تسود حالة من الغضب والإحباط داخل المجتمع العربي في إسرائيل مع تفشي جرائم القتل بشكل كبير في أوساطه في الآونة الأخيرة، في حين أكد رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، أن حكومته عازمة على "وقف سلسلة جرائم القتل" بدعم من جهاز الأمن العام (الشاباك).
وكان المجتمع العربي في إسرائيل قد أعلن، يوم الجمعة، إضرابا عاما وشاملا احتجاجا على جرائم القتل المستشرية، والتي بلغت حصيلة ضحاياها منذ مطلع العام الجاري 2023 ولغاية اليوم 92 قتيلا، بينهم 6 نساء وطفلان، بالإضافة إلى المئات من المصابين بجروح متفاوتة، بحسب موقع "عرب 48" الناطق باللغة العربية.
وذكرت صحيفة "كل العرب" التي تصدر من مدينة الناصرة أن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، قد دعت إلى الإضراب ردا على ما وصفته بـ" المجزرة الإجرامية التي وقعت في قرية يافة الناصرة عصر يوم الخميس، مع استمرار جرائم القتل وإطلاق النيران التي تحصد القتلى والجرحى من بينهم طفلة ومواطن في كفركنا اليوم الجمعة".
وقُتل 5 أشخاص من العرب في إطلاق نار في بلدة يافة الناصرة، فيما أصيب شاب وطفلة بجروح خطيرة في إطلاق نار بقرية كفركنا، كما أصيب شاب في منطقة وادي عارة بجروح خطيرة، من جراء تعرضه لإطلاق نار.
وأوضح موقع "تايمز أوف إسرائيل" أن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، قد تفقد موقع إطلاق النار في بلدة يافة الناصرة، بينما انتقد سياسيون معارضون أسلوب تعامله مع موجة جرائم العنف المستمرة في المجتمع العربي والتي كان وعد قبل الانتخابات التشريعية بحلها.
وقال بن غفير للصحافيين إنه "يشارك العائلات الثكلى حزنهم، ويتمنى الشفاء العاجل للمصابين"، مضيفا: "لقد كان هناك (غرب متوحش) في المجتمع العربي خلال السنوات القليلة الماضية".
ونوه الوزير الذي ينتمي إلى اليمين المتشدد أنه وطاقمه "يعملون بجد" لمعالجة "المشاكل الجذرية"، مشيرا إلى وجود عقبات كثيرة.
من جانبه، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بمعالجة ظاهرة تفشي جرائم القتل في الأوساط العربية، قائلا إن ذلك لن يتم فقط من خلال "تعزيز دور الشرطة، ولكن أيضًا بمساعدة الشاباك".
بين "تطور مشوه" و"انغلاق العرب"
وعن أسباب انتشار ظاهرة العنف في المجتمع العربي بإسرائيل، يرى المحامي رضا جابر في حديثه لموقع "الحرة" أنه "طالما كان (الفلسطينيون) داخل إسرائيل على هامش الدولة وجزءا من ساحتها الخلفية ولذلك تطور مجتمعنا اجتماعيا واقتصاديا بشكل مشوه، ولم تتعامل الدولة مع الإفرازات السلبية داخل مجتمعنا بل العكس تماما فقد أبقت على هذه السلبيات واستفادت منها ونمتها".
وتابع: "بلداتنا العربية بقيت غير متطورة في بنيتها التحتية والاجتماعية والاقتصادية ولم تستوعب التحولات السكانية الكبيرة والاحتياجات الاجتماعية الضخمة، ولذلك ازدادت الفجوات وأبقت طبقات مجتمعية لا تحظى بأي اهتمام تعاني من الفقر والإهمال والتهميش".
وأردف: "في هذه البيئة نمت الجريمة بشكل تدريجي ولكن متسارع، مستفيدة من غياب مقصود للدولة وشرطتها، ولم توفر الدولة أي مستوى من فرض النظام بل تعاملت مع بلداتنا بسياسة الفوضى المراقبة، وهذه الفوضى هي التي نمت بها الجريمة، والتي تحولت من مجرد جنوح جنائي إلى ماكينة اقتصادية هائلة ومرتع للنفوذ ومركز قوة".
