بينما كانت إسرائيل تقصف شمال قطاع غزة بغارات جوية في أكتوبر الماضي وتأمر بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني من المنطقة، وجهت مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحذيرا صريحا للبيت الأبيض.
فقد كتبت نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول آنذاك في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 أكتوبر إلى كبار مساعدي الرئيس جو بايدن تقول إن النزوح الجماعي سيشكل كارثة إنسانية وقد يمثل إنتهاكا للقانون الدولي، مما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات إلى إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وذكرت سترول في الرسالة أنها كانت تنقل تقييما للجنة الدولية للصليب الأحمر "جمد الدماء في عروقها".
وبينما تقترب حرب غزة من إتمام عامها الأول، ويتأرجح الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع نطاقا، تظهر رسائل سترول عبر البريد الإلكتروني ومراسلات أخرى لم ترد تقارير عنها من قبل صراع إدارة بايدن من أجل الموازنة بين المخاوف الداخلية إزاء ارتفاع أعداد القتلى في غزة ودعمها العلني لإسرائيل في أعقاب هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل التي تقول إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص.
وراجعت رويترز ثلاث مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، والتي يرجع تاريخها إلى الفترة من 11 إلى 14 أكتوبر، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الأزمة. وأدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 41800 فلسطيني في غزة وفجرت احتجاجات في الولايات المتحدة قادها نشطاء عرب أميركيون ومسلمون.
وتكشف رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد تقارير عنها من قبل، عن قلق مبكر في وزارة الخارجية والبنتاغون من أن ارتفاع عدد القتلى في غزة قد ينتهك القانون الدولي ويعرض العلاقات الأميركية مع العالم العربي للخطر.
وتُظهر الرسائل أيضا ضغوطا داخلية في إدارة بايدن لتغيير رسالتها من إظهار التضامن مع إسرائيل إلى الحديث عن التعاطف مع الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.
ولا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيد المنال، على الرغم من مرور أشهر من المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة. والآن أصبح جزء كبير من غزة خرابا. ويلوح خطر اندلاع حرب إقليمية مع إيران في الأفق بعد الهجمات التي شنتها إسرائيل على لبنان واغتيال حسن نصر الله الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من طهران الأسبوع الماضي والهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.
بـ"الردع والدبلوماسية".. واشنطن تسابق الزمن لوقف الحرب في غزة ومنع "الضربة الإيرانية"
تسابق واشنطن الزمن للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وإبرام صفقة تضمن عودة المختطفين لدى حركة حماس، قبل أن تنفذ طهران تهديدها بتوجيه ضربة لإسرائيل، قد تعقد هذا الملف وربما تفشله.
ويقول مسؤولون كبار في إدارة بايدن إنهم يعتقدون أن ضغوط البيت الأبيض على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تلك الأيام الأولى من الحرب أحدثت فرقا ومنعت وقوع كارثة أسوأ.
وفي أحاديث خاصة، طلب البيت الأبيض من إسرائيل تأجيل هجومها البري لمنح منظمات الإغاثة مزيدا من الوقت لإعداد المساعدات للنازحين وإعطاء إسرائيل المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق مع حماس، وذلك وفقا لما قاله مسؤولون في الإدارة للصحفيين في إفادات غير علنية حينها.
ولكن ثلاثة مسؤولين أميركيين كبارا شاركوا في عملية صنع القرار قالوا إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف حوالي عشرة أيام، عزا المسؤولون الثلاثة ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية.
وقال البيت الأبيض ردا على أسئلة بشأن رسائل البريد الإلكتروني "كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية الرامية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة" و"كان ذلك وسيظل أولوية قصوى". وأضاف أنه قبل "تدخل (الولايات المتحدة)، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة".
ويجري التحقيق بشأن ارتكاب قادة في إسرائيل وحماس جرائم حرب في أعقاب الهجمات التي شنتها الحركة الفلسطينية.
ففي يونيو، خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى وجود أدلة موثوقة على أن حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى ارتكبت جرائم حرب تشمل التعذيب واحتجاز رهائن. كما وجدت اللجنة أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب نتيجة لاستخدامها قنابل ضخمة في غزة في الأشهر الأولى من الحرب.
ولا تزال إدارة بايدن والحملة الرئاسية لنائبة الرئيس كاملا هاريس عالقة بين مجموعتين انتخابيتين قويتين هما الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل والتقدميون الأصغر سنا الداعمون للفلسطينيين.
