حسابات ومعضلات بعد انتخابات برلمان كردستان العراق - رويترز
حسابات ومعضلات بعد انتخابات برلمان كردستان العراق - رويترز

يلوح مشوار تشكيل حكومة إقليم كردستان الجديدة، "الكابينة العاشرة"، طويلاً وشائكاً، بعدما أفرزت انتخابات البرلمان الكردستاني الأخيرة، التي جرت في أكتوبر، تقارب نتائج الأحزاب الفائرة وصعوبة إكمال النصاب القانوني اللازم لتشكيل الحكومة من قبل أي حزب بمفرده، وبات لزاماً على الأحزاب الفائزة إبرام تحالفات وتوافقات للوصول إلى النصاب بغية تشكيل الحكومة دون تأخير.

الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي حصل على 39 مقعداً، من مجموع 100 مقعد هي عدد ُمقاعد البرلمان الكردستاني، يرى أن من حقه الاحتفاظ بمنصبي رئيس الإقليم ورئيس وزراء الإقليم، وتقسيم المناصب الأخرى بين الأحزاب الفائزة.

وأوضح عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبد السلام برواري، لموقع "الحرة" أن الواقع السياسي في إقليم كردستان، منذ أكثرمن 3 عقود، يشير إلى أنه لا يمكن تشكيل حكومة الإقليم دون توافق واتفاق الحزبين الرئيسيين: الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، ووصف ذلك " بالواقع المر".

وأضاف أن مايجري حاليا من تجاذبات وخلافات ومطالب غير واقعية سينتهي أخيراً باتفاق الحزبين الرئيسيين على تقاسم المناصب، وتشكيل الحكومة.

وأعرب برواري لموقع "الحرة" عن اعتقاده أن الاتحاد الوطني يعلم جيداً أن سقف مطالبه مرتفعة، لكنه ييغي من ذلك الضغط على الحزب الديمقراطي لتغيير مرشحه لرئاسة حكومة الإقليم الجديدة مسرور برزاني، ووصف رفض بعض الأحزاب الفائزة في انتخابات برلمان كردستان المشاركة في الحكومة بالأمر "العجيب".

وقال إن هذه الاحزاب تُنفق أموالاً وجهدا للتنافس في الانتخابات، وتحصل على مقاعد، لتقرر بعد ذلك عدم المشاركة في الحكومة وهذا باعتقاده أمر محبط للناخبين الذين صوتوا لهذه الأحزاب، فيما مطالب أحزاب أخرى غير منطقية ولاتتناسب مع حجم تمثيلها الانتخابي .

وأشار عضو الحزب الديمقراطي إلى أن حزبه هو الوحيد الذي حافظ على نسبة أصواته خلال جميع الدورات الانتخابية، ويملك حاليا نحو 40% من مقاعد البرلمان الكردستاني، عكس الأحزاب الأخرى التي تراجعت شعبيتها كثيرا.

التوافقات تبدو صعبة في ظل ارتفاع سقف مطالب الأحزاب، والخلافات والصراعات الحزبية، وهذا تجلى خلال لقاءات الأحزاب عقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، إذ رفع الأتحاد الوطني الكردستاني، الذي حصل على 23 مقعداً سقف مطالبه من رئيس البرلمان ونائبي رئيس الإقليم ورئيس الوزراء في الحكومة السابقة، إلى المطالبة بمنصب رئيس الإقليم أو رئيس حكومة الإقليم، أو تدوير المنصبين مع الحزب الديمقراطي بواقع عامين لكل حزب.

ويقول القيادي في حزب الاتحاد الوطني، غياث سورجي، إن أغلب الأحزاب الفائزة في انتخابات البرلمان الكردستاني لا ترغب في المشاركة بالحكومة، اعتماداً على تصريحات قادتها، باستثناء حزبه والديمقراطي الكردستاني.

وأضاف سورجي لموقع "الحرة" أن عملية تشكيل حكومة الإقليم لن تكون صعبة، إذا توفرت الإرادة والنية الحسنة لدى الحزبين، وزاد أن هذه الإنتخابات اختلفت فيها موازين القوى، ولا يوجد فائز مطلق يمكنه تشكيل الحكومة بمفرده، لذا لابد من التوافقات لتشكيل الحكومة في الوقت المحدد.

وبين القيادي في الاتحاد الوطني أن حزبه يطالب بأحد منصبين في الحكومة الجديدة، إما رئيس الإقليم أو رئيس حكومة الإقليم ولن يرضى بالمناصب التي حصل عليها سابقا، وأشار إلى أن تأخر تشكيل الحكومة قد يضع الإقليم في مأزق قانوني جديد، وقد تلجأ أحزاب معارضة إلى المحكمة الاتحادية للضغط باتجاه تشكيل الحكومة، أو إلغاء نتائج الانتخابات.

وشدد على أن الحزب الديمقراطي لن يجازف بالتحالف مع حزب آخر لتشكيل الحكومة وإبعاد الاتحاد الوطني.

ورغم أن الإقليم يتمتع بالفدرالية الإدارية في العراق منذ نحو عقدين، ولدية حكومة وبرلمان، لكن الواقع يشير إلى أن الإقليم منقسم إلى منطقتي نفوذ.

ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي أربيل ودهوك، والاتحاد الوطني على السليمانية وحلبجة، ولدى كل حزب قوات أمنية وعسكرية، ويتحكم بواردات المحافظتين الداخلية والمنافذ الحدودية، وهوصاحب القرار بهما.

