حوّلت الاحتجاجات الإسرائيلية تركيزها نحو حقوق المرأة وسط صعود الأحزاب الدينية وضغوط المتدينين من أجل إقرار فصل بين الجنسين في الأماكن العامة.
وفي مدينة أشدود الإسرائيلية، وبخ سائق حافلة على خط يستخدمه اليهود الأرثوذكس المتشددون فتاة تبلغ من العمر 15 عاما لارتدائها قميصا دون أكمام وسروالا قصيرا.
وقالت الفتاة إنه طلب منها ومن صديقاتها الجلوس في مؤخرة الحافلة وتغطية أنفسهن بالبطانيات.
وردا على هذه القضية، والعديد من الحالات المماثلة في الأسابيع الأخيرة، سار مئات الإسرائيليين، الخميس في شوارع بني براك، أكبر مدينة حريدية في إسرائيل، مطالبين بالديمقراطية والمساواة.
وتعد الأحزاب السياسية الحريدية الداعم الرئيسي للجهود الرامية إلى الحد من سلطات المحكمة العليا في إسرائيل، وهي خطوة يقول المحتجون إنها ستسمح للحكومة بتمرير تشريع من شأنه التمييز ضد المرأة.
يقول مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل، إن حادث الحافلة "فرديّ وعابر"، مشيرا في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "النساء حصلن على حقوق كثيرة في العقد الماضي لم تتمتعن بها في السابق".
ويؤكد أن النساء في إسرائيل "نجحن في اقتحام سوق العمل بشكل غير مسبوق وتقلدن أعلى المناصب، ولا سيما في سلك القضاء وداخل أروقة الجيش".
يتابع مصري أن "الجرائم بداعي الشرف" انقرضت، بما في ذلك في الوسط العربي، وتراجعت حوادث الاعتداء على النساء وفقا لجميع الدراسات. وبالتالي "أقول ذلك وأنا من أكثر المدافعين عن حقوق المرأة، الاتهامات بتراجع حقوق النساء في إسرائيل، تحتوي على قدر كبير من المبالغة وعدم الموضوعية".
وقالت أييليت دي بيتشيوتو (58 عاما)، وهي امرأة كانت في احتجاج بني براك للصحيفة الأميركية: "كل يوم تسمع قصة مختلفة عن كيف لا تستطيع النساء الجلوس أو ارتداء الملابس بالطريقة التي تحلو لهن"، مضيفة "لقد تم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء".
ودان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، واقعة الحافلة، وقال: "لن يقيد أحد من يمكنه ركوب وسائل النقل العام، أو يحدد مكان جلوسه"، متعهدا المخالفين بالمحاسبة أمام القانون.
وقالت شركة حافلات "ناتيف إكسبريس" إنها لا تزال تحقق في الحادث، مؤكدة أن تصرفات السائق تتعارض مع سياساتها.
وقالت الشركة: "تندد 'ناتيف إكسبريس' بأي سلوك يستبعد أو يضر بأي ركاب على أساس الجنس أو العرق أو الجنسية أو اللباس".
وتقول الصحيفة إن حقوق المرأة كانت دائما جزءا من حركة الاحتجاج الإسرائيلية التي تحاول منع حكومة نتانياهو من إصلاح القضاء في البلاد، حيت تشارك فيها نساء يتخوفن من أن تستعمل الأحزاب الحريدية سلطتها السياسية لفرض قيود دينية في المجال العام.
دولة يهودية أم ديمقراطية
وتؤكد الصحيفة أن هذه الضجة على التشريع القضائي تكمن وراءها الهوة بين اليهود الإسرائيليين المتدينين والعلمانيين حول ما تعنيه أن تكون دولة يهودية أو دولة ديمقراطية.
يقر مصري في حديثه لموقع "الحرة" أن "هناك محاولة خطيرة، تقودها الأحزاب الدينية، تهدف إلى تغيير هوية إسرائيل كدولة ليبرالية"، مستدركا "الأمر لا يرتبط بحقوق المرأة بقدر ما يتعلق بشكل الدولة وبالنمط المعيشي العام".
