صورة تعبيرية من وسط العاصمة بغداد
صورة تعبيرية من وسط العاصمة بغداد

رغم الإعلان عنه تعداداً عاما للسكان في العراق، الا أنه تفادى السؤال عن القومية والمذهب، اللذان يشكلان جزءً رئيسيا من التنوع السكاني في العراق.

وأعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في 25 نوفمبر الحالي عن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن، وأشار السوداني في مؤتمر صحفي عقده في بغداد إلى أن عدد سكان العراق بلغ (45407895) نسمة من ضمنهم الأجانب واللاجئون.

وتؤكد الحكومة العراقية على أن التعداد كان لأغراض تنموية ولرسم السياسات الاقتصادية المستقبلية التي ستستند البلاد على التعداد في التخطيط لها.

وأوضح المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط العراقية، عبدالزهرة الهنداوي، في تصريح سابق لـ"الحرة" نشر في 8 نوفمبر الحالي، أن غياب حقلي القومية والمذهب من استمارة التعداد السكاني جاء من منطلق أن الحكومة "تتعامل مع السكان بوصفهم عراقيين بغض النظر عن قوميتهم ومذهبهم."

وتتباين آراء الخبراء والناشطين العراقيين حول غياب حقلي القومية والمذهب من استمارة التعداد، ففي وقت يعتبرها ناشطون وصحفيون مثيرة للشكوك وتهميش واضح للتنوع السكاني الذي يمتاز به العراق، يعتبر خبراء غيابهما خطوة من الحكومة لتجاوز التبعات التي قد تترتب على إعلان نتائج الخاصة بهذين السؤالين على الوضع السياسي في العراق.

ويعتبر الكاتب والصحفي، روند بولص، اهمال حقل القومية والمذهب في استمارة التعداد مفارقة غريبة على حد تعبيره.

ويشير بولص الى أن الدستور العراقي يقر بالوجود القومي ونسبه في المجتمع العراقي بما فيهم الاقليات، وأكثر هذه الاقليات هم السكان الاصليون للبلاد.

ويقول بولص لـ"الحرة": "يبدو أن هذا التعداد السكاني تغافل عن اهمية معرفة عدد افراد هذه الأقليات المهددة بالزوال عن ارضها ووطنها التاريخي، في الوقت الذي لو توفر الحرص الوطني والشعور بالمسؤولية من قبل الحكومة تجاه الاقليات، لكان التركيز في فقرات التعداد السكاني على تفاصيل واقع الاقليات بشكل تفصيلي."

ويعرب بولص عن امله بأن تراجع الحكومة الخلل الاحصائي بخصوص الاقليات بطريقة او بأخرى كي تتوفر للجهات المختصة قاعدة بيانية سكانية دقيقة وواقعية، يضمن حقوق الجميع بما فيهم الأقليات، التي يعتبرها بأمس الحاجة الى خطة وطنية منصفة لهم.

ولفت إلى "اهمال فقرة تعداد الاقليات القومية في العراق فعل يدعو الى الشكوك والريبة من قبل الاكثرية المتنفذة بالمال والسلطة، التي تجعل من الوطن ساحة تخص فقط المكونات الكبيرة ومصالحها، دون اعتبار اي اهتمام للأقليات واوضاعهم ومستقبلهم في الوطن."

ويعاني العراق منذ عام 2003 من نقص في الأرقام الرسمية لأعداد سكان البلاد وهوياتهم القومية والمذهبية وتوزيعهم على مدن البلاد، خاصة أن البلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية عمليات تهجير للأقليات والمذاهب والديانات نفذتها الجماعات المسلحة، وتمخضت عنها عمليات تغيير ديمغرافي مازالت مستمرة واسفرت عن موجات هجرة الى خارج العراق.

ويرى الناشط السياسي، برهان النجرس، أن التعداد العام الذي نظمه العراق لم ينجح لغياب حقلي القومية والمذهب.

ويبين النجرس لـ"الحرة"، "هذا التعداد يعتبر غير شامل حاله حال تعداد عام 1997، الذي لم يشمل مدن إقليم كردستان التي كانت شبه مستقلة عن العراق في عهد النظام السابق، وهذا التعداد تنقصه اعداد ونسب القوميات والطوائف، لذلك بشكل عام هذا النقص مؤشر على أن النظام السياسي الحالي يعمل لطائفة معينه ولا يعمل لشعب بكامل طوائفه."

