أطفال فلسطينيون أصيبوا في غارة إسرائيلية في خان يونس.
أطفال فلسطينيون أصيبوا في غارة إسرائيلية في خان يونس.

مع استمرار الحرب على غزة وتفاقم الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على أزمة مختلفة تتعلق باتساع الفجوة النفسية بين الطرفين، موضحة أن عدم الفهم الكامل لدوافع الطرف الآخر من كلا الجانبين تسبب في أنهم أصبحوا لا يرون بعضهم كبشر وأصبح من الصعب جدا العثور على تعاطف متبادل.

وسعت الصحيفة في تقريرها، الاثنين، إلى إلقاء الضوء على دوافع كل طرف لكراهية الطرف الآخر.

بالنسبة للدافع الفلسطيني، أوضحت الصحيفة، أنه يمكن استنتاجه من خطاب موشيه ديان، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد ثماني سنوات من تأسيس دولة إسرائيل.

وقف ديان بالقرب من حدود غزة لإلقاء خطاب تأبين لضابط أمن إسرائيلي قُتل على أيدي مهاجمين فلسطينيين ومصريين، وقال في عام 1956: "دعونا لا نلقي اللوم اليوم على قتلته. ماذا يمكننا أن نقول ضد كراهيتهم الفظيعة لنا؟ لقد وجدوا أنفسهم منذ ثماني سنوات في مخيمات اللاجئين في غزة وشاهدوا كيف قمنا، أمام أعينهم، بتحويل أراضيهم وقراهم، حيث كانوا يعيشون وأجدادهم في السابق، إلى وطن لنا".

وترى الصحيفة أن هذا الخطاب القصير لا يعبر فقط عن الرؤية العميقة للغضب الفلسطيني بقدر ما يُذكر بالاستنتاج الحازم الذي توصل إليه ديان حين قال: "بدون الخوذة الفولاذية وفوهة المدفع، لن نتمكن من غرس شجرة وبناء منزل".

وتقول الصحيفة أن الإسرائيليين قرروا مؤخرا تناسي أسباب الغضب الفلسطيني.

أما بالنسبة للدافع الإسرائيلي، ذكرت الصحيفة أنه لا يوجد فهم فلسطيني لتاريخ الاضطهاد المعادي للسامية الذي استيقظ لدى اليهود بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر. لذلك من الصعب جدا العثور على تعاطف متبادل.

وعلى هذا الأساس أشارت الصحيفة إلى أن النتيجة هي فجوة نفسية عميقة لدرجة أن الفلسطينيين أصبحوا يعتبروا غير مرئيين كأفراد بالنسبة لليهود الإسرائيليين، والعكس صحيح. وذكرت أنه هناك استثناءات بالطبع، فقد كرس بعض الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم لسد هذه الفجوة. لكن بشكل عام، تتباين روايات الجانبين، ما يؤدي إلى دفن أي تصور للإنسانية المشتركة.

وأعطت الصحيفة مثالا على الفجوة الواسعة بين رواية الطرفين في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، المعروفة لدى الإسرائيليين باسم حرب الاستقلال، لكنها بمثابة النكبة أو الكارثة بالنسبة للفلسطينيين. والنكبة تتنافس مع المحرقة حيث يستحضر كل جانب "الإبادة الجماعية".

وذكرت الصحيفة أن شيطنة الطرف الآخر حاليا أصبحت لا تعرف حدودا. ومنذ هجوم حماس في أكتوبر الماضي، تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن قتال "الحيوانات البشرية". ووصف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، الإسرائيليين بأنهم "نازيون جدد تدعمهم القوى الاستعمارية". وبدوره، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حماس بأنها "النازية الجديدة".

ولذلك ترى الصحيفة أنه في غياب الاعتراف أو الحوار أو التفاهم، سيتدفق دم كثير.

وأوضحت أن الكراهية الفلسطينية التي أدركها موشيه ديان وتعهد بمقاومتها من خلال "الاستعداد والتسليح والقوة والعزم" لا تزال تنمو، ويغذيها القمع الإسرائيلي، والحصار والسيطرة، فضلا عن سوء الحكم الفلسطيني المزمن. ويخشى الفلسطينيون في غزة، الذين يبلغ عدد قتلاهم أكثر من 12 ألف شخص بحسب وزارة الصحة في غزة، الإبادة.

وأدى القصف الجوي والبري والبحري الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر إلى مقتل أكثر من 12 ألف فلسطيني، معظمهم مدنيون بينهم أطفال ونساء، وفقا لوزارة الصحة في قطاع غزة.

