يستمر مسلسل العنف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية في عام 2023 بوتيرة أسرع من العام الماضي وذلك بعد سلسلة من الحوادث الدامية أثارت موجة إدانات دولية واسعة.
وأتت دوامة العنف خلال العام الماضي في ظل حكومة ائتلافية مكونة من خليط من مختلف الأيدولوجيات، لكنها لم تدم طويلا.
ويعتبر عام 2022، الأكثر دموية في الضفة الغربية، وفق الأمم المتحدة، بعد سلسلة من العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي يقول إنها تهدف لاعتقال مطلوبين.
وبحسب إحصاء لوكالة فرانس برس، شهد العام الماضي مقتل 201 فلسطيني على الأقل، بينهم 150 في الضفة الغربية، و26 إسرائيليا في أكبر حصيلة قتلى سنوية من الجانب الإسرائيلي منذ عام 2014.
والخميس، أسفرت عملية عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية عن مقتل 10 فلسطينيين، في تصعيد قررت السلطة الفلسطينية على إثره وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، التي قالت من جهتها إن قواتها تبادلت إطلاق النار مع "مطلوبين بعمليات إرهابية".
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فقد سقط تسعة من القتلى العشرة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، في حين سقط القتيل العاشر في بلدة الرام قرب القدس برصاص إسرائيلي خلال مواجهات أثناء احتجاجات على العملية العسكرية في جنين.
ومن شأن وقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أن يقطع معظم الاتصالات بين أجهزة الأمنية بين الطرفين، مما قد يسهل على كل من الجماعات الفلسطينية المسلحة والمستوطنين الإسرائيليين العنيفين التصرف دون عوائق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
"صراع على السلطة"
وعدد القتلى الذين سقطوا في عملية جنين هو الأكبر الذي يسجل منذ عام 2005 في عملية إسرائيلية واحدة بالضفة الغربية، وفق الأمم المتحدة.
وفي اليوم التالي لعملية جنين، أطلق مسلح فلسطيني النار بالقرب من كنيس يهودي بالقدس مما أسفر عن وقوع سبعة قتلى في هجوم هو الأكثر دموية على المدنيين بالمدينة منذ عام 2008، بحسب الصحيفة الأميركية نفسها.
ويرجع الباحث السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، أسباب العنف بالضفة الغربية إلى الاقتتال الفلسطيني على السلطة لحقبة ما بعد الرئيس، محمود عباس.
وقال كيدار في حديث لموقع قناة "الحرة" إن "الكل يستعد لخروج أبي مازن من السلطة بطريقة أو بأخرى من خلال حمل السلاح"، مما جعل الضفة الغربية تشهد ولادة خمس مليشيات مسلحة تابعة لقيادات فلسطينية، وفق قوله.
وأضاف: "كل هذه المليشيات تريد أن تبرهن للقاصي والداني أنها قوية ولها سلاح وذخيرة وجمهور وعزيمة في الاستيلاء على المسرح السياسي الفلسطيني".
وتابع: "التحرش بالإسرائيليين هو أول وسيلة لإثبات القوة والعزيمة عند هذه المليشيات المسلحة".
وجاء العنف المتواصل خلال مطلع العام الجديد بعد شهر واحد من قدوم حكومة جديدة في إسرائيل تعد هي الأكثر يمينية في تاريخ البلاد والتي اتخذت إجراءات ردا على الحوادث الدموية.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الإسرائيليين والفلسطينيين شهدوا "واحدة من أكثر المراحل عنفا في منطقتهم دون حرب شاملة" في ظل تواجد "حكومة يمينية متطرفة في السلطة منذ شهر واحد فقط".
وفي هذا الإطار، حذر محللون فلسطينيون من أن سياسات وقادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة قد تزيد من تأجيج الوضع على الأرض.
وقال إبراهيم دلالشه، مدير مركز الأفق للدراسات السياسية، وهو مركز أبحاث فلسطيني مستقل يعمل على تعزيز حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي سلميا، إنه "لا توجد حدود للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه هذه الحكومة".
وأضاف في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" "إنه منحدر زلق".
وتتكون الحكومة الجديدة من تحالف من نشطاء المستوطنين والقوميين المتشددين والمحافظين المتطرفين بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، ويسعى قادتها إلى ضم الضفة الغربية وتخفيف أكبر لقوانين الاشتباك للجيش الإسرائيلي وترسيخ السيطرة الإسرائيلية على موقع مقدس لليهود والمسلمين في القدس، وفقا للصحيفة.
وأكد هاني المصري، المحلل السياسي المقيم في رام الله أن "هناك تغييرا كبيرا. اعتدنا أن نرى هؤلاء على الهامش، وليس بين الوزراء". وقال لصحيفة "نيويورك تايمز": "نحن في مرحلة جديدة".
