مسيحيون يحتفلون بمناسبة دينية في بلدة ألقوش.

أعاد بيان الكاردينال لويس ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، فتح جرح المسيحيين الذين يعانون، وفقًا لمسؤولين روحيين وسياسيين، من تحديات عدة في مناطقهم التاريخية، لا سيما سهل نينوى، حيث تحاول ميليشيات "السيطرة على الأراضي المسيحية" هناك.

وكان الكاردينال لويس ساكو قد أكد، خلال لقائه القائم بأعمال السفارة الأميركية، الاثنين، في بغداد، أن المسيحيين يعانون من تحديات عديدة، أبرزها "الهجرة، التهميش، البطالة، والاستحواذ على مقدراتهم".

وشدد على مسؤولية الحكومة تجاه تطوير المجتمع، وبناء الدولة المدنية، واحترام حرية الرأي والتعبير، وحق الشعب في الحياة الكريمة، معتبرًا ذلك "واجبًا أساسيًا وطنيًا وأخلاقيًا لضمان تقدم المجتمع".

كما طالب بأن "تُحصر الكوتا بين المجتمع المسيحي ليختار من يمثله، وتسليم الملف الأمني في بلدات سهل نينوى للشرطة الاتحادية والحراسات من أبناء المنطقة، لاستعادة ثقتهم بالمستقبل".

وفي هذا السياق، قال مدير عام الشؤون المسيحية في إقليم كردستان، خالد جمال، في حديث مع موقع "الحرة"، إن أوضاع المسيحيين تدهورت في عموم العراق خلال السنوات الأخيرة، بسبب "تلكؤ الحكومة في إعادة إعمار مناطقهم ومنازلهم وكنائسهم" التي تهدمت خلال الحرب مع تنظيم داعش.

غالبية المسيحيين في العراق يتمركزون الآن في إقليم كردستان وسهل نينوى، بحسب جمال.

اتهامات بتغيير ديمغرافي

وقال إن المسيحيين في الإقليم يعانون اقتصاديًا حالهم كحال باقي المكونات، لكن قضية المسيحيين في سهل نينوى أكثر تعقيدًا، فهم يعانون من "صراعات مع غيرهم من المكونات، خاصة الشبك"، ومن "تدخلات" الحشد الشعبي في شؤونهم.

ويعاني المسيحيون من التهميش والإهمال، الذي دفع بالكثير منهم إلى الهجرة، بحسب قول نوزاد بولص، رئيس مؤسسة سورايا للثقافة والإعلام.

وحذر، في حديث لموقع "الحرة"، من "تشويه" تتعرض له المناطق المسيحية في سهل نينوى، خاصة في قضائي تلكيف والحمدانية، في إشارة إلى محاولات إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة.

وأوضح أن هذه المناطق "هي مسيحية بحتة ينبغي الحفاظ على هويتها وثقافتها"، من خلال "تطبيع" تلك المناطق بقوات وحراسات من أبنائها، وعدم "زجها" في صراعات.

وذكر بولص أن المسيحيين في منطقة سهل نينوى كانوا أكثر من 170 ألف شخص قبل اجتياح تنظيم داعش لمناطقهم.

وتقلص عدد المسيحيين في السهل إلى نحو 60 ألفًا فقط، لأسباب عدة، أبرزها عدم الاستقرار الأمني، وعدم دفع الحكومات المتعاقبة للتعويضات لإعادة الإعمار، وفق بولص.

وقال إن معظم الخدمات التي قُدمت للمسيحيين في سهل نينوى كانت من "منظمات إنسانية أجنبية ساهمت في تعمير بلداتهم وترميم عدد من الكنائس".

ويمثل الكلدان 80 بالمئة من المسيحيين في العراق، بحسب بولص، وهم يأملون أن تلعب الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، دورًا في حماية حقوقهم، لا سيما أن هناك "مستشارة كلدانية من أصول عراقية تعمل في إدارة ترامب"، في إشارة إلى المحامية الأميركية العراقية، ألينا حبة.

