قوات إسرائيلية في قطاع غزة
قوات إسرائيلية في قطاع غزة

في اليوم السابع والأربعين من الحرب، أعلنت الحكومة الإسرائيلية تصديقها على "اتفاق الهدنة" مع حركة حماس، مع عدم تمكن الجيش في إعادة مختطفيها من قطاع غزة حتى الآن. 

وتمثل الهدنة التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ، الخميس، وتستمر لأربعة أيام تفرج فيها حماس التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية"، عن 50 رهينة، مقابل إطلاق إسرائيل سراح 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين من سجونها، فرصة للجانبين لالتقاط الأنفاس وتقييم الوضع على الأرض، بحسب رؤية خبراء تحدثوا لموقع "الحرة"، معبرين عن اعتقادهم بأن الأعمال القتالية بين الجانبين، ستستأنف مجددا بعد أيام. 

لماذا وافقت إسرائيل على الهدنة؟ 

يرى الخبير الأمني، الضابط في المخابرات المصرية سابقا، اللواء محمد عبد الواحد، في حديثه مع موقع "الحرة" أن الهدنة هي نقطة حاسمة لجعل كل طرف يعيد تقييم حساباته وأخذ الدروس المستفادة. 

ويوضح أنه "في منحنى الصراعات عادة، عندما يوافق طرفا الحرب على وقف مؤقت لإطلاق النار، فإن هذا يعني أن كلا منهما يعي تماما بأنه لا يوجد حسم عسكري". 

فبعد شهر ونصف من الحرب، "رأت إسرائيل أنها لا تستطيع حتى الآن أن تحقق أيا من الهدفين، وفي المقابل، فإن الضربات المتلاحقة والضغوط النفسية العالية للغاية على حركة حماس، يجعلها تحتاج لإعادة ترتيب صفوفها وأولياتها ودفن قتلاها وعلاج مصابيها"، بحسب عبد الواحد. 

القتال في قطاع غزة

في المقابل، قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، عوفير جندلمان، في مقابلة مع قناة "الحرة"، إن "النجاحات العسكرية الإسرائيلية في غزة دفعت حماس للرضوخ للضغوط ولصفقة تبادل للمختطفين لديها بمساجين فلسطينيين".

لكن عبد الواحد يرى أن قبول الحكومة الإسرائيلية للاتفاق "بعد مماطلتها في المفاوضات، جاء بعد ضغط داخلي متزايد من عائلات المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة، ووجود حالة من عدم الثقة ما بين المكون العسكري والسياسي، وخلافات داخل الحكومة والمؤسسة العسكرية، خاصة مع دخول الحرب يومها السابع والأربعين بدون تحقيق أي من الهدفين المعلنين، بالرغم أن الجيش الإسرائيلي يقاتل بأحدث التقنيات وأفضلها، لكنه بدأ الحرب بمعلومات استخباراتية مضللة". 

وقال عبد الواحد إن "إسرائيل تروج للهدنة بأنها نجاح ونصر، لكنه في الحقيقة هو تهدئة لأسر الأسرى وحالة الغليان داخل المجتمع الإسرائيلي". 

وبالنسبة لإسرائيل، فإن إعادة المختطفين هو "أهم شيء"، بحسب الخبير الأمني الذي عمل في الاستخبارات الإسرائيلية سابقا، آفي ميلاميد، في حديثه مع موقع "الحرة"، مشيرا إلى أنه "كلما عاد الناس أكثر لبيوتهم وعائلاتهم، فهذا يعتبر إنجازا مهما لإسرائيل، لأنه واحد من هدفين رئيسيين، حددتهما الحكومة من هذه الحرب"، مشيرا إلى ان الهدف الثاني هو القضاء على حركة حماس. 

كيف سيستفيد الطرفان من الهدنة؟ 

لا يعتقد ميلاميد أن وقف النار المؤقت سيصمد "بحسب تجاربنا في الحروب السابقة"، مضيفا أن عناصر حماس "إذا استغلوا الهدنة لكي يهاجموا المواقع الإسرائيلية، سيكون هناك رد سريع وقوي وحاسم". 

