أحد المساجد في مدينة السليمانية بكردستان العراق (رويترز)
أحد المساجد في مدينة السليمانية بكردستان العراق (رويترز)

مقامات كردية يجب أن يتقنها المؤذنون للصلاة في إقليم كردستان العراق، وبالتالي عليهم الابتعاد عن الأذان بالمقامات الإيرانية والتركية، كي لا يتم استبعادهم من عملهم كمؤذنين في مساجد الإقليم.

النغمات غير الحسنة والأداء غير المستحب والأصوات "النشاز" هي التي دفعت حكومة إقليم كردستان إلى "منع المؤذنين من النداء للصلاة في المساجد بأذان وفق مقامات تركية أو إيرانية"، بحسب الحاج كاوه شاكر، رئيس مؤذني إقليم كردستان.

وأكد كاوه شاكر، لموقع "الحرة"، أن حكومة أربيل دعت المؤذنين إلى أداء الأذان بالمقامات الكردية.

ولفت شاكر إلى أن الأذان، مثل الموشحات، يُلقى بمقامات مختلفة. فالأذان التركي يُؤدَّى بـ"15 مقامًا"، كلها تتلاءم مع اللغة التركية وتحتاج إلى صوت قوي وطويل.

أما الأذان الفارسي، فيُؤدَّى بـ"4 مقامات"، وهي الرست والسيكا والحجاز والبيات، وتحتاج إلى أصوات وطبقات عالية تتلاءم مع الناطقين باللغة الفارسية.

وقال شاكر إن المؤذنين الأكراد يقومون بتقليد نظرائهم الإيرانيين والأتراك، فتأتي أصواتهم "نشازًا" لأنهم لا يحسنون "أداء تلك المقامات".

"لجنة أصوات"

وبيّن رئيس مؤذني إقليم كردستان أنهم شكّلوا لجنة للوقوف على أصوات المؤذنين وبيان لياقتهم البدنية ورخامة أصواتهم وجودتها.

وعلى ضوء ذلك، عمدت اللجنة إلى "منع المؤذنين من الأداء بالنغمات التركية والإيرانية لأنها لا تتناسب مع قابلياتهم وإمكانياتهم الصوتية، ودعت المؤذنين إلى الالتزام بالمقام الكردي المعروف".

وذكر أن منع الأذان بالطرق الإيرانية والتركية ليس له أي دوافع سياسية أو قومية، وإنما هو للتنظيم والوصول إلى أذان "يتوافق مع اللغة والنغمات الكردية"، والابتعاد عن مقامات هي في الأصل ليست كردية وبعيدة عن قوميتنا.

ولتحسين أداء المؤذنين وتعليمهم المقامات الكردية، تم تأسيس مراكز "مهمتها تدريب المؤذنين على إتقان المقامات الكردية ومخارج الحروف التي تتلاءم مع أصواتهم وتنسجم مع الواقع الكردي في الوقت نفسه"، وفقًا لكاوه شاكر.

ولفت إلى أن أساتذة موسيقيين من معهد الفنون الجميلة يشرفون على هذه المراكز.

وقال المتحدث باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان، نبز إسماعيل، إن قرار توحيد الأذان في جوامع الإقليم قد صدر قبل عام.

وأضاف أن وزارته باشرت "بتنفيذ القرار والعمل عليه في مسجد الصواف بأربيل، حيث قمنا بتدريب 58 مؤذنًا في أربيل على المقامات الكردية التي يتم أداء الأذان بها في الوقت الحالي".

ولفت إسماعيل، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن مشروعهم يتضمن أيضًا توحيد توقيت الأذان في المساجد. ولن يقوم المؤذنون بالأذان من مساجدهم، بل "سيتم بث أذان واحد من داخل جامع الصواف عن طريق الإنترنت، وستستقبله مكبرات جميع مساجد أربيل في وقت واحد".

وأوضح أن "المؤذنين كانوا يؤدون الأذان بتوقيتات غير متوافقة وبنغمات عديدة بعضها غير مستحب".

