العراق يستكمل بناء سور إسمنتي على حدوده مع سوريا
العراق يستكمل بناء سور إسمنتي على حدوده مع سوريا

خطوط دفاعية عديدة، أنشأتها السلطات العراقية على الحدود السورية، تبدأ بالأسلاك الشائكة والخنادق التي يصل عرضها إلى 3 أمتار، ثم الجدار الإسمنتي الذي يضم العديد من كاميرات المراقبة الحرارية، ونقاط المراقبة لحرس الحدود، وصولا إلى نشر قوات للجيش بقواه المختلفة المجهزة بأسلحة حديثة، وقوات الحشد الشعبي، بصنوفها وألويتها.

وعززت بغداد هذه الخطوط الدفاعية بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا على يد تحالف من فصائل مسلحة على رأسها هيئة تحرير الشام التي تصنف إرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى.

وأثار سقوط الأسد حليف بغداد السابق مخاوف في العراق، وبعد أيام من انهيار نظامه وهروبه إلى موسكو، توجه وفد أمني عراقي برئاسة رئيس المخابرات العراقية، حميد الشطري،  إلى دمشق والتقى رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.

وكشف مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، أن الهدف من زيارة الوفد العراقي، هو الاطلاع على التطورات الأخيرة في سوريا وكيفية تعامل الإدارة السورية الجديدة مع القضايا التي تهم العراق.

المستشار العسكري العراقي صفاء الأعسم يرى أن وجود الجدار الإسمنتي والتحشيدات والأسلاك الشائكة والكاميرات الحرارية والقطعات العسكرية على مقربة من الحدود السورية، يمكن أن يساعد في "وقف تدفق الإرهابيين إلى العراق".

وجود هذه التحشيدات والقوات على مقربة من الحدود، من شأنه أيضا منع الكثير من عمليات التهريب التي تتم على طول المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، بحسب الأعسم الذي أضاف لموقع "الحرة" أن هذا "سيحد من تهريب المخدرات والسلاح والأعضاء البشرية والأدوية والمواشي وغيرها من المواد غير القانونية" التي كانت تدخل البلاد وتلحق الكثير من الأضرار بالمواطنين.

في المقابل، وصف الخبير العراقي في الاستراتيجيات العسكرية أحمد الشريفي، هذه الإجراءات والتحشيدات التي اتخذتها وزارة الدفاع العراقية على الحدود السورية بـ"الإجراءات التقليدية" وهي برأيه مجرد "مساع لإيجاد مبررات لصرف أموال تذهب للأحزاب" بحسب تعبيره.

واعتبر الشريفي في تصريحات لموقع "الحرة" أن مواجهة التهديدات العسكرية المعاصرة لا تحتاج إلى هذه الإجراءات التقليدية، التي "تبث الرعب" في نفوس المواطنين، مبينا أن الجدار الإسمنتي لن يمنع تسلل الإرهابيين إلى العراق، لأن هناك الكثير من الطرق والمنافذ غير الحدودية التي يستطيعون الدخول إلى العراق عبرها، في خضم التحديات الحديثة "العابرة للحدود" والتي لن تتمكن الأسوار والخنادق من إيقافها، حسب تعبيره.

وكان رئيس خلية الإعلام الأمني العراقي اللواء تحسين الخفاجي، قد أكد قيام العراق بتقوية حدوده الشرقية مع سوريا، وذلك ببناء سور إسمنتي، على مسافة 400 كلم على الحدود التي تفصل بينه وبين سوريا، مؤكدا أنه سيتم إكمال ما بقي من السور، خلال الأشهر المقبلة من هذا العام.

ويرى الخبير العسكري العراقي عماد علو أن بناء هذا السور من شأنه أن يخفف التهديدات التي تشكلها "الجماعات الإرهابية" التي تقبع على مسافات قريبة تصل إلى 25 كلم من الحدود العراقية السورية.

مضيفا لموقع "الحرة" أن الوضع في سوريا لا يزال "غير مستقر" أمنيا، فضلا عن وجود الكثير من المخيمات والسجون التي تؤوي عناصر إرهابية من بقايا تنظيم داعش، على مقربة من الحدود العراقية مثل مخيم الهول، الذي يضم الآلاف من عناصر تنظيم داعش، بحسب قوله.

وتشير التقارير إلى أن عناصر تنظيم داعش لا تزال نشطة في المناطق الواقعة في بادية الشام وتدمر ومنطقة السخنة وجبل البشري، جنوب شرق سوريا، وتستغل هذه التنظيمات الفراغ الأمني في سوريا لتنفيذ هجمات خاطفة ونصب كمائن سريعة، لعدم مواجهتها من قبل قوات نظامية. 