وأفرزت انتخابات البرلمان الكردستاني الأخيرة حصول أحزاب جديدة على عدد من المقاعد يمَكِنُها من مساومة الحزبين على المناصب السيادية، وفرض شروط للمشاركة في الحكومة.

حراك الجيل الجديد الذي حصل على 15 مقعداً، وجاء ثالثا في تسلسل الاحزاب الفائزة، يطالب بمنصبي رئيس الوزراء ورئيس الإقليم معا، وترك باقي المناصب للأحزاب الأخرى. وهي مطالب وصفها الحزبان الحاكمان بالتعجيزية.

وحاول موقع "الحرة" التواصل مع قادة حراك الجيل الجديد، لكن لم يتسن الحصول على تعليق.

أما الاتحاد الإسلامي الكردستاني، الذي حصل على 7 مقاعد، فقد حسم أمره بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات، مؤكدا أنه سيتخذ مسار المعارضة في البرلمان.

المتحدث باسم الحزب، خليل إبراهيم، قال لموقع "الحرة" إن موقفهم بعد المشاركة في الحكومة امتداد لموقفهم السابق، لأن العقلية الحاكمة في الإقليم لم تتغير، وتتغلب المصلحة الحزبية على المصلحة العامة.

واعتبر أن الإقليم بأمس الحاجة إلى معارضة فعالة داخل البرلمان تؤدي دورها في مراقبة عمل الحكومة والضغط عليها باتجاه تفعيل عملية الإصلاح.

من جهته، قال المراقب السياسي، حامد محمد، في حديث لموقع "الحرة"، إن احتمال تاخر تشكيل حكومة الإقليم أمر وارد نتيجة تقارب نتائج الانتخابات، وعدم قدرة أي حزب على تشكيل الحكومة بتحالف بسيط.

وأعرب محمد عن اعتقاده أن شكل الحكومة الجديدة لن يكون مختلفا عن سابقاتها، وسيتقاسم الحزبان الحاكمان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني المناصب، رغم الخلافات العديدة بينهما، والتجاذبات السياسية مع أحزاب المعارضة في الإقليم، والمشكلات المالية مع بغداد، والمتغيرات في المنطقة.

وحذر محمد من تداعيات تأخر تشكيل حكومة الإقليم، لأنها ستتيح لدول إقليمية ودولية التدخل في ملف تشكيل الحكومة .

يشار إلى أن البرلمان الكردستاني الجديد عقد جلسته الأولى في الثاني من ديسمبر برئاسة رئيس السن، وتم خلالها أداء الاعضاء الجدد القسم القانوني، لكن البرلمان فشل في انتخاب أعضاء الهيئة الرئاسية بعد أن غادر أغلبية النواب القاعة باستثناء نواب الحزب الديمقراطي، وتم إبقاء الجلسة مفتوحة.

صادرات إقليم كردستان النفطية متوقفة منذ مارس 2023 (AFP)
صادرات إقليم كردستان النفطية متوقفة منذ مارس 2023 (AFP)

في تطور يعكس التوترات المستمرة في العلاقة بين أربيل وبغداد، رفضت حكومة إقليم كردستان مقترح قانون موازنة بديل تم تقديمه إلى مجلس النواب العراقي "دون التشاور معها".

وكشف المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هوراماني في بيان، الخميس، عن تقديم الحكومة الاتحادية لمقترح جديد إلى مجلس النواب، بعيدا عن مشروع القانون الذي تم الاتفاق عليه سابقا بين الجانبين.

وأوضح هوراماني: "بعد سلسلة من الاجتماعات والمساعي الحثيثة الرامية إلى تعديل قانون الموازنة العامة الاتحادية من قبل مجلس النواب بهدف استئناف تصدير نفط الإقليم، وبعد إتمام القراءتين الأولى والثانية، إلا أنّه وللأسف الشديد، لم يتم إقرار مشروع القانون بالصيغة المتفق عليها في اللحظات الأخيرة".

وأضاف أن "ما أثار استغرابنا هو تقديم ممثل الحكومة الاتحادية في مجلس النواب لمقترح مغاير دون التشاور المسبق مع حكومة إقليم كردستان، ودون عرضه على مجلس الوزراء الاتحادي للتصويت عليه".

ووضف البيان الخطوة بأنها "مخالفة واضحة لقرار مجلس الوزراء السابق المتعلق بالمصادقة على مشروع تعديل القانون لاستئناف تصدير نفط الإقليم".

وشدد المتحدث على رفض حكومة الإقليم تماما لهذه الإجراءات، وطالب بطرح مشروع القانون المتفق عليه للتصويت في مجلس الوزراء الاتحادي.

وأكد هوراماني أن هذه المحاولات "تُسهم في تعميق الأزمات بدلاً من إيجاد الحلول الناجعة لها".

وفي السابق، كان إقليم كردستان يصدّر يوميا 450 ألف برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي، لكن دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.

وتوقّفت هذه الصادرات في مارس 2023 بعدما أصدرت هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح بغداد منعت بموجبه أي تصدير لنفط الإقليم إلا من خلال شركة النفط التابعة للحكومة الاتحادية (سومو).

وبلغت قيمة الخسائر الناجمة عن توقف صادرات الإقليم من النفط 20 مليار دولار، بحسب تقديرات نشرتها "جمعية الصناعة النفطية بإقليم كوردستان" (أبيكور) في سبتمبر الماضي.