العراق.. أزمة طاقة مستحكمة (رويترز)
العراق.. أزمة طاقة مستحكمة (رويترز)

العقوبات الأميركية المفروضة على إيران تزداد قوة، إذ تواصل واشنطن منع العراق من الحصول على إعفاءات جديدة لاستيراد الغاز الإيراني، في وقت يعتمد العراق بشكل أساسي على هذا الغاز لتشغيل المحطات التي تمثل المصدر الرئيس للطاقة الكهربائية في البلاد.

يعني نقص الغاز أن العراق سيواجه أزمة حادة في توفير الكهرباء لمواطنيه، ما يزيد من انقطاع التيار الكهربائي المستمر، ومع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تزداد الحاجة لتوفير ساعات كهرباء أطول، مما يعمق من حجم التحديات.

الخبير النفطي، فرات الموسوي، أوضح في حديث لموقع "الحرة"، أن الإعفاءات الأميركية التي سمحت للعراق بمواصلة عمليات استيراد الغاز والكهرباء من إيران رغم العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، التي بدأت عام 2018، ورغم أن العقد الموقّع بين بغداد وطهران كان يتضمن بنوداً تقضي باستيراد 50 مليون متر مكعب قياسي من الغاز يومياً، إلى جانب قرابة 3 آلاف ميغاوات من الكهرباء.

وأشار الموسوي إلى أنه، وبرغم وجود عقد مبرم بين العراق وإيران، فإن إيران لم تلتزم ببنود العقد أو بالكميات المحددة لتصدير الغاز والكهرباء للعراق، بل كانت هناك أزمات مستمرة خلال فصلي الصيف والشتاء، ما أدى إلى معاناة كبيرة للشعب العراقي فيما يتعلق بتجهيز الطاقة الكهربائية.

وأكد أن وجود هذه الأزمات واستمرارها سابقاً كانت تعكس غياب الإدارة الحكومية والإرادة الوطنية لتغيير هذا الواقع، والعمل على استثمار الغاز الوطني بالشكل الذي يحقق استقلالية وأمن الطاقة في البلاد، ويرى أن إمدادات الغاز والكهرباء من إيران تُعتبر فنياً موارد طاقة غير موثوقة، بسبب تذبذبها وانقطاعها المستمر، حسب قوله.

وأشار الموسوي إلى أنه مع مجيء دونالد ترامب إلى السلطة، تم إطلاق حزمة كبيرة من الضغوط القصوى على الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك إيقاف الإعفاءات الممنوحة للعراق لاستيراد الطاقة من إيران، إذ أن هذا الإجراء كان يكلف بغداد نحو 4 مليارات دولار سنوياً، مما شكل عبئاً كبيراً على الموازنة العراقية، وفقاً لوصفه.

ولفت إلى أن واشنطن أوقفت إعفاءات بغداد من استيراد الطاقة من إيران، معتبرة أن هذه المليارات تمثل دعماً لطهران في تعزيز قدراتها على مواصلة تنفيذ مشروعها النووي، وبناءً على ذلك، يرى الموسوي أن قرار واشنطن في هذا الاتجاه هو قرار نهائي ولا رجعة فيه أبداً، على حد تعبيره.

وأكد أن هذه المتغيرات فتحت المجال أمام دخول شركات غير إيرانية في قطاع استثمار الطاقة وتوفير الغاز للعراق، فقد بدأ العمل في إقامة منصات بحرية عائمة في خور الزبير بمحافظة البصرة، جنوبي العراق، بهدف استيراد الغاز المسال، وتقدمت إحدى الشركات القطرية بهذا المشروع، الذي لا يزال في مرحلته الأولية، إذ يحتاج المشروع نحو أربعة أشهر لإكمال مد أنابيب الغاز عبر البحر والبدء في تصديره إلى العراق.

