الأجانب المقيمون في العراق يشتغلون أحيانا في ظروف صعبة
الأجانب المقيمون في العراق يشتغلون أحيانا في ظروف صعبة

شهد العراق في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المقيمين الأجانب الذين انتقلوا إليه من دول مثل سوريا، باكستان، بنغلادش، وغيرها. هذا التواجد المكثف يطرح تحديات كبيرة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، إذ يعمل الكثير منهم دون تصاريح إقامة أو عمل، مما يجعل هذا الملف من أبرز القضايا التي تواجه السلطات العراقية اليوم.

تُقدّر أعداد المقيمين الأجانب في العراق بمئات الآلاف، وفقاً لتقارير حكومية. وعلى الرغم من منح وزارة العمل العراقية تصاريح إقامة رسمية لأكثر من 71 ألف عامل أجنبي، إلا أن الأرقام الحقيقية للمقيمين غير المرخصين تفوق ذلك بكثير.

وفقاً لوكالة الأنباء العراقية في شهر أبريل من عام 2023، فإن هذه الأعداد تشمل جنسيات عدة مثل السوريين الذين فروا من النزاع في بلادهم، والباكستانيين والبنغلاديشيين وبعض الدول الآسيوية الأخرى، الباحثين عن فرص عمل.

إن الاستقرار النسبي الذي يشهده العراق في السنوات الأخيرة، لا سيما إقليم كردستان العراق، لم يكن السبب الوحيد الذي يجذب الأجانب لبلاد الرافدين، بل هناك عوامل أخرى، كحاجة الأسواق المحلية إلى العمالة نتيجة ضعف تدريب وتأهيل القوى العاملة المحلية.

كما أن التفاوت الكبير في الرواتب بين العراق ودول العمالة المصدّرة، مثل سوريا وباكستان، لعب دوراً رئيسياً في جذب الأجانب للإقامة فيه. ووفق دراسة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث الدولية عام 2022، فإن العراق يُعدّ وجهة مفضلة للعمالة السورية، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا. يدخل كثير من هؤلاء العمال العراق كزوار دينيين خلال المناسبات الشيعية، ثم يبقون للعمل بشكل غير قانوني.

الوضع القانوني

غير أن شريحة واسعة من المقيمين الأجانب تعاني من صعوبات تتعلق بانعدام الوضع القانوني، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاكات. كما يتعرضون لمخاطر الترحيل، خاصة مع حملات التفتيش التي تشنها السلطات العراقية.

أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً في يونيو 2023 ينتقد الحملات الأمنية التي شنتها الحكومة العراقية ضد العمالة السورية، واصفة إياها بأنها "اعتقالات تعسفية". وأشارت المنظمة إلى حالات ترحيل شملت أفراداً يحملون تصاريح إقامة رسمية.

ووفق دراسة أجرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عام 2023، فإن العمال الأجانب يواجهون تحديات تشمل غياب الحقوق القانونية، وانعدام التأمين الصحي، وساعات العمل الطويلة، والتي تصل أحياناً إلى 16 ساعة يومياً.

في المقابل، تعاني الحكومة من صعوبة ضبط الأعداد الكبيرة التي تدخل البلاد بطرق غير مشروعة أو تتحايل على قوانين الإقامة، وتحاول السيطرة على وضع المقيمين الأجانب من خلال مبادرات تهدف إلى تنظيم وجودهم. 

حملة لتسوية الأوضاع

ففي نوفمبر من العام 2024، أطلقت وزارة الداخلية العراقية حملة لتسوية الأوضاع القانونية للمقيمين الأجانب، مع إتاحة تقديم الطلبات إلكترونياً لتسوية الإقامة حتى نهاية ديسمبر.

إلى جانب ذلك، تسعى وزارة العمل إلى خفض نسب العمالة الأجنبية في الشركات إلى 30% لتعزيز فرص العمل للعراقيين، وذلك بحسب تصريح للمتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي في 16 نوفمبر، خاصة مع وجود أكثر من 1.6 مليون عراقي عاطل عن العمل وفق إحصائيات وزارة التخطيط.

على الصعيد الاقتصادي، يشكّل تحويل العمالة الأجنبية لأموالها إلى الخارج عبئاً إضافياً على الاقتصاد العراقي. وقدّر المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن هذه التحويلات تصل إلى ملياري دولار سنوياً.

