حوادث دامية شهدتها القدس خلال الأيام الماضية
حوادث دامية شهدتها القدس خلال الأيام الماضية

يستمر مسلسل العنف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية في عام 2023 بوتيرة أسرع من العام الماضي وذلك بعد سلسلة من الحوادث الدامية أثارت موجة إدانات دولية واسعة.

وأتت دوامة العنف خلال العام الماضي في ظل حكومة ائتلافية مكونة من خليط من مختلف الأيدولوجيات، لكنها لم تدم طويلا.

ويعتبر عام 2022، الأكثر دموية في الضفة الغربية، وفق الأمم المتحدة، بعد سلسلة من العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي يقول إنها تهدف لاعتقال مطلوبين.

وبحسب إحصاء لوكالة فرانس برس، شهد العام الماضي مقتل 201 فلسطيني على الأقل، بينهم 150 في الضفة الغربية، و26 إسرائيليا في أكبر حصيلة قتلى سنوية من الجانب الإسرائيلي منذ عام 2014.

والخميس، أسفرت عملية عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية عن مقتل 10 فلسطينيين، في تصعيد قررت السلطة الفلسطينية على إثره وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، التي قالت من جهتها إن قواتها تبادلت إطلاق النار مع "مطلوبين بعمليات إرهابية".

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فقد سقط تسعة من القتلى العشرة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، في حين سقط القتيل العاشر في بلدة الرام قرب القدس برصاص إسرائيلي خلال مواجهات أثناء احتجاجات على العملية العسكرية في جنين.

ومن شأن وقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أن يقطع معظم الاتصالات بين أجهزة الأمنية بين الطرفين، مما قد يسهل على كل من الجماعات الفلسطينية المسلحة والمستوطنين الإسرائيليين العنيفين التصرف دون عوائق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

"صراع على السلطة" 

وعدد القتلى الذين سقطوا في عملية جنين هو الأكبر الذي يسجل منذ عام 2005 في عملية إسرائيلية واحدة بالضفة الغربية، وفق الأمم المتحدة.

وفي اليوم التالي لعملية جنين، أطلق مسلح فلسطيني النار بالقرب من كنيس يهودي بالقدس مما أسفر عن وقوع سبعة قتلى في هجوم هو الأكثر دموية على المدنيين بالمدينة منذ عام 2008، بحسب الصحيفة الأميركية نفسها.

ويرجع الباحث السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، أسباب العنف بالضفة الغربية إلى الاقتتال الفلسطيني على السلطة لحقبة ما بعد الرئيس، محمود عباس.

وقال كيدار في حديث لموقع قناة "الحرة" إن "الكل يستعد لخروج أبي مازن من السلطة بطريقة أو بأخرى من خلال حمل السلاح"، مما جعل الضفة الغربية تشهد ولادة خمس مليشيات مسلحة تابعة لقيادات فلسطينية، وفق قوله.

وأضاف: "كل هذه المليشيات تريد أن تبرهن للقاصي والداني أنها قوية ولها سلاح وذخيرة وجمهور وعزيمة في الاستيلاء على المسرح السياسي الفلسطيني".

وتابع: "التحرش بالإسرائيليين هو أول وسيلة لإثبات القوة والعزيمة عند هذه المليشيات المسلحة".

وجاء العنف المتواصل خلال مطلع العام الجديد بعد شهر واحد من قدوم حكومة جديدة في إسرائيل تعد هي الأكثر يمينية في تاريخ البلاد والتي اتخذت إجراءات ردا على الحوادث الدموية.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الإسرائيليين والفلسطينيين شهدوا "واحدة من أكثر المراحل عنفا في منطقتهم دون حرب شاملة" في ظل تواجد "حكومة يمينية متطرفة في السلطة منذ شهر واحد فقط".

وفي هذا الإطار، حذر محللون فلسطينيون من أن سياسات وقادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة قد تزيد من تأجيج الوضع على الأرض.

