المحطات الكهربائية العراقية تعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني
المحطات الكهربائية العراقية تعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني (فرانس برس)

تتمسك إيران منذ سنوات بورقة "الغاز والكهرباء" لتحقيق مكاسب سياسية في العراق، الذي يتحمل بدوره مسؤولية، على المستوى الرسمي، في عدم معالجة هذا الملف الحساس، وفق ما قال خبراء لموقع الحرة.

فإمدادات الغاز الإيراني إلى العراق تواجه منذ سنوات تحديات مستمرة تؤثر بشكل كبير على استقرار قطاع الطاقة في البلاد.

والمشاكل المتعلقة بالتأخيرات في التوريد والعوائق الفنية في تصاعد مستمر، كما أن الأزمات السياسية التي تطفو على السطح بين فينة وأخرى تؤثر على تدفق الغاز الإيراني.

وتعكس هذه القضايا، حسب خبراء، هشاشة العلاقة بين بغداد وطهران في هذا الملف الحيوي، مما يهدد قدرة العراق على تلبية احتياجاته من الطاقة بشكل مستدام.

ويؤكد الأكاديمي وأستاذ علم الاقتصاد، نبيل المرسومي، لموقع "الحرة"، أن إمدادات الغاز الإيراني مؤخراً لم تتوقف بشكل كامل، لكنها انحسرت كثيراً.

فإيران كانت تصدر، وفق الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، نحو 50 مليون متر مكعب يومياً في أوقات الذروة، إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى نحو 8 ملايين متر مكعب يومياً فقط في الأشهر الماضية عبر الخط الناقل إلى جنوب العراق، وفق المرسومي.

وأردف المرسومي قائلاً إن العراق يعتبر هذا التراجع "توقفاً فعلياً للإمدادات"، حيث تسبب ذلك في تعطل عمل نصف المحطات الغازية في البلاد، مما أدى إلى خروج قرابة 9 آلاف ميغاواط من الخدمة، ناهيك عن انخفاض ساعات تجهيز الكهرباء، الأمر الذي أثر على حياة المواطنين بشكل ملموس.

توقف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا لأكثر من سبعة أشهر
نفط عراقي مقابل غاز إيراني.. اتفاق "غامض" و"فوائد متبادلة"
أثار إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن اتفاق يجري بموجبه مقايضة كميات من النفط الخام لبلاده مقابل الحصول على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، الكثير من الجدل بين خبراء اقتصاديين وسياسيين والعديد من رواد منصات التواصل الاجتماعي.

ورأى أن الطاقة الكهربائية المنتجة في العراق تبلغ بحدود 18 ألف ميغاواط، منها 13 ألف ميغاواط منتجة من محطات غازية، إضافة إلى 5 آلاف ميغاواط تُنتج عبر محطات تستخدم وقود الديزل.

ولفت الخبير العراقي إلى أن بلاده تستورد أيضاً من إيران 3 آلاف ميغاواط كطاقة كهربائية، وبالتالي فإن مجموع الإنتاج الكلي يُقدر بـ21 ألف ميغاواط.

ويبيّن أن موعد استئناف ضخ إيران للغاز إلى العراق غير واضح، وهو يعتمد على توفر الفائض من الغاز في إيران.

وفي حين عزت طهران هذا الانحسار في الإمدادات إلى صيانة خطوط الأنابيب، يرى المرسومي أن هذا السبب غير مقنع، لاسيما أن تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا لا يزال مستمراً.

وبالإضافة إلى عراقيل تقنية، قال المرسومي إن الديون العراقية لإيران تُعد من أبرز أسباب انحسار تدفق الغاز الإيراني، إذ تستخدم طهران هذا الملف كورقة ضغط على بغداد.

ويضيف أن هذا الأمر يثير قلق العراق ويعطي انطباعاً بأن الخيار الإيراني لم يعد موثوقاً أو مطمئناً، ولا يستطيع أن يوفر إمدادات غازية منتظمة إلى البلاد، في ظل الحاجة الماسة للغاز الذي تعتمد عليه بغداد في إنتاج الكهرباء.

