نفط كركوك مثار خلاف- أرشيفية من فرانس برس
نفط كركوك مثار خلاف- أرشيفية من فرانس برس

في تطور جديد للنزاع القائم بين أربيل وبغداد، أعربت حكومة إقليم كردستان عن قلقها إزاء ما وصفته بمحاولات الحكومة الاتحادية "السيطرة على موارد النفط والغاز" في المناطق المتنازع عليها، خاصة محافظة كركوك.

وأكد البيان الصادر في 12 يناير 2025 أن هذه التحركات تمثل "خرقًا للدستور العراقي والاتفاقيات السابقة"، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات السياسية.

وأشارت حكومة الإقليم إلى أن هذه الخطوات تمثل انتهاكًا للمادة 140 من الدستور العراقي، التي تنص على تسوية أوضاع المناطق المتنازع عليها عبر استفتاء شعبي، وهي المادة التي لم تُنفذ حتى الآن.

وأكدت أن المواد الدستورية (110 و115) تمنح الإقليم حقوقًا واضحة في إدارة الحقول النفطية والغازية المكتشفة حديثًا، في حين تنص المادة 112 على إدارة مشتركة للحقول القديمة.

وأوضح البيان أن بغداد تتجه إلى توقيع عقود نفطية من جانب واحد دون التشاور مع حكومة الإقليم، معتبرًا ذلك خرقًا للدستور وانتهاكًا للاتفاقات السابقة.

وأكدت حكومة الإقليم على استعدادها للحوار مع الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول تضمن الحقوق الدستورية لجميع الأطراف.

وحذرت من أنها "تمتلك الحق في الدفاع عن حقوقها الدستورية في جميع المحافل الدولية المتاحة، لتطبيق القوانين النافذة في الإقليم والمحافظة على حقوقها المشروعة".

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت أنها وقعت مذكرة تفاهم في العاصمة البريطانية لندن مع شركة "بريتش بتروليوم" بشأن إعادة تأهيل وتطوير حقول شركة نفط الشمال الأربعة في كركوك، من أجل زيادة الإنتاج والوصول إلى أفضل المعدلات الإنتاجية المستهدفة من النفط والغاز.

وفي مؤتمر صحفي عُقد يوم الخميس 16 ديسمبر 2025، أكد بيشوا هوراماني، المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، أن إبرام الحكومة العراقية أي اتفاقات تخص الآبار النفطية في كركوك هو "خرق دستوري واضح"، حيث إن الدستور لا يسمح لأي طرف بالانفراد بالتعامل مع كل ما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها أرضها ونفطها.

والحقول الأربعة المشمولة بالتطوير هي "بابا كركر وآفانا وباي حسن وخباز"، وتقع في كركوك الغنية بالنفط.

وتعد محافظة كركوك من أبرز المناطق المتنازع عليها في العراق، وكان من المتوقع أن يتم حل هذه القضية في إدارة العراق الجديدة بعد سقوط نظام صدام حسين، من خلال استفتاء يصوت فيه أبناء المدينة على ما إذا كانت هذه المحافظة ستكون تابعة لإقليم كردستان أم ستبقى محافظة مستقلة.

ولكن بعد ما يقارب عقدين من صياغة المادة 58 من الدستور المؤقت والمادة 140 من الدستور الدائم للعراق، لم يتم تطبيق هاتين المادتين الراميتين لحل هذه الأزمة.

ويقول الخبير النفطي، كوفند شيرواني، لموقع "الحرة"، "إن جميع حقول كركوك هي من الحقول القديمة والمكتشفة من قبل شركة نفط العراق، قبل تأميمها عام 1972، وإن إجمالي إنتاج هذه الحقول يتراوح ما بين 300-400 ألف برميل حاليًا".

ويشير إلى أن الحكومة العراقية تطمح من خلال تطوير هذه الحقول إلى رفع إنتاجها النفطي إلى أكثر من 700 ألف برميل يوميًا.

وعن اتهام الإقليم للحكومة الاتحادية بالسيطرة على النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها، يقول شيرواني إن "المخالفة الدستورية تتمثل بعدم تطبيق المادة 140 الدستورية، التي كان من المفترض تطبيقها نهاية عام 2007".

ويرى أنه كان من الأفضل التنسيق مع الإقليم في هذا الشأن، ولن يكون ذلك مضرًا بالحكومة الاتحادية، حيث إن النفط في كل الأحوال يتم تسويقه واستلام إيراداته من قبل الحكومة الاتحادية.