وقال إبراهيم دلالشه، مدير مركز الأفق للدراسات السياسية، وهو مركز أبحاث فلسطيني مستقل يعمل على تعزيز حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي سلميا، إنه "لا توجد حدود للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه هذه الحكومة". 

وأضاف في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" "إنه منحدر زلق".

وتتكون الحكومة الجديدة من تحالف من نشطاء المستوطنين والقوميين المتشددين والمحافظين المتطرفين بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، ويسعى قادتها إلى ضم الضفة الغربية وتخفيف أكبر لقوانين الاشتباك للجيش الإسرائيلي وترسيخ السيطرة الإسرائيلية على موقع مقدس لليهود والمسلمين في القدس، وفقا للصحيفة.

وأكد هاني المصري، المحلل السياسي المقيم في رام الله أن "هناك تغييرا كبيرا. اعتدنا أن نرى هؤلاء على الهامش، وليس بين الوزراء". وقال لصحيفة "نيويورك تايمز": "نحن في مرحلة جديدة".

وأعقب الحوادث الدامية اجتماع لمجلس الوزراء الأمني المصغر، السبت، حيث تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، برد حاسم على الهجمات التي شهدتها القدس.

وقال إن "استجابتنا ستكون قوية وسريعة ودقيقة. من يحاول أن يؤذينا، سنؤذيهم وأي شخص يساعدهم"، مضيفا: "لا نبحث عن تصعيد لكننا مستعدون لأي سيناريو".

وردا على هجمات القدس والاحتفالات اللاحقة في المدن الفلسطينية، قرر المسؤولون الإسرائيليون اتخاذ خطوات "لتعزيز المستوطنات" خلال الأسبوع المقبل دون تقديم مزيد من التفاصيل، وفق ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

وقال نتانياهو إنه سيتم منح "آلاف المدنيين" تصاريح لحمل أسلحة نارية من خلال تسريع عملية الترخيص وتوسيعها.

وأضاف أنه سيتم نشر جنود وشرطة إضافيين وستشرع قوات الأمن في سلسلة من العمليات لجمع المعلومات الاستخبارية ومصادرة الأسلحة النارية غير القانونية وتنفيذ الاعتقالات.

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، ستتم مناقشة قانون يلغي رقم الهوية الوطنية لأفراد عائلات منفذي الهجمات الذين يدعمون هذه الأفعال وذلك في اجتماع لمجلس الوزراء، الأحد، بكامل هيئته.

بدوره، قال وزير الأمن القومي اليميني، إيتمار بن غفير، بعد اجتماع مجلس الوزراء المصغر، السبت، إنه سيقترح قريبا قانونا يسمح بعقوبة الإعدام "ضد الإرهابيين"، بحسب الصحيفة الإسرائيلية نفسها. وتابع: "آمل أن يمر بأغلبية كبيرة".

"الحكومة تريد الهدوء"

في غضون ذلك، تواجه الحكومة اليمينية في إسرائيل معارضة شعبية بعد خروج المتظاهرين للشوارع، السبت، للأسبوع الرابع على التوالي.

واحتشد المتظاهرون المناهضون للحكومة، السبت، في تل أبيب للاحتجاج على خطط الحكومة بإجراء تعديلات مثيرة للجدل على النظام القضائي يراها المعارضون تضر بالديمقراطية فيما يعتقد المؤيدون أنها ترسخ القيم الديمقراطية للبلاد.

وقالت صحيفة "هآرتس" إن أكثر من 60 ألف شخص شاركوا في المظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وهو أقل بكثير من 100 ألف تجمعوا الأسبوع الماضي للسبب ذاته.

وأثار وصول حكومة يمينية في إسرائيل الغضب الفلسطيني وجعل من الصعب على القوى المعتدلة المتبقية في الحكومة الإسرائيلية نزع فتيل التوترات.

وقال نمرود نوفيك، المسؤول الإسرائيلي الرفيع السابق ومحلل بمنتدى السياسة الإسرائيلية، إنه في ظل الحكومة السابقة كانت "السياسة الإسرائيلية تهدف للحفاظ على وهم الاستقرار".

