كيبوتس
نالت كيبوتسات إسرائيل الحصة الأثقل من ضحايا هجمات حماس

منذ اندلاع الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس، إثر هجوم عناصر من الحركة على إسرائيل، السبت، تردد كثيرا اسم "الكيبوتس" في وسائل الإعلام، فماذا تعني كلمة "كيبوتس"؟ 

كفار عزة، بئيري، ناحال عوز، ماجن، وغيرها، عبارة عن "كيبوتسات"، وهي وصف عبري لمناطق صغيرة مأهولة بالإسرائيليين.

ما هو الكيبوتس؟

كلمة "كيبوتس" تعني "التجمع" باللغة العبرية، ويوجد حوالي 270 كيبوتسا منتشرا في جميع أنحاء إسرائيل.

الكيبوتسات ببساطة هي تجمعات سكنية صغيرة، عادة ما يتراوح عدد سكانها بين 100 و 1000 نسمة، "تتمركز تاريخيا حول المزارع، وفي العقود الأخيرة، ازدهر بعضها بفضل الصناعة الحديثة والسياحة" وفق تقرير لموقع الإذاعة الأميركية العامة "أن بي آر".

قال ديفيد ليتش، مؤلف كتاب "مطاردة المدينة الفاضلة: مستقبل الكيبوتس في إسرائيل المقسمة"، إن الكيبوتسات المبكرة كانت بمثابة تدريبات على الديمقراطية التشاركية.

وتابع "لم تكن هناك ملكية خاصة أبدا، كانوا يتناولون وجباتهم معا، لقد قاموا بتربية أطفالهم بشكل جماعي".

وقال ران أبراميتسكي، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد الأميركية "أود أن أقول إن الكيبوتسات تعتبر واحدة من أنجح التجارب في الاشتراكية التطوعية". 

وأضاف "المهاجرون اليهود الذين أسسوا الكيبوتسات رفضوا الرأسمالية وأرادوا تشكيل مجتمع أكثر اشتراكية".

ولم يشكل سكان الكيبوتس قط أغلبية سكان إسرائيل، ففي الوقت الحالي، يعيش أقل من 3% من سكان إسرائيل في الكيبوتسات.

النشأة والتأثير

تم إنشاء الكيبوتس الأول في عام 1910، وعلى مدى العقود التي تلت ذلك، تم تشكيل العشرات من الكيبوتسات عبر الأراضي التي أصبحت فيما بعد تابعة لإسرائيل.

تاريخيا، تم تشكيل العديد منها على يد شبان يهود جاؤوا من أوروبا الشرقية آمنوا بالمهمة الصهيونية المتمثلة في تشكيل وطن لليهود في فلسطين، التي كانت ذات يوم جزءًا من الإمبراطورية العثمانية ثم تحت السيطرة البريطانية لاحقًا. 

وجاء آخرون هربا من حملات معاداة السامية، ولاحقا من المحرقة.

وقال أبراميتسكي، الذي قام أيضا بتأليف كتاب "لغز الكيبوتس: مبادئ المساواة في عالم رأسمالي"، "كان الكيبوتس بالنسبة لهم بمثابة عائلة ممتدة.. فقد وفر لهم الأمان".

وقبل تشكيل دولة إسرائيل، لعب الكيبوتس دورا مهما. وقال ليتش، وهو أستاذ في جامعة فيكتوريا في كندا: "إذا نظرت إلى أي خريطة لإسرائيل، يمكنك تقريبا ربط النقاط حول المناطق الحدودية، وستكون هناك كيبوتسات".

صورة مؤرخة في 03 أغسطس 1946 تظهر منظرًا لكيبوتس "روحاما" أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين.

وعلى الرغم من أعدادهم الصغيرة، كان للكيبوتسات تأثير ثقافي وسياسي كبير على إسرائيل، حيث يأتي العديد من السياسيين والقادة العسكريين والمثقفين والفنانين من الكيبوتسات. 

"ترتبط السياسة في الكيبوتسات بالحلول اليسارية والسلام" يوضح تقرير الإذاعة الأميركية.

كيف هي الحياة هناك الآن؟

تخلت معظم الكيبوتسات عن الأنظمة التقليدية للحياة الجماعية. حيث أصبح السكان يميليون إلى الاشتغال بالوظائف أكثر من الزراعة والعيش على الطريقة الريفية.

رغم ذلك، يرى أبراميتسكي أن الكيبوتسات لا تزال تُعتبر إلى حد كبير أماكن هادئة وشاعرية للعيش فيها.

وتابع "إنها قرى خلابة في الريف، مع شقق صغيرة محاطة بممرات المشي الخضراء، وحمامات السباحة، والمراكز الثقافية، وقاعات الطعام". 