ويقول منافس هاريس عن الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، إنه "سيحسم" الحرب "سريعا" إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر، دون أن يخوض في تفاصيل عن كيفية ذلك. لكن محللي السياسة الخارجية يستبعدون أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، بالنظر إلى دعم كلا الحزبين طويل الأمد لها.
وتُظهِر رسائل البريد الإلكتروني التي راجعتها رويترز محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، ومقاومة مبدئية من البيت الأبيض لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى الفوضوية من الحرب. وبدأ تبادل المجموعات الثلاث من رسائل البريد الإلكتروني في 11 أكتوبر، أي في اليوم الخامس من الغارات الجوية الإسرائيلية بعد هجوم حماس.
"فقدان المصداقية"
في مرحلة مبكرة، تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب.
وبعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مستشفيات ومدارس ومساجد غزة، أبلغ كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية بيل روسو كبار المسؤولين في الوزارة بأن واشنطن "تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية" بعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية مباشرة، وذلك وفقا لرسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت يوم 11 أكتوبر. وذكرت السلطات الصحية في غزة في ذلك اليوم أن عدد القتلى بلغ نحو 1200 شخص.
وبينما دافعت إسرائيل عن الضربات، قائلة إن حماس تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، كتب روسو أن الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط يراقبون التقارير الإعلامية العربية التي تتهم إسرائيل بشن "إبادة جماعية" وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب.
كما كتب روسو أن "عدم استجابة الولايات المتحدة للأوضاع الإنسانية للفلسطينيين ليس فقط غير فعال وله نتائج عكسية، بل إننا متهمون أيضا بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال التزام الصمت حيال أفعال إسرائيل بحق المدنيين".
وفي ذلك الحين، كانت فرق الطوارئ تكافح لإنقاذ السكان المدفونين تحت الأنقاض بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، وبدأ تعاطف الدول يتحول من الإسرائيليين القتلى إلى المدنيين الفلسطينيين المحاصرين.
وبينما خاطب روسو كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، حث على التحرك سريعا لتغيير موقف الإدارة المعلن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل وعمليتها العسكرية في غزة. وكتب "إذا لم يتم عكس هذا المسار بسرعة، ليس فقط عبر الرسائل وإنما بالأفعال، فإن هناك مخاطرة بالإضرار بموقفنا في المنطقة لسنوات قادمة".
واستقال روسو في مارس، عازيا ذلك لأسباب شخصية. وأحجم عن التعليق.
رفضا لحرب إسرائيل على غزة.. قائمة جامعات أميركية تشهد احتجاجات
تستمر الاحتجاجات في جامعات أميركية، والتي تدعو لوقف إطلاق النار في غزة التي تشهد حربا منذ أشهر، وتعترض على الدعم السياسي والعسكري الأميركي لإسرائيل.
وأعادت باربرا ليف كبيرة الدبلوماسيين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية إرسال رسالة روسو عبر البريد الإلكتروني إلى مسؤولي البيت الأبيض، بما في ذلك بريت ماكغورك كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط. وحذرت من أن العلاقة مع شركاء واشنطن العرب "الذين كانوا سيكونون أنصارا مخلصين في ظروف أخرى" معرضة للخطر بسبب المخاوف التي أثارها روسو.
ورد ماكغورك بأنه إذا كان السؤال المطروح هو ما إذا كان ينبغي للإدارة أن تدعو لوقف إطلاق النار، فإن الإجابة هي "لا". لكنه استطرد قائلا إن واشنطن "تؤيد بنسبة 100 بالمئة" دعم الممرات الإنسانية وحماية المدنيين.
وأحجم ماكغورك وليف عن التعليق من أجل هذا التقرير.
ولكن بعد رسالة روسو عبر البريد الإلكتروني، لم يشهد الموقف الأميركي المعلن تغييرا يذكر على مدى اليومين التاليين، حسبما يظهر استعراض التصريحات العامة. وواصل المسؤولون الأميركيون التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وخطط تزويدها بالمساعدات العسكرية.