ويعتمد النظام السياسي في العراق منذ عام 2003 على المحاصصة السياسية والقومية والطائفية في توزيع السلطات الرئيسية والمناصب، وتستحوذ الأطراف الشيعية على غالبية مقاعد البرلمان ومن ثم الكرد والسنة والأقليات حسب الترتيب.

ويعتقد الخبير القانوني وائل البياتي، ان السبب الأساسي لتجاهل اعتماد سؤالي القومية والمذهب في التعداد السكاني الحالي، هو الخوف من تبعات التي قد تترتب على إعلان نتائج الخاصة بهذين السؤالين على الوضع السياسي في العراق وتخوف من الآثار السلبية التي من الممكن التي ينتج عنها تحديد الأرقام الخاصة بهذا الجانب.

ويؤكد البياتي لـ"الحرة"، "التركيز الأساسي في هذا الإحصاء كان ببعد اقتصادي بشكل كبير رغبة في تحديد اعداد السكان بشكل اساسي المتواجدين داخل العراق، باعتبار ان هذا الإحصاء لم يشمل عراقيي الخارج أيضا، بالتالي هذا أيضا أحد الثغرات الموجودة في هذا الإحصاء السكاني."

وأرجئت مرارا عمليات التعداد في العراق منذ عام 2003، وكان من المقرر تنظيم التعداد عام 2010، لكن خلافات سياسية حول المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان في شمال البلاد، الى جانب الصراعات المذهبية والتدهور الأمني في البلد حال دون تنظيمه.

ويلفت البياتي "الحكومات دائما لدينا تعمد إلى فكرة ترحيل الازمات الى فترات لاحقة، كانت هذه إحدى الخيارات التي اتيحت وهو ترحيل مسألة إحصاء القومية والمذهب إلى التعداد القادم، أي بعد عشر سنوات"، مشيرا الى أن التعداد السكاني الحالي كان بإمكانه أن يوفر فرصة لوضع معالجات فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها من خلال وضع إحصاء دقيق لسكان هذه المناطق ووضع المعالجات الخاصة بتطبيق المادة 140 من الدستور.

وأعلنت المحكومة العراقية قبل تنظيم التعداد السكاني أنه مختلف عن الإحصاء السكاني الذي نصت عليه المادة 140 الدستورية كمرحلة من مراحل حل مشكلة المناطق المتنازع.

وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي في 5 نوفمبر الحالي، أنه ضمن متابعة المجلس للاستعدادات الخاصة بإجراء التعداد السكاني في عموم العراق أكد المجلس في مقدمة قراراته على الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية رقم (73) الصادر عام 2010 الخاص بالتعداد العام للسكان، الذي فصل بين الإحصاء السكاني الوارد في المادة 140 وبين التعداد السكاني.

في غضون ذلك، أعرب مجلس وزراء إقليم كردستان العراق، الأربعاء الماضي، خلال جلسته الأسبوعية الاعتيادية، عن قلقه إزاء عدم احتساب مئات الآلاف من سكان المناطق الحدودية لإقليم كردستان، بما في ذلك شيخان، زلكان، كلكجي، ناحية فايدة، جزء من قضاء سيميل، وأقضية بردرش، خبات، ومخمور، ضمن سكان إقليم، داعياً الحكومة الاتحادية إلى تصحيح هذا الإجراء وضمان تسجيل هؤلاء الأفراد ضمن مناطقهم الصحيحة المتمثلة بالإقليم.

مقاتل من ميليشيا كتائب حزب الله موقع غارة أميركية محافظة بابل نهاية عام 2023 المصدر: رويترز
مقاتل من ميليشيا كتائب حزب الله موقع غارة أميركية محافظة بابل نهاية عام 2023 المصدر: رويترز

طالبت ميليشيا "كتائب حزب الله"، الاثنين، الحكومة العراقية بإرسال قوات إلى سوريا للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد.

"الكتائب" وهي أحد الفصائل الموالية لإيران في العراق، قالت في بيان إنها لم "ترسل مجاهديها" إلى سوريا بعد، لكنها تقترح على الحكومة "التفاهم" مع نظيرتها السورية لإرسال قوات "رسمية" إلى سوريا للتصدي لما "يهدد" الأمن القومي العراقي، بحسب زعمها.

"ما تفعله بعض هذه الفصائل جزء من خطة إيرانية لحماية نظام بشار الأسد، وليس دفاعا عن الأمن القومي العراقي"، يقول عقيل عباس، الباحث، المحلل السياسي العراقي.