كما أن المتحدث باسم قوات حماية الشعب الكردية في سوريا سيامند علي، قد أشار في تصريح سابق لموقع "الحرة"، إلى أن استمرار الهجوم التركي على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قد يضعفها، ويؤدي إلى هروب عناصر تنظيم داعش المحتجزين في السجون والمخيمات الموجودة هناك، مثل مخيم الهول الذي يؤوي عشرات القياديين السابقين في تنظيم داعش.

ولهذا يرى المستشار العسكري صفاء الأعسم، أن وجود الجدار الإسمنتي مع الخندق بعرض 3 أمتار، والأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة الحرارية والطائرات المسيرة، والقطعات العسكرية على مقربة من الحدود، "أمر ضروري".

ويضيف أن على الحكومة العراقية تقوية حدودها مع بقية الدول، إذ يملك العراق حدودا مع 6 دول، وخاصة إيران التي يبلغ طول الحدود معها 1400كيلومترا، ويشهد "عمليات تهريب كبيرة للمخدرات المعروفة بالكريستال" على حد تعبيره، ويحتاج إلى تدعيم وتقوية مثل الحدود السورية.

وكان الخفاجي قد صرح أيضا أن العراق بصدد شراء منظومة دفاع جوية من كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى شراء طائرات هليكوبتر فرنسية، خلال العام الجديد، في خطوة منه لعزيز سلاحه الجوي وتقوية دفاعته من أي هجوم محتمل في المستقبل.

ويرى الخبير العسكري عماد علو، أن هذا التوجه "مهم بالنسبة للعراق" لا سيما أن هناك توجها لسحب القوات الأميركية وقوات التحالف الدولية من العراق، مضيفا أن العراق بحاجة ماسة لهذه المنظومة الدفاعية لأنه لا يمتك مثلها إلى الآن.

حزب العمال

لن يضع قرار حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) حل نفسه نهاية لحرب دامت أكثر من 4 عقود، فحسب، بل نهاية لحقبة شكلت الديناميكيات الأمنية والسياسية في إقليم كردستان ـ العراق، أيضا.

وأعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو الحالي، عن حل بنيته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، والأنشطة التي كانت تجري تحت لواء "PKK"، استجابة لنداء أطلقه زعيم الحزب ومؤسسه المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان نهاية فبراير الماضي.

وطالب العمال الكردستاني، في بيان، تركيا بمنح زعيمه أوجلان حق إدارة المرحلة المقبلة، والاعتراف بحقه في العمل السياسي، وتوفير ضمانات قانونية شاملة في هذا الشأن.

وأشار البيان إلى أن الحزب نظم مؤتمره الثاني عشر في ظروف صعبة، مع استمرار الاشتباكات، وتواصل الهجمات البرية والجوية للجيش التركي.

وأضاف أن "المؤتمر أُنجز بنجاح وبشكل آمن، حيث أُجري في منطقتين مختلفتين بشكل متزامن لأسباب أمنية. وشارك فيه ما مجموعه 232 مندوبا. واتخذ خلاله قرارات تاريخية تعبر عن الدخول في مرحلة جديدة لحركتنا من أجل الحرية".

ويشير خبير العلاقات الدولية، حسن أحمد مصطفى، إلى أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الاشتباكات المسلحة في إقليم كردستان، خاصة في منطقة بهدينان ومحافظة أربيل، ويقلل من الغارات الجوية في مناطق قنديل وشاربازير والسليمانية، التي يتمتع فيها العمال الكردستاني بحضور قوي.

ويضيف مصطفى لـ"الحرة" قوله: "أنشأت تركيا بعد عام 2019، قواعد عسكرية دائمة في كردستان العراق، في مناطق من محافظة دهوك وبالقرب من جبل قنديل، لذلك حل حزب العمال الكردستاني قد يخفض من مبررات العمليات العسكرية التركية عبر الحدود".

وبين أن أنقرة أشارت إلى أنها ستراقب امتثال العمال الكردستاني لقرار الحل وإلقاء السلاح عن كثب قبل سحب قواتها من كردستان العراق.

ويلفت مصطفى إلى أن الصراع المسلح بين العمال الكردستاني وتركيا تسبب خلال السنوات الماضية بنزوح آلاف من مواطني كردستان العراق من قراهم وبلداتهم وأصبحت نحو 700 قرية في إقليم كردستان إما خالية تماما من سكانها أو معرضة للخطر.

وعلى الرغم من تأكيده على أن السلام الدائم سيسهل عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم، يلفت مصطفى إلى أن استمرار الوجود العسكري التركي قد يُؤخّر إعادة التوطين الكاملة.

ولعل من تداعيات حل العمال الكردستاني التي يتوقعها مصطفى، هي أن تدعو إيران إلى إنهاء المعارضة المسلحة الكردية الإيرانية بشكل كامل.

وتسعى طهران منذ نحو عامين عبر الاتفاق الأمني الذي ابرمته مع الحكومة العراقية إلى إنهاء المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان منذ أكثر من 4 عقود، وقد بدأت السلطات العراقية حسب الاتفاق بإبعاد الأحزاب الكردية المعارضة عن الحدود الإيرانية، ونزعت أسلحتهم.