ويؤكد أن "إسرائيل دولة تعددية، تعيش فيها مجموعات مختلفة من علمانيين ومتدينين ومواطنين عرب من ديانات وثقافات مختلفة ومتعددة هي الأخرى"، مضيفا "محاولة الأحزاب الدينية فرض توجه معين أو رؤية دون غيرها على المجتمع تمثل في اعتقادي تهديدا صريحا للوحدة الوطنية، للسلم الاجتماعي وللنظام العام في إسرائيل".
وتأتي الضجة حول احتمال الفصل بين الجنسين أيضا في الوقت الذي ضغط فيه المشرعون الدينيون، بمن فيهم سياسي حريدي بارز، هذا العام من أجل ساعات منفصلة للرجال والنساء في المتنزهات الوطنية.
وقال المدعي العام إن فرض ساعات منفصلة للرجال والنساء في المتنزهات الوطنية أمر غير قانوني.
ووضع اتفاق الائتلاف بين الأحزاب الحريدية ونتنياهو خطة لفرض غرامة قدرها 10 آلاف شيكل إسرائيلي، حوالي 2600 دولار، أو السجن لمدة ستة أشهر للنساء اللواتي يرتدين ملابس غير محتشمة خلال زيارة الحائط الغربي، أحد أقدس المواقع اليهودية، لكن الخطة وضعت على الرف.
وعبّر اليهود الأرثوذكس عن أملهم بسن تشريع يسمح بالفصل بين الرجال والنساء في مناسبات أخرى، مثل الحفلات الموسيقية، التي يرتادها الحريديم.
ويقول يوفي تيروش، أستاذ القانون في جامعة تل أبيب، للصحيفة الأميركية إن النساء "يدركن أن هذه قضية سياسية وأن هذه ليست مجرد حوادث متفرقة أو متطرفين".
والحريديم هم أهم شركاء نتانياهو في الائتلاف. مع 18 مقعدا في البرلمان الإسرائيلي المكون من 120 مقعدا، أو الكنيست، وهم الآن ثاني أكبر كتلة سياسية بعد حزب الليكود اليميني، بزعامة نتانياهو، مما يمنحه أغلبية ضئيلة من 64 مقعدا.
ويبلغ عدد الحريديم في إسرائيل 1.3 مليون نسمة، أي أكثر من 13 في المئة من السكان حاليا، وهم الشريحة الأسرع نموا كما أنهم في طريقهم ليشكلوا ثلث جميع الإسرائيليين، بحلول عام 2065، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
التعديلات القضائية تثير المخاوف
يقر مائير مصري بهذا قائلا: "هذا صحيح، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق نتانياهو وفريقه داخل حزب الليكود، الذي قام بحرمان اليمين من أغلب العناصر العاقلة والمعتدلة وفضّل التحالف مع أكثر الأحزاب ظلامية وتطرفا في تاريخ إسرائيل"
ويشير إلى أن "دور ومكانة الأحزاب الدينية في حكومات إسرائيل المتعاقبة لم يتغيرا كثيرا، وإنما المتغير الرئيسي الذي نشهده اليوم هو ازدياد سيطرة هذه المجموعات على عملية اتخاذ القرار كرد فعل طبيعي لتراجع اليمين الليبرالي وضعف رئيس الحكومة لأسباب يعرفها الجميع".
وقال أوري كيدار، المدير التنفيذي لإسرائيل هوفشيت، وهي منظمة مجتمع مدني إسرائيلية تتعامل مع قضايا الدين والدولة، للصحيفة الأميركية إن معظم القوانين التي اقترحها الحريديم هي في المراحل الأولى، لكن الجهود المبذولة لإضعاف المحكمة العليا جعلت الناس قلقين من أنه قد ينتهي بهم الأمر إلى تمريرها.