ناشطة من جماعة فيمن خلال احتجاج أمام السفارة الإيرانية في برلين - رويترز
ناشطة من جماعة فيمن خلال احتجاج أمام السفارة الإيرانية في برلين - رويترز

خوفا من الوقوع مجددا في براثن "الإرهاب الجنسي"، فرت الشابة بريتان من إيران، إلا أن الكوابيس أصرت على اللحاق بها إلى كردستان العراق، حيث تستيقظ كل صباح على مشاهد الانتهاكات الصارخة التي تعرضت لها في سجون النظام الإيراني.

"لا تمر ليلة إلا وأستيقظ فيها بسبب الكوابيس المرعبة، وهي تجسد مشاهد التعذيب والاغتصاب التي تعرضت لها على أيدي عناصر (الاطلاعات) الاستخبارات الإيرانية أثناء فترة اعتقالي لديهم"، تقول بريتان (اسم مستعار) لموقع "الحرة".

واعتقلت أجهزة الأمن بريتان، وهي شابة كردية إيرانية، أول مرة في سبتمبر 2022 أثناء مشاركتها في الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شهدتها إيران عقب وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني.

أميني توفيت بعد تعرضها للضرب على يد شرطة الآداب الإيرانية، بحجة عدم الالتزام بالحجاب الذي يفرضه النظام على الإيرانيات منذ استيلائه على الحكم في إيران عام 1979.

واعتُقلت بريتان لساعات في ساحة الاحتجاج بمدينة مهاباد في كردستان إيران، شمال غرب البلاد، بعد سقوط لثامها أثناء مهاجمة عناصر الأمن المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي عليهم.

وبعد ذلك، نقلها عناصر الاستخبارات إلى داخل إحدى مركباتهم، حيث خضعت لتحقيق قبل أن يتم إطلاق سراحها.

لكن بعد مرور عام على الاحتجاجات، اقتحمت قوة من الاطلاعات مكونة من 12 عنصرًا في سبتمبر 2023 منزل بريتان واعتقلوها.

ونُقلت بريتان إلى فرع اطلاعات بمدينة رضائية "أرومية"، حيث احتُجزت في سجن الفرع لأسابيع دون إبلاغ والدتها أو أي فرد من عائلتها بمكان الاعتقال، ومُنعت من توكيل محامٍ للدفاع أو إجراء أي اتصالات.

وتضيف بريتان، البالغة من العمر 27 عامًا: "خلال فترة اعتقالي في فرع الاطلاعات، تعرضت إلى كافة صنوف التعذيب من الضرب والصعق بالكهرباء والخنق والإغراق...".

ولم يكتفِ السجانون بذلك، بل تعرضت بريتان أيضًا للاغتصاب بشكل مستمر خلال كل وجبة تعذيب، فـ"ما واجهته من اغتصاب واعتداءات جنسية من قبل عناصر الاطلاعات الإيرانية كان بشعًا للغاية، لا تستطيع ذاكرتي محو تلك المشاهد"، تقول الشابة.

وفي ديسمبر 2023، أصدرت "منظمة العفو الدولية" تقريرًا أكدت فيه أن الأجهزة الأمنية الإيرانية "استخدمت الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي لترهيب المتظاهرين السلميين ومعاقبتهم إبان انتفاضة (المرأة – الحياة – الحرية) التي اندلعت عام 2022".

ووثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية و"بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في إيران" استخدام السلطات الإيرانية العنف القمعي الشديد في مناطق الأقليات العرقية.

بعد عدة أسابيع من الاعتقال في فرع الاطلاعات، نُقلت بريتان إلى سجن نساء رضائية. وبعد محاولات عائلتها ودفع أموال طائلة، أطلقت المحكمة الخاصة بالاطلاعات سراحها مقابل كفالة مالية بمبلغ 15 مليار تومان لحين محاكمتها.

وتمكنت عائلتها فيما بعد، وعقب محاولات عديدة، من خفض قيمة الكفالة إلى 5 مليارات تومان، لكن مأساة بريتان لم تتوقف.

وتقول بريتان: "خلال فترة إطلاق سراحي المؤقت، اعتقلني عناصر الاطلاعات ثلاث مرات بحجة التحقيق معي، وخلال كل فترة اعتقال من هذه الفترات تعرضت لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وكسروا إحدى ساقي وإحدى يدي أثناء التعذيب...".