ويقول ميلاميد، لموقع "الحرة": "بالنسبة لحماس ستستفيد من وقف إطلاق النار المؤقت لاستعادة توازنها والتقاط أنفاسها بعد ضغط عسكري متواصل". 

في المقابل، يقول عبد الواحد: "كمحللين، كنا نعتقد أن  صواريخ الحركات المسلحة في غزة قاربت على الانتهاء، وقدرتها على المقاومة أيضا تقل مع الوقت، لكننا وجدنا أن حماس لا تزال تفرض سيطرتها على الأرض رغم وجود قوات عسكرية إسرائيلية منتشرة وتطوق شمال غزة بالكامل، بأربع لوءات دبابات وأربع كتائب مشاة ومثلها من المدفعة وسارية استطلاع، بالإضافة إلى قوات النخبة غير المدربة على حرب الشوارع". 

لكنه يقول إن "القوات الإسرائيلية أخذت مواقع دفاعية، وفشلت في أن تفرض هيمنة على الأرض، وانتقلت إلى الداخل فأصبحت في وضع السكون، وحماس في وضع الحركة، واستطاعت أن توظف هذه السلبيات لصالحها وتصور عملياتها". 

ومن المقرر أن تتوقف الطائرات الإسرائيلية المسيرة عن العمل خلال بعض ساعات يوميا خلال أيام الهدنة حتى تتمكن الفصائل الفلسطينية المسلحة من نقل المحتجزين الذين ستطلق سراحهم لأنها لا تريد أن تكشف عن أماكن تواجدهم. 

وبالرغم أن ميلاميد يرى أن "أربعة أيام مهمة جدا من الناحية العسكرية لحماس"، فإنه أكد أنها "لن تكون مؤثرة بشكل كبير على القوات الإسرائيلية الموجودة بالفعل في غزة، لأنه بناء على التقارير، فإن جدول العمل يسير حسب التخطيط العسكري والتقدم الإسرائيلي بارز"، مشيرا إلى أن "حماس خسرت بالفعل سيطرتها على شمال قطاع غزة والآن، تريد أن ترتاح من الضغط المستمر". 

وعن الطرف المستفيد من الهدنة، يعتقد جندلمان أن "الفائدة لحماس وإسرائيل، لكن هذا لا يعني أن الحركة ستتمكن من الانتعاش وإعادة التسلح"، مشيرا إلى أن "هناك 3 فرق عسكرية لا تزال موجودة في قطاع غزة، وهي مستعدة للقتال".

وقال جندلمان لـ"الحرة"، إن "الطائرات ستتوقف عن التحليق في أجواء القطاع لمدة 4 ساعات فقط يوميا خلال أيام الهدنة، وهي ستستمر بجمع المعلومات الاستخبارية".

وتابع  أن إسرائيل لا تعتمد فقط على المسيرات، بل لديها أيضا أقمار اصطناعية (ساتلايت) وأجهزة أخرى للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية، مشددا على أن الهدنة لن تفيد حماس.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قد قال الثلاثاء، إن الحكومة الإسرائيلية تواجه "قرارا صعبا الليلة لكنه سيكون القرار الصحيح"، في إشارة إلى اتفاق للرهائن مع حماس، قبل مصادقة الحكومة عليه. 

وأشار نتانياهو خلال اجتماع الحكومة للتصويت على الاتفاق إلى أن رؤساء الأجهزة الأمنية يدعمون القرار بالكامل، وأن "الاتفاق سيسمح للجيش بالاستعداد لمواصلة القتال".

من ناحيته، أكد وزير الدفاع السابق، عضو مجلس الحرب، بيني غانتس، أن الاتفاق "هو خطوة أولى نحو إعادة جميع الرهائن"

هل الهدنة خطوة نحو نهاية الحرب؟ 

يؤكد ميلاميد في حديثه مع موقع "الحرة" أن "الحكومة أمرت الجيش بالقضاء على حماس في قطاع غزة، وهو الهدف الثاني من الحرب التي تشنها إسرائيل". 