وعلى المؤذنين في الإقليم الالتزام بالشروط التي حددتها الوزارة لإلقاء الأذان، بحسب إسماعيل، الذي أضاف أن أهم شرط هو الإلقاء بالمقامات الكردية، وأن الذي لا يلتزم به "سوف يُبعد عن عمله كمؤذن".

وذكر إسماعيل أنهم بعدما انتهوا من محافظة أربيل قد باشروا العمل في توحيد الأذان بالمقامات الكردية في محافظة دهوك وإدارة سوران وإدارة زاخو.

وأوضح أن ما يهمهم من هذا المشروع هو الوصول إلى "أذان كردي بصوت جميل، بعيدًا عن تقليد مؤذنين لدول وقوميات أخرى".

وخلال التاريخ الإسلامي، شهد الأذان تغيرات على مستوى العبارات المستخدمة، وكذلك على مستوى النغمات والمقامات التي يؤديها المؤذن ويتغنى بها أثناء الأذان.

وكان للمذاهب الدينية والخصوصيات اللغوية لكل أمة دورها في حدوث هذه التغيرات، وفقًا لأنس محمد شريف، عضو المكتب التنفيذي لعلماء الدين الإسلامي في كردستان، الذي قال لموقع "الحرة" إن الأذان من شعائر الإسلام وهو فرض كفاية.

بأحد شوارع أربيل - فرانس برس
مسافرون من كردستان العراق إلى تركيا.. كل شيء تبدل عشية رأس السنة
لا تتشابه بداية هذا العام مع بداية أي عام سابق عند معبر إبراهيم الخليل الحدودي شمالي محافظة دهوك، فالراغب في السفر إلى تركيا عبر هذا المعبر لقضاء عطلة رأس السنة، لن يجد صعوبة في إجراءات العبور، وذلك بسبب تراجع أعداد المسافرين من إقليم كردستان العراق إلى تركيا، حيث كان المواطنون في الإقليم يفضلون السفر إلى تركيا في مناسبات الأعياد.

وبمرور السنوات وتداول السلطات ودخول أقوام متعددة غير العرب إلى الإسلام، طرأت تغيرات في طريقة إلقاء الأذان.

فكان لكل من الأتراك والمصريين والإيرانيين نغماتهم ومقاماتهم الخاصة التي تميزهم عن غيرهم من الأقوام، بحسب شريف.

"صوت عذب"

الأذان نداء يُستدل به على مواعيد أداء الصلاة لدى المسلمين، ويتم الأذان خمس مرات في اليوم.

وكان المؤذنون في السابق يصعدون على المنارات العالية للمساجد ويطلقون العنان لحناجرهم وهم يؤذنون للناس.

وهناك صفات ينبغي أن تكون متوفرة لدى المؤذن، ذكرها شريف بقوله: "جهوري الصوت، عذبًا، ومتمكنًا من التغني بنبرات صوته، وقادرًا على إيصال صوته إلى أبعد نقطة".

صبغة الأذان من الأمور التوقيفية التي لا يجوز الزيادة عليها أو النقصان منها، والمسلمون كلهم متفقون على صيغة الأذان، التي صح ورودها من زمن الرسول، كما يؤكد أنس محمد شريف.

ويضيف أن "بإمكان المؤذن التغني واختيار مقامات جميلة تتلاءم مع بيئته وتنسجم مع الواقع الذي يتم فيه الأذان".

حسابات ومعضلات بعد انتخابات برلمان كردستان العراق - رويترز
"واقع مر".. الطريق الشائك إلى حكومة كردستان العراق
يلوح مشوار تشكيل حكومة إقليم كردستان الجديدة، "الكابينة العاشرة"، طويلاً وشائكاً، بعدما أفرزت انتخابات البرلمان الكردستاني الأخيرة، التي جرت في أكتوبر، تقارب نتائج الأحزاب الفائرة وصعوبة إكمال النصاب القانوني اللازم لتشكيل الحكومة من قبل أي حزب بمفرده، وبات لزاماً على الأحزاب الفائزة إبرام تحالفات وتوافقات للوصول إلى النصاب بغية تشكيل الحكومة دون تأخير.