ويحظى المسيحيون في العراق بخمسة مقاعد من الكوتا، من أصل تسعة مقاعد مخصصة للأقليات ضمن مجلس النواب العراقي، موزعة في بغداد ونينوى ودهوك وكركوك وأربيل.

وتم "الاستحواذ" على هذه المقاعد بأصوات غير المسيحيين، من قبل جماعة معروفة، بحسب قول كوران عبدالجبار، رئيس الرابطة الكلدانية العالمية.

ولم يشأ عبدالجبار كشف هوية هذه الميليشيا، إلا أنه اعتبر أن المسيحيين تعرضوا للظلم بسبب الأنظمة الانتخابية السابقة، لأن مقاعدهم تحتلها شخصيات مسيحية تدين بالولاء لأحزاب غير مسيحية، وفازوا بأصوات غير مسيحية.

وكان السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية، يونادم كنا، قد انتقد، في تقرير سابق لموقع "الحرة"، قانون الانتخابات العراقي.

وقال إنه "صادر إرادة الناخبين المسيحيين"، مؤكدًا أنه تم "إفراغ" مبدأ الكوتا من محتواه، بحسب تعبيره، لأنه يسمح لغير المسيحيين بالتصويت لمقاعد الكوتا.

ولذلك يتم زج مجاميع غير مسيحية للتصويت لشخص بعينه "لا يمثل المسيحيين أو الأحزاب المسيحية"، وإنما يمثل جهات وأحزابًا غير مسيحية، بحسب تعبيره.

سيطرة الميليشيات على سهل نينوى

وتسلمت "ميليشيات" جاءت عن طريق أصوات غير المسيحيين الملف الأمني في سهل نينوى، بحسب قول رئيس الرابطة الكلدانية العالمية.

وقال عبدالجبار، لموقع "الحرة"، إن تلك الميليشيات "تعادي" الكنيسة الكلدانية، وتحاول السيطرة على الأراضي المسيحية في مناطق سهل نينوى.

وحسب كوران عبدالجبار، دفعت هذه الميليشيات "الكثير من المسيحيين لبيع أملاكهم والهجرة إلى خارج البلاد".

وكان خلاف اندلع في 2023 بين الكاردينال ساكو وأمين عام حركة بابليون ريان الكلداني، الذي يقود فصيل "بابليون" المسلح، هو ميليشيا مسيحية تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران. 

ويخضع الكلداني لعقوبات أميركية ضمن قانون ماغنتسكي منذ 2019 لقيامه بـ"انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" وفقا لبيان وزارة الخزانة الأميركية.

وبحسب الوزارة، فإن اللواء 50 في الحشد الشعبي، وفصيل بابليون بضمنه، هو العائق الرئيسي أمام عودة المشردين داخليا إلى سهل نينوى.

وتضيف أن اللواء 50 قام بنهب المنازل بشكل منهجي في باطنايا، التي تكافح من أجل التعافي من حكم داعش الوحشي. واستولى على أراض زراعية وباعها بشكل غير قانوني.

تهميش

وبالإضافة إلى ذلك، يعاني المسيحيون، لا سيما الكلدان، من التهميش في المؤسسات الحكومية، فرغم أنهم يمثلون أغلبية مسيحيي العراق، فإن عدد المناصب الكبرى (مدراء عامون) التي مُنحت لهم لا تتجاوز منصبين أو ثلاثة، على حد قول عبدالجبار.

ولفت إلى أن "معاداة الكنيسة الكلدانية للميليشيات" هو الذي أدى إلى تهميش دور المسيحيين الكلدان في المؤسسات الحكومية.

في المقابل، نفى رئيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائيين، رامي جوزيف، تعرض المسيحيين في العراق لـ"تهميش" حاليا.

رامي جوزيف: الأمور وردية

وقال إن الحكومة العراقية الحالية قد ذللت معظم التحديات والصعاب أمام أبناء جميع المكونات، مؤكدًا أن العراق يشهد "خطوات واضحة نحو ترسيخ مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع أبنائه".

