خرج الصحفي الفلسطيني، خالد راسم، من قطاع غزة إلى الإمارات برفقة صديقه، الذي تعرض لاعتداء من مسلحي حركة حماس حتى كاد أن يموت. واليوم يتمنى أن "تغيب حماس عن مشهد اليوم التالي بعد الحرب".
خالد وصديقه انتقلا بمساعدة منظمة أممية من شمال غزة، لكن عائلته لا تزال عالقة هناك. والدته على كرسي متحرك، معها اثنان من إخوته، إضافة إلى أخته وعائلتها.
وجميعهم نازحون مرات عديدة، وفقدوا 130 فردا من العائلة الممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023.
ومن قلب كل هذه المعاناة يقول خالد لموقع "الحرة" إن "شيئا واحدا فقط سيعيد للكثير من أهالي قطاع غزة حبهم للحياة، ومحاولة تناسي الفظائع التي عاشوها لأكثر من عام، هو ألا تعود حكومة حماس".
ويعتقد خالد أن هذا "رأي فئة كبيرة من الغزّيين".
حماس والرأي الآخر
موقف خالد وآخرون مثله، ممن يحملون حماس جزءا كبيرا من مسؤولية استمرار معاناة أهالي غزة، يتم تهميشه أو مهاجمته. لكن هذه الأصوات تزداد اليوم، وأصبحت مسموعة أكثر من ذي قبل. خاصة بعد أن وقع أكثر من 30 فلسطينيا من غزة، بينهم خبراء وكتاب وباحثون مستقلون، بيانا يطالب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالتحرك الفوري كي تتحمل السلطة الفلسطينية مسؤولياتها في القطاع.
ويواجه خالد وأصدقاؤه تهما بـ "الخيانة" أو في العامية الدارجة "المزاودة". وهناك تهم جاهزة لمن ينتقد سلوك حماس، فهي بنظر الموالين حركة تقود "مقاومة مقدسة"، مقابل "سلطة فتح التي فرّطت بحقوق الفلسطينيين"، حسب تعبير البعض.
وهذا الشيء ليس وليد اليوم، بل حكاية كل حرب تندلع داخل قطاع غزة منذ 2008-2009. وفي كل مرة، تعلن حماس انتصارها في معارك قُتل فيها آلاف المدنيين وشرّد عشرات الآلاف، ويحتفل موالوها. وعلى الجانب الآخر يعتبر ناقدون ومعارضون لنهج الحركة أنها "جلبت الخراب" للشعب الفلسطيني.
أمين العابد، هو صديق خالد "كسّرته حماس حرفيا حتى وصل الموت" وفق تعبيره، لأنه انتقدهم وطالب بوقف الحرب على مواقع التواصل. أما السبب الآخر، الذي لا يُذكر عادة، بحسب خالد، أن صديقه كان يحصل على مساعدات بشكل فردي ثم يوزعها على مواطنين في شمال غزة.
وهذا الأمر "لا يعجب حماس"، بحسب ما يقول خالد لموقع "الحرة"، إذ "يجب أن تمر كل المساعدات عبرهم، ويحصلوا على حصّة منها"، في إشارة إلى الحركة التي تسيطر على القطاع.
الإعلامية الفلسطينية من غزة، المقيمة منذ سنوات في فرنسا، أسماء الغول، كتبت منشورا على فيسبوك مؤخرا، يفيد بأنها "خسرت علاقات" وكذلك "فرص عمل" بسبب موقفها من حركة حماس والحرب.
وبحسب منشوراتها، تعتبر الغول أن قيادات حماس السياسية "تفاوض لبقائها في غزة، متناسية مأساة الناس".
وقبل أيام انتشر تسجيل صوتي نُسب لمراسل تلفزيوني مشهور، ينتقد فكرة "الصمود" والتغنّي به، لأنه نوع من "التسليم بالأمر الواقع وعدم السعي لوقف الحرب". لكن الصحفي سارع إلى نفي علاقته بالتسجيل، مبينا أنه "مفبرك".
ولاحقا كتب "يجب أن تنتهي هذه الحرب فورا".
ماذا عن اليوم؟
وبين قيادة حماس في قطر، وجسر الوسطاء، وكذلك السلطة الفلسطينية، تصريحات عديدة بشأن اليوم التالي.
لكن ماذا عن اليوم؟ حيث يعتبر الكثير من أهالي غزة أنهم ليسوا في الحسبان.
كتب عبدالله شرشرة، وهو إعلامي من غزة، بعد سرد إحداثيات سياسية في الداخل الفلسطيني والموقف العربي: "كيف تتوقع أن الإنسان العادي بغزة قد يرى أن كل ما يجري حوله يستحق التضحية؟".
"هو يرى أنها مقتلة لأجل اللا شيء، من مكانه فقط في هذه الخيمة الحقيرة هو يرى الحقيقة المطلقة!"، يضيف شرشرة.
يوسف حسّان، صحفي مستقل من غزة أيضا، يصف تصريحات قيادات حماس بأنها "مستفزة".