و"كانوا يعتدون عليّ جسديًا ويغتصبونني بشكل جماعي عدة مرات مع كل وجبة تحقيق"، تضيف الشابة الكردية الإيرانية.

لم يتوقف عناصر الاطلاعات عند اغتصاب بريتان وتعذيبها الشديد، بل كانوا يهددونها بافتعال تهمة لوالدتها واعتقالها هي الأخرى.

وقالت: "حاولوا معرفة إلى أي حزب من الأحزاب الكردية أنتمي، من أجل محاكمتي بتهمة (الإفساد في الأرض) وعقوبتها الإعدام".

وبعد كل وجبة تحقيق وتعذيب، كانت تُحتجز بريتان بشكل انفرادي لمدة أسبوع وتُمنع من مواجهة محاميها.

فـ"بعد كل تحقيق، يحتجزونني في غرفة بشكل انفرادي وأنا منهارة القوى والدماء تسيل من كل أجزاء جسدي، ويدخلون مجموعة من النساء التابعات للاطلاعات إلى داخل السجن على أنهن سجينات ويفتعلن شجارًا، ومن ثم يبرحاني ضربًا، كي يظهروا أنني تعرضت لإصابات بالغة إثر شجار في السجن وليس بالتعذيب".

استمرت فترة اعتقال بريتان أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وبعد الإفراج المؤقت عنها أبلغها المحامي بأن النظام سيعيد اعتقالها مجددًا وسيحاكمها بالسجن المؤبد وستُنقل إلى سجن "إيفين" سيئ السمعة.

لذلك قررت الهروب برفقة والدتها، واجتازتا الحدود الإيرانية العراقية مع أحد أقاربها عبر الطرق الجبلية الوعرة والمحفوفة بالخطر، ونجحتا في الوصول إلى كردستان العراق.

لم تكن بريتان الفتاة الوحيدة التي تعرضت للتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي داخل المعتقل، فجميع النساء المعتقلات معها في السجن تعرضن لما تعرضت له، لكنها لا تزال تتذكر إحدى الفتيات التي صادفتها عدة مرات في غرف الاعتقال، التي كانت تجمعهما بعد التعذيب.

لكنها لم تتمكن من التواصل معها إلا مرة واحدة وبسرعة، لأن الحراس كانوا يمنعون أي تواصل بين المعتقلات داخل السجن.

وتبين بريتان: "هذه الفتاة كانت قد اعتُقلت بنفس تهمتي وهي المشاركة في التظاهرات، لكنها في البداية نجحت في الهرب إلى كردستان العراق، وقبل اعتقالها كانت تعيش في محافظة السليمانية، حيث اعتقلتها الاطلاعات الإيرانية في السليمانية وأعادتها إلى المعتقل في إيران".

لم تتسنَّ لبريتان معرفة عنوان الفتاة وعائلتها للتواصل معهم عند خروجها من المعتقل، وكانت تلك آخر مرة ترى فيها تلك الفتاة.

وعلى الرغم من تواجدها في كردستان العراق، فإنها لا تزال تخشى من الحرس الثوري الإيراني والاطلاعات الإيرانية من كشف موقعها واعتقالها مجددًا وإعادتها إلى إيران، لذلك اختارت إخفاء هويتها.

وتقول: "أعيش في حالة من الخوف الدائم، أخاف من التعرض للاختطاف من قبل النظام الإيراني".

وتعرب بريتان عن تمنياتها بألا تذهب تضحياتها وتضحيات الشعوب في إيران سدى، مطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية الكاملة للإيرانيين من النظام الحاكم في طهران.

فهذا النظام، وفق بريتان، لا يتوانى عن استخدام كافة الوسائل للبطش بمعارضيه وبكافة من يقف بوجه انتهاكاته لحقوق الإنسان واعتدائه على الشعوب في إيران.

محطة توليد كهرباء في كردستان-العراق
محطة توليد كهرباء في كردستان-العراق

يخشى العراق من تفاقم أزمة الطاقة الكهربائية مع اقتراب فصل الصيف، بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعديل إو إلغاء الإعفاءات من تطبيق العقوبات المفروضة على إيران.

ويستفيد العراق منذ سنوات من إعفاء أميركي، متجدد، من تطبيق العقوبات، في ما يتعلق باستيراد الطاقة من إيران.