وبالنظر إلى اعتماد العراق شبه الكامل على عائدات النفط، فإن تدفق هذه الأموال خارج البلاد يُفاقم أزمة التنوّع الاقتصادي التي يعاني منها. ومع ذلك، يرى البعض أن العمالة الأجنبية تسد فجوات في سوق العمل، خاصة في القطاعات التي لا يقبل عليها العراقيون.

أخيراً، ووفق تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية عام 2021، فإن 60% من العمالة الأجنبية في العراق تعمل في ظروف صعبة لا تلقى إقبالاً من اليد العاملة المحلية.

أور

تغير المناخ يفتك بكنوز الماضي العراقية، يحذر خبراء.

تتشققات وتصدعات في الأبنية، وتآكل في الزخارف والنقوش، وتقشر في أحجار الهياكل، إلى جانب تخلخل الأساسات وتفتتها، في حين تطمر العواصف الرملية مدنا أثرية بأكملها.

"يقول خبير الآثار العراقي، عامر عبدالرزاق، لموقع الحرة" إن آثار الرياح والجفاف والرطوبة بادية على كثير من الشواخص والمعابد في مدينة الحضر وفي بابل أيضا ومدينة أور.

ويضيف: "تأثيرات تغير المناخ واضحة على زقورة أور ومعبد "دب لال ماخ" والمقبرة الملكية في أور، وكذلك في مدينة الوركاء وزقوراتها ومعابدها ومدينة آشور أيضا في الشرقاط ومدينة نيبور في محافظة ديوانية".

وخلال زياراته المتكررة لتلك المواقع، لاحظ عبدالرزاق "تآكل كثير من أجزائها وانخفاض ارتفاعاتها، فالزقورات ومنها زقورة أور يقل ارتفاعها سنويا بنسب قليلة وتنخفض عن مستوى الأرض ببعض السنتمترات.

ويحذر عبدالرزاق "على الرغم من أن الانخفاض يجري بنسب قليلة سنوية، لكن إذا استمر الحال هكذا فإنها بمرور الزمن وبزيادة الوتيرة في التغير المناخي ستختفي هذه المدن الاثرية".

ويطالب خبير الآثار الحكومة العراقية بالعمل "للحفاظ على الآثار باستخدام تقنيات حديثة وإجراء عمليات صيانة لحماية هذا الإرث الحضاري من العوامل الجوية المتطرفة".

ويقترح عبدالرزاق إنشاء سقائف واقية عملاقة لحماية جميع المواقع الأثرية أو بناء صناديق زجاجية عملاقة لحماية المقابر الملكية والزقورات والمواقع والمباني الأثرية الأخرى كي تحميها من الرياح والعواصف الرملية.

ويؤكد عبدالرزاق وجود خطط حكومية لصيانة الآثار، لكنه يعتقد أنها لا ترقى إلى مستوى المشكلة، ويشير في الوقت ذاته إلى أن كثرة المواقع الأثرية وانتشارها في مواقع نائية يجعل من الصعب شمولها جميعا بالإجراءات الحكومية.

"هناك حاجة إلى جهد حكومي أكبر وصندوق مالي خاص بعمليات ترميم وصيانة الآثار،" يقول عبدالرزاق.

وتقدم كنيسة "القصير" الأثرية، جنوب غربي محافظة كربلاء وسط البلاد، مثالا بارزا على تأثير التغير المناخي على الآثار والمباني التراثية في العراق، بحسب وزارة الثقافة والأثار العراقية.

في سبتمبر الماضي، قالت الوزارة في بيان إن "الهيئة العامة للآثار والتراث في الوزارة تواصل تعاونها المشترك مع فريق التغيرات المناخية بشأن تدارس تأثير التغيرات المناخية والتطرفات المرتبطة بها على الآثار العراقية وقد اتخذت موقع القصير الآثاري نموذجا لهذا التأثير".

ولفت البيان الى أن كنيسة "القصير" التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس الميلادي، كانت تتميز بوجود كتابات باللغة الآرامية على جدرانها، لكن هذه الكتابات اندثرت، فضلا عن تساقط أجزاء من جدران الكنيسة بفعل عوامل المناخ التي تشكل مشكلة حقيقية تهدد باندثار هذا المعلم الحضاري.

وتشير إحصائيات رسمية، أعلن عنها وزير الثقافة والسياحة والاثار، أحمد البدراني، خلال مقابلة مع قناة العراقية الرسمية، في أكتوبر الماضي، الى أن العراق يحتضن أكثر من 15 ألف موقع أثري مثبت، بينما تبلغ أعداد المواقع الأثرية غير المثبتة أكثر من 100 ألف موقع.

