الميليشيات تشن ثلاث هجمات بالقذائف الصاروخية على مصالح غربية في العراق خلال أسبوع
الميليشيات تمثل تحديا أمنيا كبيرا للحكومة العراقية ومن شأنها أن تورط البلاد في الصراعات الإقليمية

رغم تأكيدات الحكومة العراقية على إبعاد شبح الحرب عن البلاد ومحاولة إنهاء التوترات في المنطقة، لم تتمكن الحكومة العراقية حتى الآن من الحد من الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران بشكل شبه مستمر على إسرائيل والمصالح الأميركية.

وأكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، نهاية أكتوبر الماضي في لقاء مع رؤساء عشائر بمحافظة واسط جنوب شرق بغداد، على أن قرار الحرب والسلم تتخذه الدولة بمؤسساتها الدستورية، مضيفا أن "كل من يخرج عن ذلك سيكون بمواجهة الدولة التي تستند إلى قوة الدستور والقانون في تنفيذ واجباتها ومهامّها".

وأعلنت مجموعة المقاومة الإسلامية في العراق التي تتبنى الهجمات الصاروخية على إسرائيل، الاثنين الماضي، استهداف موقع حيوي في أم الرشراش (إيلات) في اسرائيل، بواسطة طائرات مسيّرة، مؤكدة في بيان لها استمرار هجماتها ضد إسرائيل.

ويعتبر المحلل السياسي، الناصر دريد، أن تشكيل الحكومة العراقية من قبل مليشيات موالية لإيران تسبب في عجزها عن التحرك لإيقاف هذه الهجمات.

ويتابع دريد لـ"الحرة"، "أصبحت الميليشيات جزءا من هذا النظام فهي ليست طرفا خارجيا حتى تقوم الحكومة أو أي حكومة عراقية بمواجهتها، في الواقع هي ليست مجرد جزء من هذا النظام بل هي أصبحت الجزء المهيمن عليه وذلك بسبب تراجع الدور الأميركي عن تسيير الوضع الداخلي في العراق بعد الانسحاب الأميركي".

ويرى الناصر أن السوداني يواجه ضغطا دوليا واضحا في هذه الفترة خاصة أن الضغط الأميركي بدأ خلال العامين الأخيرين من إدارة الرئيس جو بايدن، وتمثل في العقوبات التي فرضتها واشنطن على عدد من المصارف والشركات العراقية المتورطة بعمليات تبييض الأموال وتهريب العملة إلى إيران.

عقوبات وضغوط

ويتوقع الناصر أن تواصل الإدارة الأميركية الجديدة فرض العقوبات الاقتصادية على المؤسسات والبنوك العراقية وربما سيواجه العراق ضغطا أميركيا أكبر خلال الفتره المقبلة، بعد استلام الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في يناير المقبل.

وبعد هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة حماس على بلدات جنوبي إسرائيل، أدى لشنّ الأخيرة عملية عسكرية في قطاع غزة مستمرة حتى الآن، نفذت مليشيات عراقية تحت اسم "المقاومة الإسلامية في العراق"هجمات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا.

ويؤكد رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، إحسان الشمري أن الحكومة العراقية الحالية حاولت في بادئ الأمر الحفاظ على مبدأ التوازن ما بين الولايات المتحده وإيران لكن فشلت في الحفاظ على التوازن وبالتالي، ظهرت في كثير من الأحداث على أنها أقرب إلى إيران منها إلى الولايات المتحدة.

ويوضح الشمري لـ"الحرة"، أن "هناك رغبة أميركية تحول دون وقوع فوضى أمنية، أو حتى ارتباك أمني في المشهد العراقي، لذلك أطلقت واشنطن من خلال الحوارات مع الحكومة ضمانات بالتأثير على إسرائيل وساهم هذا الأمر إلى حد ما في تأجيل الضربة الاسرائيلية وليس إلغاءها".

وأضاف المتحدث أنه بعد فشل وعجز حكومة السوداني من القيام بتأثير حتى بشكل محدود على الفصائل المسلحة فإن الولايات المتحدة فيما يبدو لم تعد قادرة على إعطاء ضمانات لإسرائيل والسبب في ذلك أن السوداني لا يستطيع مواجهة داعميه السياسيين متمثلا بالإطار التنسيقي الذي ركيزته الفصائل المسلحة".