"تخفيف السرعة"
في يوم 13 أكتوبر، أي بعد يومين من رسالة روسو، ألقت طائرات إسرائيلية منشورات على شمال غزة تأمر مليون شخص من سكان القطاع بمغادرة منازلهم. وأعطى نتنياهو السكان مهلة 24 ساعة للفرار، في حين بدأت القوات الإسرائيلية مدعومة بالدبابات هجوما بريا داخل القطاع الذي تديره حماس والذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة. وتعهد نتنياهو بالقضاء على حماس بسبب هجومها.
وأثارت أوامر الإخلاء قلق وكالات الإغاثة والأمم المتحدة. وبحلول ذلك الوقت، كانت الغارات الجوية الإسرائيلية قد محت أحياء بأكملها.
وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف بيانا قالت فيه إن الأمر الإسرائيلي "لا يتوافق مع القانون الدولي الإنساني" لأن من شأنه أن يقطع الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية الأخرى عن غزة. وفي محادثة هاتفية في ذلك اليوم مع سترول، كان المدير الإقليمي للشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر فابريزيو كاربوني أكثر وضوحا، كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني.
فقد قالت سترول في رسالتها يوم 13 أكتوبر، التي وصفت فيها المحادثة بينهما، إن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست مستعدة لقول ذلك علنا، لكنها تدق ناقوس الخطر في أحاديث خاصة من أن إسرائيل تقترب من ارتكاب جرائم حرب".
وكانت رسالتها عبر البريد الإلكتروني موجهة إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض، بما في ذلك ماكغورك، إلى جانب كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون). وكتبت سترول "هاجسهم الرئيسي هو أنه من المستحيل أن يتحرك مليون مدني بهذه السرعة".
وقال أحد المسؤولين الأميركيين في سلسلة رسائل البريد الإلكتروني إنه سيكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا الإخلاء دون التسبب في "كارثة إنسانية".
وردا على سؤال عن المكالمة الهاتفية بين كاربوني وسترول، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها "تعمل باستمرار مع أطراف الصراعات المسلحة ومن لديهم نفوذ عليها لتعزيز احترام قوانين الحرب لمنع معاناة المدنيين خلال الصراعات.. ونحن نعتبر هذه المحادثات سرية للغاية".
وعلى المستوى العلني، كان البيت الأبيض يعبر عن دعم محسوب لخطط إسرائيل. فقد قال متحدث باسم البيت الأبيض للصحفيين إن مثل هذا الإخلاء الهائل يمثل "مهمة صعبة"، لكن واشنطن لن تنتقد إسرائيل. كما أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن المساعدات العسكرية الأميركية ستواصل التدفق إلى إسرائيل.
وقال عدة مسؤولين أميركيين كبار لرويترز إن بعض كبار المسؤولين الأميركيين عبروا عن قلقهم في أحاديث خاصة من عدم وجود طريق آمن للخروج من القطاع المكتظ بالسكان. وتفرض إسرائيل حصارا على غزة. ولم تفتح مصر حدودها مع القطاع وذلك في إطار سياستها طويلة الأمد التي تقضي بمنع إعادة توطين الفلسطينيين بأعداد كبيرة. وقتل بعض الفلسطينيين الفارين من شمال غزة عندما قصفت إسرائيل السيارات والشاحنات.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني ردا على سترول، قال ماكغورك إن واشنطن ربما تكون قادرة على إقناع إسرائيل بتمديد مهلة إجلاء الفلسطينيين لأكثر من 24 ساعة، قائلا إن الإدارة "يمكنها شراء بعض الوقت". لكنه كتب أنه يتعين على الصليب الأحمر والأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أن تعمل مع مصر وإسرائيل للتحضير للإجلاء.
وشبه ماكغورك، الخبير في الشأن العراقي لفترة طويلة، الوضع بالعملية العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد مسلحي تنظيم داعش في الموصل من عام 2016 إلى عام 2017، وهو الهجوم الذي ترك المدينة العراقية في حالة خراب.
وقال إن الاستراتيجية العسكرية والإنسانية في هجوم الموصل تم التخطيط لها جنبا إلى جنب. ورد مسؤولان في سلسلة رسائل البريد الإلكتروني بأنه سيكون من المستحيل تهيئة البنية التحتية اللازمة خلال هذا الوقت القصير. وذكّر أحدهما ماكغورك بأن عملية الموصل نتجت عن تخطيط استمر لوقت أطول بكثير. فقد أتيحت للمنظمات الإنسانية شهور لتجهيز وتقديم الدعم للمدنيين النازحين.