"كأننا لسنا بشرا، وكأننا مجرد أرقام في حساباتكم الخاسرة، ماذا فعلتم لأمهاتنا وأخواتنا وأطفالنا منذ أن بدأتم كارثة أكتوبر!؟ هل قدمتم شيئا واحدا يخفف عن الناس معاناتهم!؟ هل وفرتم سبلا لتعزيز صمودهم، أم أنكم تركتموهم يواجهون الموت وحدهم!؟".
إلى عباس و"الحركة الأسيرة"
أكثر من 30 فلسطينيا من غزة، هم خبراء وكتاب وباحثون مستقلون، وقعوا بيانا مشتركا موجها لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للتحرك الفوري والإعلان عن تحمل السلطة كافة مسؤولياتها في القطاع.
وردت السلطة الفلسطينية على البيان بالقول إن "دولة فلسطين جاهزة لتحمل كامل المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه وقف ما يعانيه شعبنا من ويلات العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة".
ودعت الرئاسة الفلسطينية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735 القاضي بوقف إطلاق النار بشكل فوري، واستلام السلطة مسؤولياتها كاملة في القطاع، والانسحاب الإسرائيلي الكامل منه.
من المشاركين في البيان، عمر شعبان، وهو خبير اقتصادي ومدير مركز "بال ثينك للدراسات الاستراتيجية"، والذي قال إن على حماس الإفراج عن كافة الرهائن وتسليمهم إلى مصر.
ودعا "قيادة الحركة الأسيرة"، أي ممثلي المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل، لـ"إعفاء حماس من حرج الموقف بالإعلان أنهم لن يخرجوا على جثث أطفال غزة".
برأي شعبان، يجب سحب كل الذرائع أمام حكومة بنيامين نتانياهو التي "تسعى لتدميرنا كليا".
الكاتب الفلسطيني الأردني، جابر إبراهيم جابر، كتب الأسبوع الماضي: "ربما صار على الحركة الأسيرة في السجون أن تتدخل وتناشد حماس الموافقة على الصفقة بأي شروط وإنقاذ من تبقى من الغزاويين، وأن تسأل حماس: كم ستحررون منّا 400؟ 800؟ عشرة آلاف !! هل يساوي ذلك موت الأطفال في الخيام تجمدا من البرد ؟هل يساوي موت الأطفال جوعا؟؟".
وتابع قائلا: "ما هي شروطكم للصفقة؟ حتى لو... بيضتم السجون هل يساوي ذلك كل من ماتوا؟ هل يساوي الجثث التي تأكلها الكلاب في الشوارع؟".
مشاهد الكلاب التي تلتهم جثث القتلى في شوارع غزة، يتم تداولها منذ أشهر، كان أحدثها خلال ديسمبر الماضي.
كما تفاقمت معاناة نازحي الخيام بسبب إغراق الأمطار لمأواهم الوحيد.
وانتشرت مقاطع فيديو قاسية تُظهر فلسطينيين بثياب خفيفة وحُفاة مبللين تغوص أقدامهم في الطين.
ويتداول مستخدمون لشبكات التواصل الاجتماعي صور أطفال ماتوا متجمدين من البرد، بأجساد مزرقّة.
هذه أمور دفعت الكثير من أهالي غزة لإعلاء صوتهم من أجل أن تقبل حماس بأي شيء لوقف المأساة.
لسنا أساطير
الصحفي خالد الذي ولد وترعرع في تل الزعتر بمخيم جباليا، عاش مجاعة الشمال، التي بدأت في نوفمبر 2023 واستمرت حتى آخر فبراير 2024، حسب قوله.
لم يصدّق حينها، وإلى اليوم، كيف اشترى علف الحيوانات وصنع منه رغيف خبز، يحاول أن ينسى طعمه، وألا يذوقه أحد أبدا.
المساعدات وسرقتها وحوادث السطو المسلح على أكياس الطحين.. قصة أخرى، يكتفي خالد بالقليل منها.
لكن أبرز ما يذكره، أن حماس بدأت هذه الظاهرة بالسيطرة على المساعدات وبيعها.
وحذا حذوها موظفون في منظمات دولية. ويقول خالد إن هناك أشخاصا في غزة لم يصلهم أي شيء طيلة الحرب.
ويؤكد خالد أن لحركة حماس دورا كبيرا في التغطية على مأساة الغزيين كي لا تنقلب الآراء ضدها.
ففي أبرز واقعة بعد إخلاء مستشفى كمال عدوان واعتقال مديره، توجه عناصر حماس للممرضات خصوصا وأمروهن بعدم ذكر أي تفاصيل عما حصل خلال ذلك.
وللإعلام العربي الموجه كما يسميه خالد، دور في استمرار مأساة أهالي القطاع.
"نحن لسنا أساطير، بل بشر، لكل منا حلم كالسفر أو الزواج أو غيره، وليس أن نعيش لنموت"، يقول خالد.
ويلقي باللوم على الإعلام "الموجه"، الذي رسم صورة مناقضة للغزي، وأسهم في استمرار معاناته.
ويضيف أن مطلبه اليوم مثل الكثير من أهالي غزة، أن تنتهي الحرب، وأن يبدأ بعدها الإعمار.
"ولا أريد أيضا رؤية حماس في اليوم التالي.. لقد عانينا تحت حكمها 17 سنة" يتابع راسم.