وأضاف نوفيك في حديثه مع "نيويورك تايمز" "لقد تم نزع هذا الغطاء الآن".

لكن كيدار يرى أن "هذه الحكومة تريد الهدوء والاستقرار والمضي قدما في الإصلاحات القانونية بالبلاد وهي ليست بحاجة إلى إزعاج قادم من الجانب الفلسطيني".

وقال كيدار إن هذه الحكومة اليمينية هي "نتيجة حتمية" لما شهدته شوارع إسرائيل من تصاعد "الهبة المتطرفة" خلال مايو من عام 2021، في إشارة للعنف الذي شهدته المدن المختلطة بين العرب واليهود آنذاك.

Firefighters extinguish fire from a building that was vandalised in Acre, a mixed Arab-Jewish town in northwest Israel, on May…
مشاهد مرعبة وتحذير من حرب أهلية.. أسباب التصعيد بين عرب ويهود بإسرائيل
تنقل كاميرات البث الحي للقناة الإسرائيلية الرسمية (كان) مشهدا مفزعا، إذ يتكالب إسرائيليون يهود على عربي يقود سيارته في مدينة بات يام، ليخرجونه منها ويكيلون إليه اللكمات والركلات حتى يفقد وعيه ويتورم وجهه.

وأشار إلى أن الناخب الإسرائيلي جاء بهذه الحكومة اليمينية "لوضع حد لهذه التصرفات ... الآثم الأول والأخير هم الفلسطينيون"، ومن يتبعهم من الجماعات المتشددة التي تشن هجمات داخل إسرائيل.

وفي هذا السياق، استبعد دلالشه أن تهدأ التوترات بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية بشكل سريع.

وأوضح أن التوترات مع الحكومة الإسرائيلية لن تهدأ بسرعة قد تتيح للسلطة الفلسطينية التراجع عن قرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل دون فقدان ماء الوجه، وفقا لما نقلته عنه "نيويورك تايمز". 

واختتم قائلا: "لا حدّ لما يمكن لهذه الحكومة فعله".

بقايا صاروخ سقط في إسرائيل إثر الهجوم الإيراني
بقايا صاروخ سقط في إسرائيل إثر الهجوم الإيراني

منذ فبراير 1979 وحتى أبريل 2024، حوالي 45 عاماً من العداء المعلن بين إيران وإسرائيل. خلال هذه الفترة، لم يكن البلدان قد دخلا في أية مواجهة مباشرة ومعلنة، منذ تولي روح الله الخميني، الحكم بعد انتصار الثورة الإسلامية.

كانت الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران على إسرائيل، في الرابع من أبريل من هذا العام، "رداً" على استهداف قنصليتها في دمشق، أول مواجهة عسكرية مباشرة من نوعها بين البلدين. ثم تلا ذلك رد من إسرائيل اعتُبر "شكلياً". 

لكن المواجهة عادت لتشهد جولة ثانية من القصف الصاروخي الباليستي الإيراني، الذي وصفته صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه "الأكبر من نوعه" في تاريخ الحروب، "رداً" على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، واغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، مع ضابط إيراني رفيع هو نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني، من قبل إسرائيل. 

والعالم اليوم في انتظار رد إسرائيل على هذا الرد، الذي يتوقع أن يكون على أهداف إيرانية مباشرة، من بينها منشآت نفطية.

وطوال عقود، كانت المناكفات بين البلدين تجري عبر وكلاء إيران في المنطقة، خصوصاً حزب الله وحماس و"الجهاد الإسلامي"، ثم مؤخراً الميليشيات العراقية والحوثيين. وأحياناً كانت إسرائيل تنفذ مهمات استخبارية داخل الأراضي الإيرانية، قلّما كانت تعلن مسؤوليتها عنها. 

أما اليوم، فتقترب أكثر فأكثر احتمالات حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، مع تحضّر الأخيرة لرد وصفته بـ"القوي" على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير.