وفي هذا السياق، أضاف الموسوي، أن العراق تعاقد مع كل من الجزائر وعُمان وقطر لتوريد كميات من الغاز تتراوح بين 400 إلى 600 مليون قدم مكعب قياسي يومياً، كما اعتبر أن هذا التوجه كان ينبغي أن يتم منذ وقت طويل، إلا أن الضغوط الإقليمية كانت حالت دون تنويع مصادر الطاقة في العراق، ومع تشديد العقوبات الأميركية على إيران وإلغاء إعفاءات بغداد، توجهت الحكومة العراقية نحو تنويع مصادر الغاز، وفقاً لقوله.

وفيما يتعلق بالاستثمارات الجديدة، يقول الموسوي أن العراق دخل في شراكات مع شركات خليجية، ومن أبرزها شركة "مصدر" الإماراتية، لبناء منظومة طاقة شمسية لإنتاج حوالي 1000 ميغاواط، ومن المتوقع أن يتم توقيع العقد بين العراق والإمارات في الأيام القادمة، كما كشف عن أن إنتاج 2000 ميغاواط، يتطلب ذلك العمل على المشروع لمدة عامين.

وفيما يخص إمدادات الغاز، أوضح الخبير في الشؤون النفطية، أن الكميات التي ستصل إلى العراق عبر المنصات العائمة ستكون بمقدار ثلث كمية الغاز الإيراني، الذي كان يصل إلى العراق سابقاً، بحسب الخبير النفطي.

وأكد أن هذا الوضع سيؤدي إلى استمرار نقص ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين، خلال هذا العام أيضاً لاسيما فصل الصيف القادم، الذي يشهد عادة ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة في العراق الذي يعاني بالفعل من مشكلة كبيرة في هذا الإطار، حتى مع وجود الغاز الإيراني، هذه المشكلة تتمثل في العجز المستمر في إنتاج الطاقة الكهربائية الكافية لتلبية الاحتياجات الفعلية للبلاد.

وأكد الموسوي أن تنويع مصادر الطاقة يعد خطوة ذات أهمية كبيرة، إذ سيسهم في تحرير العراق من القيود الأحادية، ويعتبر هذا التوجه خطوة استراتيجية لتحسين استقلالية العراق في قطاع الطاقة، ورغم أن تنفيذ هذه الخطوات قد يستغرق وقتًا طويلاً من الناحية الفنية، إلا أنه سيسهم في تقليص النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما تراه واشنطن أمراً مرغوباً، على الأقل في قطاع الطاقة الذي كانت طهران تهيمن عليه بشكل شبه كامل، وفقًا لرؤيته.

نفط بلا طاقة.. تحديات العقوبات

يرى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن مسألة العقوبات الأميركية لا علاقة لها بدخول شركات خليجية وعربية للاستثمار في قطاع الطاقة في العراق، وأن الأمر يتعلق بطبيعة البيئة الاستثمارية العراقية غير الجاذبة، كما وصفها.

وأضاف أن هناك مجموعة من الشركات العالمية والآسيوية تستثمر بالفعل في قطاع الطاقة بالعراق لكن العقوبات الأميركية قد تفتح المجال أمام المزيد من الاستثمارات، مثل استثمارات الجزائر وقطر في استيراد الغاز المسال، الذي يعتبر الأكثر جدوى وفقاً لتصوره، لا سيما أن المسافة بين ميناء حمد القطري وميناء أم قصر العراقي لا تتجاوز 650 كيلومترًا، وهي مسافة بحرية يمكن قطعها في يومين فقط.

كما أشار إلى أن العراق استأجر منصة بحرية عائمة لاستلام الغاز المسال وتوفير الخدمات اللوجستية لها، بالإضافة إلى ربط الأنابيب من المنصة بالمحطات الكهربائية على شط البصرة، هذه العملية قد تستغرق أشهراً وربما تمتد إلى نهاية العام الحالي، ولن توفر أكثر من 400 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز.