ويؤكد أستاذ علم الاقتصاد أن المصادر البديلة المتاحة للعراق ليست قصيرة الأجل، حيث تستغرق عملية الربط الكهربائي مع السعودية 3 سنوات لتزويد العراق بأكثر من 1000 ميغاواط، فيما لا يحقق الربط الكهربائي مع الكويت أكثر من 500 ميغاواط.

إضافة إلى ذلك، يحتاج العراق إلى سنتين لتهيئة البنى التحتية لاستيراد الغاز المسال من قطر، وهو ما يُعد أكثر جدوى اقتصادية.

العراق.. بين نار الغاز وفساد النفط

وأُجريت دراسة قبل نحو أربع سنوات في هذا السياق، إلا أن الضغط السياسي الإقليمي حال دون تنفيذ هذا التحول، وأسهم أيضاً في تعثر عملية استثمار الغاز الوطني لسنوات طويلة، وفقاً للمرسومي.

جانب من العاصمة العراقية بغداد (رويترز)
بالتهريب وطرق أخرى.. كيف يتأثر العراق بالأزمة الاقتصادية في إيران؟
بعد تدهور الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ سنوات، توجهت طهران إلى بغداد بعد تغيير النظام في العراق عام 2003 لتعويض ما لحق بها من أضرار، لا سيما بعد وصول جماعات مقربة لها إلى مراكز قيادية في الحكومة العراقية.

وأكد عضو لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، ضرغام المالكي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن وزارة النفط العراقية تتحمل جزء كبير من الإخفاق فيما يخص تجهيز وزارة الكهرباء بوقود الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية، ما دفع بالعراق لاستيراد الغاز الذي جعل بغداد تحت مطرقة طهران سياسياً بسبب هذا الملف.

ويبيّن المالكي، وهو نائب عن تحالف ائتلاف دولة القانون، أن العراق في وضع لا يحسد عليه بسبب عدم قدرته على دفع الديون الإيرانية نتيجة العقوبات الأميركية على طهران، وبذات الوقت لاتزال الحاجة قائمة وملحة للغاز الإيراني، وهذا يرجع لتأخر وزارة النفط في تطوير ملف الطاقة وسوء الإدارة.

ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في "معاملات غير خاضعة للعقوبات" مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.

وأعرب المالكي عن اعتقاده أن التوجه لاستيراد الغاز من تركمانستان، ربما يضع العراق في مشاكل أخرى لأنه سيمر عبر أنابيب الغاز الإيرانية، فسيكون عامل الضغط السياسي على بغداد قائم أيضاً، مستبعداً أن يكون هذا أحد الحلول الناجحة أو مصدر بديل يحقق متطلبات العراق في توفير الغاز لمحطاته الكهربائية.

ويؤكد أن لجنة النفط والغاز كانت قد قدمت خطة عمل قبل سنتين للجهات التنفيذية المعنية في الحكومة بضرورة إنشاء منصات مخصصة لاستقبال الغاز المسال في ميناء أم قصر والتوجه إلى إبرام عقود استيراد من دولة قطر، بيد أن وزارة النفط العراقية لم تمض في هذا المشروع وأصرت على استيراد الغاز من إيران حصراً، وبالتالي عُطل هذا التوجه لسبب سياسي ،على حد قول عضو اللجنة.

ويرى المالكي أن ما وراء تأخر وزارة النفط في تطوير المنشآت النفطية، هي الشركات المستثمرة التي تقوم بشراء ذمم مسؤولين كبار حسب وصفه.

وأشار، في هذا الإطار، إلى صفقة فساد تبلغ 27 مليار دولار ممثلة بالتعاقد مع شركة "توتال" الفرنسية في العام 2022، والتي كانت تقوم على مد أنابيب لتحويل الغاز المنبثق إلى غاز مصاحب، ولحد الآن لم تقم الشركة بأي أعمال في هذا الاتجاه، فضلاً عن مشاريع أخرى مشبوهة.

ويشير المالكي إلى أن لجنة النفط والغاز تمتلك ملفات كبيرة فيها شبهات فساد تقدر بمليارات الدولارات، وسيكون هناك تحرك قانوني في هذا الإطار، وبناء عليه تقدم تلك الملفات إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية للتحقيق فيها.

بين الهدر والضياع

الخبير النفطي، فرات الموسوي، اعتبر، في حديث لموقع "الحرة"، أن العراق تأخر كثيراً في عملية استثمار الغاز، فمنذ سنوات طوال يتم حرق الغاز دون الاستفادة منه.

