إسرائيل- جيش
من الممكن أن تأمر محكمة العدل الدولية، إسرائيل بوقف حملتها العسكرية في غزة

قررت إسرائيل الطعن في اتهام جنوب أفريقيا لها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، بتزويد محكمة العدل الدولية بملفات سرية تضمنت قرارات كان أصدرها قادة مدنيون وعسكريون إسرائيليون.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن إسرائيل رفعت السرية عن أكثر من 30 أمرا صدر عن حكومة الحرب وقادة عسكريين، تقول إنها "تدحض الاتهامات الموجهة لها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتظهر بدلا من ذلك جهودها لتقليل الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين".

ويأتي الدفع بهذه الوثائق، التي تقول الصحيفة الأميركية إنها اطلعت عليها، بعد أن اعتمدت جنوب أفريقيا في اتهامها على تصريحات أدلى بها قادة إسرائيليون وصفتها بالتحريضية وقالت إنها "دليل على نية ارتكاب الإبادة الجماعية".

ورفعت جنوب إفريقيا الدعوى التي تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في إطار الاتفاقية المبرمة في العام 1948 كرد عالمي على المحرقة اليهودية.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن مهمة هيئة الدفاع عن الحكومة الإسرائيلية هي إثبات أن كل ما قاله بعض المسؤولين "تم نقضه من خلال القرارات التنفيذية والأوامر الرسمية الصادرة عن مجلس الحرب الإسرائيلي والقيادة العليا للجيش".

والخميس، أعلنت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، أنها ستصدر، الجمعة، قرارا تاريخيا في القضية المرفوعة ضد إسرائيل.

ومن الممكن أن تأمر المحكمة إسرائيل بوقف حملتها العسكرية في غزة التي أطلقتها إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنته عليها حركة حماس في 7 أكتوبر.

والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تبت في النزاعات بين الدول، ملزمة قانونا، ولا يمكن الطعن فيها، لكن المحكمة لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها. 

واتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، لا تُعرّف الإبادة الجماعية فقط على أنها عمليات قتل أفراد مجموعة عرقية أو قومية معينة، وفق المديرة المشاركة لمعهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح، غانينا ديل، التي أكدت في حديث للصحيفة أن "كل شيء يتوقف على النية".

لذلك، تركز كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل "ليس فقط على ما فعله القادة والجنود، بل وأيضا على ما قاله بعضهم".

ويتضمن ملف الدفاع المؤلف من 400 صفحة تقريبا، ما تقول إسرائيل إنه دليل على أنها سعت إلى شن حرب ضد حماس وليس حملة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

والقرار الذي سيصدر الجمعة سيبتّ فقط في طلب جنوب إفريقيا اتخاذ إجراءات طارئة، وليس في القضية الأساسية المتمثلة فيما إذا كانت إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية - وهي قضية سيستغرق الفصل فيها سنوات.

ومن شأن صدور قرار عن محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل أن يزيد الضغط السياسي عليها. ويتوقع مراقبون أنه يمكن أن يكون بمثابة حجة لفرض عقوبات عليها.

واندلعت الحرب في غزة عندما شنت حماس هجومها غير المسبوق في 7 أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل نحو 1140 شخصا في إسرائيل بينهم نساء وأطفال، معظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.

وقتل جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أكثر من 25700 فلسطيني، حوالى 70% منهم من النساء والقصّر، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.

دمار هائل حل بقطاع غزة جراء الحرب (رويترز)
دمار هائل حل بقطاع غزة جراء الحرب (رويترز)

ساحة من الأنقاض والركام.. هذا كل ما بقي من معظم أنحاء قطاع غزة بعد 15شهراً من الحرب المتواصلة.. حيث المباني السكنية لم تعد سوى هياكل متصدعة تحمل آثار أشهر قاسية من اقتتال، لم تسلم منه حتى المستشفيات والمدارس.

ووسط هذه المشاهد، يعيش مئات الآلاف من السكان في العراء، بعدما أجبروا على ترك منازلهم، ليواجهوا حياة قاسية في خيام تفتقر إلى أبسط مقومات وشروط العيش الكريم.

ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تتصاعد التساؤلات بشأن مصير القطاع ومستقبله السياسي والإنساني.