وأضاف المرسومي أن هناك محاولات لتوسيع استيراد الكهرباء من تركيا، من 300 ميغاوات إلى 600 ميغاوات، وهذا يتطلب موافقة الاتحاد الأوروبي وقد يستغرق عدة أشهر، فيما يتعلق بالربط الكهربائي مع الأردن، فهو مقرر أن يبدأ في نهاية شهر يوليو المقبل بقدرة 150 ميغاوات في مرحلته الثانية.

أما الربط مع السعودية فلم يبدأ حتى الآن، ومن المتوقع أن يستغرق قرابة ثلاث سنوات، فضلاً عن مشاريع تحويل الغاز المصاحب إلى غاز جاف لتغذية المحطات الكهربائية التي تحتاج إلى أكثر من سنتين، وبالتالي، فإن العراق يواجه تحديات حقيقية، خاصة خلال فصل الصيف المقبل، بسبب عدم وصول الغاز الإيراني الذي يشغل حوالي 40% من منظومة الطاقة الكهربائية في البلاد.

ولفت المرسومي إلى أن العراق، وفقاً لبيانات وزارة النفط، وليس بيانات المسؤولين الحكوميين، ينتج من الغاز المصاحب حوالي 3 مليارات و100 مليون قدم مكعب قياسي. من هذه الكمية، يتم استثمار مليار و700 مليون قدم مكعب قياسي، بينما يتم حرق مليار و400 مليون قدم مكعب قياسي، وهذا يعني أن نسبة الاستثمار لا تتجاوز 55 بالمئة خلافًا لما يعلنه المسؤولون الحكوميون العراقيون من أن نسبة استثمار الغاز الطبيعي تصل إلى 70 بالمئة.

وأشار إلى أن العراق يحقق تقدماً في هذا المجال، لكن بشكل بطيء، إذ لم يزد حجم الغاز المستثمر خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 200 مليون قدم مكعب قياسي يومياً، بينما يُحرق الباقي، وبذلك، يعد العراق ثالث أكبر دولة في العالم في حرق الغاز وإهداره بعد روسيا وإيران، إذ يُحرق حوالي 17 مليار متر مكعب سنوياً، حسب قوله.

ويقول الخبير الاقتصادي إن النفوذ الإيراني في العراق كبير، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين واسعة جداً، إذ يصدر القطاع الإيراني سلعاً بقيمة 12 مليار دولار إلى العراق سنوياً، ويشغل هذا القطاع حوالي مليون عامل إيراني في العراق، وبالتالي، يرى المرسومي أن إيران لن تغادر بنفوذها العراق، خاصة أنها تعتبره من الضرورات الاستراتيجية لاقتصادها، وأن هناك العشرات من الشركات الإيرانية تعمل في العراق في قطاعات مختلفة، وهذه الشركات تحول أموالها بالدولار إلى إيران، وفقاً لحديثه.

لكن من جهة أخرى، يعتقد المرسومي أنه كلما اتسعت المشاركة العربية في العراق، وكلما تم بناء علاقات اقتصادية وثيقة بين العراق ومحيطه العربي، فإن ذلك سيكون بالتأكيد على حساب النفوذ الإيراني بشكل عام، وخاصة نفوذها الاقتصادي.

وبشأن الحلول السريعة لمعالجة أزمة الطاقة في العراق، رأى المرسومي أهمية تحويل المحطات الكهربائية التي تعمل على الغاز إلى نظام آخر يستخدم النفط الأسود، زيت الوقود الثقيل أو الكاز الأحمر، وباستثناء ذلك، لا توجد بدائل أخرى، لأن الخلل الهيكلي في قطاع الطاقة ليس فقط في الإنتاج والنقل والتوزيع، بل هناك مشكلات في الطلب، أي أن هناك عدم ترشيد في استهلاك الطاقة، وعدم فرض نظام جباية متطور، ويؤكد أن جميع الإجراءات السريعة قد تخفف من وطأة الأزمة، لكنها لن تلغيها تماماً، على حد وصفه.