ولفت إلى وجود مغزى آخر من وراء توحيد الأذان في الإقليم، وهو الحصول على نغمة أو مقام خاص بالأكراد "يحمل بصمة كردية"، مثل بقية الأقوام التي تركت بصماتها القومية على نغمة أذانها، وتعكس تراثها ولغتها.

وفي حين أشار المحلل السياسي، رافد رشك، لموقع "الحرة"، إلى وجود أبعاد سياسية قد تكون وراء "منع" الأذان بالطريقتين التركية والإيرانية في مدن إقليم كردستان.

وحسب رشك، فإن الهدف هو "إبعاد الإقليم عن الصراعات التي تشهدها المنطقة"، لا سيما بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط.

وذكر أن الإقليم يريد الابتعاد عن أي شيء يوحي بربطه بطرف من أطراف الصراع، لا سيما إيران التي كانت طرفًا مباشرًا في الصراع الذي تشهده المنطقة.

كما أن هناك "توغلًا عسكريًا تركيًا" داخل أراضي الإقليم في محافظة دهوك، حيث تقوم القوات التركية بقصف مستمر لمناطق الإقليم.

فجاءت هذه القرارات "لوقف التأثيرات الثقافية والفكرية التركية وإبعادها عن الإقليم ومدنه"، بحسب رشك، الذي ذكر أنها "محاولة من إدارة الإقليم لمنع أي محاولة لتشكيل جبهات داخلية في الإقليم".

السلطات السورية الجديدة حلّت الجيش.

يكتنف الغموض مصير نحو 100 من مسؤولي وضباط النظام السوري المخلوع الفارين إلى العراق، وسط تكتم السلطات العراقية والمليشيات الموالية لإيران على أي معلومات تتعلق بهم.

استقبل العراق عبر منفذ البوكمال الحدودي السوري في السابع والثامن من ديسمبر الماضي 2493 جنديًا وضابطًا ومسؤولًا من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة في 19 ديسمبر عودة 1905 من الضباط والمنتسبين السوريين وتسليمهم إلى قوة حماية من الجانب السوري عبر منفذ القائم الحدودي.

وسبقتها عملية تسليم أخرى شملت العشرات من الموظفين السابقين في منفذ البوكمال، الذين فروا أيضًا إبان سقوط نظام الأسد.

لكن مسؤولًا عراقيًا في محافظة الأنبار قال لموقع "الحرة"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إن "مجموعة من الضباط السوريين رفضوا العودة إلى بلادهم بحجة وجود خطورة على حياتهم عند إعادة الجنود والمراتب الآخرين، لذلك نُقلوا فورًا من الأنبار إلى بغداد".

مع ذلك، لم يؤكد المصدر نفسه استقرارهم في بغداد أو الوجهة التي نُقلوا إليها فيما بعد.

ولمعرفة مصير الضباط والمسؤولين الذين رفضوا العودة إلى بلادهم وكيفية تعامل الحكومة العراقية مع هذا الملف، تواصل موقع "الحرة" مع كل من الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، والناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، لكنهما لم يدليا بأي تصريحات عن الملف بحجة أنه ليس من اختصاصهما.

كما لم يجب الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، والناطق باسم العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، عن أسئلة موقع "الحرة" بخصوص هؤلاء الضباط وملفهم.

وكانت وزارة الداخلية العراقية نفت، الثلاثاء الماضي، منح الإقامة لضباط وقادة النظام السوري المخلوع.

وقال الناطق باسم الداخلية، العميد مقداد ميري، في بيان: "تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن منح العراق الإقامة المؤقتة لدواعٍ إنسانية لعشرات الضباط وقادة جيش النظام السوري السابق، الذين لجأوا إلى العراق. إننا في الوقت الذي ننفي فيه هذه الأنباء جملةً وتفصيلًا، نؤكد أهمية الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية حصرًا."

