في ليلة السبت 7 أكتوبر، عندما أعاد الجيش الإسرائيلي تجميع صفوفه لقتال حماس، وصل أهالي 3 شبان أصدقاء قتلوا أثناء تواجدهم في مهرجان نوفا الموسيقي، إلى مستشفى إسرائيلي، وطلبوا من الأطباء إجراء عملية "للحفاظ على حيواناتهم المنوية"، بحسب تقرير لصحيفة "هآرتس".
وسيقوم مستشفى كابلان في رحوفوت جنوب شرقي تل أبيب، بتجميد الحيوانات المنوية لاستخدامها المحتمل في المستقبل.
ومن أجل تنفيذ مثل هذا الإجراء، أوضح الأطباء للعائلات أنهم "بحاجة إلى موافقة محكمة الأسرة". وتم بالفعل الحصول عليها بعد ساعتين، حيث جرت العملية في وحدة الإخصاب في المختبر في كابلان، بعد 20 ساعة من مقتل الشباب.
وحتى مطلع هذا الأسبوع، تم تنفيذ هذا الإجراء على 33 رجلاً قتلوا منذ 7 أكتوبر، 4 مدنيين والبقية جنود، وهو عدد يرتفع يوميا.
وقال أحد أعضاء فريق وزارة الصحة الذي يرافق العائلات خلال الإجراء، كما ذكرت "هآرتس": "عندما سمعنا في فترة ما بعد الظهر، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يعلن عن وجود معارك ضارية، علمنا أنه يتعين علينا الاستعداد للمساء".
وتأتي معظم الطلبات من أهالي الجنود الذين قتلوا أثناء القتال.
وفي وقت مبكر من الحرب، أصدر المستشار القانوني لوزارة الصحة أمراً مؤقتاً بإلغاء الحاجة إلى موافقة المحكمة. تم تمديد الأمر عدة مرات وهو الآن ساري المفعول حتى نهاية نوفمبر.
كما أنه لدى الوزارة خدمة إسعاف خاصة لنقل الجثث من قاعدة الشورى العسكرية في وسط البلاد إلى أحد المستشفيات الأربعة في تل أبيب أو بالقرب منها: إيخيلوف، وشيبا، وبيلينسون ومركز شامير الطبي (مركز أساف هروفيه الطبي سابقًا).
وتقول رئيسة قسم الخصوبة والولادة في وزارة الصحة، تاليا جيفا: "لدينا منسقا في قاعدة شورى، وتم توزيع رقم هاتف منسقنا على جميع وحدات تنسيق زراعة الأجنة والنقل. نحن نعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع".
الأمر المؤقت، الذي يستند إلى تعليمات من النائب العام في عام 2003، يبقي المحكمة خارج المسألة ما لم تعترض شريك/ شريكة الجندي، أو تكون هناك خلافات بين الوالدين.
"كلما قمنا بذلك بشكل أسرع، زادت فرصة العثور على الحيوانات المنوية المتحركة. أفضل فرصة للحفاظ على الحيوانات المنوية هي خلال 24 ساعة من الوفاة، وهناك اختلافات بين النصف الأول من اليوم والثاني"، تقول جيفا، مضيفة أنه في التجارب "لم يتم العثور على حيوانات منوية حية بعد 4 أيام من الوفاة".
وتضيف: "لقد تعلمنا من الأدبيات الطبية والخبرة أنه من المستحيل استعادة الحيوانات المنوية الحية من رجل ميت بعد 72 ساعة".
من جانبه، أشار رئيس قسم التلقيح الصناعي في كابلان، يوفال أور، إلى أن المستشفى الذي يعمل فيه "يسترجع الحيوانات المنوية بشكل روتيني عندما يكون لدى الرجل حيوانات منوية في خصيتيه، لكن ليس في السائل المنوي".
ويقول: "نحن نفضل الحيوانات المنوية المتحركة، لكن مع الحيوانات المنوية غير المتحركة أيضاً نحفظ الحيوانات المنوية من الرجال المصابين بأمراض خبيثة، أو من الرجال الذين خضعوا لعلاج يضر بإنتاج الحيوانات المنوية وجودتها”.
وتعتبر إسرائيل قوة عظمى في مجال الخصوبة، حيث ولد 10,693 طفلًا عبر التلقيح الصناعي في عام 2021 وحده. وبالتالي فإن معظم المشاكل المتعلقة بالحفاظ على الحيوانات المنوية هي مشاكل أخلاقية وقانونية وليست تقنية.
ويثير هذا الموضوع أسئلة أخلاقية وقانونية معقدة، ليس فقط افتراضات حول ما كان يرغب فيه المتوفى. كما أن التأثيرات النفسية الحالية والمستقبلية على الأسرة المكلومة، والعلاقة بين الأسرة المكلومة والزوجة/ الزوج، مطروحة أيضا للنقاش.