وفي حين أكد جوزيف استمرار هجرة المسيحيين وبقية المكونات من العراق، قال، لموقع "الحرة"، إن مناطق سهل نينوى تمتاز بكونها "تشهد استقرارًا ملحوظًا"، وذلك بفضل جميع الأطراف الموجودة هناك التي ساعدت في "خفض" معدلات الهجرة من تلك المناطق، بحسب تعبيره.

وهو يرى أن موضوع حصر التصويت لمقاعد كوتا المسيحيين بالمسيحيين فقط، سيدفع ببقية المكونات الموجودة في العراق للمطالبة بهذا الأمر، مما سيخلق نزعة من "العنصرية"، بحسب تعبيره.

وأضاف أن ذلك سيحدّ أيضًا من حرية الفرد، ويجبره على "التصويت" لشخص مسيحي فقط، حتى إن لم يكن مقتنعًا به، مؤكدًا أن "دمج المكونات وعدم عزلهم" هو وسيلة لضمان الحريات والحقوق في العراق.

وبيّن رئيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائيين أن الملف الأمني في مناطق سهل نينوى يُدار تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة والحكومة المحلية.

وأوضح أنه قام بزيارة ميدانية إلى تلك المناطق والتقى بأهاليها عن قرب، ولم يتم تسجيل أي "تجاوز" على حقوق المسيحيين هناك، على حد قوله.

وختم قائلاً إن القوات الأمنية الموجودة في سهل نينوى تعمل بالتنسيق وفق توجيهات القائد العام للقوات المسلحة، مما يعزز التعاون ويحمي "التنوع الديموغرافي" في تلك المناطق.

السلطات السورية الجديدة حلّت الجيش.

يكتنف الغموض مصير نحو 100 من مسؤولي وضباط النظام السوري المخلوع الفارين إلى العراق، وسط تكتم السلطات العراقية والمليشيات الموالية لإيران على أي معلومات تتعلق بهم.

استقبل العراق عبر منفذ البوكمال الحدودي السوري في السابع والثامن من ديسمبر الماضي 2493 جنديًا وضابطًا ومسؤولًا من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة في 19 ديسمبر عودة 1905 من الضباط والمنتسبين السوريين وتسليمهم إلى قوة حماية من الجانب السوري عبر منفذ القائم الحدودي.

وسبقتها عملية تسليم أخرى شملت العشرات من الموظفين السابقين في منفذ البوكمال، الذين فروا أيضًا إبان سقوط نظام الأسد.

لكن مسؤولًا عراقيًا في محافظة الأنبار قال لموقع "الحرة"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إن "مجموعة من الضباط السوريين رفضوا العودة إلى بلادهم بحجة وجود خطورة على حياتهم عند إعادة الجنود والمراتب الآخرين، لذلك نُقلوا فورًا من الأنبار إلى بغداد".

مع ذلك، لم يؤكد المصدر نفسه استقرارهم في بغداد أو الوجهة التي نُقلوا إليها فيما بعد.

ولمعرفة مصير الضباط والمسؤولين الذين رفضوا العودة إلى بلادهم وكيفية تعامل الحكومة العراقية مع هذا الملف، تواصل موقع "الحرة" مع كل من الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، والناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، لكنهما لم يدليا بأي تصريحات عن الملف بحجة أنه ليس من اختصاصهما.

كما لم يجب الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، والناطق باسم العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، عن أسئلة موقع "الحرة" بخصوص هؤلاء الضباط وملفهم.

وكانت وزارة الداخلية العراقية نفت، الثلاثاء الماضي، منح الإقامة لضباط وقادة النظام السوري المخلوع.

وقال الناطق باسم الداخلية، العميد مقداد ميري، في بيان: "تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن منح العراق الإقامة المؤقتة لدواعٍ إنسانية لعشرات الضباط وقادة جيش النظام السوري السابق، الذين لجأوا إلى العراق. إننا في الوقت الذي ننفي فيه هذه الأنباء جملةً وتفصيلًا، نؤكد أهمية الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية حصرًا."