العلاقات العراقية الإيرانية في الميزان

أوضح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، في تصريح خاص لموقع الحرة، إن ما يُشاع في عالم الاقتصاد عن اصطلاح "سياسات إفقار الجار" يشير إلى السياسات الاقتصادية التي تتبعها دولة معينة لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الدول الأخرى.

ومن أبرز هذه السياسات خفض التعريفات الجمركية أو تخفيض قيمة العملة بهدف جعل الصادرات أكثر تنافسية، لكن ذلك يكون على حساب الدول الأخرى.

وبالحديث عن إيران، أضاف صالح أن تشديد الحصار الأميركي والغربي عليها أدى إلى انخفاض قيمة عملتها بشكل قسري، مما زاد من صعوبة مواجهة آليات أنظمة السوق بين العراق وإيران. وقد تأثرت السلع المتبادلة بين البلدين، التي غالباً ما تكون سلعاً مدنية مثل السجاد والمنتجات البسيطة الأخرى، نتيجة لهذا الوضع.

كما أن انخفاض تكلفة النقل وانخفاض الأسعار بسبب تدهور سعر صرف الريال الإيراني بحسب صالح، كان له تأثير ضاغط على التجارة بين البلدين، ويرى أن هذه الظروف تسببت في توقف حرية التجارة واقتصاد السوق الحر بين العراق وإيران، وهو ما توقف رسمياً بسبب الحصار المفروض على إيران منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، على حد قوله.

وفيما يتعلق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران، قال صالح إن هذا الأمر كان يحظى باستثناءات من الحكومة الأميركية، نظراً لأن معدات التوليد الكهربائية التي يتم توريدها من الشركات الأميركية تعتمد على الغاز الإيراني.

وأضاف أن الغاز الإيراني يُستخدم لتغذية محطات الطاقة العراقية، مما يساهم في توليد أكثر من 10 آلاف ميغاوات من الكهرباء. وأن استمرار توفير الغاز الإيراني يعد ضرورياً لاستدامة توليد الكهرباء في العراق، خاصة في ظل الحاجة إلى تصفير حرق الغاز المصاحب للنفط الخام وتوفير البنية التحتية لمعالجة الغاز وربطه بمحطات التوليد خلال العامين المقبلين.

وأشار صالح، في معرض حديثه إلى أنه يوجد حالياً حراك لتوفير الغاز المسال من دول أخرى عبر إنشاء منصة غاز بحرية عائمة، والعمل جارٍ بكل همة وكفاءة عالية لمواجهة تحديات الصيف المقبل، إذ يتطلب الأمر ضمان توفير 27 ألف ميغاوات من الكهرباء في أوقات الذروة دون تقليص كميات الغاز التي يحتاجها العراق والاقتصاد الوطني، وأضاف أن الحاجة المثلى لا تزال تتجاوز الـ50 ألف ميغاوات، على حد تعبيره.

كما تحدث مستشار رئيس الوزراء المالي، عن أهمية اتفاقات الربط الكهربائي مع دول الجوار الخليجي والأردن وتركيا، فضلاً عن تشجيع الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، لكنه أشار إلى أن هذه المشروعات بحاجة إلى توقيات زمنية وثقافة في الاستخدام، بالإضافة إلى حسابات دقيقة لتكاليف تنفيذها، بحسب وصفه.

طاقة مقيدة ونفوذ مستمر

يرى رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، أن واشنطن لن تمنح إعفاءات جديدة لبغداد بشأن استئناف استيراد الغاز والكهرباء من إيران، إذ اا تزال الولايات المتحدة تعتبر العراق بمثابة حلقة للالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران، بحسب قوله.

كما يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة، يقول الشمري، عازمة بجدية على دفع العراق للتحرر من القيود الاقتصادية الإيرانية، وحتى في قطاع الطاقة، إذ ترى أن منح إعفاءات جديدة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة في العراق، وفقاً لرأيه.