وفي جانب آخر، يسعى إقليم كردستان إلى استئناف صادراته النفطية المتوقفة منذ 24 مارس 2023، بموجب قرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، بعد شكوى رفعها العراق في وقت سابق على تركيا.

وبحسب شيرواني، فإن الخلاف النفطي الحالي بين بغداد وأربيل، الذي تسبب بتوقف تصدير 400 ألف برميل يوميًا منذ 22 شهرًا، ألحق خسائر بالاقتصاد العراقي تجاوزت حتى الآن 18 مليار دولار.

ويرى الخبير النفطي أن هذا المبلغ الضخم كان سيغطي حوالي ثلث العجز الكبير في الموازنة العامة، والمقدر بـ49 مليار دولار للعام 2024.

وعن جهود استئناف صادرات نفط الإقليم، قال رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، سفين دزيي، "هناك مساعٍ دولية لاستئناف نفط الإقليم؛ فالدول الأوروبية والولايات المتحدة مهتمة بذلك، وحكومة الإقليم تواصل مباحثاتها مع بغداد حيث لم تبقَ هناك أي عوائق قانونية أو فنية لضخ نفط الإقليم إلى الأسواق العالمية".

تصريحات دزيي جاءت للصحفيين على هامش اجتماع مع الهيئات الدبلوماسية وممثلي القنصليات في الإقليم، الذي كُرس لعرض الحقائق وبحث القضايا الخلافية بين الإقليم والعراق.

من جهته، قال النائب ضرغام المالكي، عضو لجنة النفط والغاز النيابية، لموقع "الحرة"، إن "وزارة النفط الاتحادية هي صاحبة القرار الأول، وإقليم كردستان وكل محافظات العراق مرتبطة بالدولة العراقية".

وبالتالي، يرى المالكي أنه إذا كانت هناك اتفاقات دولية، فإن وزارة النفط الاتحادية هي المعنية بإبرام الاتفاقات وتوقيع العقود التي تسري على المحافظات غير المنتظمة بإقليم وعلى إقليم كردستان.

وعبر المالكي عن تأييده لتوقيع وزارة النفط مذكرة تفاهم مع شركة "بريتش بتروليوم"، وخطوات الحكومة في تطوير الحقول النفطية من خلال شركات رصينة، مما يسهم في زيادة إنتاج النفط.

وتعد "بريتش بتروليوم" من أكبر الشركات المستثمرة بجنوب العراق ولديها مشاريع عملاقة.

السلطات السورية الجديدة حلّت الجيش.

يكتنف الغموض مصير نحو 100 من مسؤولي وضباط النظام السوري المخلوع الفارين إلى العراق، وسط تكتم السلطات العراقية والمليشيات الموالية لإيران على أي معلومات تتعلق بهم.

استقبل العراق عبر منفذ البوكمال الحدودي السوري في السابع والثامن من ديسمبر الماضي 2493 جنديًا وضابطًا ومسؤولًا من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة في 19 ديسمبر عودة 1905 من الضباط والمنتسبين السوريين وتسليمهم إلى قوة حماية من الجانب السوري عبر منفذ القائم الحدودي.

وسبقتها عملية تسليم أخرى شملت العشرات من الموظفين السابقين في منفذ البوكمال، الذين فروا أيضًا إبان سقوط نظام الأسد.

لكن مسؤولًا عراقيًا في محافظة الأنبار قال لموقع "الحرة"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إن "مجموعة من الضباط السوريين رفضوا العودة إلى بلادهم بحجة وجود خطورة على حياتهم عند إعادة الجنود والمراتب الآخرين، لذلك نُقلوا فورًا من الأنبار إلى بغداد".

مع ذلك، لم يؤكد المصدر نفسه استقرارهم في بغداد أو الوجهة التي نُقلوا إليها فيما بعد.

ولمعرفة مصير الضباط والمسؤولين الذين رفضوا العودة إلى بلادهم وكيفية تعامل الحكومة العراقية مع هذا الملف، تواصل موقع "الحرة" مع كل من الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، والناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، لكنهما لم يدليا بأي تصريحات عن الملف بحجة أنه ليس من اختصاصهما.

كما لم يجب الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، والناطق باسم العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، عن أسئلة موقع "الحرة" بخصوص هؤلاء الضباط وملفهم.

وكانت وزارة الداخلية العراقية نفت، الثلاثاء الماضي، منح الإقامة لضباط وقادة النظام السوري المخلوع.