ونبه إلى أن توجه العراق لاستيراد الغاز الإيراني يرجع إلى عجزه الكامل في إدامة منظومة الطاقة الكهربائية التي تم استيرادها عام 2014، وما نسبته 70 بالمئة من مولدات تلك المنظومة تعمل بالغاز الجاف في حين لا يمتلك العراق أي كمية من هذا النوع من الغاز.

ويرى الموسوي أن الحكومات المتعاقبة على العراق تفتقر لسياسة نفطية واضحة المعالم، ولايزال ملف الطاقة العراقي يدار من قبل شخصيات غير جديرة، وبالتالي فإن السياسات النفطية منذ 20 عاماً وحتى الآن ما فتئت تتخبط دون أن تحقق تغييرات جذرية في هذا الملف، ومنها استمرار استيراد الغاز من إيران.

وأوضح أن إيران تواجه مشاكل في الطاقة، ووصلت نسبة العجز في الغاز إلى قرابة 350 مليون متر مكعب، وبالتالي، فإن طهران غير قادرة على مواصلة تصدير الغاز من العراق، ما أوقع العراق في مأزق خطير.

وكان من المفترض أن تنوع بغداد من مصادر تزويدها بالغاز والطاقة، وفق الموسوي.

وأشار إلى غياب الشفافية بعمل وزارة النفط على صعيد عرض كافة الأرقام والبيانات الخاصة، وحتى تفاصيل التعاقد مع الشركات الاستثمارية، حيث بلغت قيمة الغاز المحترق منذ سنة 2011 إلى العام 2015 قرابة 15 مليار دولار، وما يتم إهداره من الغاز العراقي عبر الاحتراق يصل إلى أضعاف كميات الاستيراد من إيران، حسب وصفه.

وشدد على أن التكلفة المالية التي يتحملها العراق قبالة استيراد الغاز الإيراني بواقع 50 مليون متر مكعب في اليوم الواحد، إضافة إلى استيراد 3 آلاف ميغاواط من إيران أيضاً تصل إلى 10 ترليون دينار عراقي، أي ما يعادل 6 مليار دولار سنوياً، وأن خسارة العراق من حرق الغاز المصاحب للعمليات النفطية سنوياً تقدر بنحو 2.5 مليار دولار.

ونوه إلى أنه ورغم توجه العراق إلى مصادر بديلة للطاقة، فإن تلك العملية تتطلب سقفا زمنيا طويلا يخص البنى التحتية لتلك المصادر، قد تستغرق من 3 سنوات إلى 5 سنوات، وحالياً هناك تعاقد مع شركة توتال الفرنسية لتوفير نحو 1000 ميغاواط عبر الطاقة الشمسية لتعويض نقص الطاقة الكهربائية، لافتا إلى أنه سيتم إنتاج كل 6 أشهر نحو 250 ميغاواط.

وعن عدم قدرة العراق على استثمار الغاز الوطني، يشير الموسوي إلى أسباب عدة، أبرزها العجز الفني، خاصة أن الغاز يختلف تماماً عن النفط، إذ تتطلب عمليات الاستثمار في حقول الغاز تهيئة بنى تحتية متكاملة وتكنولوجيا حديثة والتعاقد مع شركات لها باع طويل بهذا النوع من الاستثمارات،

"والعراق حتى الآن لم يتعاقد مع شركات مختصة ولايزال يعتمد على شركات صينية دون مستوى الطموح"، يضيف الموسوي.

ويضاف إلى ذلك، غياب الرؤية والخطط الاستراتيجية في استثمار الغاز، لاسيما أن هناك 4 جولات للتراخيص النفطية خلت من عمليات استثمار الغاز، باستثناء أعمال شركة "شيل" التي استثمرت كميات من الغاز المصاحب للعمليات النفطية بلغت "ألف ميلون" قدم مكعب قياسي خلال 10 أعوام وهي كمية قليلة جداً، في حقول الكرنة والزبير والرميلة.

وهناك أيضاً أسباب أخرى، مثل تفشي الفساد المالي، وضعف موقف المفاوض العراقي مع الشركات الاستثمارية، ناهيك عن مساهمة التدخلات السياسية الداخلية والإقليمية في القرار العراقي في دفع البلاد للاستمرار في استيراد الغاز والمشتقات النفطية، وإفشال أي مشروع ناجح تنوي وزارة النفط إنجازه على مدار السنوات الماضية، وفق الموسوي.