ماذا نعرف عن المنظومة العسكرية الإيرانية؟

تعتبر المؤسسة العسكرية بالنسبة إلى النظام الإيراني "أداة مهمة لحفظ النظام وديمومته"، كما يقول ضاري سرحان الحمداني في كتابه "سياسة إيران تجاه دول الجوار"، وتؤدي هذه المؤسسة "دوراً بارزاً ومؤثراً في الحياة السياسية الإيرانية على المستوى الداخلي والخارجي، نظراً لما تملكه من إمكانيات كبيرة تدعم هذا الدور".

 لكن الحمداني يشير إلى أن "للحرس الثوري الغلبة والتفوق على باقي القوات الأخرى، مثل الجيش النظامي والباسيج"، حيث يطرح احتمال المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران أسئلة عن قدرة إيران على مواجهة إسرائيل عسكرياً بالأساليب التقليدية للحروب بين الجيوش النظامية. 

إذ ليس لدى إيران تجارب كبيرة في هذا المضمار، سوى تجربة يتيمة في الحرب مع العراق التي استمرت 8 سنوات (1980-1988)، واستنزفت الجيشين الإيراني والعراقي على السواء. 

وبعد تلك الحرب، قررت إيران تعزيز حضورها العسكري الخارجي عبر تأسيس "فيلق القدس" (التابع للحرس الثوري)، وعبر تسليح وتمويل ميليشيات تابعة لها في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان وقطاع غزة، بالإضافة إلى نشاطات لفيلق القدس في تمويل وتدريب جماعات شيعية في الجارة أفغانستان.

ومن المهم الإشارة إلى أن الحرب الإيرانية مع العراق، خلال حكم رئيسه الراحل صدام حسين، خاضتها إيران بشكل أساسي بأسلحة أميركية كانت بحوزة الجيش الإيراني، حصل عليها في زمن الشاه.

فحسب كتاب "أميركا وإيران/ تاريخ منذ عام 1720 حتى اليوم" لجون غازفينيان، "قفزت مشتريات إيران السنوية من الأسلحة من الولايات المتحدة من 113 مليون دولار إلى ما يقرب من 400 مليون دولار في عام 1971، ثم إلى 2.2 مليار دولار في عام 1973، ثم إلى 4.4 مليار دولار في عام 1974". 

وفي الفترة من عام 1972 إلى عام 1977، "أنفقت إيران ما مجموعه 16 مليار دولار (حوالي 70 مليار دولار بأسعار اليوم) لشراء الأسلحة من الولايات المتحدة"، وتلك الأسلحة بمعظمها استولت عليها الثورة الإسلامية في إيران بعد توليها الحكم، حيث استخدمتها في حربها مع صدام حسين.

وأبعد من ذلك، يقول ريز إرليخ في كتابه "أجندة إيران اليوم"، إن الحكومة الدينية التي استولت على الحكم في إيران بعد الشاه، كانت في حاجة ماسّة إلى إعادة تنشيط ترسانتها. 

وكانت إسرائيل تملك معظم الأسلحة الأميركية ذاتها، كالصواريخ وقطع التبديل للطائرات الحربية. ويُنقل عن تقرير في أرشيف الأمن القومي الأميركي بشأن فضيحة إيران-كونترا، أن "إيران كانت تحتاج بشدة ما كان بإمكان إسرائيل تزويده.. وطالما أن إسرائيل كانت تملك تلك الأسلحة في مستودعاتها، فإنها في غاية السعادة لتزويد إيران بها". 

لكنه يشير إلى أن ما راهنت عليه إسرائيل تغير مع الوقت، وباتت إيران أكثر عداءً لإسرائيل من العراق.

تفوق جوّي إسرائيلي مقابل قدرات باليستية إيرانية

اليوم تتقدم إيران في الأرقام والترتيب العالمي للجيوش الأكثر تسليحاً وقوة على إسرائيل. فحسب موقع "globalfirepower"، تحتل إيران الترتيب الرابع عشر لعام 2024، فيما تأتي إسرائيل في المركز الـ17.

ووفق ورقة بحثية نشرها "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في مايو من هذا العام، لا يمتلك أي من الجيشين، الإيراني والإسرائيلي، قدرات عسكرية كافية لخوض صراع مستمر ومباشر مع الآخر. 