وفي المقابل يرى المحلل الإسرائيلي، إيدي كوهين: "أن أحد أسباب تفشي جرائم القتل هو انغلاق المجتمع العربي ورفض عناصره التعاون مع الشرطة لأسباب مختلفة لا مجال لذكرها الآن".
وزاد: "هناك جرائم لا نجدها عند المجتمع اليهودي وتنتشر عند العرب مثل ما يسمى جرائم الشرف وجرائم الثأر والصراعات بين القبائل، وهذا لا يسمح للشرطة بتحقيق نتائج جيدة رغم فتح الكثير من مراكز الشرطة الجديدة وتوفير ميزانيات كبيرة لها".
واتهم كوهين النواب العرب في الكنيست بـ"المتاجرة" بقضايا العنف والقضية الفلسطينية وأنهم لا يأبهون لتطوير مجتمعاتهم ويلقون باللوم على الدولة، وضرب مثلا، إذ قال: "في الشهر الماضي جرى تصويت في البرلمان على قانون لمنع حيازة الأسلحة الفردية، وقد صوت ستة من النواب العرب ضده".
ومع ذلك، يضيف كوهين: "أنا لا ألوم المجتمع العربي، ونقر بأن هناك تقصير من الشرطة، ولكن ليس إلى درجة الإخفاق والفشل كما يزعم البعض"،مشيرا أنه "ثمة عدم تعاون جيد مع سلطات إنفاذ القانون، ففي كثير من الأحيان يجري التلاعب بمسرح الجريمة وحذف أدلة لحرف التحقيقات عن مسارها".
حلان لمواجهة الأزمة
وبحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل"، فقد جرى طرح حلين لمعالجة تلك القضية، أولهما هو إنشاء حرس وطني بإشراف وزارة الأمن القومي، وهي خطوة انتقدها معارضون باعتبارها من المحتمل أن تمنح بن غفير "ميليشيات خاصة". وأجل نتناياهو مناقشة هذه الخطوة وتفعليها حتى الآن.
واعتبر بن غفير أن تشكيل مثل هذه القوة "أمر مهم للغاية"، معربا عن أمله في أن تبدأ بالتحرك قريبا.
وأما الحل الثاني، فيتمثل بأن يلعب جهاز الأمن العام (الشاباك) دورا كبيرا في التعامل مع عصابات الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، حيث طالب بن غفير بتمرير قرار حكومي لإشراك "الشاباك" في وقت مبكر يوم الأحد المقبل، مردفا: "بعون الرب سنفعل ذلك".
وبشكل عام، فإن جهاز الشاباك مكلف فقط بمحاربة التهديدات الإرهابية ذات الدوافع القومية، ولذلك يعارض بعض قادة المجتمع العربي في إسرائيل تدخله في قضايا لا تنطوي على طابع إرهابي.
وبحسب ما ورد في تقارير إعلامية، يعارض كبار المسؤولين في الشاباك بشدة تورط جهازهم في محاربة المنظمات الإجرامية، معربين عن قلقهم من أن ذلك قد لا يكون قانونيًا.
مطالبات بإقالة بن غفير
في غضون ذلك، شن رئيس تحالف "الجبهة-العربية للتغيير" وعضو البرلمان الإسرائيلي، أيمن عودة، هجوماً حادا على الحكومة، وقال في بيان إن قادة المجتمع العربي كانوا "يطالبون منذ سنوات بإخراج الأسلحة من الشوارع وقمع المنظمات الإجرامية".
وحث عودة الحكومة الإسرائيلة على "إقالة" بن غفير على الفور، قائلا: "لن نقبل هذا الإهمال وسوف ندفع الدولة كلها إلى الإضراب حتى يتوقف هذا الأمر".
من جانبه قال رئيس حزب التجمع، منصور عباس، في معرض تعليقه على أحداث يوم الخميس: "كان يوما صعبا في المجتمع العربي".
وتابع في تصريحات للقناة الإسرائيلية الثانية عشرة "لقد أضحى القتل أمرا روتينيا (في المجتمع العربي).. نحن نعيش في خضم كارثة كبيرة".
وأضاف أنه كانت هناك دعوات منذ عامين لإشراك "الشاباك" دون أن يتم القضاء على تلك الظاهرة حتى الآن.