"غاز السياسة"

يرى الباحث السياسي، أحمد الخضر، في حديثه إلى موقع "الحرة"، أن التعاون بين بغداد وطهران في ملف الطاقة، خصوصاً استيراد الغاز، يشوبه العديد من المشاكل، وأصبح الملف يأخذ جانباً سياسياً أكثر منه تجارياً. كما أن إيران لها اليد الطولى في التحكم بهذا الملف، مما انعكس سلباً على الطاقة الكهربائية في العراق نتيجة التأثر بالعامل السياسي.

وقال الخضر إن السبب الرئيسي في قطع إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق، الذي تتذرع به حكومة طهران، هو عدم التزام بغداد بتسديد الأموال والديون لإيران بسبب العقوبات الأميركية على طهران.

لكن حقيقة الأمر، كما يقول الباحث السياسي، تقع في دائرة الضغط السياسي على بغداد من خلال توظيف ملف الغاز لتحقيق مكاسب سياسية تريدها طهران، إضافة إلى توسيع حجم نفوذها في البلاد، خصوصاً أنها تلعب على عنصر فاعل يمس حياة المواطنين بشكل مباشر.

ويعتقد الخضر أن الإصرار على اعتماد الغاز الإيراني مصدراً وحيداً يدل على سطوة طهران على القرار السياسي العراقي، حسب قوله، مستبعداً أن تجدد الولايات المتحدة الاستثناءات لاستيراد الغاز الإيراني، خاصة في عهد دونالد ترامب المعروف بتشدده في تطبيق العقوبات على طهران.

وفيما يتعلق بإمكانية خروج العراق من تأثير إيران في ملف الطاقة، يشير الخضر إلى أن بغداد، في ظل الوضع السياسي الحالي الذي يشهد نفوذاً كبيراً للإطار التنسيقي (وهو تحالف سياسي إسلامي يضم أحزاباً شيعية وشكّل الحكومة في أكتوبر 2022)، لا تستطيع التخلص من النفوذ الإيراني. ويرى أن أي حكومة تضم أغلبية من الأحزاب الشيعية التقليدية ستكون عرضة لنفوذ طهران.

ورغم الاتصالات المستمرة والملحة، لم تجب وزارة النفط على طلب موقع "الحرة" للحصول على معلومات تتعلق بخطط الوزارة ومساعيها في إطار التفاهم مع إيران بشأن إمدادات الغاز واستئنافها، وما إذا كان هناك رؤى جديدة للوزارة بشأن إيجاد مصادر بديلة للطاقة.
 

العراق

يضع تذبذب أسعار النفط عالميا العراق على صفيح ساخن اقتصاديا، بسبب اعتماده بشكل شبه كامل في موازنته المالية السنوية على ما يصدره من النفط الخام.

وحدد العراق تصدير النفط بسعر 70 دولارا للبرميل في الموازنة المالية الثلاثية للسنوات المالية (2023،2024،2025) التي أقرها مجلس النواب العراقي قبل عامين.

ورغم أن أسعار النفط شهدت، الثلاثاء الماضي، ارتفاعا طفيفا، لكن سبق ذلك تراجع سريع لأسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين، حيث وصل فيهما سعر البرميل الى عتبة 60 دولارا، الامر الذي وضع العراق على موعد مع ظروف مالية معقدة، فيما إذا استمر هذا التراجع خلال الأشهر المقبلة.

ويعتبر مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، أزمة أسواق النفط العالمية "أزمة مؤقتة"، لافتا إلى أن العراق يتحصن باحتياطيات من النقد الأجنبي ما زالت ساندة للاقتصاد الوطني، وستساعده كثيرا على مواجهة أزمة أسواق النفط العالمية.

ويؤكد صالح لموقع "الحرة"، "على المستوى الوطني، الخطط المالية الحالية والمستقبلية آخذة بالاعتبار الاحتمالات كافة بالتحوط لهذه الأحداث، مع تدابير مالية مختلفة ضامنة للنفقات الضرورية في مقدمتها تأمين رواتب الموظفين والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية وتنفيذ المشاريع الخدمية وفق البرنامج الحكومي بشكل مرن دون توقف بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص".