ويعتقد الشمري أن بغداد كان من المفترض أن تبدأ منذ سنوات طويلة في تنويع مصادر الطاقة وتطوير المنشآت النفطية والغازية، إلا أن هذا الملف ظل برأيه رهن إرادة حلفاء طهران الذين هيمنوا على أغلب الحكومات العراقية، إرضاءً لإيران، ومع ذلك، فإن قرار إدارة واشنطن الجديد أصبح يفرض على حكومة السوداني ضرورة البحث عن مصادر متعددة لتوفير الطاقة.

ويشير إلى أن واشنطن ترغب بجدية بدخول الشركات العربية والخليجية في مجال الاستثمار بقطاع الطاقة في العراق، لكن هذا الاستثمار، سيما الخليجي، يتطلب بيئة آمنة، وهي لا تزال غير متوفرة لهذه الشركات.

ويعتقد أن وصول العراق إلى بيئة مستقرة وملائمة للاستثمار الخارجي، من خلال حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء سيطرة الميليشيات، سيسهم في تحفيز تلك الشركات للاستثمار في العراق بتشجيع من الولايات المتحدة بشكل مباشر، حسب رؤيته.

وأوضح المحلل السياسي، أن إيران لم تعد تمتلك من جغرافية النفوذ في المنطقة إلا العراق، لذلك، ستبقى يد طهران ممسكة بالعراق بشكل أكبر، ولن يفلت هذا البلد من قبضتها بسهولة، إذ سيظل آخر مناطق نفوذها، برغم أنها قد خسرت سطوتها على قطاع الطاقة العراقي بقرار أميركي، والحكومة العراقية قد استجابت إلى واشنطن في نهاية المطاف.

ومن ناحية أخرى، يؤكد المحلل السياسي أن النفوذ الإيراني سيظل قائماً كالمعتاد، لا سيما أن طهران تعتمد بشكل كبير على حلفائها في العراق، بل ستزيد من نفوذها في ملفات أخرى حسب قوله.

وأضاف، رغم أن إيران خسرت نفوذها في ملف الطاقة العراقي، فإن تدخلاتها في القرار السياسي العراقي ستستمر، وتقلص هذه التدخلات لا يرتبط بملف الطاقة فقط والعقوبات الأميركية، بل يعتمد بشكل أساسي على وجود حلفاء إيران داخل العراق، على حد تعبيره.

الطريق إلى الانفكاك

المحلل الاستراتيجي علي عبد الزهرة يؤكد أن النفوذ الإيراني في العراق لا يرتبط بملفات محددة مثل الطاقة أو غيرها، بل نفوذ سياسي وعسكري، وله جانب اقتصادي أيضاً، لكن بغداد ستتأثر بإيقاف الإعفاءات الأميركية، كما أن الحكومة العراقية إذا لم تجد بديلاً كافياً للغاز الإيراني، فإن ذلك سيؤدي إلى خلق أزمة مجتمعية وسياسية داخل العراق، حسب قوله.

ويشير إلى أن طهران لا تعتبر أنها خسرت العائدات المالية التي كانت تحصل عليها من بغداد مقابل الغاز والكهرباء، بل، بحسب ما يُطلق عليه "الاتفاق الثلاثي"، تم إيجاد طريقة للالتفاف على العقوبات الأميركية، بموجب هذا الاتفاق، تتعاقد الحكومة العراقية مع تركمانستان لاستيراد الوقود، الذي يُرسل في الواقع إلى إيران.

وبالتالي، يستلم العراق الغاز من إيران، ويدفع ثمن الوقود الذي يصل إلى إيران إلى تركمانستان، لذا، فإن إيران لن تتأثر بقرار الولايات المتحدة بوقف إعفاءات بغداد.

فيما يرى عبد الزهرة، أن التعامل مع إيران يشكل تهديدًا للنظام المصرفي العراقي، فإن هناك مجموعة من المصارف العراقية التي وُضعت تحت طائلة العقوبات بسبب تعاملها مع إيران، مما يستدعي ضرورة الحفاظ على ما تبقى من القطاع المصرفي وإصلاحه بما يتماشى مع المعايير الدولية، فهذه المشكلة قد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد العراقي، وفقاً لحديثه.