ويرى عمر عبد اللطيف، عضو مرصد "العراق الأخضر" المتخصص في شؤون البيئة، أن تأثيرات تغير المناخ على المواقع الأثرية ليست جميعها سلبية، بل هناك تأثيرات إيجابية أيضا.

يقول عبداللطيف لـ"الحرة"، "ظهر عدد من المواقع الأثرية التي كانت مختفية تحت مياه نهر الفرات في قضاءي هيت وحديثة التابعتين لمحافظة الأنبار غربي العراق، إثر انخفاض مناسيب مياه النهر".

ويدعو عبداللطيف الهيئة العامة للآثار والتراث إلى الاهتمام بالمناطق الأثرية والتراثية المتضررة من تأثيرات تغير المناخ.

ويحذر من أن التطرف المناخي في بعض المناطق قد يؤدي الى إصابة آثارها بضرر أكثر مثلما حصل في "طاق كسرى" جنوبي بغداد، إذ انهارت بعض أجزائه بفعل عوامل مناخية، وتجري حاليا عمليات ترميمه وإعادة تأهيله.

إلى جانب تأثيرات تغير المناخ، تتعرض المواقع الأثرية في العراق إلى مخاطر، تشمل عمليات نبش وتنقيب بطرق غير قانونية تؤدي في الغالب إلى تدمير الأثر بهدف سرقة محتوياته.

ويلفت مستشار محافظ ذي قار لشؤون المواطنين، حيدر سعدي، أن هجرة السكان من العديد من المناطق جنوبي العراق بسبب الجفاف، ومنها مناطق أثرية، فسحت المجال أمام العصابات للعبث بها.

يقول سعدي لـ"الحرة"، "ينبغي علينا تشديد الإجراءات خاصة في المناطق التي باتت الآن فارغة تماما، قد تكون مهيئة لعمليات النبش وربما النبش لأعماق كبيرة باستخدام الآليات الثقيلة باعتبار أنها بعيدة عن المراقبة، فالتصحر أثر سلبا بشكل واضح على الحماية المجتمعية لهذه الأماكن".

ويشير سعدي إلى الحاجة لتشريعات وإجراءات حكومية محلية أو بالشراكة مع منظمات دولية لحماية هذه المدن والمواقع الأثرية التي قد تكون عرضة للسرقة أو النبش.

يقول مدير عام الصيانة في الهيئة العامة للآثار والتراث، محمد حسين أمين، إن مديرية الصيانة تعمل على حماية المواقع الأثرية.

ويشير إلى أن عمليات الترميم والصيانة الدورية التي تقوم بها المديرية تشمل "إصلاح الأضرار التي لحقت بالهياكل الأثرية بسبب عوامل الطقس، وإنشاء مظلات واقية وسقائف لحماية المواقع الأثرية المكشوفة من الأمطار وأشعة الشمس المباشرة".

ويؤكد أمين لـ"الحرة"، أن "عمليات الترميم والصيانة تتضمن استخدام مواد حديثة مقاومة للرطوبة والأملاح تتناسب مع بيئة الموقع، إلى جانب إجراء دراسات تقييم الضرر المناخي، لتحديد أكثر المواقع تعرضاً للخطر ووضع خطط لحمايتها".

ووفق أمين، تقدم مديرة الصيانة التدريب المستمر لكوادرها الفنية، لإتقان الأساليب الحديثة في الصيانة واستخدام التقنيات العلمية المتطورة، كما تتعاون في مجال صيانة وترميم الآثار مع العديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والآيكوموس، للحصول على دعم فني ومالي لتنفيذ هذه العمليات.

ويدعو أمين إلى زيادة التمويل الدولي لحماية التراث الثقافي العراقي من خلال برامج الأمم المتحدة أو الشراكات الثنائية، وإدراج مزيد من المواقع الأثرية العراقية على قائمة التراث العالمي لتوفير حماية دولية ورقابة مستمرة لهذه المواقع.

ويعتبر العراق، وفق الأمم المتحدة، خامس البلدان الأكثر تعرضا للتدهور المناخي عالميا، نظرا للظواهر المناخية العنيفة التي تعصف به منذ نحو عشر سنوات.

وأشارت إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن العراق شهد عام 2021 ثاني أكثر مواسمه جفافا منذ 4 عقود، بسبب الانخفاض القياسي في هطول الأمطار. 

وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، انخفضت، بنحو 40%، تدفقات المياه في نهري دجلة والفرات، اللذين يوفران نحو 98% من المياه السطحية في العراق.