وباستثناء القدرة النووية الإسرائيلية غير المعلنة، فإن الطرفين، حسب المعهد، يفتقران إلى القدرة على سحق الآخر عسكرياً.

المعهد ذكر أيضا أن إسرائيل تتمتع بتفوق جوي، وأسطول من الطائرات المقاتلة المتطورة، مثل "إف 15" و"إف 16" و"إف 35". ومع ذلك، يرى أن "استهداف عمق إيران يشكل تحدياً لوجيستياً يتطلب دعماً كبيراً". 

وبالمقارنة مع إسرائيل، تفتقر إيران للإسطول الجوي الحديث، ولا تمتلك سوى طائرات قديمة تعاني من نقص في قطع الغيار.

فالتفوق الإيراني يبرز في الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنّحة والمسيّرات، التي تُعتبر، حسب المعهد، "ركيزة أساسية لاستراتيجية الردع الإيرانية، مما يمكنها من ضرب عمق الخصم".

 وقد استثمرت إيران بكثافة في تطوير ترسانتها الصاروخية، وأصبح لديها صواريخ بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر. 

وينقل المعهد تقديرات تعود إلى عام 2022، لقائد القيادة المركزية الأميركية كينيث ماكنزي، مفادها بأن إيران "تمتلك ما يصل إلى 3000 صاروخ باليستي"، فيما لا تزال النسبة المئوية للصواريخ القادرة على الوصول إلى إسرائيل غير معروفة.

وتمتلك إيران، وفق محمد رمضان أبو شعيشع في كتابه "إيران.. تركيا.. إسرائيل وصراع القوى في الشرق الأوسط"، قدرات عسكرية لا يستهان بها كقوة إقليمية في المنطقة، حيث تتكون القوات المسلحة الإيرانية من بنيتين رئيسيتين، هما الجيش النظامي والحرس الثوري. 

وبلغ العدد الإجمالي للقوات المسلحة الإيرانية، وفقاً لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (2017)، نحو 545 ألف جندي، وقواتها الاحتياطية حوالي 350 ألف فرد، كما جاء في الكتاب. 

وحسب أبو شعيشع، فإن حجم الواردات العسكرية الإيرانية ترتكز بشكل أساسي على الجانب الروسي. كما أن لدى إيران 7 مجموعات صناعية تنتج الأسلحة والمعدّات والذخيرة، وتعمل على تطوير الأسلحة وصيانة المعدات للجيش الإيراني وللحرس الثوري على حدّ سواء.

ومع ذلك، فإن الجيش الإيراني النظامي لم يختبر في حروب مباشرة إلا مرة واحدة في حربه الطويلة مع العراق.

وإسرائيل في المقابل، لها تجارب عديدة في مجال الحروب، فجيشها خاض حروباً في أعوام 1967 و1973 وصولاً إلى اجتياح لبنان عام 1982 ثم الحرب مع "حزب الله" في يوليو 2006، وتجارب عسكرية عديدة في قطاع غزة.

 والآن يخوض الجيش الإسرائيلي بالتزامن، حربين في قطاع غزة وجنوبي لبنان، وهو يتمتع بخبرات كبيرة وبتمويل ضخم وبتسليح نوعي.

ماذا تخبرنا تجربة الحرب العراقية الإيرانية؟

كانت الحرب الطويلة والمكلفة مع العراق في بداية نشوء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، العامل الرئيس في تعديل مقاربة إيران لمسألة الأمن القومي منذ ذلك الحين، وفق الباحث شاهران تشوبين في كتابه "طموحات إيران النووية".

الإيرانيون عند إعادة النظر في تلك الحرب، "ازدادوا يقيناً من عداء العالم الخارجي تجاه الثورة الاسلامية"، كما يشرح تشوبين. 

ويتابع: "الحرب مع العراق كانت بمثابة إنذار وعبرة في آن معاً. الإيرانيون الذين تفاجأوا من هجوم العراق، قرروا بألا يؤخذوا على حين غرة ثانية أبداً".