وأحيانًا لا يكون الزوج/ الزوجة، مشاركاً/ مشاركة، ولا تكون الأم في المستقبل قد قابلت الرجل مطلقاً، وتشمل الأسئلة الأخرى الوضع القانوني للطفل أو الأطفال، والعبء الذي يتحمله هؤلاء الأطفال باعتبارهم "نصباً تذكارية حية".
وحتى الآن، تم تصوير هذه المواقف المعقدة على أنها قضايا هامشية نسبيا.
لكن منذ بدء الحرب، لم يقتصر تشجيع الحكومة للحفاظ على الحيوانات المنوية، على الأمر المؤقت والمساعدة من وزارة الصحة، فعندما يرسل الجيش جنوداً لإبلاغ الأسرة بمقتل ابنها في المعركة، فإنهم يذكرون خيار حفظ الحيوانات المنوية.
وقال عضو في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لصحيفة "هآرتس": "إذا رغبت العائلة، يتم تزويدها بمزيد من المعلومات حول الإجراء، ويساعد جيش الدفاع الإسرائيلي الأسرة على الاتصال بالأطراف المعنية لإجراء ذلك - طالما كان ذلك ممكناً من الناحية الطبية".
وأضاف: "تم إخطار العائلات بشأن خيار الحفاظ على الحيوانات المنوية في الماضي في الحالات المناسبة. وسيواصل الجيش الإسرائيلي بذل جهد كبير لمساعدة العائلات".
ووفقاً لأحد مسؤولي الدفاع الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن هذا يعد "تغييرا في السياسة لم يسبقه نقاش مستفيض".
فيما قالت رئيسة سياسة التكنولوجيا الطبية بوزارة الصحة، إيتي سماما، إن هناك "شكوكاً" حول ما إذا كان ينبغي للجيش أن يقدم هذا الخيار، مضيفة: "في النهاية، يتم تقديمه (الخيار) فقط في الحالات التي يكون فيها الإجراء ممكناً من الناحية الطبية".
وواصلت: "تخبر الفرق التي تزور العائلات عن هذا الأمر، مع العلم أنه ليس كل العائلات على علم بهذا الخيار. إذا تأخرت في ذلك لمدة يومين، فهذا يعني أن الوقت قد فات".
وتابعت: "شيئاً ما تغير هذه المرة، لأن التكنولوجيا أصبحت متاحة أكثر مما كانت عليه في الماضي، ولأن شيئاً ما تغير في المجتمع الإسرائيلي. هناك موقف مختلف تجاه الحفاظ على الخصوبة، وانفتاح أكبر فيما يتعلق بمختلف القضايا المتعلقة بوحدة الأسرة".
ومع ذلك، هناك فرق كبير بين الحفاظ على الحيوانات المنوية، واستخدامها في المستقبل. فعلى سبيل المثال، يجب على عائلة المتوفى الانتظار لمدة عام على الأقل، بعد إجراء حفظ الحيوانات المنوية، قبل الاتصال بالمحكمة لاستخدامها.
وقالت سماما: "إن الحفاظ على الحيوانات المنوية ليس مجرد شيء من الجيد أن يكون لديك، يمكن لمعرفة أن الابن الراحل ترك ذكرى في هذا العالم تأثيراً كبيراً على عملية الحزن والتأقلم. إنه قرار مصيري، وليس من المؤكد أن العائلات والمجتمع الإسرائيلي ككل مستعدون للتعامل معه".
ووفقاً لأور، رئيس قسم التلقيح الصناعي في كابلان، فإنه "في السنوات الأخيرة، أصبح الحفاظ على الخصوبة موضوعاً رئيسياً للنقاش. في السنوات الخمس الماضية، ارتفع عدد إجراءات الحفاظ على الخصوبة في كابلان بشكل سريع، خاصة من قبل النساء. وقد زاد الوعي بالموضوع مع تأثر التقارير الإعلامية به".
المعضلات الأخلاقية المستقبلية
في بداية الحرب، كانت إحدى القصص الكبيرة هي قصة المغنية شايلي عطاري، التي قُتل زوجها ياهاف وينر في هجوم حماس على كيبوتس كفار عزة.
أرادت أتاري، التي أنجبت مؤخراً ابنة، استخدام الحيوانات المنوية لزوجها لإنجاب طفل آخر منه، لكن بسبب طول الفترة المستغرقة للتعرف على جثته، تم إجراء العملية بعد 4 أيام من وفاته، أي بعد فوات الأوان.
في هذه الحالة لم يكن هناك الكثير من المعضلات الأخلاقية: كان وينر وأتاري بالفعل زوجين ولديهما طفل، لذلك لم تكن رغبة وينر في إنجاب طفل مع أتاري محل شك.
لكن ماذا عن المجندين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عامًا فقط؟ هل تساءل أي منهم يوماً عما إذا كان سيولد لهم طفل لم يعرفوه أبدًا - ودون أن يعرف الجندي أمه أيضاً؟.