وكتبت بولا توفرو المسؤولة الكبيرة في البيت الأبيض المعنية بالاستجابة الإنسانية في البريد الإلكتروني "تقييمنا هو أنه ببساطة لا توجد طريقة لحدوث هذا النطاق من النزوح دون التسبب في كارثة إنسانية"، وسوف يستغرق الأمر "شهورا" لتهيئة الهياكل اللازمة لتوفير "الخدمات الأساسية" لأكثر من مليون شخص. وطلبت من البيت الأبيض أن يطلب من إسرائيل إبطاء هجومها.
وكتبت توفرو "نحتاج من حكومة إسرائيل التخفيف من سرعة دفع الناس إلى الجنوب".
وحث آندرو ميلر، الذي كان نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية آنذاك، زملاءه على التحرك بسرعة.
وكتب ميلر "إذا كنا نميل إلى التدخل لدى الإسرائيليين لثنيهم عن السعي إلى عمليات إخلاء جماعية، فسوف يتعين علينا فعل ذلك قريبا، وعلى مستوى رفيع وعبر نقاط اتصال متعددة". واستقال ميلر في يونيو، عازيا ذلك إلى أسباب عائلية.
ومنحت تعليقات بايدن العلنية بشأن غزة نتنياهو حرية تصرف كبيرة ضد حماس. وفي ذلك الوقت، لم يكن بايدن يواجه سوى احتجاجات متفرقة من جناح اليسار بالحزب الديمقراطي على دعمه للهجوم الإسرائيلي. كما لقي تشبيه إسرائيل لهجوم حماس بهجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن صدى كبيرا في الولايات المتحدة.
وبدأ موقف الإدارة المعلن يتغير في 13 أكتوبر. ففي مؤتمر صحفي عقد في الدوحة، اعترف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن علنا لأول مرة "بمعاناة الأسر الفلسطينية في غزة". وقال إن واشنطن تجري محادثات مستمرة مع الإسرائيليين ومنظمات الإغاثة لمساعدة المدنيين في غزة.
وفي اليوم التالي، تغيرت نبرة بايدن، إذ قال في كلمة إنه يعطي الأولوية بشكل عاجل للأزمة الإنسانية في غزة وأمر فريقه بالمساعدة في زيادة إمدادات الإغاثة إلى منطقة الحرب. ومن غير الواضح ما إذا كانت رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها روسو والآخرون قد أثرت على تصريحات بلينكن وبايدن.
ورغم أن إسرائيل بدأت في إرسال قوات مشاة إلى غزة يوم 13 أكتوبر، فإن الغزو البري واسع النطاق لم يبدأ إلا في 27 من ذلك الشهر. وقالت مصادر مطلعة في ذلك الوقت إن واشنطن نصحت إسرائيل بالتريث، وذلك لإتاحة الوقت بشكل رئيسي للجهود الدبلوماسية لتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية ردا على أسئلة من أجل هذا التقرير إنه منذ الأيام الأولى للصراع، شددت الولايات المتحدة على أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، لكن مع التأكيد على أن طريقتها في تحقيق ذلك مهمة. وقال المتحدث "تتحمل إسرائيل التزاما أخلاقيا بتخفيف الضرر الناجم عن عملياتها على المدنيين، وهو أمر أكدنا عليه علانية وسرا".
وأحجمت سترول وتوفرو عن التعليق.
وقال ميلر في بيان إن الإدارة "قلقة بشأن العواقب الإنسانية المترتبة على الإخلاء الجماعي". وأضاف أن "الخطط العسكرية الإسرائيلية كانت غير مكتملة إلى حد كبير في تلك المرحلة، وكنا نحاول التوصل لفهم أفضل... لاستراتيجية وأهداف" إسرائيل.
تسريع التسليح
بينما كان المسؤولون الأميركيون يقيّمون الأزمة الإنسانية، ضغطت إسرائيل على واشنطن للحصول على مزيد من الأسلحة.
ووفقا لرسائل البريد الإلكتروني، حث مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن وزارة الخارجية الأميركية في 14 أكتوبر على تسريع شحن 20 ألف بندقية آلية للشرطة الإسرائيلية.
وفي ذلك اليوم اعتذر المستشار الدفاعي الإسرائيلي أوري كتساف في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته في وزارة الخارجية الأميركية عن إزعاجها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه قال إن شحنة البنادق "عاجلة جدا" ويجب أن توافق عليها الولايات المتحدة.