ويوضح أنه "بناء على قرار الحكومة الرسمي، فإنها أمرت باستئناف الحملة العسكرية فور انتهاء فترة الهدنة، بدون تردد، لأن الرأي العام الإسرائيلي لن يقبل أقل من ذلك بعد الهجوم الوحشي في السابع من أكتوبر ولا يريد أن يرى ذلك يحدث مرة أخرى في المستقبل". 

يتفق معه عبد الواحد في أن الحرب ستستأنف بعد انتهاء صفقة تبادل الرهائن. لكنه يقول إنها "لن تقف عند هذه النقطة، لأن الأهداف السرية أو غير المعلنة من هذه الحرب، تجتاز هدفي إعادة الرهائن والقضاء على حماس". 

ويقول عبد الواحد: "هناك تحالف دولي غير معلن ضد حماس لتحقيق مجموعة من السياسات في المنطقة، من خلال الاستيلاء على شمال غزة وتحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية". 

ويرى أنه لتحقيق ذلك "قامت إسرائيل بالتهجير القسري لسكان الشمال نحو الجنوب، وإسرائيل مصممة على ذلك، رغم كل ما نسمعه من أحاديث غربية رافضة للتهجير". 

ويقول إن "الهدف هو تجميع سكان شمال غزة في منطقة الجنوب ثم يتجهوا بعد ذلك إلى المعابر، ويفرضوا أمر واقع في ظروف بيئية ومناخية صعبة مع قدوم فصل الشتاء، بدليل التصميم على قتل المدنيين وضرب المستشفيات وخطوط الكهرباء والاتصالات وجعل المنطقة غير صالحة للحياة". 

ويعتقد أن هناك هدفا آخر يتمثل في تقليم أظافر إيران وأذرعها المسلحة في المنطقة، وتقوض المشروع  الاقتصادي الصيني الضخم، وتقويض التواجد الروسي في المنطقة خاصة في سوريا وليبيا، مشيرا إلى أن هناك أدلة تدعم ذلك، من أهمها "الدعم المطلق لإسرائيل وعدم قبول أوروبا والولايات المتحدة لفكرة وقف دائم لإطلاق النار، كما أن إسرائيل لم تكن تترك سابقا جثث جنودها في الخارج لكنها تتغاضى عن ذلك الآن لأن هناك أهداف أهم بكثير لديها، كما أن فكرة إعادة الرهائن لم تكن من أولوياتها لولا ضغط أسر المحتجزين المتصاعد". 

في المقابل، ينفي ميلاميد نية إسرائيل احتلال شمال غزة، أو تهجير السكان أو الاستيلاء على موارد القطاع. 

وقال لموقع "الحرة": "هذه ليست نية إسرائيل، هدفنا هو إبادة حكم حماس وبداية صفحة جديدة في قطاع غزة، ونسعى إلى مبادرة إقليمية بمشاركة الدول المعنية ودعم من الإدارة الأميركية لخلق ظروف جديدة في المنطقة، لكننا لا نريد احتلال شمال غزة أو تهجير السكان، فقط، لا نريد حماس أن تحكم غزة، بل القضاء عليها لكي ينتهي الهجوم على المدن الإسرائيلية". 

وبالنسبة لضرب المستشفيات والمباني الحيوية والبنى التحتية في قطاع غزة قال "لم تستهدف هذه المقرات عمدا، وإنما حماس هي التي تقاتل من الأنفاق والمدارس والمساجد والمستشفيات". 

وأضاف: "لا شك أن هناك أضرارا كبيرة في المنشآت المدنية والمستشفيات، وأن هناك حاجة ملحة لترميمها، ولكن بعد انتهاء الحرب والقضاء على حماس، وبناء ظروف جديدة في غزة تختلف عما قبل السابع من أكتوبر الماضي". 