قبل أن يردف "من المفارقات أن الكيبوتس، مكان سلمي وآمن بشكل لا يصدق".

الدور السياسي

قال ليتش إنه في حين أن السكان ما زالوا في كثير من الأحيان يميلون إلى اليسار، فإن الكيبوتسات تتميز بالتنوع السياسي بشكل متزايد.

وأضاف: "على الرغم من أن لديك أشخاصا أكثر توجها نحو السلام والمصالحة، فإن الآخرين لديهم مواقف أكثر تشددا، وهذا التوجه قد يزيد بفعل الهجمات الأخيرة".

وفي الكيبوتسات الواقعة بالقرب من الحدود مع غزة، كانت الصواريخ التي تطلقها حماس لفترة طويلة جزءا شبه منتظم من الحياة.

ولكن الآن، تعرضت المجتمعات الصغيرة الواقعة على مرمى البصر من غزة إلى المزيد من العنف أكثر مما تصوره السكان هناك. 

وأطلقت حماس حتى الآن أكثر من خمسة آلاف صاروخ على إسرائيل، وفق الجيش.

وبلغت حصيلة القتلى في إسرائيل أكثر من 1300، وجرح 3297 شخصا، بينما أدى الرد الإسرائيلي إلى مقتل 1354 شخصا وجرح 6049 في قطاع غزة.

منطقة استراحة مهجورة في كيبوتس ناحال عوز، على حدود غزة مع إسرائيل (أرشيف)

وقال مسؤولون إسرائيليون إن شوارع ناحال عوز الصغيرة امتلأت بالجثث بعد أن قام الجنود الإسرائيليون بدخول المنطقة إثر هجوم مقاتلي حماس عليها.

والآن يستخدم الجيش الإسرائيلي مجتمع كفار عزة الزراعي كنقطة انطلاق لعملياته.

وفي بئيري، وهو كيبوتس يقع على بعد أميال قليلة جنوب شرق غزة ويسكنه ما يزيد قليلاً عن 1000 نسمة، تقول السلطات الإسرائيلية إن أكثر من 100 شخص قتلوا واختطف عدد آخر.

إيلي كوهين

في عام 2019، عرضت شبكة نتفليكس مسلسلا مثيرا من 6 حلقات بعنوان "الجاسوس ... قصة حياة إيلي كوهين". لاقى المسلسل رواجا كبيرا، خصوصا وأن الممثل البريطاني الذي قام بدور إيلي هو ساشا بارون كوهين، وكانا يشتركان، إضافة إلى اسم العائلة، بشبه كبير. 

وإيلي كوهين هو أشهر جاسوس إسرائيلي على مر التاريخ من دون منازع، وكانت قصته مثيرة للاهتمام بشكل كبير في الأوساط العربية والدولية.

فقط تخيل أن رجلا يأتي إلى مدينة غريبة، وينجح في التقرب من جميع الشخصيات السياسية والعسكرية المرموقة فيها، وينقل منها معلومات استخبارية دقيقة إلى تل أبيب عبر جهاز تسجيل صغير كان يحتفظ به في شقته. هذا الرجل هو إيلي كوهين.

كان يُعرف باسم كامل أمين ثابت، وقد دخل إلى سوريا مطلع السيتينات كرجل أعمال سوري عائد من الأرجنتين، وهناك انخرط في المجتمع السوري والعربي واستطاع إقامة علاقات وصداقات. وبعد أربع سنوات على وجوده في دمشق كُشف أمره وألقي القبض عليه "بالجرم المشهود" وهو يرسل معلومات في شقته، ونُفذ فيه حكم الإعدام في 18 مايو 1965.

في الذكرى الستين لإعدامه، برز ملف كوهين إلى الواجهة مرة أخرى، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الرياض رفع العقوبات عن سوريا.

في 18 مايو، قالت إسرائيل إنها تمكنت بـ"عملية سرية معقدة"، وفق تعبير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من إحضار الأرشيف السوري الرسمي الخاص بإيلي كوهين إلى إسرائيل. 

لكن ثلاثة مصادر، قالت لرويترز في 19 مايو، إن "القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل في محاولة لتخفيف حدة التوتر وإظهار حسن النوايا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد إعلانه رفع  العقوبات عن سوريا.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني سوري، ومستشار للرئيس السوري أحمد الشرع، وشخص مطلع على المحادثات السرية بين البلدين، إن أرشيف المواد عرض على إسرائيل في مبادرة غير مباشرة من الشرع في إطار سعيه لتهدئة التوتر وبناء الثقة لدى ترامب.

وتضمن الإرشيف السوري الخاص بكوهين نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية، وفقا لمكتب نتانياهو.