وأعقب الحوادث الدامية اجتماع لمجلس الوزراء الأمني المصغر، السبت، حيث تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، برد حاسم على الهجمات التي شهدتها القدس.
وقال إن "استجابتنا ستكون قوية وسريعة ودقيقة. من يحاول أن يؤذينا، سنؤذيهم وأي شخص يساعدهم"، مضيفا: "لا نبحث عن تصعيد لكننا مستعدون لأي سيناريو".
وردا على هجمات القدس والاحتفالات اللاحقة في المدن الفلسطينية، قرر المسؤولون الإسرائيليون اتخاذ خطوات "لتعزيز المستوطنات" خلال الأسبوع المقبل دون تقديم مزيد من التفاصيل، وفق ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وقال نتانياهو إنه سيتم منح "آلاف المدنيين" تصاريح لحمل أسلحة نارية من خلال تسريع عملية الترخيص وتوسيعها.
وأضاف أنه سيتم نشر جنود وشرطة إضافيين وستشرع قوات الأمن في سلسلة من العمليات لجمع المعلومات الاستخبارية ومصادرة الأسلحة النارية غير القانونية وتنفيذ الاعتقالات.
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، ستتم مناقشة قانون يلغي رقم الهوية الوطنية لأفراد عائلات منفذي الهجمات الذين يدعمون هذه الأفعال وذلك في اجتماع لمجلس الوزراء، الأحد، بكامل هيئته.
بدوره، قال وزير الأمن القومي اليميني، إيتمار بن غفير، بعد اجتماع مجلس الوزراء المصغر، السبت، إنه سيقترح قريبا قانونا يسمح بعقوبة الإعدام "ضد الإرهابيين"، بحسب الصحيفة الإسرائيلية نفسها. وتابع: "آمل أن يمر بأغلبية كبيرة".
"الحكومة تريد الهدوء"
في غضون ذلك، تواجه الحكومة اليمينية في إسرائيل معارضة شعبية بعد خروج المتظاهرين للشوارع، السبت، للأسبوع الرابع على التوالي.
واحتشد المتظاهرون المناهضون للحكومة، السبت، في تل أبيب للاحتجاج على خطط الحكومة بإجراء تعديلات مثيرة للجدل على النظام القضائي يراها المعارضون تضر بالديمقراطية فيما يعتقد المؤيدون أنها ترسخ القيم الديمقراطية للبلاد.
وقالت صحيفة "هآرتس" إن أكثر من 60 ألف شخص شاركوا في المظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وهو أقل بكثير من 100 ألف تجمعوا الأسبوع الماضي للسبب ذاته.
وأثار وصول حكومة يمينية في إسرائيل الغضب الفلسطيني وجعل من الصعب على القوى المعتدلة المتبقية في الحكومة الإسرائيلية نزع فتيل التوترات.
وقال نمرود نوفيك، المسؤول الإسرائيلي الرفيع السابق ومحلل بمنتدى السياسة الإسرائيلية، إنه في ظل الحكومة السابقة كانت "السياسة الإسرائيلية تهدف للحفاظ على وهم الاستقرار".
وأضاف نوفيك في حديثه مع "نيويورك تايمز" "لقد تم نزع هذا الغطاء الآن".
لكن كيدار يرى أن "هذه الحكومة تريد الهدوء والاستقرار والمضي قدما في الإصلاحات القانونية بالبلاد وهي ليست بحاجة إلى إزعاج قادم من الجانب الفلسطيني".
وقال كيدار إن هذه الحكومة اليمينية هي "نتيجة حتمية" لما شهدته شوارع إسرائيل من تصاعد "الهبة المتطرفة" خلال مايو من عام 2021، في إشارة للعنف الذي شهدته المدن المختلطة بين العرب واليهود آنذاك.
وأشار إلى أن الناخب الإسرائيلي جاء بهذه الحكومة اليمينية "لوضع حد لهذه التصرفات ... الآثم الأول والأخير هم الفلسطينيون"، ومن يتبعهم من الجماعات المتشددة التي تشن هجمات داخل إسرائيل.
وفي هذا السياق، استبعد دلالشه أن تهدأ التوترات بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية بشكل سريع.
وأوضح أن التوترات مع الحكومة الإسرائيلية لن تهدأ بسرعة قد تتيح للسلطة الفلسطينية التراجع عن قرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل دون فقدان ماء الوجه، وفقا لما نقلته عنه "نيويورك تايمز".
واختتم قائلا: "لا حدّ لما يمكن لهذه الحكومة فعله".