وكشف وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، حصول العراق على تعهدات إيرانية بعدم استخدام أراضيه للهجوم على إسرائيل، في حال أي رد من طهران على هجوم إسرائيل الأخير.

وقال حسين خلال مقابلة متلفزة، في 8 نوفمبر الحالي، إن "السوداني، اتصل بالجانب الإيراني، وأكدوا له أنهم لن يستخدمون الأراضي العراقية منطلقا للهجوم على إسرائيل".

شبح الحرب

لكن عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، ياسر إسكندر، يلفت إلى أن العراق استطاع أن يبعد شبح الحرب عن أرضه بحكمة كبيرة.

وأوضح إسكندر في حديث لـ"الحرة"، أن "الجولات المكوكية التي أجراها السوداني وكابينته الوزارية في عدد من الدول كان لها التأثير في إبعاد العراق عن الصراعات بجميع جبهاتها ونحن في لجنة الأمن والدفاع نوصي بتطبيق التشريعات التي تضمن النأي بالبلاد عن الحروب والصرعات."

وأوصلت الحكومة العراقية رسائل إلى طهران عبر مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي مفادها تأكيد العراق على البقاء خارج دائرة الحرب التي تشهدها المنطقة منذ أكثر من عام.

وقال الأعرجي في منشور على صفحته على منصة إكس: "نؤكد مجدداً الموقف العراقي الرافض لاستخدام الأراضي والأجواء العراقية منطلقاً للاعتداء على أي دولة، وسنعمل بكل قوة وجهد لإنجاح دور العراق البارز في تهدئة الأوضاع وعدم الذهاب نحو التصعيد وجر المنطقة إلى أتون الحرب الشاملة".

مقاتلون من المعارضة في ريف حمص.
مقاتلون من المعارضة في ريف حمص. Reuters

يكتنف الغموض حول مشاركة المليشيات العراقية الموالية لإيران في الحرب السورية، التي عادت لدائرة الضوء مجددا منذ بدء فصائل المعارضة هجوما واسعا ضد نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية وسيطرتها على مدينتي حلب وحماة واستمرار زحفها باتجاه العاصمة دمشق.

ويؤكد الموقف الرسمي العراقي على عدم السعي للتدخل العسكري بسوريا، وجدد الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، الجمعة، تأكيده على ذلك الموقف، مضيفا في بيان أن "العراق يعمل بقوة على إيجاد حل سياسي متوازن للتداعيات الأخيرة".

لكن موقف هيئة الحشد الشعبي وكذلك المليشيات العراقية غير واضح حتى الآن، رغم أنها أكدت عدم المشاركة في الحرب السورية الا بموافقة رسمية من الحكومة.

ويتزامن غموض موقف المليشيات العراقية من المشاركة في الحرب مع دعوة زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) مقتدى الصدر، الخميس الماضي، الحكومة والفصائل العراقية المسلّحة إلى "عدم التدخل" فيما يحصل بسوريا.

وشدّد الصدر في منشور على منصة "إكس" على "ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم فيما سبق"، داعيا "الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي."

ويوضح المحلل السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي،عصام حسين، لـ"الحرة"، "يرى مقتدى الصدر أن الأحداث في سوريا صراع دولي، بمجرد أن يتدخل العراق سينتقل هذا الصراع الدولي إلى العراق الذي يشهد أمانا."

ويشير حسين الى أن الفصائل العراقية التي كانت في منطقة البوكمال السورية الحدودية مع العراق انسحبت، الجمعة، مستبعدا مشاركة الفصائل العراقية في الحرب السورية هذه المرة لامتلاكها مصالح سياسية واقتصادية وارتباطات دولية.

وعلى نقيض الصدر أعلنت مليشيا "أبو الفضل العباس" بزعامة أوس الخفاجي، الخميس، عن إعادة تشكيل قواتها، وأنها ستتجه بعد استكمال العدد والعدة إلى دمشق وستتمركز بجوار مرقدي "السيدة زينب" و"السيدة رقية" دون المشاركة في أي عمليات عسكرية خارج محيط المرقدين التزاما بقرارات الحكومة العراقية والمرجعية الشيعية.