ودعا إلى إعطاء الشرطة "أدوات جديدة"، وأن تعمد إلى تنفيذ حملة اعتقالات واسعة النطاق تستهدف زعماء عصابات الجريمة في المجتمع العربي.
ويلقي العديد من قادة المجتمع العربي باللوم على أجهزة الشرطة، التي يقولون إنها فشلت في قمع المنظمات الإجرامية القوية وأنها تتجاهل مظاهر العنف التي تشمل الخلافات الأسرية وحروب المافيا والعنف ضد المرأة.
وكان رئيس وحدة الشرطة المكلفة بمكافحة الجريمة بين عرب إسرائيل، نائب المفوض ناتان بوزنا، قد قدم استقالته يوم الثلاثاء الماضي، دون أن يفصح عن أسبابها، ودون أن تعلن الشرطة عن اسم بديل له.
ويوم الإثنين أيضا، التقى بعض أعضاء الكنيست العرب نتنياهو لمناقشة المشكلة والمطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة موجة جرائم القتل.
وقال مكتب نتنياهو إنه جرى الاتفاق على تشكيل لجنة لمحاربة العنف في الوسط العربي يرأسها رئيس الوزراء بنفسه.
ويقول محللون، وفقا لوسائل إعلام عربية، إن عمليات القتل كانت مدفوعة بالعنف في العالم السفلي الذي أجج من قبل العصابات القوية المتورطة في الابتزاز وعمليات مالية غير قانونية وأنشطة إجرامية أخرى.
أما المحامي رضا جابر، فيقول: "يعرف المجرم اليوم بأن نظام الدولة لن يردعه عن ممارسة الجريمة بل ويحميه، وهو يعرف بأن التغيرات الاجتماعية وضعته أمام مجتمع يعاني من الانفرادية ولا يشكل قوة أمامه، ولذلك يشعر بقوته ويستعملها بهذا الشكل دون أي محاسبة".
وزاد: "في هذه الحالة يبقى الفارق الذي تتحرك فيه الدولة لردع المجرمين هو تأثير ذلك على المجتمعات اليهودية المجاورة للعربية، وفي اللحظة التي يؤثر فيها الإجرام على المجتمع اليهودي تستعمل الدولة كل قوتها".
وختم بالقول: "إذا، فالجريمة هي قضية سياسية والتعامل معها يحتاج إلى قرار سياسي حقيقي والذي لم يتخذ، و(الفلسطينيون) يعرفون بأنه، في ظل حكومة نتنياهو - بن غفير، لن يتخذ ذلك القرار... شبابنا هم ضحية سياسات الدولة وأيضا تحييد المجتمع لذاته في المعركة ضد الجريمة".
ويرد كوهين: "المجتمعات العربية تعيش في ظل حرب عصابات، وبالتالي لا يمكن مثلا أن تلوم (اليهود) لأن (المسلم) يقتل أخاه (المسلم)، والكثير من العرب يخافون من التعاون مع الشرطة رغم أن الهدف هو إحلال الأمن والاستقرار".
وزاد: "معدل الجريمة في المجتمع العربي مرتفع جدا وبالتالي لا يمكن الحديث عن إخفاق من قبل الشرطة، ولكن ربما بإمكاننا أن نقول أن ثمة تقصير في معالجة المسألة".
تجدر الإشارة إلى أن نسبة السكان العرب في إسرائيل تشكل 21.1 في المئة، وفقا لما ذكرت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية الحكومية في أواخر يناير من العام 2021.
وقالت الدائرة في تقريرها السنوي، إن "إجمالي عدد السكان في إسرائيل بلغ 9 ملايين و449 نسمة بنهاية عام 2021، من بينهم مليون و995 ألفا من السكان العرب، وهو ما يشكل 21.1 في المئة من إجمالي عدد السكان".
ونوه التقرير إلى أنّ "السكان اليهود بلغ عددهم في العام 2021 بإسرائيل 6 ملايين و982 نسمة بنسبة مقدارها 73.9 في المئة من إجمالي عدد السكان، فيما تمثل الـ 5 في المئة المتبقية أعراقًا أخرى".