وبشأن الحديث عن نية إسرائيلية في استغلال الغاز في شواطئ غزة، قال ميلاميد: "نحن لدينا ما يكفي من الموارد وغزة لا تعتبر أهمية لدى إسرائيل لأن حجمها صغير جدا، كما أننا نريد أن يستغل الفلسطينيون الموارد الطبيعية سواء الشواطئ والغاز في البحر وأن يستقلون اقتصاديا، هذا سيكون مهم لأمن إسرائيل أيضا". 

"الطرفان فشلا"

الخبيرة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أوريت بيرلوف، قالت على حسابها على منصة أكس، إنه بالرغم من أن الطرفين بعد أربعة أيام قد يعلنا النصر واستسلام الآخر، فإن ما حدث هو "قصة فشل وخسارة لكلا الجانبين". 

خريطة الدمار في غزة

وقالت: "حماس أعلنت أن السبب الرئيسي لاختطاف الإسرائيليين هو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين كلهم، وهذا لم يحدث، وأعلنت إسرائيل أن أحد أهداف الحرب هو عودة الرهائن كلهم، وهذا لم يحدث". 

وأضافت: "في الواقع إنه فشل من الجانبين"، موضحة أنه من جانب إسرائيل، فهي فشلت في حماية حدودها ومواطنيها، وعلى المستوى الاستخباراتي والعملياتي واللوجستي وأكثر من ذلك، عندما فشلنا في تحديد مكان الرهائن وإعادتهم، أو تدمير نظام القيادة والسيطرة التابع لحماس، رغم عشرات الآلاف من الأطنان من الذخيرة خلال 46 يوما، كما فشلنا في تحييد ردع حزب الله في الشمال وإطلاق النار من لبنان، كما فشلنا في تحديد أهداف حربية واقعية وقابلة للتطبيق، وفي وضع أهداف مستقبلية واقعية لنهاية الحرب، والاكتفاء بالتعبير عن الأمل". 

لكن بيرلوف أكدت في نفس الوقت أنه "إلى جانب الفشل، يجب إعادة كل طفل ومواطن حي إلى إسرائيل مهما كان الثمن. آمل حقا أن تتم هذه الصفقة في مجملها، وآمل حقا أن نتمكن من إعادة بقية الرهائن أحياء وكذلك الجثث".

وبالنسبة لحماس، فإنها ترى أنها لم تنجح في إنهاء الحصار على غزة، فضلا عن أنه تم تهجير السكان من الشمال، وربما ستفقد الحركة السيطرة على القطاع في المستقبل، كما لم تقم أي دولة عربية بإلغاء اتفاقات السلام. 

وتفرض إسرائيل حصارا على غزة ولم تتوقف عن قصفها منذ هجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وفقا للإحصائيات الإسرائيلية. ومنذئذ، قُتل أكثر من 14 ألف شخص من سكان غزة، نحو 40 بالمئة منهم أطفال وفقا لمسؤولين من وزارة الصحة في القطاع الذي تسيطر عليه حماس، وهي أرقام تعتمدها الأمم المتحدة.

الحرب دفعت غالبية سكان غزة إلى النزوح - صورة أرشيفية - رويترز
الحرب دفعت غالبية سكان غزة إلى النزوح - صورة أرشيفية - رويترز

بعد الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحماس في غزة، يبرز ملف الخسائر في المباني والممتلكات العامة والخاصة والبنية التحتية إلى الواجهة، خاصة مع المساعي التي ستبذل باتجاه إعادة الإعمار، بعد حرب مدمرة خلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى.

وتظهر تقديرات أممية أن إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب ستحتاج إلى مليارات الدولارات بسبب حجم الدمار الهائل جراء العملية العسكرية الإسرائيلية التي اندلعت بعد هجوم حماس المباغت على مواقع ومناطق في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

عدد المنازل المدمرة

وأظهر تقرير للأمم المتحدة نشر في العام الماضي أن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر أكثر من ذلك.

ووفقا لبيانات أقمار اصطناعية للأمم المتحدة نشرت في ديسمبر، فإن ثلثي المباني في غزة قبل الحرب، أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض. وهذا يعادل حوالي 69 في المئة من إجمالي المباني في قطاع غزة.