وأصدرت مستشارية الأمن القومي العراقية، التابعة لمجلس الوزراء، في 24 أبريل الماضي، قرارا يحظر جميع أنشطة الأحزاب والجماعات الإيرانية المعارضة الموجودة على الأراضي العراقية.

ورغم إعلان حل الحزب والتخلي عن السلاح، لم تحدد آلية تنفيذ القرارين بعد، خاصة لجهة كيفية إلقاء السلاح والجهة تتسلمه من مقاتلي حزب العمال.

وأوضح وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، ريبر أحمد، في مؤتمر صحفي عقده في أربيل مطلع الأسبوع، أنه "مازال من المبكر الحديث عن كيفية إلقاء السلاح وأين سيسلم هذا السلاح ولمن؟ جميعنا نراقب هذه العملية، المهم أن تنتهي العمليات العسكرية والاشتباكات المسلحة في مناطق كردستان، ويتمكن مواطنونا من العودة الى مناطقهم ويحل السلام والاستقرار".

ولا يقتصر وجود العمال الكردستاني في جبل قنديل والسلاسل الجبلية والمناطق الحدودية بين إقليم كردستان وتركيا، بل تتمركز وحدات مقاومة سنجار "اليبشة" التابعة لـ(PKK) في قضاء سنجار غربي الموصل أيضا.

واعتبر سياسيون في إقليم كردستان العراق خلال تصريحات سابقة لـ"الحرة"، هذه الوحدات وفصائل الحشد الشعبي سببا في عدم استقرار الأوضاع في سنجار، وأبرز عائق أمام تنفيذ اتفاقية سنجار التي وقعتها بغداد وأربيل عام 2020 برعاية دولية لتطبيع الأوضاع في تلك المنطقة وإعادة النازحين إليها.

لذلك من المتوقع أن يساهم قرار الحزب بإلقاء السلاح في تطبيق اتفاقية سنجار وعودة الاستقرار إلى المدينة، التي شهدت خلال السنوات الماضية العديد من الغارات الجوية التركية التي استهدفتها بسبب وجود مواقع للعمال الكردستاني فيها. 

ويرى رئيس منظمة كردستان لمراقبة حقوق الإنسان، هوشيار مالو، أن قرار حل حزب العمال الكردستاني بإلقائه السلاح سينهي مبررات الدولة التركية في التدخل في دول المنطقة ومنها العراق وسوريا بحجة وجود مقاتلي وأعضاء العمال الكردستاني.

ويوضح مالو لـ"الحرة"، "بعد قرار الحل، ستنهي تركيا وجودها العسكري في العراق، أو على الأقل ستبدأ مرحلة جديدة من العلاقات مع بغداد وإقليم كردستان، لذلك على السياسيين العراقيين بالدرجة الأساس التهيئة للتفاوض والتفاهم من أجل انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية".

ويعتقد مالو أن جزءا من مقاتلي العمال الكردستاني أو مجاميع أخرى تابعة له قد ينشقون عن الحزب ويرفضون إلقاء السلاح، لكنه يرى أنهم لن يؤثروا على عملية السلام، لأن المرجع الفكري للحزب والمجموعات المرتبطة به قرروا تغيير مصيره.

ولفت إلى أن "قرار الحزب بإلقاء السلاح سيلقي بظلال إيجابية على المنطقة بأسرها".

وبحسب إحصائيات شبه رسمية، أنشأت تركيا خلال السنوات الماضية أكثر من 87 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية على طول 200 كيلومتر من الحدود بين البلدين. منها 7 قواعد جديدة، أنشأتها خلال عملياتها العسكرية التي انطلقت في يونيو الماضي ضمن حدود منطقة برواري بالا في محافظة دهوك، بينما بلغ عمق توغلها 15 كيلومتراً، وهو أكثر بسبعة كيلومترات مقارنة بالعملية البرية السابقة التي كانت في عام 2021.

وكشفت إحصائية صادرة عن منظمة فرق صناع السلم المجتمعي (CPT) الأميركية في إقليم كردستان العراق، حصل موقع "الحرة" عليها في مارس الماضي، عن مقتل وإصابة 721 مدنيا في إقليم كردستان منذ يناير 1991، إثر القصف والعمليات العسكرية التركية ضد مقاتلي PKK.

وأشارت المنظمة في بيان، مساء الخميس، إلى أن الجيش التركي ما زال يواصل هجماته داخل أراضي كردستان العراق، رغم إعلان العمال الكردستاني حل نفسه.

وأضافت المنظمة أن "القوات التركية نفذت منذ 12 مايو وحتى الآن، 31 هجوما وقصفا على إقليم كردستان"، وبلغت الهجمات المسلحة ذروتها الخميس، بحسب البيان.