شهدت المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الإفراج عن أربع رهائن إسرائيليات
شهدت المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الإفراج عن أربع رهائن إسرائيليات

أفرجت إسرائيل السبت عن مئتي معتقل فلسطيني آخر في إطار الدفعة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد إفراج حماس عن أربع رهائن إسرائيليات، فيما بدأت التكهنات بشأن الدفعة الثالثة من الاتفاق وما بعدها.

ومع إطلاق الدفعة الثانية من المحتجزين والمعتقلين، تثار التساؤلات حول إمكانية تطبيق اتفاقية غزة بالكامل. ففي الوقت الذي يسير فيه الاتفاق وفقًا لما هو مخطط له في خطواته الأولى، يشير مراقبون إلى وجود تحديات قد تعرقل تحقيق ذلك.

وفي ظل هذه الظروف، يبقى تنفيذ الاتفاق مرهونًا بعوامل متعددة، سواء على الصعيد الداخلي الإسرائيلي أو في سياق الضغط الدولي، خصوصًا من جانب الإدارة الأميركية.

رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي، منصور عباس، أشار إلى أن الاتفاق يسير في خطواته الأولى كما كان مخططًا له، إلا أنه منذ اللحظة الأولى ظهرت تجاذبات سياسية داخل الحكومة الإسرائيلية.

فهناك استقالات لعدد من الوزراء، بالإضافة إلى تهديد بعض الأطراف بالانسحاب من الحكومة في حال عدم استئناف الحرب في غزة، مشيرا إلى أن "هذه التجاذبات ستكون عقبة كبيرة في تطبيق الاتفاق بالكامل، كما أنها قد تهدد استقرار الحكومة الإسرائيلية نفسها".

وأشار عباس إلى أن موقف "القائمة العربية الموحدة" هو دعم تنفيذ الاتفاق بكل الطرق الممكنة لوقف الحرب وإعادة جميع المحتجزين إلى ديارهم، بالإضافة إلى وضع مسار سياسي جديد يخص مستقبل القضية الفلسطينية.

وأضاف أن المشكلة الرئيسية في تنفيذ الاتفاقية هي التجاذبات السياسية الداخلية بسبب النظام البرلماني الإسرائيلي، الذي لا يمنح أي حزب أغلبية مطلقة في الحكومة، مما يجعل عملية صنع القرار "هشة" ومرهونة بتوافقات صعبة.

وأوضح أيضًا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد يستغل هذه القضية لتعزيز موقفه في المفاوضات، مما قد يعرقل الوصول إلى اتفاق نهائي.

عباس شدد على أن هناك إرادة دولية لدعم تطبيق الاتفاقية، كما يتضح من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وعد بتحقيق السلام، وقال إن الضغط الأميركي قد يدفع بعض القوى السياسية الإسرائيلية المعارضة إلى دعم الحكومة "العرجاء".

ورغم ذلك، أشار عباس إلى أن الحكومة الإسرائيلية ما زالت عاجزة عن تحديد موقفها بشأن المرحلة ما بعد الحرب، خاصة أنها لم تضع سوى هدفين، هما "سحق حماس وإعادة المختطفين".

رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي ذكر أن تنفيذ الاتفاق مرهون بتوافر عوامل وضمانات رئيسة، مثل تشكيل حكومة فلسطينية من "التكنوقراط" دون فصائل مسلحة، وتأسيس لجنة مدنية تدير شؤون غزة وتعيد إعمارها.

ولفت إلى أن وجود قوة حفظ سلام عربية هو العامل الأهم لتأمين الفلسطينيين وفض الاشتباك، بالإضافة إلى إدارة الشؤون الأمنية حتى يتم تأهيل قوات الأمن الفلسطينية.

وأكد عباس أن الأزمات تخلق فرصًا شريطة أن تكون هناك مبادرات واضحة، لكنه أضاف أنه حتى الآن لا توجد مبادرة سياسية شاملة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحقيق السلام، "بل تقتصر المبادرات الحالية على وقف إطلاق النار وإعادة المعتقلين والمحتجزين"، وفق قوله.

من جانبه، قال العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، مايكل كلاينر، في حديثه لـ "الحرة"، إن السياسة الإسرائيلية في الوقت الحالي تحكمها رغبة الشعب الإسرائيلي في رؤية بقية المحتجزين يعودون إلى منازلهم، مشيرًا إلى أن هذه أولوية قصوى في الوقت الراهن.

وأضاف أن هناك أيضًا رغبة قوية لدى إسرائيل في محاولة الوصول إلى سلام شامل في الشرق الأوسط، معتبرًا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان راعيًا للاتفاقيات الإبراهيمية، سيدفع بقوة في هذا الاتجاه، ويعد هذا الإنجاز أحد أبرز أهدافه في ولايته الثانية.

كما أعرب كلاينر عن اعتقاده بأن إسرائيل أصبحت الآن أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق شامل للسلام في الشرق الأوسط، رغم وجود مخاوف من بعض الأطراف بشأن عدم رغبة رئيس الوزراء نتنياهو في إنهاء الحرب "لتحقيق مكاسب سياسية".

لكن كلاينر أضاف أنه إذا التزمت جميع الأطراف باتفاقية وقف إطلاق النار وتم الإفراج عن جميع المحتجزين، فإن إسرائيل ستكون مستعدة للانسحاب من غزة بشرط عدم عودة حماس إلى إدارة القطاع.

وأشار كلاينر إلى أن الإدارة الأميركية قد وعدت بتحقيق هذه المطالب، خاصة فيما يتعلق بنزع السلاح في غزة، كخطوة نحو تحقيق وقف كامل لإطلاق النار والتمهيد لتحقيق السلام في المنطقة.