ويتوقع خبراء أن يواجه العراق، بعد القرار الذي أصدره ترامب في 4 فبراير، صعوبات إضافية إذا توقف الغاز الإيراني الذي يزود منظومة الكهرباء العراقية بنحو 40% من إنتاجها الحالي، الذي يقرب من نحو 20 ألف ميغاواط.

ويحتاج العراق إلى نحو 50 ألف ميغاواط لسد حاجته من الطاقة الكهربائية في فصل الصيف اللاهب عادة، وفقا لمتحدث باسم وزارة الكهرباء.

اقتصاد غير محصن ضد العقوبات

"ليس لدى العراق حلول فورية لتجاوز أزمة الطاقة التي قد تنتج بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي،" يقول الخبير، المهندس علي جبار الفريجي، لموقع "الحرة".

مذكرة ترامب التي لم تشر تحديدا إلى الإعفاء الممنوح للعراق، نصت أيضا على "اتخاذ خطوات فورية، بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات المعنية، لضمان عدم استخدام إيران للنظام المالي العراقي في التهرب من العقوبات أو الالتفاف عليها، وعدم استخدام (طهران) لدول الخليج كنقطة شحن للتهرب من العقوبات". 

"الجسد الاقتصادي العراقي غير محصن ليواجه أزمات وعقوبات اقتصادية بهذا الحجم، فضلا عن السياسة الاقتصادية غير الحكيمة التي تنهجها الحكومة العراقية"، بحسب الفريجي.

ويتفق المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، على أن القرار الأميركي سينعكس سلبا على حجم الطاقة المنتجة في العراق.

وأضاف موسى في تصريحات لموقع "الحرة،" أن الوزارة لم تتلق قرار ترامب بشكل رسمي لكنها بانتظار توجيهات من الحكومة في هذا الشأن.

 العمل جار مع وزارة النفط لتأمين "خطة" لتوفير الوقود وتشغيل المحطات وتعويض النقص الناتج عن توقف إمدادات الغاز الإيراني، يقول موسى.

وبيّن أن الحكومة، بمعزل عن القرار الأميركي، تعمل على استغلال الغاز الوطني وإنشاء منصات الغاز المسال وتنويع مصادر الطاقة الكهربائية وتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية وإكمال مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار، الأردن والخليج وتركيا.

وتوفر بغداد فرصا استثمارية لإنتاج الطاقة من تدوير النفايات، "لكن هذه المشاريع بحاجة إلى نحو سنتين لإكمالها".

وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء إن هناك حاجة ماسة لاستيراد الغاز من طرف آخر لتعويض الغاز الإيراني، وإن العراق بحاجة إلى 70مليون متر مكعب من الغاز يوميا لتشغيل محطات توليد الكهرباء.

وأضاف أن الوزارة أبرمت اتفاقا مع تركمانستان، ويجري العمل على إكمال الإجراءات المالية وإجراءات تدقيق الشركة الناقلة التي يتتولى نقل الغاز عبر الأراضي الإيرانية، وهناك تفاهمات مع دولة قطر لاستيراد الغاز، والعمل جار على إنشاء منصات الغاز المسال في الموانئ العراقية.

في المقابل، يعتقد الخبير في أزمات الطاقة، علي جبار الفريجي، أن الغاز القطري والغاز التركمانستاني قد يكونان من الخيارات البديلة بالنسبة للعراق. لكن الخيارين مكلفان، ويحتاجان إلى تأسيس شبكات أنابيب لنقل الغاز.

بالنسبة لغاز تركمانستان، ستكون "كلفة شبكة الأنابيب عالية وكميات الغاز الموردة غير كافية،" والعملية ستحتاج أيضا إلى "استثناء وموافقة أميركية" لأن الأنابيب لابد أن تمر عبر إيران، يستدرك.

لهذا، يرى الفريجي أن الحل الأمثل يكمن في التفاوض مع الإدارة الأميركية لإقناعها بتمديد الأعفاء لحين تمكن العراق من إيجاد بدائل للغاز الإيراني.

يقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء أن توقف إمدادات الغاز الإيراني تكلف منظومة الطاقة الكهربائية فقدان نحو 9 آلاف ميغاوات من قدرتها الإنتاجية.

ويشير إلى أن حاجة العراق تتجاوز 50 ألف ميغاوات، ماسيؤثر على ساعات التجهيز بشكل كبير خاصة في فصل الصيف.

