تنذر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بتجدد الحرب في غزة، خاصة مع المظاهر التي أبرزتها حماس خلال عمليات تسليم الرهائن.
نتانياهو توعد السبت، حماس قائلا إنه سيقضي عليها ويستعيد جميع الرهائن المختطفين في غزة، بعد انتقادات وجهت إليه في أوساط المجتمع الإسرائيلي خاصة لبقائه في واشنطن لعدة أيام رغم استمرار وجود رهائن لدى حماس.
محللون سياسيون يرون في تصريحات نتانياهو مؤشرا أن المرحلة التالية لاتفاق وقف إطلاق النار لن تتم، رغم رغبة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي للاستمرار بالاتفاق.
ويتضمن اتفاق الهدنة ثلاث مراحل، على أن تشمل المرحلة الأولى الممتدة على ستة أسابيع الإفراج عن 33 رهينة محتجزين في قطاع غزة في مقابل 1900 معتقل فلسطيني.
وكانت قد حصلت حتى السبت أربع عمليات تبادل شملت الإفراج عن 18 رهينة و600 معتقل.
وأعلن نتانياهو السبت إرسال مفاوضين إلى قطر لبحث المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة.
"مثار جدل"
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري يعتقد أن ذهاب إسرائيل نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال مثار جدل بين أوساط السياسيين في البلاد.
وأفاد في حديثه لـ "الحرة" أن المرحلة الأولى كانت محل جدل كبير بين أوساط السياسيين، حيث لا تزال هناك "رموز لحماس تنتشر في غزة" وأي انسحاب من أماكن استراتيجية قد يعرض الجنود الإسرائيليين للخطر.
ناهيك عن "الثمن الباهظ" في إطلاق سراح الكثير من "القتلة والمجرمين" الفلسطينيين الموجودين في المعتقلات الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح عدد من الرهائن، بحسب مصري.

وأظهر استطلاع للرأي بثته القناة 12 الإسرائيلية الجمعة أن 70 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الاستمرار باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذهاب للمرحلة الثانية.
ويعارض 21 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع التوصل للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال 9 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يعرفون ما إذا كانوا يؤيدون أو يعارضون المرحلة الثانية.
بدوره قال غوردون غراي، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى إن تصريحات نتانياهو ستقوض المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.
وأضاف في حديث لـ "الحرة" أن نتانياهو يريد توجيه رسائل داخلية لإسرائيل على أنه شديد وقوي، لا سيما أنه يتعرض للانتقادات من عائلات الرهائن، لوجوده في واشنطن رغم مواصلة احتجاز أبنائهم.
وزاد غراي أن هذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها نتانياهو بمثل هذه التصريحات، وتحدث بشكل مماثل عندما حصل إطلاق سراح رهائن في مرات سابقة.
مناورة لتعطيل المرحلة الثانية
أستاذ العلوم السياسية في جامعه قناة السويس، سعيد الزغبي، قال إن تصريحات نتانياهو "مناورة لتعطيل المرحلة الثانية من الهدنة، وتشجيع لسياسات الرأي العام الإسرائيلية، التي تقول إن حماس لا يجب أن تبقى في قطاع غزة".
وأكد الزغبي في حديثه لقناة "الحرة" أن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "من أهم المراحل لوقف الحرب في القطاع، والوصول إلى مرحلة إعادة الإعمار للقطاع.
ويرى أن استعراض حماس خلال عمليات تسليم الرهائن فيه استفزاز كبير للحكومة والجيش الإسرائيلي، والتي حملت شعارات بأن حماس باقية "لليوم التالي بعد الحرب"، في إشارة إلى بقائها في السلطة بعد انتهاء الحرب في غزة.
وقال الزغبي إن نتانياهو سيستخدم تعطيل المرحلة الثانية من الهدنة من أجل إعادة تجديد الحرب مرة ثانية في غزة.
وأفرجت حماس السبت عن الرهائن الإسرائيليين الثلاثة الذين أمضوا 16 شهرا محتجزين في قطاع غزة.
ونقل الرهائن الثلاثة أور ليفي (34 عاما)، وإيلي شرابي (52 عاما)، والألماني-الإسرائيلي أوهاد بن عامي (56 عاما) في شاحنات بيك آب وأصعدهم مقاتلو حماس إلى منصة خلال مراسم أقيمت في دير البلح في وسط قطاع غزة.
وانتشر عشرات من مقاتلي حماس الملثمين والمسلحين وعلى جبينهم عصبة الحركة الخضراء، وفرضوا طوقا أمنيا في المكان، تجمعت خلفه حشود ضمت مئات الأشخاص.
وساد الغضب في إسرائيل بسبب الأوضاع التي يعانيها الرهائن وقال يهودا كوهين والد الجندي المخطوف نمرود كوهين "نتانياهو يستمتع بجناحه الفاخر (في واشنطن) الذي تموله ضرائبنا بينما يعود الرهائن مثل الناجين من الهولوكوست من أسر حماس".
ودعا نتانياهو إلى "التخلي عن أجندات خاصة لديه"، منتقدا إطالة أمد الإفراج عن الرهائن.
واتهم زعيم المعارضة في الكنيست، يائير لابيد نتانياهو بعدم أخذ ظروف الرهائن على محمل الجد أثناء وجودهم في الأسر.
وقال موجها كلامه لنتانياهو "هل اكتشف الآن ظروف الرهائن الخطيرة؟ ألم تكن تعلم من قبل؟ لأن ذلك مكتوب في وثائق الاستخبارات الموضوعة على مكتبك منذ أشهر".