أما العبرة الأكثر أهمية، التي استخلصها الإيرانيون من تلك الحرب، حسب تشوبين، فهي أن "الاعتماد على القوات العسكرية التقليدية من أجل الردع، أقل فاعلية من الاعتماد على الأسلحة النووية".

ومن هنا يرى تشوبين أن إيران أعادت النظر في عقيدتها العسكرية التقليدية، وركّزت من جهة على أذرعها الخارجية، ومن جهة ثانية على تطوير مشروعها النووي. 

ويبدو أن إسرائيل فهمت جيداً هذه العقيدة، فهي تقوم اليوم من جهة، بضرب الأذرع الخارجية لإيران، خصوصاً حزب الله وحماس، ومن جهة أخرى تبدو عين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، دائماً على برنامج إيران النووي.

"صراع نووي"؟

تشير مؤشرات وتقارير إلى أن إسرائيل تمتلك السلاح النووي، لكنها لا تعترف بذلك بشكل علني أو رسمي. وحسب تشوبين، فإن هناك خصوصية لامتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً "نظراً لوجود تهديد وجودي عليها، إضافة إلى إرث الهولوكوست". 

ومع ذلك، يرى تشوبين أن قيمة الأسلحة النووية الإسرائيلية "محدودة في التعامل مع التهديد العسكري التقليدي للدول العربية أو الانتفاضات الفلسطينية الداخلية".

في المقابل، يصرّ المسؤولون الإيرانيون على أن "ليس لديهم طموحات لامتلاك أسلحة نووية"، من دون أن يغفلوا، كما يقول تشوبين، عن التنويه إلى امتلاك إسرائيل "الخطير" للأسلحة النووية، مما يعني من وجهة نظرهم أن "الاستقرار لا يمكن تحقيقه في المنطقة". 

ويتابع تشوبين بالقول إن الإيرانيين "يكثرون من ذكر أسلحة إسرائيل النووية، لأنهم بذلك يحولون الانتباه عن الاتهامات المتعلقة ببرنامج إيران نفسه".

ورغم أن إيران الرسمية لا تعلن عن نيتها العمل على امتلاك سلاح نووي، فإن هذا الأمر يشكّل في المقابل هاجساً للإسرائيليين، خصوصاً لنتانياهو. 

وفي كتاب بين كاسبيت عن "سنين نتانياهو"، يتحدث الكاتب الإسرائيلي عن "هوس" رئيس الوزراء بإيران، فهو خلال سنوات تزعّمه المعارضة في إسرائيل، "كان يضع في مكتبه لوحاً أبيض كبيراً كتبت عليه ثلاث كلمات في معظم الوقت، وكانت هذه الكلمات: إيران، إيران، إيران". 

وكان زوّار المكتب، حسب كاسبيت، "يستمعون إلى عدد لا يحصى من المحاضرات حول هذا الموضوع، مصحوبة برسومات نتانياهو وعروضه التوضيحية المعتادة على اللوح الأبيض".

ويتساءل تشوبين في كتابه: "هل تسعى إيران لإمتلاك أسلحة نووية أو خيار نووي؟".. ويجيب: "في الحقيقة كلتا الغايتين يمكن أن تكونا منسجمتين مع أهداف وقيم ودروس النظام في إيران. إذ ليس ممكناً التمييز بينهما في بلد يؤكد على امتلاك دورة وقود كاملة وبرنامج صاروخي، ويسعى للحصول على اعتراف به في النادي النووي".

نحن إذاً إزاء إشكالية تتعلق بالردع المتبادل والهوس المتبادل بين البلدين فيما يتعلق بالأسلحة النووية، إذ يرى نتانياهو أن على إسرائيل أن تقطع الطريق على إيران وتمنع امتلاكها سلاحاً نووياً. 

ويعتقد كثير من المراقبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، يسعى إلى إيجاد "فرصة لضرب المشروع النووي الإيراني وإنهائه"، معربين عن خشيتهم من أن يجرّ التصعيد الحالي بين البلدين، إلى مواجهة مباشرة لا يُستثنى منها الملف النووي.