وتزامن انخفاض أسعار النفط عالميا مع تأخر المصادقة على مخصصات عام 2025 في الموازنة الثلاثية، ويعزو خبراء اقتصاديون تحدث معهم موقع "الحرة"، التأخير الحكومي في إرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب للتصويت عليها إلى محاولات الحكومة لتكييف الإيرادات والنفقات لتفادي حدة الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بالعراق مع استمرار تقلبات الأسواق العالمية.

وأشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، خلال ترأسه اجتماعاً لرؤساء الدوائر الخدمية في محافظة ذي قار جنوب العراق، الى أن حكومته شهدت ظهور العجز فعلياً في الموازنة، لتحقيقها الإنجاز، لافتا الى وجود كفاءة في الصرف والأداء والعمل، فيما كان العجز سابقاً تخطيطياً.

ونقل الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي عن السوداني قوله خلال الاجتماع، "حكومتنا رتبت آلية الإنفاق وفق مبدأ الأهم ثم المهم، وعملنا في الكثير من القطاعات وحققنا نتائج إيجابية".

ويلفت الخبير في قطاع النفط والغاز، كوفند شيرواني، الى أن تراجع أسعار النفط إلى 65 دولارا للبرميل أو 60 دولارا سيؤدي إلى تراجع إيرادات العراق، وبالتالي زيادة العجز الموجود في الموازنة الذي يقارب 49 مليار دولار لعامي 2023 و 2024.

ويستبعد أن يتسبب هذا الانخفاض، بأي تأثير على الرواتب والمعاشات، لأن الرواتب والمعاشات بمجملها لا تصل إلى 80 ترليون دينار من موازنة تبلغ سنويا 200 ترليون دينار.

ويضيف شيرواني لموقع "الحرة"، "تراجع الإيرادات سيؤدي إلى استقطاع جزء من الموازنة الاستثمارية التي تختص بإنشاء المشاريع الجديدة التي تدر إيرادات إضافية، وكذلك ستتأثر عملية توفير فرص عمل جديدة، وربما سيؤدي استمرار التراجع إلى تقليل النفقات التشغيلية للدولة".

ووفق شيرواني، سيكون لأي انخفاض في أسعار النفط تأثير كبير على العراق بالذات مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط، في إشارة إلى مجموعة أوبك.

ويوضح شيرواني سببين لكون العراق الأكثر تأثرا بالانخفاض، أولهما الإنتاج العالي للعراق الذي يتجاوز 4 ملايين برميل يوميا، ويصدر منها حسب مقررات "أوبك +" نحو 3.3 برميل يوميا.

ويكمن السبب الثاني بحسب شيرواني في اعتماد الاقتصاد العراقي بنسبة تتجاوز 90% على إيرادات النفط، فأي تقلبات في الأسعار تجعله يتأثر بدرجة أكبر، داعيا الدولة العراقية إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة، وتنشيط القطاعات الأخرى من الزراعة والصناعة والسياحة وتحسين نظام الضرائب والجمارك لزيادة الإيرادات.

وأكدت الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري، على إجراء إصلاحات اقتصادية للنهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد ومواجهة الأزمات.

وحددت ستة محاور من المنهاج للنمو الاقتصادي، تمثلت بالعمل على إحداث تحوّل تدريجي من الاقتصاد الريعي الحالي المعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلى اقتصاد متنوع الدخل، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المجالات الزراعية والصناعية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والبيئة، التي من شأنها توفير فرص عمل واستقطاب الاستثمارات محليا ودوليا.

ووفق مراقبين للشأن الاقتصادي العراقي تحدثوا لموقع "الحرة"، ما زالت خطوات الحكومة لتنويع الاقتصاد تسير ببطء، بينما يتطلب الوضع الاقتصادي للبلد إصلاحات سريعة لتفادي أي أزمة مالية مرتبطة بأسعار النفط.

ويحذر الخبير المالي إبراهيم علي من ظروف مالية معقدة قد يشهدها العراق إثر تذبذب أسعار النفط وتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية ما سيؤثر بشكل كبير على استقراره الاقتصادي والاجتماعي.