وأكد عبد الزهرة، أن الضغوط التي تمارسها واشنطن على طهران تمثل بداية واضحة لتضييق الخناق على إيران بهدف تقليص نفوذها في العراق، ويعتبر أن هذه تعد فرصة مثلى لصانع القرار السياسي في العراق للتحرر من نفوذ إيران، ولإخراج العراق من دائرة الحرج مع الجانب الإيراني، ويمكن للعراق أن يبرر هذا التحرر بالاعتماد على العقوبات الأميركية كسبب للتخلص من القيود الإيرانية في القطاعات الأخرى.

وعن إنحسار النفوذ الإيراني في العراق، يرى عبد الزهرة أن تقليص هذا النفوذ يمكن أن يتحقق بتقليل تعامل القطاع المصرفي العراقي مع إيران، بالإضافة إلى تحجيم حركة الأموال بعملة الدولار إلى طهران بشكل فاعل، هذا سيدفع اللاعب السياسي الذي يمثل واجهة لإيران داخل العراق مضطراً للبحث عن بدائل أخرى، وبالتالي، فإن إيران ستفقد سلطتها على واجهاتها السياسية في العراق، ويقل نفوذها تدريجياً حتى يتلاشى في المستقبل، حسب قوله.

الميليشيات العراقية

باتت الميليشيات العراقية الموالية لإيران أمام مفترق طرق.

ضغط أميركي على صانع القرار العراقي لنزع سلاحها بطريقة فعالة وسريعة، بالتوازي مع محادثات نووية، تتضمن أيضا، وفق مراقبين، تفكيك شبكة الوكلاء التي تسخدمها طهران في التعاطي مع دول المنطقة.

هل تتخلى إيران عن مليشياتها العراقية؟

سؤال مشروع وفق مؤشرات عديدة.

وقف الهجمات

في ديسمبر، أعلنت مجموعات مسلحة عراقية إيقاف هجماتها على المصالح الأميركية وضد إسرائيل بشكل مؤقت. وأشارت تقارير إلى أن تلك المجاميع أو بعضها على الأقل، أبدت استعدادها لإلقاء السلاح والانضواء ضمن تشكيلات القوات المسلحة العراقية.

يشمل سلاح الميليشيات ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، حسبما ذكر مراقبون وخبراء مختصون بالشؤون العسكرية، سبق وتحدث معهم موقع "الحرة".

والسبت أنهت واشنطن وطهران الجولة الثانية من المفاوضات، دون الكشف عن طبيعة الملفات  الأخرى المطروحة على طاولة المفاوضات إلى جانب البرنامج النووي الإيراني، وما إذا كانت تضمنت ملف الميليشيات العراقية.

يقول الباحث في الشأن السياسي العراقي، رافد العطواني، إن طهران أبلغت الجانب الأميركي أن موضوع الحشد والفصائل المسلحة العراقية وأذرع إيران الأخرى في المنطقة، شأن داخلي خاص بالبلدان التي توجد تلك المجاميع فيها، "أي أنه ينبغي على الولايات المتحدة التفاوض مع هذه الفصائل والاتفاق معها بشكل مباشر".

ويكشف العطواني، المقرب من التيار الوطني الشيعي بزعامة مقتدى الصدر، لـ"الحرة"، أن "الولايات المتحدة أوقفت هجماتها، وكذلك الهجمات الإسرائيلية على الفصائل الموجودة في العراق عقب مباحثات جرت بين الحكومة العراقية والجانب الأميركي، على أمل أن تقنع بغداد الفصائل بإلقاء سلاحها، لتجنيب العراق تداعيات الحرب والعمليات العسكرية التي تشهدها المنطقة".