فعودة السكان إلى منازلهم تبدو مستحيلة في ظل حجم الدمار الذي حل بمناطق كاملة، كما تشير التقديرات إلى حاجة القطاع لسنوات طويلة لمجرد رفع الأنقاض، قبل البدء بعمليات إعادة الإعمار.

في ظل هذا الوضع، تخيّم حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل القطاع وإدارته، وأيضا حول فرص صمود الاتفاق المبرم بين إسرائيل وحماس بوساطة أميركية مصرية قطرية، مع استمرار التصريحات الإسرائيلية بشأن الإصرار على تحقيق أهداف الحرب المعلنة، بالتزامن مع ظهور عناصر حماس في مسيرة احتفالية فور سريان الهدنة. 

"الانقسام الفلسطيني"

وزير الإعلام الفلسطيني السابق، عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، نبيل عمر، يرى أن الحل في غزة "يبدأ بإنهاء الانقسام الفلسطيني بشكل جذري".

ويشدد على أن "اليوم الأخير للحرب يجب أن يتزامن مع إنهاء الانقسام الفلسطيني بصورة جذرية، لأن ذلك سيساعد العالم كله على إيجاد الحلول للشأن الفلسطيني".

ويؤكد عمر في حديثه لبرنامج "الحرة الليلة"، أن "وضع خارطة طريق واضحة للمصالحة الفلسطينية، يبدأ بإعلان حماس انضمامها لمنظمة التحرير والتزامها بتعهداتها".

ويتابع: "إنهاء الانقسام يتطلب أن تعلن حماس للعالم كله أنها جزء لا يتجزأ من منظمة التحرير، وأنها تلتزم بالتزامات المنظمة.. بمعنى أنه لا يوجد قتال بعد الآن".

وبشأن إمكانية تحقيق المصالحة بعد سنوات طويلة من الانقسام، يرى عمر أن الحرب "جعلت الوحدة الفلسطينية خياراً حتميا".

ويستطرد في تصريحات للحرة: "لو اتحد الفلسطينيون قبل الحرب وأجروا الانتخابات التشريعية بمشاركة كل القوى لما حدث ما حدث"، مؤكدا أن "المساحة لم تعد واسعة أمام الانقسام الفلسطيني".

وينتقد عمر المقترحات الجزئية المطروحة لحلحلة الأزمة في غزة، مثل تشكيل لجان لإدارة القطاع.

ويعلل ذلك بالقول: "لماذا نعالج هذه القضية الكبرى بالقطعة؟.. لجنة صغيرة هنا، مجموعة إسناد هناك.. ليس هكذا تحل القضايا الكبرى. يجب أن تكون حتى هذه التفاصيل في سياق سيناريو متكامل".

وفيما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية، يشير عمر إلى أن "السلطة الوطنية في رام الله غير موجودة تقريباً فيما يتعلق بالوساطات وموضوع غزة، لكنها موجودة كشرعية تقول أنا من يجب أن أدير غزة، وأنا لدي شرعية بذلك". 

وفيما يتعلق بمستقبل إدارة القطاع، يستبعد عمر إمكانية استمرار حكم حماس منفردة، مشيرا إلى أن "أعباء إعادة إعمار غزة لا تقدر عليها حماس ولا السلطة". 

ويضيف: "القوى التي ستموّل إعادة الإعمار لن ترسل أي مبلغ إذا كانت حماس هي من يحكم قطاع غزة".

ويؤكد عمر على أهمية الدور العربي في المرحلة المقبلة، محذراً من "ترك الفلسطينيين على هواهم، يعملون ما يشاؤون، لأن الدول التي تستضيفهم تجعلهم يوافقون على ورقة.. ثم يعودون لممارسة انشقاقهم وصراعهم الداخلي مرة أخرى"، على حد قوله.

ويخلص عمر إلى أن الحل سيكون في "إطار فلسطيني معترف به فلسطينياً وإقليمياً ودولياً"، مع ضرورة إعلان حماس التزامها بأن "ما حدث في غزة كان آخر الحروب، وما حدث في 7 أكتوبر كان آخر الهجمات الكبرى على إسرائيل".

كما يؤكد عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، على ضرورة العمل على "قيام الدولة الفلسطينية المستقلة"، مشدداً على ضرورة معالجة قضايا أخرى مهمة، مثل "القدس الشرقية" و"قضية اللاجئين"، معتبرا أن هذه القضايا "جزء أساسي من الحل الشامل".