بدأ الجيش الأميركي في بناء "رصيف بحري مؤقت" قبالة ساحل غزة، في خطوة لإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين في القطاع، فيما توشك إسرائيل على تنفيذ هجوم بري واسع في مدينة رفح.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" إن الرصيف قد يبدأ العمل مطلع مايو.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، الميجر جنرال باتريك رايدر، للصحفيين "أستطيع أن أؤكد أن سفنا عسكرية أميركية، بما في ذلك السفينة بينافيديز، بدأت في بناء المراحل الأولية للرصيف المؤقت والجسر في البحر".
وقطاع غزة، الشريط الساحلي الضيق المكتظ بالسكان، يتعرض منذ أكثر من ستة أشهر لقصف غير مسبوق من جانب القوات الإسرائيلية التي اجتاحت القسم الأكبر منه في إطار حربها الرامية للقضاء على حركة حماس.
وفي مطلع مارس، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمرة الأولى عن هذا المشروع.
وقال بايدن يومها إنه أمر الجيش الأميركي ببناء هذا الميناء العائم لإيصال المساعدات إلى القطاع عن طريق البحر بعدما عرقلت إسرائيل إيصالها برا.
وتراجعت كميات المساعدات التي يتم إدخالها إلى غزة بالشاحنات خلال أشهر الحرب، في حين يواجه سكان غزة نقصا حادا في الغذاء والماء والدواء.
وتلقي طائرات أميركية وألمانية وبريطانية وأردنية ومصرية مساعدات بالمظلات فوق القطاع.
وتنفذ عدة دول عمليات من هذا النوع في مواجهة صعوبات النقل البري للمساعدات الدولية التي تصل بشكل غير كاف وببطء شديد من مصر عبر معبر رفح بشكل رئيسي.
ويعد معبر رفح المنفذ الوحيد لقطاع غزة الى العالم الخارجي غير الخاضع لسيطرة إسرائيل. لكن هذه الأخيرة لها الحق في مراقبة عبور الأشخاص والبضائع.
كيف سيعمل رصيف المساعدات؟
وكشف مسؤول عسكري أن آلية تمر المساعدات عبر الرصيف، ستكون بوصول المساعدات الإنسانية إلى قبرص عن طريق الجو أو البحر، حيث يتم فحصها ووضعها على منصات وتجهيزها للتسليم.
وأشار إلى أنه المساعدات بدأت بالتدفق إلى قبرص، وقال "بدأنا بالفعل في رؤية تدفق كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى قبرص ونتوقع أن يستمر هذا التدفق".
واستطرد المسؤول العسكري أنه "سيتم تحميل المساعدات على السفن التجارية التي ستبحر إلى منصة عائمة كبيرة راسية على بعد أميال قبالة سواحل غزة".
وشرح أن هذا الرصيف العائم هي أحد مكونات نظام "جلوتس" (JLOTS) وهو اختصار لـ ( joint logistics over-the-shore)، الذي سيوفر مساحة مستقرة لنقل المساعدات إلى سفن اصغر حجما يمكنها الوصول إلى الشاطئ.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، رايدر إن البنتاغون يتتبع نوعا ما من الهجمات بقذائف المورتر في غزة والتي تسببت في أضرار طفيفة في منطقة بناء الرصيف. لكنه أضاف أن القوات الأميركية لم تبدأ في نقل أي شيء إلى تلك المنطقة بعد، ولا توجد قوات أميركية على الأرض.
وأكد مسؤول عسكري أميركي كبير أن القوات الإسرائيلية ستخصص لواء لحماية القوات الأميركية التي تبني رصيفا بحريا قبالة غزة، بحسب وكالة رويترز.
وقال الجيش الإسرائيلي في منشور عبر إكس إنه وافق على الجهود التعاونية للرصيف العائم، حيث ستعمل القوات الإسرائيلية على "توفير الدعم الأمني واللوجستي" بما يسمح إيصال المساعدات الإنسانية عبر البحر إلى غزة.
وستكلف منظمات غير حكومية على الأرجح توزيع المساعدات بعد وصولها إلى القطاع على ما أفادت وزارة الدفاع الأميركية في وقت سابق.
ويعاني قطاع غزة من ازمة إنسانية خطرة جدا ناجمة عن الحرب المستمرة منذ اكثر من ستة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس، ويحتاج سكانه الى مساعدات للاستمرار.
ما هو شكل رصيف المساعدات؟
ومن شأن هذه الرصيف البحري المؤقت في البحر أن يسمح لسفن عسكرية أو مدنية بتفريغ حمولتها على أن تنقل المساعدات لاحقا بواسطة سفن دعم لوجيستي إلى رصيف على الشاطئ.
وبحسب البنتاغون نظام "الخدمات اللوجستية على الشاطئ" والذي يعرف اختصارا بـ"جلوتس" يتكون من ثلاثة أجزاء أساسية: رصيف عائم، جسر بمسارين يمكن ربطه بالشاطئ، وطوله حوالي 550 مترا، مجموعة من سفن الدعم اللوجستي، وبما سيتيح استقبال سفن المساعدات ونقلها إلى البر.