رغم ذلك، يعتقد العطواني أن إيران لا تزال تملك القدرة على "إسكات هذه الفصائل أو تحريكها داخل العراق، أو المضي بها باتجاه إلقاء السلاح".

صيغة لنزع سلاح المليشيات

وتنضوي الميليشيات العراقية الموالية لإيران في هيئة الحشد الشعبي، ويقدر عددها بأكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب عشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة.

وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال لرويترز، في يناير الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

ولا ترتبط جميع فصائل الميليشيات العراقية بعلاقات ولائية مع طهران. 

يشير العطواني إلى وجود تصنيفات عديدة للفصائل العراقية، منها الفصائل المنضوية داخل الحشد الشعبي، والفصائل الموجودة خارج الحشد الشعبي، وفصائل تابعة للأحزاب السياسية، والمرجعيات الدينية، إلى جانب فصائل أخرى انخرطت داخل وزارة الدفاع ولم تنتم إلى الحشد وهي المعروفة بحشد العتبات.

ويتوقع العطواني أن تتكشف الأيام القادمة عن صيغة لدمج الحشد الشعبي في وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى.

ويعتقد العطواني أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبلغ بعض الجهات التي تروم الدخول معه بقائمة أو تحالف في الانتخابات المقبلة، أن الولايات المتحدة أبلغت بغداد بأن المرحلة المقبلة يجب أن تكون من دون سلاح خارج سيطرة الدولة.

ويسعى السوداني نفسه إلى حل مشكلة السلاح المنفلت، وفق مسؤولين أميركيين يؤكدون أن رئيس الحكومة العراقية يريد أن يخضع المليشيات لحكومته.

واتصل موقع "الحرة" بكل من المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، والمتحدث باسم هيئة الحشد الشعبي، مؤيد الساعدي، لمعرفة للحصول على تعليق بشأن الموضوع، لكنهما لم يجيبا على أي سؤال من أسئلة "الحرة"، ورفض محللون سياسيون مقربون من الحشد الشعبي وقوى "الإطار التنسيقي"، أي الائتلاف الشيعي الحاكم، الادلاء بأي تصريحات بشأن هذا الملف.

ويحذر العطواني من أن أي تحرك عسكري للفصائل سيجر العراق إلى تداعيات خطيرة منها عقوبات اقتصادية وحتى استهداف عسكري.

"سلاح الفصائل يحتاج إلى تفكيك". ويعتقد العطواني أن هناك تنسيقا بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل "يتمثل باستمرار أحدهما بالتفاوض بينما سيلجأ الآخر إلى استخدام القوة إذا لم نشهد نزعا حقيقيا لسلاح الفصائل".

"المرحلة المقبلة ستكون بلا سلاح وبلا أذرع إيرانية في المنطقة،" يقول الباحث العراقي.

تقليص نفوذ إيران

يتراجع النفوذ الإيران سياسيا وعسكريا بشكل ملحوظ على خلفية الأحداث الجارية في الشرق الأوسط منذ أشهر، وتمثلت في جزء منها تعرض حلفاء إيران المسلحين في غزة ولبنان لضربات مدمرة، إلى جانب الإطاحة بنظام بشار الأسد أوثق حلفاء طهران في المنطقة.

ويلفت رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، إلى أن مخاوف عراقية ناتجة على نحو خاص عن عدم وجود مقاربة أميركية واضحة تجاه العراق إلى الآن.

ويرى الشمري أن المذكرة الرئاسية للأمن القومي التي استعادت من خلالها واشنطن سياسة "الضغوط القصوى" على إيران، بينت أنه لا يوجد فصل بين العراق وإيران.

ويعتقد الشمري في حديث لـ"الحرة" أن "الملف العراقي سيكون ضمن الملف الإيراني كأحد أوراق التفاوض باعتبار أن واشنطن تعتبر المعادلة السياسية التي تسيطر على مجلس النواب العراقي وكذلك الحكومة الحالية مشكلة من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لذلك التعاطي مع العراق بشكل منفصل، مازال مبكرا".