وشملت المواد التي قالت إسرائيل إنها استعادتها من سوريا، وصية أصلية كتبها كوهين بخط يده قبل ساعات من إعدامه وسط دمشق، وتسجيلات صوتية وملفات من استجوابه واستجواب من كانوا على اتصال به، ورسائل كتبها لعائلته في إسرائيل وصورا من مهمته في سوريا.

وتتضمن أيضا مقتنيات شخصية نُقلت من منزله بعد اعتقاله، منها جوازات سفر مزورة وصور له مع مسؤولين عسكريين وحكوميين سوريين رفيعي المستوى، إضافة إلى دفاتر لتدوين الملاحظات ويوميات تسرد مهام الموساد.

وقد وزعت الوكالات نسخة عن وصية كوهين، جاء فيها: 

"إلى زوجتي نادية وعائلتي الحبيبة، أكتب إليكم هذه الكلمات الأخيرة وأطلب منكم أن تكونوا على صلة دائمة مع بعضكم، وأرجوكي أن تسامحيني يا ناديا، وأن تهتمي بنفسك وبالأولاد وتحافظى عليهم، وتثقفيهم تثقيفا كاملا، وألا تحرمي نفسك أو تحرميهم من شي، وكوني على صلة دائمة مع أهلي.. ويمكنك الزواج من غيري حتى لا يكبر الأولاد بدون أب، ولكي كامل الحرية في ذلك، وأرجوكي ألا تضيعوا وقتكم بالبكاء على الماضي، انظروا دائما إلى المستقبل...".

وسلم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومدير الموساد ديفيد برنياع المواد إلى أرملة كوهين، نادية كوهين، خلال حفل أقيم في المناسبة.

وطالبت زوجة كوهين باستعادة "جثمانه،" وجاء رد نتانياهو أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على ذلك خصوصاً أن "إيلي أسطورة إسرائيلية، إنه أعظم عميل في تاريخ المخابرات الإسرائيلية".

ونقلت رويترز عن مصدر أمني أن مقاتلي المعارضة السورية بقيادة الشرع عثروا على ملف كوهين في مبنى تابع لأمن الدولة في ديسمبر غداة سيطرتهم على دمشق. 

وذكر المصدر الأمني أن الشرع أدرك أن وثائق كوهين ومقتنياته مهمة للإسرائيليين وأن إعادتها قد تمثل بادرة دبلوماسية بارزة.

ومع التزام إسرائيل الصمت، حتى الآن، بشأن الرواية السورية، يقول الباحث السياسي سمير التقي في تصريح لـ"الحرة" إن المسألة في العلاقات الإسرائيلية السورية أوسع وأعمق من تزويد إسرائيل بوثائق كوهين، ويضع ما حدث ضمن إطار مبادرة حسن نية من سلطة أحمد الشرع.

ويضيف التقي أن هناك اجتماعات مباشرة تجري بين القيادتين الإسرائيلية والسورية بمشاركة تركية، وما سيحدث في المرحلة المقبلة سيكون أشمل من مجرد إعطاء وثائق أرشيفية، وسيكون حتما ضمن مناقشة الشروط من أجل وضع حد للقصف الإسرائيلي على سوريا مقابل تفاهمات حول الفصائل الراديكالية المحيطة بهيئة تحرير الشام والفصائل الفلسطينية والأخوان المسلمين.

ولد إيلي كوهين في الإسكندرية بمصر عام 1924، وعندما بلغ العشرين من العمر، انضم إلى "منظمة الشباب اليهودي الصهيوني" في مصر. وبعد حرب 1948، أخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين، ثم خرج من مصر‏ في عام 1956‏.

عمل إيلي كوهين مترجما ومحللا لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وحاول الالتحاق بجهاز "الموساد" ثم فشل، ما دفعه للاستقالة من المخابرات العسكرية والعمل محاسبا لدى بعض الشركات الخاصة في تل أبيب.

مصدر مطلع ذكر لرويترز أن سوريا وافقت في المحادثات على إجراءات من بينها إعادة رفات كوهين وثلاثة جنود إسرائيليين لقوا حتفهم خلال قتال مع القوات السورية في لبنان في أوائل الثمانينيات. وذكرت إسرائيل الأسبوع الماضي أنها استعادت رفات أحد هؤلاء الجنود، وهو تسفي فيلدمان.

وعلى هذا الصعيد يشير التقي في حديثه مع "الحرة" إلى استبعاد قدرة السلطة السورية الجديدة على الوصول إلى معلومات حول رفات كوهين. ويؤكد أن المعلومات اللازمة لمعرفة مكان دفنه مرتبطة برفعت الأسد والفرق العسكرية التي كانت تابعة له.

 ويستبعد التقي فكرة وجود تقارير تبين هذا المكان إلا في حالة اعتقال بعض العسكريين التابعين لرفعت الأسد على أيدي السلطة الشرعية السورية الجديدة.