وذكرت تقديرات للأمم المتحدة أن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245123 وحدة سكنية. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حاليا إلى مأوى في غزة.

أضرار البنية التحتية

وذكر تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير 2024، وأثرت على المباني السكنية والمحلات التجارية والمصانع والمدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة.

وأظهر تحديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية هذا الشهر أن المتاح الآن من إمدادات المياه أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب، في حين تعرض ما لا يقل عن 68 في المئة من شبكة الطرق لأضرار بالغة.

خسائر الأراضي الزراعية

أظهرت صور أقمار اصطناعية حللها خبراء أمميون أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة، والتي تعد حيوية لإطعام السكان الجوعى في القطاع الذي مزقته الحرب، تدهورت بسبب الصراع.

وتكشف البيانات زيادة في تدمير البساتين والحقول والخضراوات في القطاع الفلسطيني، حيث ينتشر الجوع على نطاق واسع بعد 15 شهرا من القصف الإسرائيلي.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي إن 15 ألف رأس من الماشية، أو أكثر من 95 في المئة من إجمالي الماشية، ونحو نصف الأغنام، ذبحت أو نفقت منذ بدء الصراع.

المدارس والجامعات ودور العبادة

ودُمّرت أو تضررت مئات المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية ودور العبادة، وتُظهِر البيانات الفلسطينية أن الصراع أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجدا وثلاث كنائس. وأظهر تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن العديد من المستشفيات تهدمت أو تضررت أثناء الصراع، حيث لم تعد تعمل سوى 17 فقط من أصل 36، وبصورة جزئية في يناير.

وتضررت أكثر من 70% من المدارس، التي تدير الأونروا الجزء الأكبر منها، وحيث لجأ العديد من المدنيين هربا من القتال.

وأحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) 408 مدارس لحقت بها الأضرار، أي ما يعادل 72,5 في المئة على الأقل من هذه المنشآت التعليمية التي تفيد بياناتها بأن عددها 563.

ومن بين هذه المنشآت، دُمّرت مباني 53 مدرسة بالكامل وتضرر 274 مبنى آخر جراء النيران المباشرة.

وفي ما يتعلق بأماكن العبادة، تظهر بيانات UNOSAT وOpenStreetMap معا أن 61,5 في المئة من المساجد تضررت أو دُمّرت.

وسلط تقرير لمنظمة العفو الدولية الضوء على مدى الدمار على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة. فحتى مايو 2024، كان أكثر من 90 في المئة من المباني في هذه المنطقة، بما في ذلك أكثر من 3500 مبنى، إما مدمرة أو تعرضت لأضرار شديدة.

تدمير 75% من مدينة غزة

وتعد غزة من المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر في العالم حيث كان 2,3 مليون شخص يعيشون في القطاع البالغ مساحته 365 كيلومترا مربعا قبل الحرب.

ووفق تحليلات عبر أقمار اصطناعية أجراها متخصصون بالجغرافيا في جامعة ولاية أوريغون، فإن 56,9 في المئة من مباني غزة تضررت أو دُمّرت حتى 21 أبريل 2024، لتصل إلى ما مجموعه 160 ألف مبنى.

وفي مدينة غزة التي كانت تعد 600 ألف نسمة قبل الحرب، فإن الوضع غاية في الخطورة إذ تضررت أو دُمرّت ثلاثة أرباع (74,3 في المئة) مبانيها تقريبا.

المستشفيات

هاجم الجيش الإسرائيلي عدة مستشفيات في غزة بشكل متكرر خلال الحرب، بحجة استخدامها من قبل حماس لأغراض عسكرية، وهي تهمة تنفيها الحركة.

وخلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب أشير إلى أن "60 في المئة من المنشآت الصحية..على أنها متضررة أو مدمرة"، بحسب تحليلات جامعة أوريغون.

