن إذا كان هناك تهديد بسقوط الحكومة السورية أو حتى بشار الأسد، أتصور ان الفصائل قد تنخرط بشكل كامل ومن ثم ينتهي الحد الفاصل في المناورة وتبادل الأدوار"، مشيرا الى أنه ورغم إعلان الفصائل الاستعداد للانخراط في الحرب السورية، إلا أنها في نفس الوقت متمركزة في بعض النقاط داخل سوريا.

وتحتضن سوريا نحو 20 فصيلا من المليشيات العراقية منذ عام 2012، وكانت تتمركز جزء كبير من هذه المليشيات حتى نوفمبر الماضي في حلب وحماة قبل انسحابها مع المليشيات الإيرانية الأخرى وجيش النظام السوري من هاتين المدينتين، اللتين سيطرت عليها الفصائل المعارضة السورية إلى جانب بلدات أخرى ضمن عملياتها الواسعة ضد الجيش السوري والمليشيات المتحالفة معها.

ويشير الشمري الى أن إيران تطرح فكرة إرسال مستشارين إلى سوريا، معربا عن اعتقاده بأن هذه الفكرة "قد تدفع جميع الفصائل إلى الاشتراك إذا ما كان هناك قرار بهذا المستوى، لكن مع ذلك لا يزال الرأي المطروح بأن الذهاب إلى سوريا مع انسحاب كامل للجيش السوري من بعض المحافظات والمدن قد يكون ذا كلف وأثمان باهظة جدا."

وتظهر تصريحات قادة المليشيات العراقية حتى المنخرطة منها في العملية السياسية، أنها ستدخل الى الأراضي السوريا فيما إذا اشتد حصار المعارضة على نظام الأسد.

وأكد هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر أقدم المليشيات العراقية الموالية لإيران، السبت، خلال مشاركته في مهرجان "أبناء المجاهدين"، أنه "إذا هُدد أمننا القومي يجب أن ندخل للقتال في سوريا"، مشددا "الهجوم خير وسيلة للدفاع ومن غير الصحيح أن نبقى نترقب التصعيد من بغداد".

لكن الخبير السياسي الناصر دريد، يعتبر الفصائل العراقية كلها غير متشجعة وغير راغبة في دخول أجواء المعركة في سوريا هذه المرة.

ويسلط دريد الضوء على أبرز الأسباب التي تجعل الفصائل غير راغبة بدخول الأراضي السورية، موضحا لـ"الحرة"، "الوضع الحالي لم يعد شبيه بالأوضاع الطائفية، التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية عندما دخلت الفصائل في معارك سورية للدفاع عن مرقد السيدة زينب، ومنها أن المعارضة الحالية في سوريا استطاعت إلى حدما أن تطرح بشكل مختلف الشكل الطائفي الذي ظهرت فيه في المرة الأولى، إلى جانب ضعف القبضة الإيرانية بعد المعارك التي أعقبت 7 أكتوبر 2023."

ومن أبرز المليشيات العراقية المتمركز في سوريا حاليا، هي مليشيا النجباء ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق، لواء أبو الفضل العباس، التي كانت اول مليشيات عراقية تشكل في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي.

كما أن هناك عددا آخر  من المليشيات التي شكلها الحرس الثوري الايراني من مجندين شباب عراقيين تلقوا تدريباتهم في العراق وانضموا للحرب في سوريا، وتتمركز المليشيات العراقية حاليا في العاصمة دمشق ومطارها وفي محيط مرقد السيدة زينب، وريف دمشق وحمص وريفها والقلمون والغوطة الشرقية واللاذقية.