في خطوة أغضبت المسؤولين الإسرائيليين، أصدرت محكمة العدل الدولية، الجمعة، قرارا يأمر إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها العسكري في مدينة رفح بجنوبي قطاع غزة، بالإضافة لمجوعة قرارات أخرى تهدف لحماية المدنيين الفلسطينيين من ويلات الحرب التي اندلعت في أكتوبر الماضي عقب هجوم حماس.
وقالت المحكمة في القرار الذي حظي بإجماع غالبية القضاة الـ15 فيها، إن على إسرائيل "أن توقف فورا هجومها العسكري وأي أعمال أخرى في محافظة رفح، قد تفرض على السكان الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم جسديا كمجموعة أو على نحو جزئي".
كما أمرت المحكمة إسرائيل بفتح معبر رفح بين مصر وغزة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وقالت إنه يتعين على إسرائيل السماح بوصول المحققين إلى القطاع المحاصر وتقديم تقرير عن التقدم المحرز في غضون شهر واحد.
وحثت محكمة العدل على الإفراج الفوري عن الرهائن الذين احتجزتهم حماس خلال هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
ماذا يعني ذلك؟
يضاف الحكم الذي أصدرته المحكمة ومقرها لاهاي إلى الضغوط القانونية الدولية المتزايدة على إسرائيل لتقليص حربها في غزة أو إنهائها.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تمتثل إسرائيل للأمر، إلا أنها ستزيد الضغط على الدولة المعزولة بشكل متزايد.
ففي حين أن إسرائيل ليست دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، لكنها في الوقت ذاته عضو في الأمم المتحدة وبالتالي فهي ملزمة قانونا بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية.
ويقول المختص في القانون الدولي أنطوان صفير إن "قرار المحكمة لافت لأنه صادر عن أعلى سلطة قضائية في الأمم المتحدة والمجموعة الدولية".
ويضيف صفير في حديث لموقع "الحرة" أن إسرائيل ملزمة بتنفيذ القرار باعتبار أنها خاضعة لسلطة الأمم المتحدة".
ويبين صفير أن "المحكمة رأت أن ما يحدث في غزة يمكن أن يتطور بشكل خطير، إذا مضت إسرائيل قدما في العملية في رفح".
وعلى الرغم من أنه "ليس من المتوقع أن تلتزم إسرائيل بهذه القرار، ولكن هذا لا يعني أن القرار ليس موجودا وبات أمرا واقعا في القانون الدولي وله تبعاته"، بحسب صفير.
ويأتي حكم محكمة العدل الدولية وسط انتقادات متزايدة لإسرائيل بسبب مقتل آلاف المدنيين في عملياتها العسكرية وافتقارها لخطة لغزة بعد انتهاء الحرب.
وتقع رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، على الحدود مع مصر، وقد لجأ إليها أكثر من مليون شخص في الأشهر الأخيرة بعد فرارهم من القتال في أماكن أخرى، ويعيش الكثير منهم في مخيمات مكتظة.
وتوعدت إسرائيل منذ أشهر باجتياح رفح، قائلة إنها آخر معقل كبير لحماس، حتى في الوقت الذي حذر العديد من الحلفاء من أن الهجوم الشامل سيؤدي إلى كارثة.
وتعليقا على قرار المحكمة، أكدت إسرائيل أن عملياتها العسكرية في مدينة رفح "لا تهدد بتدمير السكان المدنيين الفلسطينيين".
وقال مستشار الأمن القومي تساحي هانغبي والمتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية في بيان مشترك إن "إسرائيل لا تعتزم ولن تنفذ عمليات عسكرية في منطقة رفح تؤدي إلى ظروف معيشية يمكن أن تتسبب بتدمير السكان المدنيين الفلسطينيين، سواء في شكل كامل او جزئي".
بدوره قال الوزير بحكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس إن إسرائيل ستواصل حربها "العادلة والضرورية، بما في ذلك في رفح" على حركة حماس من أجل إعادة الرهائن وضمان أمن إسرائيل.
وجاء حكم محكمة العدل الدولية بعد أيام فقط من إعلان النرويج وإسبانيا وأيرلندا أنها ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة، وهو ما عكس الإحباط الدولي العميق من الحرب الإسرائيلية في غزة.
كذلك تعرضت إسرائيل لضغوط من قبل دول حليفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لعدم المضي قدما في الهجوم البري على رفح.
ويرى المحلل السياسي الأميركي إيريك هام أن قرار محكمة العدل الدولية الصادر، الجمعة، "لا يخلق انقسامات داخل إسرائيل فحسب، بل إنه يخلق انقسامات في خارجها أيضا، وخاصة مع حلفاء إسرائيل".
ويضيف هام لموقع "الحرة" أنه مع استمرار المحاكم الدولية بإصدار القرارات ضد العمليات الإسرائيلية في غزة "تستمر العزلة الدولية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالتصاعد".
ويبين هام أنه "حتى مع زيادة التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل ومساندتها، فإن السؤال الأكثر إلحاحا هو إلى أي مدى ستستمر واشنطن بالمضي قدما في هذا المسار؟".
هل يمكن تطبيق القرار على الأرض؟
تعتبر محكمة العدل الدولية أعلى سلطة تابعة للأمم المتحدة مختصة بالنظر في النزاعات بين الدول، وكذلك فإن الأحكام الصادرة عنها باتة وملزمة، لكن سبق تجاهلها في الماضي، كما أنها لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية.
على سبيل المثال كانت المحكمة العدل الدولية أصدرت قرارا في يوليو من عام 2004 قالت فيه إن جدار الفصل الإسرائيلي "مخالف للقانون الدولي"، وطالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية "بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار"، لكن ذلك لم يحصل لغاية الآن.
الطريقة الوحيدة لتنفيذ أمر محكمة العدل الدولية هي من خلال التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا يعني أنه يمكن لأي من الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، بما في ذلك الولايات المتحدة، استخدام حق النقض ضد أي إجراء من هذا القبيل.
ويؤكد صفير أنه "في حال لم توافق إسرائيل على تطبيق القرار يمكن للمحكمة رفعه لمجلس الأمن لاتخاذ قرار تنفيذي بتطبيقه، وهنا بالتأكيد سيكون الفيتو الأميركي جاهز لوقفه".
أما الخطوة الأخرى بحسب صفير "فتتمثل في رفع القرار للأمين العام للأمم المتحدة من أجل القيام بدوره وإجراء الاتصالات اللازمة لتطبيقه".
ومع ذلك يقلل صفير من فرص تطبيق القرار على الأرض، وبالتالي يرى أن القرار بالنهاية يأتي في "إطار الضغط على إسرائيل من أجل التوصل لحلول للصراع" المستمر منذ أكثر من سبعة أشهر في غزة.
ويشير صفير إلى أن "الضغط القضائي الدولي لا شك سيساهم في فرملة فائض القوة لدى إسرائيل والوصول لحل بدأت معالمه تتشكل مع اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين المستقلة".