وتقول الأمم المتحدة إن ثلثي سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة صاروا بلا مأوى.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي تولى منصبه في الأول من يناير 2017، للصحفيين "نشهد مقتل مدنيين بشكل لا مثيل له وغير مسبوق في أي صراع منذ أن توليت منصب الأمين العام".

وأدى هجوم حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، في السابع من أكتوبر إلى مقتل نحو 1200 شخصا معظمهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء، وفقا للسلطات الإسرائيلية التي قالت إن حماس أخذت 240 شخصا رهائن خلال الهجوم.

والاثنين، أُجليت مجموعة تضم 28 من الأطفال الخدج (ناقصي النمو) من أكبر مستشفى في قطاع غزة إلى مصر، الاثنين، لتلقي العلاج، في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات الصحية الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية مقتل 12 شخصا في مستشفى آخر في غزة تحاصره دبابات إسرائيلية.

وكان الأطفال حديثو الولادة في مستشفى الشفاء بشمال غزة، حيث لقي عدة أطفال آخرين حتفهم بعد أن توقفت حضاناتهم عن العمل في ظل انهيار الخدمات الطبية خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على مدينة غزة.

استمرار القصف الإسرائيلي على غزة
جانب من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أرشيف)

يثير استخدام الجيش الإسرائيلي لبرامج ذكاء اصطناعي متطورة في حربه ضد حركة حماس، الكثير من الجدل بشأن دقة بياناتها وقدرتها على تحديد الأهداف التي تتضمن قادة ومسلحي تلك الجماعة المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، وفقا لما ذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية.

وأوضحت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يستخدم برنامج ذكاء اصطناعي يدعى "غوسبيل" (The Gospel)، لافتة إلى أنه تتم تغذيته بالبيانات، ليقوم باختيار "الأهداف" التي يراد قصفها في قطاع غزة، "والتي تشمل الجماعات المسلحة وقادتها".

وذكرت الصحيفة أن وحدة استخبارات عسكرية سرية، يديرها الذكاء الاصطناعي، تلعب دورًا مهمًا في رد إسرائيل على هجمات حماس التي وقعت جنوبي البلاد في 7 أكتوبر، وأسفرت وقتها عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نسا وأطفال، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وفي بيان مقتضب للجيش الإسرائيلي بشأن تلك الوحدة، قال مسؤول كبير إن عناصرها ينفذون "هجمات دقيقة على البنية التحتية المرتبطة بحماس، ويتم إلحاق أضرار كبيرة بالعدو، مع حدوث خسائر من جهة المدنيين".

وكان قد جرى التأكيد على دقة الضربات التي أوصى بها "بنك أهداف الذكاء الاصطناعي" في تقارير متعددة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، إذ ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليومية، أن الوحدة "تتأكد قدر الإمكان من عدم وقوع أي ضرر للمدنيين الذين لا يشاركون في أعمال قتالية".

وقال مصدر عسكري إسرائيلي كبير سابق لصحيفة "غارديان"، إن المشرفين على برامج الذكاء الاصطناعي "يستخدمون قياسًا دقيقًا للغاية" بشأن معدل إخلاء المدنيين للمبنى قبل وقت قصير من الغارة.

وكان قائد سلاح الجو الإسرائيلي، أومر تيشلر، قد ذكر في حديث إلى صحيفة "جيروزاليم بوست" المحلية، في أكتوبر الماضي، أن قدرات الاستهداف بالذكاء الاصطناعي "مكّنت الجيش من تحديد بنوك أهداف جديدة بشكل أسرع".

وشدد تيشلر على أن الجيش الإسرائيلي "لا يستهدف المدنيين"، وذلك رغم حديث وزارة الصحة في غزة عن مقتل أكثر من 15 ألف شخص، معظهمم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال.

وكان مسؤول إسرائيلي قد أوضح لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية في منتصف يونيو الماضي، أنه يجرى استخدام نموذجين لبناء مجموعة بيانات تعتمد على خوارزميات بشأن الأهداف المحددة، وذلك لحساب الذخيرة المحتملة، وتحديد أولويات، وتعيين آلاف الأهداف للطائرات والطائرات من دون طيار، واقتراح جدول زمني للغارات.

وأوضح ذلك المسؤول أن النظامين يخضعان لمشغلين بشريين يقومون بفحص الأهداف وخطط الغارات الجوية والموافقة عليها.