وكشفت متابعات موقع "الحرة" لملف الضباط وقادة النظام السوري الذين رفضوا مغادرة العراق إلى بلادهم، أنه بعد نقلهم إلى بغداد في ظل إجراءات أمنية مشددة، قُسِّموا إلى عدة مجموعات، سافرت مجموعة منهم إلى روسيا وبيلاروسيا ودولة خليجية.

ونُقلت مجموعة ثانية منهم إلى مجمع سكني في بغداد، بينما انضمت مجموعة أخرى إلى معسكر "أشرف" في محافظة ديالى شمال شرق بغداد إلى جانب مسلحي مليشيات فاطميون وزينبيون.

وكان عناصر هذه الميليشيات في سوريا قبل أن ينسحبوا أيضًا إلى داخل العراق بعد سقوط نظام الأسد، بينما استقر آخرون، بينهم قادة ومسؤولون، في مدينة النجف وبلدة جرف الصخر في محافظة بابل.

غالبية الضباط والقادة السوريين المتواجدين في العراق هم من الرتب العالية (بدءًا من عميد)، وهم من قادة وضباط الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى جانب مسؤولين وضباط مخابرات ومستشارين.

"صندوق أسود"

ويشير الخبير السياسي العراقي، عمر عبد الستار، إلى أن من تبقى من الضباط والموظفين السوريين الذين لجأوا إلى العراق انضموا إلى غرفة عمليات أنشأتها إيران بعد سقوط الأسد.

ووفق عبد الستار، فإن غرفة العمليات هذه تهدف إلى تحريك الداخل السوري وتفعيل الخلايا النائمة من الموالين لها ضد الإدارة السورية الجديدة، سواء في الساحل أو في حمص أو في المناطق السورية الأخرى التي تشهد تحركًا لفلول النظام السابق.

وقال عبد الستار، لموقع "الحرة"، إن "إيران تدير هذه الغرفة، وقد شارك عدد من هؤلاء الضباط في الاجتماع الذي نظمه الحرس الثوري بحضور ضباط إيرانيين وقادة المليشيات العراقية قبل أيام في النجف".

ولفت إلى أن الحكومة العراقية والحرس الثوري الإيراني يتكتمان على أسماء ومعلومات من تبقى من هؤلاء الضباط في العراق، ويبلغ عددهم 93 ضابطًا ومسؤولًا.

وتشمل قائمة المسؤولين السوريين والضباط، الذين دخلوا العراق في ديسمبر الماضي، مسؤولين كبارًا في النظام المخلوع وصلوا إلى العراق عبر مطار بغداد الدولي.

ويرى الخبير الأمني والاستراتيجي، أحمد الشريفي، أن النفي الحكومي العراقي بمنح من تبقى من الضباط والمسؤولين السوريين الإقامة غير كافٍ للتأكيد على أن هؤلاء غادروا العراق.

ويعتبر الشريفي الضباط والمسؤولين السوريين، الذين رفضوا العودة إلى بلادهم، الصندوق الأسود للكثير من الأحداث التي جرت في سوريا، لا سيما ملف التعاون بين العراق وسوريا عبر هذه الجهات.

ويضيف الشريفي، لموقع "الحرة"، أن "قضية تحرك هؤلاء الضباط هي مناورة لصندوق أسود يخفي بين جوانبه أسرارًا كثيرة عن تعاون الفصائل العراقية مع سوريا وإيران والعراق، وكيف كان التعاون سائرًا آنذاك".

وأشار إلى أن الضباط لن يعودوا إلى سوريا ويمكن أن تؤمن لهم الموارد المالية من موازنة الحشد الشعبي.

ويلفت الشريفي: "بما أن العراق شكّل حاضنة لهم، وإن ثبت بالدليل أنهم في العراق أو غادروه، فسيكون إعادة تطبيع العلاقة بين العراق وسوريا عسيرًا".

وأشار إلى أن هذا الملف ضمن جملة من الملفات والأوراق التي من شأنها أن تعرقل مسألة تطبيع العلاقة بين البلدين، لا سيما في ظل الحكومة العراقية الحالية التي هي حكومة الإطار التنسيقي، الذي تمثل فيه الفصائل الموالية لإيران العمود الفقري للأغلبية البرلمانية.