جنود إسرائليون في غزة
صداقة استمرت لسنوات ولم توقفها الحرب

نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا يسلط الضوء على "صداقة" بين مخرج وناشط سلام إسرائيلي وسيدة فلسطينية من قطاع غزة.

تقول الصحيفة إن الصداقة بين، باراك هيمان، وأم أيان، وهو اسم مستعار، نشأت عام 2019 بعد أن شارك هو في حملة تبرع على الإنترنت لعلاج والدها من السرطان قبل سنوات.

وتطورت صداقتهما حتى من دون أن يلتقيا شخصيا؛ حيث يطمئنان على بعضهما البعض ويتبادلان صور أسرتيهما، لكن منذ بدأ الحرب في غزة لم يعد التواصل بينهما متاحا، ما جعل هيمان في حالة قلق دائمة حول مصير المرأة وأسرتها.

وتنقل صحيفة "واشنطن بوست" أن هيمان بات ينتظر أياما حتى يحصل على بعض الإشارات المطمئنة بأنها لاتزل على قيد الحياة.

ويواصل المخرج الإسرائيلي محاولة معرفة مصير صديقته من خلال رسائل نصية يرسلها ليلا ونهارا: "هل أنت بخير" إلى أم أيان في قطاع غزة، ويخشى أن تكون المرة الأخيرة، وألا يتلقى أي رد.

أهوال هجوم 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة جعلتهما أقرب، ووجد كل منهما في الآخر ملاذا من الحزن والعزلة.

هيمان يشعر بالوحدة بشكل متزايد في إسرائيل في زمن الحرب، ويعرف أن هناك من يفهمه في غزة. أما أم أيان، تحت الحصار والقصف، تعرف أن هناك من يفكر بها في إسرائيل، وفق الصحيفة.

وشاركت أم أيان، 28 عاما، قصتها مع الصحيفة بشرط أن يتم استعمال اسم مستعار، خوفا على سلامة عائلتها.

"عزيزتي هل أنت بخير" يكتب هيمان باللغة الإنكليزية وهي اللغة المستعملة في تواصلهما، ويتنفس الصعداء كلما ردت أم أيان "أنا على قيد الحياة، لاتقلق".

قبل الحرب، كانت رسائلهما متقطعة، عندما تسمح حياتهما المزدحمة بإرسال تحديثات عائلية وصورا وأمنيات طيبة.

يقول هيمان للصحيفة: "كلانا يشترك في هذا الشعور بنقص الإنسانية من حولنا"، "لذلك أعتقد أننا نجد الراحة في التواصل مع بعضنا البعض".

هي صداقة نادرا ما تحدث عنها هيمان مع إسرائيليين آخرين. بعد أن تسلل مقاتلو حماس ومقاتلوها إلى جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل حوالي 1,200 شخص وأخذ أكثر من 250 رهينة إلى غزة، كان أكثر ترددا في ذكر ذلك.

وأسفر القصف الإسرائيلي والعمليات البرية في قطاع غزة عن 28340 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر، وفقا لوزارة الصحة في القطاع.

كان لدى هيمان زميلة في المدرسة الثانوية تم إطلاق النار عليها أمام أطفالها. واحتجزت حماس والد صديق مقرب كرهينة، وفق ما تنقل الصحيفة.

شعر العديد من الإسرائيليين، الذين أصيبوا بالصدمة أنه لا يمكن الوثوق بأحد من غزة. وكانت هناك دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للانتقام وقتل الجميع في غزة. لكن هيمان كان قلقا بشأن أم أيان: "كانت أول شيء فكرت فيه"، يقول.

ويضيف: "هناك الكثير من الأسباب التي تجعل الشعب اليهودي الإسرائيلي خائفا على حياته الآن، وأن يكون مليئا بالكراهية والغضب والإحساس بالانتقام. إنه أمر طبيعي".

ويضيف "أن نطلب أو نتمنى أو نطالب الناس في مثل هذه الحالة أيضا بالتعاطف والرحمة مع الشعب الفلسطيني في غزة ... للأسف هو شيء كبير جدا الآن، وسأواصل القتال لتغيير رأيهم".

ينشر هيمان في منزله الأعلام الفلسطينية، التي اعتاد أن يأخذها في مسيرات السلام. كان يلتقط صورا للمظاهرات ويرسلها إلى أم أيان.

يذهب أطفاله إلى مدرسة ثنائية اللغة إسرائيلية فلسطينية. إنه يأمل بالفعل أن يرفض ابنه البالغ من العمر 9 سنوات الخدمة العسكرية الإلزامية، حتى لو كان ذلك يعني رميه في السجن.

وهناك ملصقات على بلاط الحمام تحمل نفس الرسالة باللغات العربية والعبرية والإنكليزية: "الديمقراطية والاحتلال لا يمكن أن يتعايشا".

بعد ظهر يوم 16 أكتوبر، اتصل به أصدقاؤه قلقين. وكان قد نشر على فيسبوك أنه في حين لا يوجد شيء يمكن أن يبرر هجوم حماس، فإن إسرائيل تتحمل بعض المسؤولية عن حصار غزة وحرمان الفلسطينيين من حقوق الإنسان الأساسية.

ونشرت حسابات يمينية إسرائيلية اسمه وصورته وعنوان منزله على منصة Telegram، كما أخبره الناس. واستغرق منه الأمر أسبوعين لإخبار شريكته، التي كانت خارج البلاد مع أطفالهما.

لكنه أخبر أم أيان في نفس اليوم.