وقالت كريستين ميناريتش وهي مسؤولة في إدارة ضوابط التجارة في الأصناف الدفاعية، القسم المعني بالموافقة على مبيعات الأسلحة في وزارة الخارجية، لكتساف إن البنادق لن تتم الموافقة عليها خلال الساعات الأربع والعشرين أو الثماني والأربعين المقبلة. وقد تستغرق مثل هذه الشحنات الضخمة من الأسلحة وقتا طويلا، إذ تتطلب موافقة وزارة الخارجية وإخطار الكونغرس.
وأحجم كتساف والسفارة الإسرائيلية عن التعليق.
وأعادت جيسيكا لويس، التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك، إرسال رسالة ميناريتش وطلب إسرائيل الحصول على البنادق إلى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية. ويتولى المكتب مراجعة مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة لضمان عدم إرسالها إلى الجيوش الضالعة في انتهاكات لحقوق الإنسان.
وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، طلبت لويس من المكتب تسريع مراجعته وأن يشرح "بشكل عاجل" أي معارضة منه لصفقات أسلحة محددة لإسرائيل. واستقالت لويس في يوليو.
وأوصى كريستوفر لومون نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان برفض أكثر من 12 صفقة أسلحة، بما في ذلك قاذفات قنابل، وقطع غيار، وبنادق. وفي رده على لويس، أشار إلى مخاوف بشأن "سلوك" وحدات معينة من الشرطة الإسرائيلية، مثل وحدة دوريات الحدود (يمام) وهي وحدة من القوات الخاصة.
وكتب لومون أن هناك "تقارير عديدة" عن تورط وحدة يمام في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". وأبدى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان اعتراضا على 16 صفقة أسلحة منفصلة لإسرائيل، وفقا لرسالة البريد الإلكتروني ومصدر مطلع.
وقال المصدر إنه تم المضي في جميع الصفقات تقريبا على الرغم من اعتراضات المكتب. وشملت مهام وحدة يمام إنقاذ أربع رهائن إسرائيليين في الثامن من يونيو وهي مهمة يقول مسؤولو الصحة في غزة إنها أسفرت عن مقتل أكثر من 200 فلسطيني.
وأحجمت ميناريتش ولويس ولومون والسفارة الإسرائيلية عن التعليق.
وقال مسؤولان أميركيان اطلعا على قائمة محدثة بشحنات الأسلحة إن واشنطن ترسل إلى إسرائيل ذخائر بأعداد كبيرة منذ بدء الحرب في غزة، بما في ذلك أكثر من عشرة آلاف قنبلة شديدة التدمير تزن 907 كيلوغرامات تقريبا والآلاف من صواريخ هيلفاير.
كما قال عدة مسؤولين أميركيين مطلعين على الأمر إن واشنطن ترسل إلى إسرائيل أعدادا كبيرة من الذخائر منذ اندلاع حرب غزة تشمل آلاف الصواريخ دقيقة التوجيه والقنابل التي تزن 907 كيلوغرامات والتي يمكنها تدمير المناطق المأهولة بكثافة واستخدمت في تدمير الأنفاق والمخابئ.
وتقول بعض جماعات حقوق الإنسان إن استخدام هذه الأسلحة هو السبب في مقتل المدنيين. وذكرت منظمة العفو الدولية ثلاث وقائع على الأقل في الفترة من 10 أكتوبر إلى يناير 2024 تضمنت أسلحة قدمتها الولايات المتحدة وقالت المنظمة إنها قتلت مدنيين، بينهم نساء وأطفال، في "انتهاكات خطيرة" للقانون الدولي الإنساني.
وفي يوليو، حذرت المنظمة من تواطؤ الولايات المتحدة فيما قالت إنه استخدام إسرائيل غير القانوني للأسلحة الأميركية لارتكاب جرائم حرب، وهو اتهام رفضته واشنطن.
وذكر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في مايو إن إسرائيل ربما تنتهك القانون الدولي باستخدام الأسلحة الأميركية، لكنها قالت إنها لا تستطيع أن تجزم بذلك على وجه اليقين بسبب فوضى الحرب والتحديات التي تواجه جمع البيانات.
ورفض متحدث باسم السفارة الإسرائيلية الاتهامات بأن إسرائيل تستهدف المدنيين. وقال "إسرائيل دولة ديمقراطية تلتزم بالقانون الدولي".