وفي هذا الصدد، أوضح أور: "أنا أيضاً مليء بالشكوك. أتفهم الآباء الذين يريدون أن ينتج أطفالهم جيلًا قادماً. لقد أجريت هذا الأسبوع العملية لعائلتين في كابلان، وكانا شاكرين وقالا إننا منحناهما بصيصاً من الأمل".
واستطرد: "من ناحية أخرى، سيتحمل الطفل عبئاً ثقيلاً. هؤلاء الأطفال عرضة لأن يكونوا نصبا تذكارية حية. لذلك ليس لدي إجابة لا لبس فيها. أقول للوالدين إن عليهما أن يتوقعا معركة قانونية صعبة".
وقالت ممرضة ومنسقة عمليات زرع الأعضاء في مركز شيبا الطبي بالقرب من تل أبيب، دانيت شاهار وايزمان: "في البداية، تلقينا الكثير من الاستفسارات من أهالي وزوجات الضحايا الذين يريدون الاستفادة من الحيوانات المنوية، وكانت هناك فوضى. ولم يكن من الواضح كم من الوقت مضى منذ الوفاة".
وأوضحت أنه في إحدى الحالات، استخرج المركز الطبي جرعات من جندي ميت تكفي لمدة 25 جولة علاج، مضيفة: "أخبرنا والدته التي قالت إن هذا أعطاها بصيص أمل وأنه بقي منه شيء في هذه الدنيا".
سؤال "الرغبات المفترضة"
نشر المدعي العام في عام 2003، إلياكيم روبنشتاين، مبادئ توجيهية لهذه العملية، على الرغم من عدم سن أي تشريع.
وتم وضع المبادئ التوجيهية بعد سلسلة من المناقشات في وزارة العدل، بين خبراء طبيين وقانونيين، بما في ذلك خبراء في القانون والفلسفة اليهودية.
وتتضمن المبادئ التوجيهية، نموذج "الرغبات المفترضة"، الذي بموجبه، باستثناء الأدلة الأخرى، يُفترض أن المتوفى أراد من زوجته استخدام حيواناته المنوية.
ينص موقف المستشار القضائي للحكومة على ما يلي: "يجب إعطاء وزن كبير لفكرة أن الإنجاب هو قضية مهمة وجوهرية في المجتمع الإسرائيلي. يتم تخصيص قدر كبير من الموارد العاطفية والمالية لها، سواء على المستوى الخاص أو من قبل المجتمع بشكل عام".
وأضاف أن "إحياء ذكرى الموتى.. ومكانة الأحفاد والورثة، هي أركان أساسية للتقاليد اليهودية الإسرائيلية".
وتعترف وثيقة الموقف برغبات كل من المتوفى والزوجة أو الزوج الناجي، وجاء في التقرير أن "الحالة البسيطة هي عندما يكون الرجل قد عبّر عن رغباته سابقا بطريقة صريحة وملموسة.. لكن هناك حالات أكثر تعقيدا".
وفيما يتعلق بحقوق والدي المتوفى، قال: "نحن نتحدث عن الحق في تربية الطفل، وليس الحق في إنجاب الأحفاد إلى العالم. نقطة البداية هي أن عملية استخدام الحيوانات المنوية لا تتم إلا بناءً على رغبة المتوفى".
لكن الصحيفة أشارت إلى أن "رغبات المتوفى لا تقف وحدها، لأن هذه القضية تهدف إلى تحقيق رغبات مشتركة وتنطوي على قيم مجتمعية وأخلاقية. ومن ثم، ينبغي أيضًا إعطاء الوزن لموقف الزوج أو الزوجة".
وبما أن إسرائيل تمتلك التكنولوجيا الطبية المطلوبة، لكن لا يوجد تشريع في هذا الشأن، فيجب على المحاكم سد هذه الفجوة.
وهناك جوانب مجتمعية قد تساعد في سدها، وفق الصحيفة، هي "القيم الاجتماعية والثقافية، التي تعزز الإنجاب حتى في أصعب الظروف".
ويهدف المشروع الجديد "بعد" الذي تنفذه مجموعة "عائلة جديدة"، إلى منع ظهور أي حاجز قانوني على الإطلاق.
المشروع، الذي أسسته المحامية، إيريت روزنبلوم، قبل بضعة أسابيع، يسمح للرجال بالإعلان عن موافقتهم على استخدام حيواناتهم المنوية في حالة وفاتهم. كما تقدم شركة "حياة جديدة" أيضاً المشورة القانونية في هذا الصدد. وقالت روزنبلوم إنها تلقت مجموعة كبيرة من الاستفسارات.
وتخلص ساماما، مسؤولة سياسة التكنولوجيا الطبية في وزارة الصحة، إلى أن "المشروع قد يتجاوز العائق القانوني، لكن ليس العائق النفسي".
وأضافت: "إنه يضيف بعداً آخر للضغط على العائلات والشباب - الجنود والشبان الذين ينتظرون التجنيد - الذين يتعين عليهم مواجهة الموت بهذه الطريقة وكتابة وصية، أحياناً تحت ضغط الوالدين أو الأسرة الأوسع".