وفي مقابل إطلاق الرهائن الثلاثة، أفرجت إسرائيل عن 183 معتقلا فلسطينيا، بحسب ما أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية السبت.
ونقل سبعة منهم إلى المستشفى بسبب وضعهم الصحي.
ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تقوم بتسهيل عمليات تبادل الرهائن والمعتقلين بين إسرائيل وحماس بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، السبت جميع الأطراف إلى إجراء عمليات التبادل المقبلة في شكل "غير علني".
هدف استراتيجي لإسرائيل غزة
من جانبه عبر مصري عن معارضته لاتفاق وقف إطلاق النار، لتأثيره على قوة الردع الإسرائيلي، ولا يخدم مصالح البلاد، ولكن لا يزال من الممكن لإسرائيل العودة إلى مواقعها الاستراتيجية، في إشارة إلى تجدد الحرب.
وقال هناك تعارض بين هدفين للحرب في غزة "الأول هدف إنساني بتحرير المختطفين، والثاني استراتيجي ومركزي، بإعادة بسط السلطة على قطاع غزة، واستئصال أوكار الإرهاب في داخلها".
ويرى أنه حتى الآن تم تحقيق البعض من هذه الأهداف بإعادة بسط السيطرة على القطاع، وتحرير عدد من الرهائن.
ويشبه مصري توقف الحرب خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بالهدنة التي تحققت أول مرة، وقال إن "الحرب مستمرة ولم تنته".
وبدأ تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير بعد أكثر من 15 شهرا على اندلاع الحرب المدمرة. وينص على الإفراج عن رهائن محتجزين في قطاع غزة في مقابل معتقلين فلسطينيين في سجون إسرائيل، تزامنا مع وقف العمليات القتالية.
واحتجز خلال هجوم حماس في السابع من أكتوبر 251 شخصا رهائن، كما قتل 1210 أشخاص على الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وأدى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة إلى مقتل أكثر من 48 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس.
القضاء على حماس
وأكد غراي أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مهتمة كثيرا بأن يبقى وقف إطلاق النار قائما، وأنه لا مصلحة لإسرائيل للعودة إلى القتال من جديد.
وكانت شكوك تخيم على هذه الصفقة بعد اقتراح ترامب تولي الولايات المتحدة ومان الأمور في قطاع غزة. لكن هذه الشكوك تبددت الجمعة.
وأثار ترامب جدلا واسعا إثر اقتراحه تولي الولايات المتحدة زمام الأمور في قطاع غزة وإخلاء السكان هناك لتطوير مشاريع عقارية فيه، مع "إعادة توطين" سكانه في أماكن أخرى من المنطقة، ولا سيما مصر والأردن.
ورفضت القاهرة وعمان هذا المقترح الذي أثار أيضا رفضا دوليا.

وقال الرئيس الأميركي الجمعة إنه ليس مستعجلا في تنفيذ مقترحه.
وقال غراي "المصلحة الإسرائيلية تكمن في نهاية الحرب وإطلاق سراح الرهائن"، مشيرا إلى أن هذا ما يدعمه أهالي الرهائن الإسرائيليين، والاتفاق السياسي والدبلوماسي هو السبيل الوحيد لإطلاق سراح الرهائن.
واستبعد غراي أن تحقق إسرائيل هدف "القضاء على حماس" إذ أنه بعد 15 شهرا من القتال، ضعفت الحركة، ولكنها "لا تزال قوة إرهابية في غزة".
وقال إن الولايات المتحدة حاولت لسنوات القضاء على تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش، إذ تم إضعافها بشكل كبير، ولكن لم يتم القضاء عليها تماما.
وينادي المجتمع الدولي بتنفيذ حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، إلا أن إسرائيل تعارضه بشدة.

رغم موجة التنديد الدولية، أعلنت إسرائيل الخميس أنها بدأت وضع خطة لتسهيل "المغادرة الطوعية" لسكان غزة.