وكشفت متابعات موقع "الحرة" لملف الضباط وقادة النظام السوري الذين رفضوا مغادرة العراق إلى بلادهم، أنه بعد نقلهم إلى بغداد في ظل إجراءات أمنية مشددة، قُسِّموا إلى عدة مجموعات، سافرت مجموعة منهم إلى روسيا وبيلاروسيا ودولة خليجية.

ونُقلت مجموعة ثانية منهم إلى مجمع سكني في بغداد، بينما انضمت مجموعة أخرى إلى معسكر "أشرف" في محافظة ديالى شمال شرق بغداد إلى جانب مسلحي مليشيات فاطميون وزينبيون.

وكان عناصر هذه الميليشيات في سوريا قبل أن ينسحبوا أيضًا إلى داخل العراق بعد سقوط نظام الأسد، بينما استقر آخرون، بينهم قادة ومسؤولون، في مدينة النجف وبلدة جرف الصخر في محافظة بابل.

غالبية الضباط والقادة السوريين المتواجدين في العراق هم من الرتب العالية (بدءًا من عميد)، وهم من قادة وضباط الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى جانب مسؤولين وضباط مخابرات ومستشارين.

"صندوق أسود"

ويشير الخبير السياسي العراقي، عمر عبد الستار، إلى أن من تبقى من الضباط والموظفين السوريين الذين لجأوا إلى العراق انضموا إلى غرفة عمليات أنشأتها إيران بعد سقوط الأسد.

ووفق عبد الستار، فإن غرفة العمليات هذه تهدف إلى تحريك الداخل السوري وتفعيل الخلايا النائمة من الموالين لها ضد الإدارة السورية الجديدة، سواء في الساحل أو في حمص أو في المناطق السورية الأخرى التي تشهد تحركًا لفلول النظام السابق.

وقال عبد الستار، لموقع "الحرة"، إن "إيران تدير هذه الغرفة، وقد شارك عدد من هؤلاء الضباط في الاجتماع الذي نظمه الحرس الثوري بحضور ضباط إيرانيين وقادة المليشيات العراقية قبل أيام في النجف".

ولفت إلى أن الحكومة العراقية والحرس الثوري الإيراني يتكتمان على أسماء ومعلومات من تبقى من هؤلاء الضباط في العراق، ويبلغ عددهم 93 ضابطًا ومسؤولًا.

وتشمل قائمة المسؤولين السوريين والضباط، الذين دخلوا العراق في ديسمبر الماضي، مسؤولين كبارًا في النظام المخلوع وصلوا إلى العراق عبر مطار بغداد الدولي.

ويرى الخبير الأمني والاستراتيجي، أحمد الشريفي، أن النفي الحكومي العراقي بمنح من تبقى من الضباط والمسؤولين السوريين الإقامة غير كافٍ للتأكيد على أن هؤلاء غادروا العراق.

ويعتبر الشريفي الضباط والمسؤولين السوريين، الذين رفضوا العودة إلى بلادهم، الصندوق الأسود للكثير من الأحداث التي جرت في سوريا، لا سيما ملف التعاون بين العراق وسوريا عبر هذه الجهات.

ويضيف الشريفي، لموقع "الحرة"، أن "قضية تحرك هؤلاء الضباط هي مناورة لصندوق أسود يخفي بين جوانبه أسرارًا كثيرة عن تعاون الفصائل العراقية مع سوريا وإيران والعراق، وكيف كان التعاون سائرًا آنذاك".

وأشار إلى أن الضباط لن يعودوا إلى سوريا ويمكن أن تؤمن لهم الموارد المالية من موازنة الحشد الشعبي.

ويلفت الشريفي: "بما أن العراق شكّل حاضنة لهم، وإن ثبت بالدليل أنهم في العراق أو غادروه، فسيكون إعادة تطبيع العلاقة بين العراق وسوريا عسيرًا".

وأشار إلى أن هذا الملف ضمن جملة من الملفات والأوراق التي من شأنها أن تعرقل مسألة تطبيع العلاقة بين البلدين، لا سيما في ظل الحكومة العراقية الحالية التي هي حكومة الإطار التنسيقي، الذي تمثل فيه الفصائل الموالية لإيران العمود الفقري للأغلبية البرلمانية.