واستُهدف أكبر مستشفى في القطاع (مجمّع الشفاء الطبي) في مدينة غزة بهجومين شنّهما الجيش الإسرائيلي كان الأول في نوفمبر 2023 والثاني في مارس 2024.

وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن العملية الثانية حولت المستشفى إلى "هيكل فارغ" تناثرت فيه الأشلاء البشرية.

ودُمّرت خمسة مستشفيات بالكامل، وفق أرقام جمعتها فرانس برس من مشروع "أوبن ستريت ماب" (OpenStreetMap) ووزارة الصحة التابعة لحماس ومركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة (UNOSAT)، في مايو الماضي، وما زالت أقل من مستشفى من بين ثلاث (أي 28 في المئة) تعمل بشكل جزئي، بحسب الأمم المتحدة.

إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار

وأشارت الأمم المتحدة في أكتوبر إلى أن إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه القصف الإسرائيلي قد تستغرق سنوات وتكلف 1.2 مليار دولار.

وأشار تقدير للأمم المتحدة في أبريل 2024 إلى أن الأمر سيستغرق 14 عاما لإزالة الأنقاض.

ويذكر أن الحطام قد يحتوي على أشلاء بشرية، وقدرت وزارة الصحة التابعة لحماس في مايو الماضي أن هناك نحو 10 آلاف جثة تحت الركام.

وتفيد تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ثلثي المدارس ستحتاج إلى عمليات إعادة إعمار كاملة أو رئيسية لتعود إلى الخدمة.

وقدّرت الأمم المتحدة بأنه حتى مطلع مايو 2024، ستكلف إعادة الإعمار ما بين 30 و40 مليار دولار.

أزمة اقتصادية "غير مسبوقة"

ودمرت الحرب اقتصاد غزة وقلصته إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022.

وذكر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية نشر في سبتمبر الماضي أنه في غزة "توقفت عمليات الإنتاج أو دمرت وفقدت مصادر الدخل وتفاقم الفقر وانتشر وسويت أحياء بكاملها بالأرض ودمرت مجتمعات ومدن".

وتسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية "بأزمات إنسانية وبيئية واجتماعية غير مسبوقة"، وفقا للمصدر ذاته.

وقال مسؤول التنسيق والمساعدة للشعب الفلسطيني في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، معتصم الأقرع، الذي شارك في إعداد التقرير خلال مؤتمر صحفي، في سبتمبر الماضي "لن نعلم حجم عمليات التدمير قبل أن تتوقف. لكن المعطيات التي لدينا راهنا تفيد بأنها تقدر بعشرات المليارات وربما أكثر".

وأضاف أن "الوصول إلى مستوى ما قبل أكتوبر 2023 يتطلب عشرات الأعوام"، معتبرا أن على المجتمع الدولي المساعدة في تحقيق "تنمية مستدامة" في غزة.

خسائر اقتصادية كارثية

وبالإضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة، فإن الخسائر الاقتصادية كارثية. ورأى معدو التقرير أن إجمالي الناتج المحلي في غزة "انخفض بنسبة 81% في الربع الأخير من عام 2023 مما أدى إلى انكماش بنسبة 22% للعام بأكمله".

ويؤكد التقرير الذي استند في حساباته إلى أرقام فصلية صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني أنه "في منتصف عام 2024 تراجع اقتصاد غزة إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022".

ومطلع عام 2024 "تم إتلاف ما بين 80 و96% من شبكات الري ومزارع المواشي والبساتين والآلات ومرافق التخزين، حسبما يؤكد التقرير، مما فاقم "مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة أصلا".

وأضاف التقرير أن "الدمار أصاب أيضا القطاع الخاص بشدة حيث تعرضت 82% من الشركات التي تعتبر المحرك الرئيسي لاقتصاد غزة، للضرر أو الدمار".

وفي غزة لم يعد ثلثا الوظائف التي كانت متاحة قبل الحرب، موجودا.

وحتى قبل الحرب كان الفقر منتشرا على نطاق واسع، لكنه اليوم "يطال جميع سكان غزة تقريبا".