لكن الشمري يرى في الوقت ذاته أن الأمور في العراق تتجه نحو تقليص النفوذ الإيراني على اعتبار أن هذا النفوذ أصبح مرفوضا داخليا، إلى جانب ما يشهده من انهيار الإقليمي. 

ويوضح " تشعر إيران الآن بانكسار كبير على مستوى الداخل العراقي، وحتى على مستوى المنطقة، هذا كله يشجع واشنطن على اتخاذ سياسة تهدف إلى تقليص هذا النفوذ وإنهائه في مراحل لاحقة".

وكثفت الميليشيات العراقية الموالية لإيران المنضوية في ما يُسمى "المقاومة الإسلامية في العراق" خلال العامين الماضيين هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على البعثات الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي والمصالح الأميركية في إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى.

وشنت هجمات أيضا على إسرائيل وقواعد أميركية في سوريا، انطلاقا من الأراضي العراقية.

الخشية من شرق أوسط جديد

يشدد الشمري على أن "المعادلة السياسية الحاكمة في العراق تخشى من الشرق الأوسط الجديد"، وان إعادة هيكلة هذه العملية السياسية الحالية أصبحت واحدة من الأهداف بالنسبة للمعارضة العراقية والمعارضين لحكومة السوداني وللإطار التنسيقي.

ويشير الشمري الى أن هذا الشعور يتزامن مع الرؤية الأميركية التي تدفع باتجاه إنهاء وتقويض النفوذ الإيراني في الداخل العراقي.

ويعزو الشمري اندفاع القوى السياسية الحليفة لإيران في العراق باتجاه طهران بشكل كبير إلى عدم اعطاء الولايات المتحدة الأميركية أي تطمينات لهذه القوى لذلك يجدون في إيران نوعا من الطمأنينة".

تعتيم إيراني

ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية إسماعيل بقائي، الاثنين الماضي، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي، الكشف عن تفاصيل القضايا التي بحثت خلال الجولة الثانية من المفاوضات الإيرانية الأميركية.

وقال بقائي "لا نؤكد أيا من التفاصيل والقضايا التي أثيرت حول الأمور التي نوقشت في المفاوضات"، وأشار إلى أن ما يذكر عن مواضيع المفاوضات ليس سوى تكهنات وتحليلات إعلامية.

وأكد بقائي على أن هذه المحادثات تتركز حصرا على الملف النووي ورفع العقوبات، مبينا "هذا هو إطار التفاوض، ولا يتم تناول أي قضايا أخرى خارجه، كما ذكرنا منذ البداية، رفع الحظر بالنسبة لنا يعد مطلبا جوهريا وأساسيا".

الخوف من الانهيار

ويؤكد الخبير الاستراتيجي العراقي، علاء النشوع، على أن مخاوف الفصائل العراقية الموالية لإيران من أن يكون الملف العراقي من ضمن شروط المفاوضات، نابعة من مخاوفها من تخلي إيران عنها، أي أنها أصبحت عرضة للضربات العسكرية الأميركية، وفي هذه الحالة ستكون هذه الفصائل معرضة إلى الانهيار والتدمير الكامل سواء عن طريق الضربات أو الملاحقات القانونية.

ويتابع النشوع في حديث مع "الحرة" قوله إن "الولايات المتحدة لا تفرط بالعراق لا لإيران ولا لتركيا أو لأي دولة أخرى لأسباب كثيرة منها جيوستراتجية واقتصادية وسياسية".

ويرى النشوع إلى أن الطبقة السياسية في العراق ستكون خاضعة للمتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة.

ويرجح النشوع أن تخضع إيران للشروط  الأميركية وتتخلى عما تمتلكه من المقدرات العسكرية في المنطقة، سواء كانت معدات وأسلحة، أو النفوذ المتمثل بالمليشيات والمجاميع المسلحة التي دخلت في حيز الصراع الإقليمي والدولي، في عدد من الدول، بينها العراق.