ويتكون المشروع من ميناء بحري عائم مؤقت يسمح للسفن الضخمة، سواء أكانت عسكرية أو مدنية، بالرسو فيه لإفراغ حمولتها ونقلها إلى سفن أصغر حجما يمكنها إيصال هذه المساعدات إلى رصيف بحري متصل بالساحل.
وكشف رايدر أن هذا الرصيف العائم سيتيح إيصال نحو مليوني وجبة غذائية يوميا.
وذكر أنه سيتم بنائه في البحر ودفعه إلى الشاطئ في المنطقة التي يريدونها، وهو ما يعني عدم الحاجة لتواجد قوات أميركية على الأرض، وسيكون دورهم محصورا في إستقبال وإيصال المساعدات لشركاء يعملون على الأرض لتوزيعها على المدنيين.
وسيقوم نحو ألف جندي بتجميع الهيكل بالاعتماد على تقنيات بسيطة ولكن مع تجميع أجزاء ثقيلة جدا.
وقال مسؤولون أميركيون إن هذا المسعى لا يتضمن "نشر قوات على الأرض" في قطاع غزة الذي يشهد حربا. لكن جنودا أميركيين سيكونون بجوار قطاع غزة خلال بناء الرصيف الذي ستشرف عليه قوات إسرائيلية أيضا.
ونظام "جلوتس" يعتمده الجيش الأميركي من أجل تسليم القوات والإمدادات إلى مناطق ديناميكية مثل سلاسل الجزر، بما يسمح إيصال وتفريغ المعدات، وبما يتيح اختيار المكان والزمان، ويسمح للمخططين العسكريين التخفيف من الازدحامات المتوقعة في الموانئ المختلفة، بحسب موقعهم الإلكتروني.
ومنذ أشهر، تمارس قبرص وهي البلد الأقرب إلى قطاع غزة في الاتحاد الأوروبي على بعد حوالى 360 كيلومترا ضغوطات لإقامة ممر بحري لتوجيه المساعدات.
وأوصلت سفينة أولى تابعة للمنظمة غير الحكومية الإسبانية "أوبن آرمز" مساعدات إلى غزة في 15 مارس. وأنزلت سفينة ثانية حمولتها في القطاع في الأول من أبريل.
وانطلقت من قاعدة في فرجينيا في منتصف مارس أربع سفن تابعة للجيش الأميركي على متنها نحو مئة جندي وما يلزم من تجهيزات لبناء الرصيف المؤقت.
السفينة الأولى هي مركبة مائية ضخمة مطلية باللون الرمادي تعرف باسم سفينة الدعم اللوجستي، أبحرت ببطء من رصيف في قاعدة لانغلي-يوستيس المشتركة.
وتبعتها ثلاث سفن أصغر حجما لتنفيذ مهمة بناء الميناء الذي يندرج في إطار جهود تبذلها الولايات المتحدة لمساعدة غزة مع مواصلة إسرائيل تأخير وصول المساعدات برا.
وقال الجنرال، براد هينسن، من الجيش الأميركي في مارس الماضي، إن نحو 500 جندي من لواء النقل السابع سيشاركون في العملية التي وصفها بأنها "الوحدة المائية الأولى في جيشنا".
وشدد على أن هؤلاء "قادرون على توفير دعم مستدام فوق المياه في بيئات قاسية. إنهم مدربون على القيام بذلك وقد أجروا تمارين كثيرة ليكونوا مستعدين" لتنفيذ هذه المهمة.
متى استخدم رصيف المساعدات الإنسانية العائم؟
واستخدمت الولايات المتحدة نظام رصيف "جلوتس" العائم في عدة دول في أوقات الإغاثة والحاجة لتزويدهم بمساعدات إنسانية على مر السنوات الماضية.
استخدمت هذه التقنية للمرة الأخيرة في هايتي، بعد الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 200 ألف شخص في 12 يناير 2010.
وقد حلت محل البنية التحتية لموانئ بور أو برنس التي أضعفتها "رافعات مقلوبة وأرصفة منهارة وممرات بحرية مسدودة"، على حد قول الموقع الإلكتروني للإدارة البحرية التابعة لوزارة النقل الأميركية.
في زمن الحرب، يعود تاريخ الصورة الرمزية الأولى لهذه الطريقة إلى عمليات الإنزال في نورماندي في 1944 مع "بورت مالبيري" الشهير، المكون من مواد مسبقة الصنع في بريطانيا تم نقلها إلى الساحل الفرنسي.
وقال المؤرخ البحري سلفاتوري ميركوليانو إنها هيكل "أساسي". وذكر بأن الحلفاء كانوا "يغزون الشواطئ ولا يستولون على ميناء، بعد الدروس المستفادة من الهجوم الفاشل الذي سقط فيه عدد كبير من القتلى في 1942" بحسب فرانس برس.
كما استخدم نظام مماثل خلال حرب فيتنام، قبالة ساحل دانانغ، في ستينيات القرن الماضي.
وتم اختبار النظام في 2023 خلال مناورات "تاليسمان سابر" التي نظمتها الولايات المتحدة وأستراليا قبالة سواحل كوينزلاند.