وقال الناطق باسم الداخلية، العميد مقداد ميري، في بيان: "تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن منح العراق الإقامة المؤقتة لدواعٍ إنسانية لعشرات الضباط وقادة جيش النظام السوري السابق، الذين لجأوا إلى العراق. إننا في الوقت الذي ننفي فيه هذه الأنباء جملةً وتفصيلًا، نؤكد أهمية الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية حصرًا."

وكشفت متابعات موقع "الحرة" لملف الضباط وقادة النظام السوري الذين رفضوا مغادرة العراق إلى بلادهم، أنه بعد نقلهم إلى بغداد في ظل إجراءات أمنية مشددة، قُسِّموا إلى عدة مجموعات، سافرت مجموعة منهم إلى روسيا وبيلاروسيا ودولة خليجية.

ونُقلت مجموعة ثانية منهم إلى مجمع سكني في بغداد، بينما انضمت مجموعة أخرى إلى معسكر "أشرف" في محافظة ديالى شمال شرق بغداد إلى جانب مسلحي مليشيات فاطميون وزينبيون.

وكان عناصر هذه الميليشيات في سوريا قبل أن ينسحبوا أيضًا إلى داخل العراق بعد سقوط نظام الأسد، بينما استقر آخرون، بينهم قادة ومسؤولون، في مدينة النجف وبلدة جرف الصخر في محافظة بابل.

غالبية الضباط والقادة السوريين المتواجدين في العراق هم من الرتب العالية (بدءًا من عميد)، وهم من قادة وضباط الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى جانب مسؤولين وضباط مخابرات ومستشارين.

"صندوق أسود"

ويشير الخبير السياسي العراقي، عمر عبد الستار، إلى أن من تبقى من الضباط والموظفين السوريين الذين لجأوا إلى العراق انضموا إلى غرفة عمليات أنشأتها إيران بعد سقوط الأسد.

ووفق عبد الستار، فإن غرفة العمليات هذه تهدف إلى تحريك الداخل السوري وتفعيل الخلايا النائمة من الموالين لها ضد الإدارة السورية الجديدة، سواء في الساحل أو في حمص أو في المناطق السورية الأخرى التي تشهد تحركًا لفلول النظام السابق.

وقال عبد الستار، لموقع "الحرة"، إن "إيران تدير هذه الغرفة، وقد شارك عدد من هؤلاء الضباط في الاجتماع الذي نظمه الحرس الثوري بحضور ضباط إيرانيين وقادة المليشيات العراقية قبل أيام في النجف".

ولفت إلى أن الحكومة العراقية والحرس الثوري الإيراني يتكتمان على أسماء ومعلومات من تبقى من هؤلاء الضباط في العراق، ويبلغ عددهم 93 ضابطًا ومسؤولًا.

وتشمل قائمة المسؤولين السوريين والضباط، الذين دخلوا العراق في ديسمبر الماضي، مسؤولين كبارًا في النظام المخلوع وصلوا إلى العراق عبر مطار بغداد الدولي.

ويرى الخبير الأمني والاستراتيجي، أحمد الشريفي، أن النفي الحكومي العراقي بمنح من تبقى من الضباط والمسؤولين السوريين الإقامة غير كافٍ للتأكيد على أن هؤلاء غادروا العراق.

ويعتبر الشريفي الضباط والمسؤولين السوريين، الذين رفضوا العودة إلى بلادهم، الصندوق الأسود للكثير من الأحداث التي جرت في سوريا، لا سيما ملف التعاون بين العراق وسوريا عبر هذه الجهات.

ويضيف الشريفي، لموقع "الحرة"، أن "قضية تحرك هؤلاء الضباط هي مناورة لصندوق أسود يخفي بين جوانبه أسرارًا كثيرة عن تعاون الفصائل العراقية مع سوريا وإيران والعراق، وكيف كان التعاون سائرًا آنذاك".

وأشار إلى أن الضباط لن يعودوا إلى سوريا ويمكن أن تؤمن لهم الموارد المالية من موازنة الحشد الشعبي.

ويلفت الشريفي: "بما أن العراق شكّل حاضنة لهم، وإن ثبت بالدليل أنهم في العراق أو غادروه، فسيكون إعادة تطبيع العلاقة بين العراق وسوريا عسيرًا".

وأشار إلى أن هذا الملف ضمن جملة من الملفات والأوراق التي من شأنها أن تعرقل مسألة تطبيع العلاقة بين البلدين، لا سيما في ظل الحكومة العراقية الحالية التي هي حكومة الإطار التنسيقي، الذي تمثل فيه الفصائل الموالية لإيران العمود الفقري للأغلبية البرلمانية.