ووفقا للأرقام التي نشرها الجيش الإسرائيلي في نوفمبر، خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، فقد هاجمت إسرائيل 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة في المنطقة الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية.

وبالمقارنة، مع حرب عام 2014 التي استمرت 51 يومًا، فقد أوضحت التقارير أن الجيش الإسرائيلي استهدف وقتها ما بين 5000 إلى 6000 هدف.

"ملف بالأضرار الجانبية"

وقالت مصادر متعددة لصحيفة "غارديان ومجلة "972+ Mag"، وموقع "Local Call" الإسرائيليين، إنه عندما يتم السماح بشن غارة على منازل خاصة لأفراد تم تحديدهم على أنهم نشطاء في حماس أو الجهاد الإسلامي، فإن المشرفين على برامج الذكاء الاصطناعي يكون لديهم علم مسبق بشأن عدد المدنيين المتوقع مقتلهم.

وأوضحت تلك المصادر أن كل هدف لديه ملف يحتوي على الأضرار الجانبية، التي تنص على عدد المدنيين الذين من المحتمل أن يقتلوا في تلك الغارة.

وقال أحد المصادر الذي عمل حتى عام 2021 في التخطيط للضربات لصالح الجيش الإسرائيلي، إن "قرار الضربة يتخذه قائد الوحدة أثناء الخدمة"، منبها إلى أنه كانت هناك مرات "حام فيها شك بشأن الهدف.. وقتلنا ما أعتقد أنه عدد غير متناسب من المدنيين"، وفق "غارديان".

في المقابل، قال متحدث عسكري إسرائيلي: "رداً على هجمات حماس الوحشية، يعمل جيش الدفاع الإسرائيلي على تفكيك قدرات حماس العسكرية والإدارية".

وتابع: "في تناقض صارخ مع هجمات حماس المتعمدة على الرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين، يتبع جيش الدفاع الإسرائيلي القانون الدولي ويتخذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين".

وقالت مصادر مطلعة على كيفية دمج الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي في عمليات الجيش الإسرائيلي، إن مثل هذه الأدوات "ساهمت بشكل كبير في تسريع عملية تحديد الهدف".

وذكر مصدر عمل سابقًا في تلك الوحدة، لمواقع إسرائيلية: "نقوم بإعداد قائمة الأهداف بشكل تلقائي، ونعمل وفقها".

من هم قادة حماس في غزة الذين تسعى إسرائيل لقتلهم؟
علق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ملصقا على جدار مكتبه في تل أبيب في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حركة حماس المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية على جنوب إسرائيل، يحمل صورا لمئات من قادة الجماعة الفلسطينية المسلحة مرتبين في شكل هرمي.

وزاد: "الأمر يشبه العمل في مصنع، فنحن نعمل بسرعة وليس هناك وقت للتعمق في الهدف، ووجهة النظر هي أنه يتم الحكم علينا وفقًا لعدد الأهداف التي نتمكن من تحقيقها". 

وبالنسبة لبعض الخبراء الذين يبحثون في الذكاء الاصطناعي والقانون الإنساني الدولي، فإن التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يثير عددًا من المخاوف.

وفي هذا الصدد، قالت الباحثة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، مارتا بو، إنه حتى عندما "يوجد بشر يشرفون على البرنامج، فن هناك خطر من أن يتطور لديهم التحيز الآلي، بمعنى الإفراط في الاعتماد على الأنظمة التي يصبح لها تأثير كبير للغاية على الأمور، وعندها لا يتم الاعتماد على القرارات الإنسانية التي تكون أكثر تعقيدا".

من جانبه، قال الباحث ريتشارد مويس، الذي يرأس منظمة "المادة 36"، وهي مجموعة تقوم بحملات للحد من الأضرار الناجمة عن الأسلحة: "عند الاعتماد على أدوات ذكاء اصطناعي مثل (غوسبيل)، فإنه يتم تسليم البشر قائمة بالأهداف التي أنشأها الحاسوب، وهم لا يعرفون بالضرورة كيف تم إنشاء القائمة وليست لديهم القدرة على التأكد من توصيات الاستهداف والتشكيك فيها بشكل مناسب".

وأضاف: "هناك خطر من أنه عندما يعتمد البشر على هذه الأنظمة، فإنهم يصبحون بمثابة تروس في عملية ميكانيكية، ويفقدون القدرة على النظر في أخطار إلحاق الأذى بالمدنيين بطريقة مجدية".