ويضيف في حديث مع موقع "الحرة" أن بعض الفصائل العراقية المسلحة انخرطت في الأحداث السورية، وتعرضت إلى ضربات على الحدود.

دعوة الكتائب جاءت بعد ساعات على نفي رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وجود قوات من الحشد تقاتل في سوريا، أو تنوي دخولها.

والحشد الشعبي قوة عراقية تشكلت بعد فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني الأعلى علي السيستاني في يونيو 2014، وأقر قانونها في عام 2016، وترتبط وفق القانون بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية، لكن بعض فصائلها تعمل وفق توجيهات إيرانية مباشرة.

مسلحون من جماعة "هيئة تحرير الشام" يقودون دراجة نارية في الراشدين - مصدر الصورة: رويترز
بعد أحداث سوريا.. مخاوف من عودة نشاط الجماعات الجهادية في المنطقة
مراقبون يرون أن استغلال الجماعات الجهادية للوضع السوري لا يقتصر على العمليات المسلحة فقط، بل يمتد إلى تجنيد عناصر جديدة. الفقر والبطالة والنزوح الناتج عن الصراع المستمر يعد بيئة خصبة لاستقطاب الأفراد، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية والدعم الحكومي.

بالنسبة للمحلل السياسي العراقي أحمد الياسري، فإن العراق لا يستطيع أن يسيطر على حدوده إذا ما أرادت بعض الفصائل الذهاب والمشاركة في القتال في سوريا.

يقول الياسري للحرة إن "بعض الفصائل لديها منافذ دخول لسوريا، واستُهدف بعضها داخل الأراضي السورية".

وتشارك مجموعة من الفصائل العراقية في القتال الدائر بسوريا منذ عام 2011، وبقي بعضها حتى بعد أن هدأت الأوضاع بشكل نسبي هناك.

وتعد "حركة النجباء" بقيادة أكرم الكعبي أبرز هذه الفصائل، بالإضافة إلى كتائب حزب الله التي يقودها أبو حسين الحميداوي، فضلا عن حركة "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وهي فصائل مدرجة على الائحة الأميركية للمنظات الإرهابية.

ويحذر الباحث عقيل عباس مما أسماه "توريط" العراق في حرب لا علاقة له بها، خاصة وأن المسلحين في سوريا الذين شنوا الهجوم الأخير، ليسوا جزءا من "داعش" ولم يهددوا العراق، على حد قوله.

ويخشى العراق من تكرار سيناريو عام 2014 عندما احتل تنظيم "داعش" ثلث مساحة البلاد بسيطرته على مدن في نينوى والأنبار وصلاح الدين.

ورغم نفي وزارة الداخلية العراقية عبر المتحدث باسمها مقداد ميري خلال مؤتمر صحفي الاثنين، المعلومات التي تفيد بدخول مسلحين عراقيين إلى سوريا، أكد مراسل "الحرة" في سوريا "تسلل" جماعات مسلحة عراقية إلى الأراضي السورية عبر معابر غير رسمية في منطقة ألبو كمال.

من المعروف أن "كتائب حزب الله" تمتلك منفذا حدوديا مع سوريا، لا تتدخل فيه السلطات العراقية، ويعرف باسم منفذ "السكك" في قضاء القائم. استخدمته طيلة السنوات الماضية لعمليات تهريب وإدخال بضائع بعيدا عن أعين السلطات، فضلا عن نقل السلاح الإيراني إلى نظام الأسد.

وتشير تقارير لم تتأكد بعد إلى تعرض لواء "فاطميون" الموالي لإيران، والذي قاتل في سوريا لسنوات طويلة، إلى ضربات جوية على الحدود العراقية السورية مساء الاثنين.

والجمعة الماضية، نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان معلومات تفيد بمقتل 9 عناصر من ميليشيات عراقية موالية لإيران خلال ضربات جوية في منطقة ألبو كمال على الحدود بين البلدين.

وبالنسبة للعراق، فإن مسلحي المعارضة السورية "جماعات إرهابية" وفقا للواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، على الرغم من محاولات مسلحي المعارضة "تطمين" العراق بأنها جماعات تعمل على إسقاط نظام الأسد، وليس القتال في دول أخرى.

وتكمن الفكرة التي تروج لها الميليشيات العراقية الموالية لإيران، في ضرورة الذهاب للقتال في سوريا "منعا" لوصول المقاتلين هناك إلى العراق، وهي فكرة روجتها منذ عام 2011.