ويبدو أن المليشيات العراقية تسعى لتقاسم الأدوار في المرحلة الحالية تجاه الأحداث في سوريا، حيث تعلن قسم منها أنها ستدخل الأراضي السورية لممارسة دورها في حماية دمشق من السقوط بيد فصائل المعارضة، التي يعتبرها العراق"جماعات إرهابية"، بينما تشير مليشيات أخرى الى أنها تتطلع إلى حل سياسي وأنها ملتزمة بالموقف الحكومي الرسمي.

ويرى الخبير السياسي إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، أن تقاسم الأدوار قد يكون في المرحلة الأولى، على اعتبار أن الحكومة العراقية أو حتى الفصائل بحاجة إلى مسار دبلوماسي ومسار آخر عسكري.

ويبين الشمري لـ"الحرة"، "لكن إذا كان هناك تهديد بسقوط الحكومة السورية أو حتى بشار الأسد، أتصور ان الفصائل قد تنخرط بشكل كامل ومن ثم ينتهي الحد الفاصل في المناورة وتبادل الأدوار"، مشيرا الى أنه ورغم إعلان الفصائل الاستعداد للانخراط في الحرب السورية، إلا أنها في نفس الوقت متمركزة في بعض النقاط داخل سوريا.

وتحتضن سوريا نحو 20 فصيلا من المليشيات العراقية منذ عام 2012، وكانت تتمركز جزء كبير من هذه المليشيات حتى نوفمبر الماضي في حلب وحماة قبل انسحابها مع المليشيات الإيرانية الأخرى وجيش النظام السوري من هاتين المدينتين، اللتين سيطرت عليها الفصائل المعارضة السورية إلى جانب بلدات أخرى ضمن عملياتها الواسعة ضد الجيش السوري والمليشيات المتحالفة معها.

ويشير الشمري الى أن إيران تطرح فكرة إرسال مستشارين إلى سوريا، معربا عن اعتقاده بأن هذه الفكرة "قد تدفع جميع الفصائل إلى الاشتراك إذا ما كان هناك قرار بهذا المستوى، لكن مع ذلك لا يزال الرأي المطروح بأن الذهاب إلى سوريا مع انسحاب كامل للجيش السوري من بعض المحافظات والمدن قد يكون ذا كلف وأثمان باهظة جدا."

وتظهر تصريحات قادة المليشيات العراقية حتى المنخرطة منها في العملية السياسية، أنها ستدخل الى الأراضي السوريا فيما إذا اشتد حصار المعارضة على نظام الأسد.

وأكد هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر أقدم المليشيات العراقية الموالية لإيران، السبت، خلال مشاركته في مهرجان "أبناء المجاهدين"، أنه "إذا هُدد أمننا القومي يجب أن ندخل للقتال في سوريا"، مشددا "الهجوم خير وسيلة للدفاع ومن غير الصحيح أن نبقى نترقب التصعيد من بغداد".

لكن الخبير السياسي الناصر دريد، يعتبر الفصائل العراقية كلها غير متشجعة وغير راغبة في دخول أجواء المعركة في سوريا هذه المرة.

ويسلط دريد الضوء على أبرز الأسباب التي تجعل الفصائل غير راغبة بدخول الأراضي السورية، موضحا لـ"الحرة"، "الوضع الحالي لم يعد شبيه بالأوضاع الطائفية، التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية عندما دخلت الفصائل في معارك سورية للدفاع عن مرقد السيدة زينب، ومنها أن المعارضة الحالية في سوريا استطاعت إلى حدما أن تطرح بشكل مختلف الشكل الطائفي الذي ظهرت فيه في المرة الأولى، إلى جانب ضعف القبضة الإيرانية بعد المعارك التي أعقبت 7 أكتوبر 2023."

ومن أبرز المليشيات العراقية المتمركز في سوريا حاليا، هي مليشيا النجباء ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق، لواء أبو الفضل العباس، التي كانت اول مليشيات عراقية تشكل في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي.

كما أن هناك عددا آخر  من المليشيات التي شكلها الحرس الثوري الايراني من مجندين شباب عراقيين تلقوا تدريباتهم في العراق وانضموا للحرب في سوريا، وتتمركز المليشيات العراقية حاليا في العاصمة دمشق ومطارها وفي محيط مرقد السيدة زينب، وريف دمشق وحمص وريفها والقلمون والغوطة الشرقية واللاذقية.