انتقل من منزله وبقي في شقة أحد الأصدقاء، حيث ظل مستيقظا في تلك الليلة من أكتوبر، يصلي من أجل رد منها، وبعد أكثر من 24 ساعة،  رن هاتفه، وكانت رسالتها"لقد قطعوا الإنترنت عن قطاع غزة لمدة يومين. وعاد للتو، لكن ليس لدينا شحن للهاتف"، وكانت على قيد الحياة.

وبعد اشتداد القصف، هربت أم أيان من غزة وأبقت تواصلها مه هيمان سرا، تقول للصحيفة "من الصعب أن تشرح للعرب هنا أنك تتحدث إلى إسرائيلي، قد يعتقدون أنك تخون بلدك وتشاركه الأخبار الأمنية".

في الواقع، كانت تسأل عما إذا كان بإمكانه أن يرسل لها بعض المال، حتى تتمكن من شراء الدقيق، وخيمة،  وبعض الأدوية. وسألت عن حاله، عن صحة والدته وأطفاله.

ومع تصاعد القتال في مسقط رأسها، أخذت عائلتها إلى الجنوب، إلى رفح، وفي 30 ديسمبر، فرت أم أيان من غزة. كان شقيقها يحمل جنسية بلد آخر وتقدم بطلب لإخراج أفراد أسرته. جاءت الأوراق بعد أسابيع من الانتظار، وفق ما تنقل الصحيفة.

وكتبت إلى هيمان في اليوم الذي عبرت فيه الحدود "أنا الآن بأمان. لقد نجوت من موت بالقصف الإسرائيلي"، "رائع" كان رده، "وأنا سعيد جدا لأنك غادرت".

الآن، في شقة غريبة خاصة بها، تمد أم أيان يدها إلى ابنتها في منتصف الليل، كما فعلت خلال الليالي تحت القصف. فيما يجمع هيمان المال لعائلتها لمساعدتهم على التكيف مع حياتهم الجديدة. ولا يزال يحضر مسيرات السلام، وأحيانا يصطحب ابنه معه.

وعلى الجانب الآخر، تأمل أم أيان أن تعود إلى منزلها في غزة، وتتمكن من مقابلة صديقها الإسرائيلي.

المجمع كان مركزا للأونروا. أرشيفية
المجمع كان مركزا للأونروا. أرشيفية

نفذ الجيش الإسرائيلية غارة جوية على مجمع في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مستهدفة عناصر من حماس، في حين أكدت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" سقوط قتلى وجرحى في استهداف لمبنيين في جباليا.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في منشور عبر منصة "إكس" إن هذا المجمع كان يستخدم سابقا "كمركز للأونروا"، وأصبح مجمعا "للقيادة والسيطرة من قبل مخربي حماس".

وكشف أن الغارة نفذتها طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وتم التخطيط للضربة بـ "توجيه استخباراتي من هيئة الاستخبارات العسكرية، والشاباك، والقيادة الجنوبية".

وذكر أنه تم اتخاذ "خطوات لتقليل احتمالية إصابة المدنيين، بما في ذلك استخدام ذخائر دقيقة، مراقبة جوية، ومعلومات استخباراتية إضافية".

واتهم حماس بانتهاك "القانون الدولي، حيث تستغل بشكل وحشي المؤسسات المدنية والسكان كدروع بشرية لأعمالها الإرهابية".

من جانبها أكدت "وفا" نقلا عن مراسلها أن المسعفين نقلوا 10 قتلى وعددا من الإصابات إلى مستشفى كمال عدوان في مخيم جباليا، جراء استهداف طائرة حربية إسرائيلية منزلا لعائلة شعبان في جباليا البلد.

وأضاف أن مواطنين اثنين قتلا وأصيب آخرون جراء قصف إسرائيلي لشقة سكنية في عمارة خضورة قرب عيادة الوكالة بمخيم جباليا، وقد جرى نقلهم إلى مستشفى كمال عدوان.

وتابع أن مسعفين من الهلال الأحمر نقلوا جثامين ثلاثة قتلى وعددا من المصابين إلى مستشفى العودة في مخيم جباليا، إثر قصف إسرائيلي طال منزلا لعائلة العرابيد في بئر النعجة غرب المخيم.

وتتهم إسرائيل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بتوظيف "إرهابيين" في غزة.

وأواخر سبتمبر، رفض المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني الاتهامات بشدة، مشددا على أن الهيئة تقف "على الجانب الصحيح من التاريخ"، بحسب وكالة فرانس برس.

وتحدث لازاريني عن الثمن الباهظ الذي دفعته وكالته بصفتها "العمود الفقري" للعملية الإنسانية الواسعة الجارية في قطاع غزة.

وقتل 223 من موظفي الأونروا وتضررت ودمرت ثلثا منشآت الوكالة في غزة منذ اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر، على حد قوله.

وبعد عام على الحرب، تراجعت قوة حركة حماس التي تحكم قطاع غزة منذ العام 2007، مع تدمير مراكزها وقتل قادتها واضطرارها لتخوض حربا من داخل الأنفاق، إلا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية والجوية لم تقض عليها.

في السابع من أكتوبر من 2023، شنت حماس هجوما داميا ومباغتا وغير مسبوق على إسرائيل واقتحم مقاتلوها مواقع عسكرية ومستوطنات حدودية مع القطاع، وأطلقت نحو خمسة آلاف صاروخ باتجاه مناطق وسط وجنوب إسرائيل.

وأسفر الهجوم عن مقتل 1205 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفقا لتعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام إسرائيلية رسمية.

وردت إسرائيل بحملة قصف مدمر وهجوم بري على قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط 41802 قتيلا على الأقل، معظمهم من المدنيين، وفق أرقام وزارة الصحة التابعة لحماس.

في أغسطس، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل 17 ألف مقاتل فلسطيني في القطاع.