ويبين علي لموقع "الحرة"، أن الوضع المالي في العراق "يتطلب تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة سريعة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وهذه الخطوة بحاجة الى جهود من الحكومة لتعزيز القطاعات الإنتاجية وتحسين بيئة الاستثمار".

وفي مقابلة متلفزة بُثت، في مارس الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن حكومته تمكنت من رفع نسبة الإيرادات غير النفطية خلال العامين والنصف الماضيين إلى %14 بعد أن كانت 7% خلال السنوات الماضية".

وتابع السوداني "وضعنا هدفا في قانون الموازنة وهو رفع الإيرادات غير النفطية إلى %20 خلال 3 سنوات"، مؤكدا مضي حكومته باتجاه تحقيق هذه النسبة.

وأشار السوداني إلى أن العراق قادر على تجاوز هذه النسبة لكنه بحاجة إلى مجموعة من الخطوات، وحددها بوجود حاضنة سياسية للقرارات دون مزايدات، وقبول شعبي، وتشريع قوانين تساهم في رفع الإيرادات غير النفطية.

ويرى الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن الاقتصاد العراقي هش ويتأثر بأي أزمة اقتصادية خارجية لأنه مرتبط بالأسواق العالمية، نتيجة عدم وجود إنتاج محلي متنوع يسد حاجات المواطن.

ويؤكد العنزي لموقع "الحرة" أن "الحلول مطروحة وموجودة، لكن ليس هناك جدية من قبل حكومة اعتمدت على النفط وتكاسلت فكريا وليس إداريا، لذلك واقع الاقتصاد العراقي متهالك لا يمكن إدارته ومتحول إلى استهلاكي حكومة وشعبا".

ويسعى العراق وبحسب الهيئة الوطنية للاستثمار، إلى جذب الاستثمارات النوعية، وتنمية ثقة الشركات الدولية بالبيئة الاستثمارية في البلاد.

وقال رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، حيدر محمد مكية، في تصريح نشره موقع الهيئة في 8 أبريل الحالي، إن "مشاركة ممثلين عن 60 شركة أميركية تعمل في مجالات حيوية ومهمة في زيارة العراق، يعد مؤشرًا واضحًا على تنامي ثقة الشركات الأميركية ببيئة الاستثمار في العراق"، مشيرا إلى أن العراق يشهد تطورات إيجابية في إطار الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية.

وأكد مكية على أن فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والخدمات المصرفية، يشكل محورًا مهمًا في توجهات الحكومة الحالية نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتحسين بيئة الأعمال.

وأعلنت السفارة الأميركية في بغداد، في 7 أبريل، وصول وفد تجاري أميركي مكون من 60 شركة إلى بغداد، مبينة أن غرفة التجارة الأميركية ستوقع خلال هذه الزيارة على مذكرة تفاهم مع اتحاد غرف التجارة العراقية لتعزيز العلاقات بين القطاع الخاص الأميركي ونظيره العراقي.

وقالت السفارة في بيان، إن "غرفة التجارة الأميركية برئاسة ستيف لوتس تقود وفدًا مكونًا من 101 عضو من حوالي 60 شركة أميركية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة إلى العراق"، لافتة إلى أن هذه أول مهمة تجارية معتمدة من وزارة التجارة الأميركية إلى العراق وأكبر وفد تجاري أميركي إلى العراق خلال تاريخ الغرفة.

ويعاني العراق من آثار الأزمات التي شهدها خلال العقود الأربعة الماضية نتيجة الحروب التي خاضها والصراعات السياسية الداخلية والأزمات الدولية إثر تذبذب أسعار النفط، التي أثرت على الواقع الاقتصادي للبلاد.

ولعل أبرز ما يعمق من أزمة الاقتصاد العراقي هو الفساد الإداري والمالي الذي يعيق الإصلاحات الحكومية.

وتؤكد الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري أن مكافحة الفساد الإداري والمالي والحد من هدر المال العام تأتي في مقدمة أولوياتها، عبر دعم وتفعيل الهيئات الرقابية ومتابعة ملفات الفساد الكبيرة التي سبق إعدادها من قبل الجهات الرقابية، وبعضها بالتعاون والشراكة مع جهات دولية مختصة بمكافحة الفساد في فترة الحكومات السابقة.