ويعود آخر تجديد أميركي لإعفاء العراق، من تطبيق العقوبات على إيران، إلى مارس العام الماضي.

"لدى العراق حقول غاز عديدة لم تُستثمر خلال السنوات الماضية، والعراق اليوم أمام الأمر الواقع،" يقول عضو لجنة الاقتصاد النيابية كاظم الشمري لموقع " الحرة".

 ويضيف، "حان الوقت لتفعيل جولات التراخيص التي منحها العراق عام 2018 لعدد من شركات الاستثمار في حقول الغاز المشتركة مع إيران في محافظات ديالى وميسان".

ولفت الشمري إلى أن الحديث عن استيراد الغاز من تركمانستان غير واقعي لأن ممر وصوله إلى العراق، سيكون عبر إيران وهي تحت العقوبات الأميركية.

ويرى الشمري أن إيقاف إمدادات الغاز الإيراني هو أكبر تحد يواجهه الحكومة العراقية منذ عام عام 2003، وقد يشكل خطرا حتى على النظام السياسي القائم في العراق.

"على الحكومة إجراء مفاوضات مع واشنطن لإقناعها بتمديد إعفاء العراق لمدة معينة حتى يتسنى إيجاد بدائل للغاز الإيراني،" يقول الشمري.

ويطالب عضو لجنة الاقتصاد النيابية بمنح الشركات الأميركية عقود استثمار في حقول النفط والغاز، والاستفادة من خبراتها وإمكانياتها في مجال الطاقة.

ودعا الشمري مجلس النواب إلى استضافة رئيس الحكومة ووزيري النفط والكهرباء، للوقوف على أسباب "التراخي كل هذه السنوات في إيجاد بدائل للغاز الإيراني رغم علم المسؤولين بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران".

ويعتقد الخبير الاقتصادي، نبيل جبار العلي، أن إلغاء إعفاء العراق من استراد من إيران متوقع، مع استمرار تلكوء الحكومة العراقي في إيجاد بدائل، على مدى سنوات.

يعتمد الاقتصاد الإيراني بنسبة 20% على العراق، وفقا للخبير الاقتصادي، وتعلم واشنطن جيدا أن قطع هذا المنفذ سيكون ذا تاثير كبير على إيران.

ويرى العلي في تصريحات لموقع "الحرة" أن العقوبات الأميركية قد تطال العراق أيضا في ظل اتهامات لأشخاص ومؤسسات عراقية بتحويل مبالغ طائلة من الدولار الأميركي إلى إيران بصفقات خارج نظام (سويفت) الدولي.

ونقلت وكالة رويترز، الأحد، عن "مصدرين مطلعين" الأحد، إن البنك المركزي العراقي سيحظر على خمسة بنوك محلية أخرى التعامل بالدولار، في خطوة تأتي بعد اجتماعات مع مسؤولين من وزارة الخزانة الأميركية في إطار جهود مكافحة غسل الأموال وتهريب الدولار وانتهاكات أخرى.

ويصف الخبير الاقتصادي، نبيل جبار العلي، مشكلة الطاقة الكهربائية في العراق بأنها "مركبة ما بين سوء إدارة والنمو السكاني، وتزايد الاستهلاك في النتيجة".

ويتهم وزارة الكهرباء بالتقصير في جميع مفاصل "الإنتاج والتوزيع والنقل والصيانة والجباية". 

ويلفت العلي إلى أن استثمار حقول الغاز العراقية بحاجة إلى نحو اربع سنوات لتتمكن من تأمين إمدادات الغاز الازمة لمحطات الطاقة في البلاد.

وبعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإلغاء الإعفاءات من تطبيع العقوبات على إيران، وجه رئيس الوزراء العراق، محمد شياع السوداني، أثناء اجتماعه بالفريق الوطني للطاقة المتجددة، في 10 فبراير، المحافظات بالإنطلاق في مشاريع ريادية في مجال الطاقة الشمسية لتخفيف الأحمال على الشبكة الوطنية للكهرباء في أوقات الذروة.

لكن قد يواجه العراقيون، للأسف، ظروفا لاهبة هذا الصيف، بسبب تلكؤ الحكومة في إيجاد بدائل للغاز الأيراني، كما قال أحد الخبراء، أعلاه.