وأوضح العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود أن المعطيات الحالية تشير إلى أن حماس معنية بوقف إطلاق النار بسبب الضغوط الكبيرة، ولكن من الضروري أن تلتزم حماس بكافة بنود الاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بإطلاق جميع المحتجزات.

وأكد أن "إسرائيل ستكون صارمة في التعامل مع أي خرق للاتفاق من قبل حماس".

بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، أطلقت حركة حماس سراح 4 رهينات إسرائيليات، في وقت أعلنت إسرائيل الإفراج عن 200 معتقل فلسطيني بينهم معتقلون من ذوي الأحكام العالية.

الجيش الإسرائيلي أعلن في بيان وصول الرهينات الإسرائيليات دانييل جلبوع وكارينا أرئيف وليري ألباغ ونعمة ليفي إلى الأراضي الإسرائيلية.

في المقابل، وصل 70 معتقلا فلسطينيا إلى مصر على متن حافلات، في حين وصل 16 معتقلا سابقا إلى قطاع غزة، وأقلت حافلات الصليب الأحمر الدولي الباقين إلى الضفة الغربية.

ومن بين الفلسطينيين المفرج عنهم، هناك 120 معتقلا يمضون أحكاما بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية.

ولم تخل هذه المرحلة من تبادل الاتهامات بعدم تنفيذ الاتفاق بين إسرائيل وحماس. فبينما أعلن مكتب نتانياهو، أنه لن يسمح بعبور سكان غزة إلى الشمال، ما لم يفرج عن الرهينة المدنية أربيل يهود، التي كان من المفترض أن يُفرج عنها اليوم.

لكن يتوقع أنه سيتم إطلاق سراح يهود الأسبوع المقبل، ضمن الدفعة الثالثة من تبادل الرهائن والمعتقلين بين حماس وإسرائيل.

وتأتي هذه التطورات في وقت احتشد فيه آلاف النازحين من سكان شمال قطاع غزة قرب محور نتساريم في المنطقة الوسطى من القطاع، بانتظار السماح لهم بالعبور إلى المناطق الشمالية.

ترامب ونتانياهو في مؤتمر صحفي
ترامب ونتانياهو في مؤتمر صحفي

يحتل التعاون الأميركي الإسرائيلي بشأن غزة صدارة المشهد السياسي، مع تركيز إدارة الرئيس دونالد ترامب على مقاربة جديدة للملف، بعيدا عن الحلول التقليدية.

وفي أول زيارة له إلى إسرائيل، شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على ضرورة "القضاء" على حركة "حماس"، مؤكدا أن استمرارها كقوة عسكرية أو حكومة، غير مقبول.

في المقابل، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو العلاقة مع واشنطن بأنها تستند إلى "استراتيجية مشتركة" حيال مستقبل غزة.

وبسؤال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية أمير آرون، عما إذا كان ترامب ونتانياهو على نفس الصفحة في ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة، قال "ربما، لكن الرئيس الأميركي لديه صفحات أكثر بكثير ليقرأها".

وأوضح أنه بعد حديث ترامب عن إعادة توطين الفلسطينيين، يبدو أن اهتمامه انتقل الآن إلى الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

واعتبر آرون أن فكرة ترامب "ولدت ميتة"، حيث لم تحظ بأي دعم يذكر سوى من نتانياهو، حتى مجموعة السبع لم تؤيدها.

لكنه يشير إلى أن الإدارة الأميركية الآن تعتبر أنها حركت المياه الراكدة.

من جانبه، يرى مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ديفيد شينكر في مقابلة مع برنامج "الحرة الليلة" أنه "لن يكون هناك جنود أميركيون على الأرض في غزة".

واعتبر أن حديث ترامب عن "ريفييرا في غزة" كان يهدف إلى الضغط على الدول العربية لتأتي بمقترح بديل لغزة ما بعد الحرب، ودفعهم أيضا المشاركة في إعادة البناء وفي ضبط الأمن مع وجود فعلي لدعم السلطة الفلسطينية في غزة.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ليس لديها تصور يتعلق باليوم التالي من انتهاء الحرب.

وقال: "هذا ما يعمل عليه العرب مجددا الآن للرد على الاقتراح الآخر من ترامب".

ويرى أن الدور الأميركي في غزة سيكون بالمساعدة على تكييف المقترحات العربية والعمل مع الحكومة الإسرائيلية للتوافق على اتفاق ما.

ماذا بشأن مستقبل المفاوضات والحرب في غزة؟

أكد نتانياهو في مؤتمر صحفي الأحد مع روبيو، أن بلاده ستفتح "أبواب الجحيم" في غزة إذا لم تتم إعادة جميع الرهائن المحتجزين هناك.

وأشار إلى أن "إسرائيل ستقضي على القدرة العسكرية لحماس وحكمها السياسي في غزة".

وجاءت زيارة روبيو على وقع خلافات حول بنود الاتفاق ومخاوف من انهياره قبل الوصول للمرحلة الثانية منه.

وشدد شينكر على أنه إذا كان هناك أي دور لحماس في قيادة غزة، فإن ذلك سيؤدي لاستئناف الحرب.

واتفق معه آرون الذي قال إن "حكومة نتانياهو تعتمد على استمرار المواجهة".

لكنه يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعلم أن حركة حماس لن تطلق سراح الجنود إلا إن كان هناك تعهد من إسرائيل بعدم الاستمرار باستهداف قادة حماس، "وهنا نجد تناقضا لا يسهل حله" على حد قوله.

ويشير إلى أن الحل قد يكون في أن يتدخل ترامب ويعلن التزامه بأن إسرائيل لن تستأنف الحرب، مما ينقذ تماسك ائتلاف الحكومة اليمينية.