بدأ اليهود الأرثوذكس المتشددون (الحريديم) في إسرائيل الالتحاق بالخدمة العسكرية، رغم إعفائهم من التجنيد، وذلك لقتال حركة حماس بعد الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر الذي قتلت فيه حوالى 1200 إسرائيلياً واحتجزت 240 آخرين كرهائن، بحسب ما أوردت صحيفة "واشنطن بوست".
بعد الهجوم على إسرائيل، سعى متطوعون من مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي للانضمام إلى المجهود الحربي، والأبرز من بينهم هم المتقدمون الجدد من الحريديم والبالغ عددهم 2000 حريدي، والذين لطالما أثار إعفاؤهم من التجنيد الإلزامي الجدل في مجتمع يعتبر فيه أداء الخدمة العسكرية ركيزة أساسية للهوية الوطنية، وقد وصل هذا الجدل إلى ذروته عام 2019 عندما أسهم في إسقاط حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ما أدى إلى أزمة انتخابية استمرت لأربع سنوات.
مردخاي بورات واحد من عدد متزايد من الحريديم، الذين قرروا التطوع في صفوف الجيش الإسرائيلي، وبحسب الصحفية، فإن الأخصائي الاجتماعي البالغ من العمر 36 عاماً، يغادر منزله كل صباح مرتدياً بدلة وقبعة سوداء، إذ لا يرتدي زيه العسكري الأخضر إلا بعد وصوله إلى القاعدة العسكرية في وسط إسرائيل، حيث لا يريد أن تكتشف عائلته أو جيرانه سرّ تجندّه في الجيش الإسرائيلي.
عارض الحريديم بشدة إجبارهم على الخدمة، معتبرين أنه ينبغي تخصيص وقتهم المتاح لدراسة التوراة، وهم يخشون أن يبتعد الشباب منهم عن واجباتهم الدينية إذا ما انخرطوا في الجيش.
ودفع حجم الحريديم ونفوذهم، القادة الإسرائيليين إلى تلبية مطالبهم، كما تم إعفاؤهم من مراعاة معايير التعليم الوطنية ودفع بعض الضرائب.
تحوّل ملموس
الاندفاع للتجنيد الذي لا يزال من المحرمات بين بعض الحريديم، يظهر كيف أن هجوم حماس والحرب الإسرائيلية في غزة يعيدان تشكيل، بل يجمعان، شرائح متباينة من البلد المنقسم، بما في ذلك على طول بعض خطوط الصدع العميقة فيه.
المحاضرة في كلية الدراسات الاجتماعية والسياسية في جامعة تل أبيب، نيتشومي يافي قالت "المجتمع الحريدي يضفي الشرعية على الجيش، حيث تتراجع وصمة العار المرتبطة بالتجنيد بين الشباب" مضيفة "أصبح مجتمع الحريديم يؤكد على أهمية الجيش، بل إن البعض منهم يعبر عن استعداده للتجنيد بنفسه".
استطلعت يافي، الحريديم حول مواقفهم من الجيش في مارس 2022 ومرة أخرى بعد 7 أكتوبر. في عام 2022، وافق 35 في المئة بشدة على ضرورة المساهمة في الدفاع عن إسرائيل، وبعد الهجمات ارتفع النسبة إلى 49 في المئة.
بعد السابع من أكتوبر، كلف الجيش الإسرائيلي الحاخام الحريدي رامي رافاد (65 عاما) والذي خدم سابقاً في سلاح الجو الإسرائيلي، بتجنيد الشبان من مجتمعه. نشر نداء عبر واتساب، وفي غضون ساعات، بحسب قوله، استجاب أكثر من 400 شخص، وسرعان ما تجاوز عدد الراغبين في التسجيل الألف شخص.
وقال رافاد إن الرسائل كانت حاسمة. وأكد للمرشحين الذين ما زالوا في المدرسة الدينية، أنهم لن يضطروا إلى ترك الدراسة، مشيراً إلى أن الأيديولوجية الحريدية ليست ضد فكرة الجيش، تتضمن التوراة روايات عن الجنود والحرب، "لكن لا يمكنك إجبارهم".
"من بين 2000 متقدم من اليهود المتشددين منذ 7 أكتوبر، يقول الجيش الإسرائيلي أنه تم قبول 450. وهذا يمثل جزءاً صغيراً من الجيش، الذي يضم حوالي 170 ألفاً من أفراد الخدمة الفعلية"، قالت يافي، معتبرة أن هذا تحول كبير بالنسبة للمجتمع الحريدي، وأضافت "الآن، ستكون هناك الكثير من الضغوط لتغيير قانون الإعفاء العام".
عواقب وخيمة
لعل الحريديم لم يكونوا منفصلين عن المجتمع الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى في 7 أكتوبر. كان السبت اليهودي وعيد سمحات توراة، استيقظ أفراد المجتمع على صافرات الإنذار أكثر من المعتاد، لكن لأنهم يمتنعون عن استخدام الكهرباء يوم السبت، لم يكن لديهم أي وسيلة لمعرفة السبب.
قال بورات "لم أكن أعلم أنه بينما كنت أرقص كان الآخرون يبكون". أراد المساعدة، اعتقد أنه كأخصائي اجتماعي، بإمكانه دعم الجنود، أخبرته زوجته أنه مجنون، متوقعة أن التجنيد سيضر بمكانة العائلة في المجتمع.
انضم بورات إلى الجيش في منتصف أكتوبر، أكمل أسبوعين من التدريب العسكري وكلّف بعدها بتقديم الاستشارة النفسية للجنود الذين يتعاملون مع جثث القتلى.
رغم جهوده لإخفاء وظيفته الجديدة، بدأ الخبر ينتشر في مجتمعه. رُفض قبول ابنه في مدرستين دينيتين بدون أي تفسير، وقال بورات "كنت أعلم أنه ستكون هناك عواقب وخيمة كان عليّ أن أفكّر فيها" ومع ذلك، أكمل قائلاً "كان الأمر يستحق ذلك".
أثناء التدريب، يتعلم المجندون كيفية استخدام السلاح، والتعامل مع حواجز التحدي، والتعرف على ضباطهم، ويتم تعيين الخريجين كسائقين وطباخين وحراس. وقد تم تكليف البعض بإعداد الجثث للدفن، وهي ممارسة مقدسة متأصلة في الشريعة اليهودية.
دعم بإخلاص
عندما تجند بنزي شوارتز الذي يبلغ قرابة الأربعين عاماً، أرسل له أقاربه عبر البريد الإلكتروني للتعبير عن عدم موافقتهم، وهو لم يتدرب على الخدمة القتالية، لكنه يتمنى أن يتمكن من ذلك، قائلاً إنه يدعم المجهود الحربي بكل إخلاص.
دمرت الحملة الإسرائيلية جزءاً كبيراً من غزة، وفرّ أكثر من 1.8 مليون من سكان القطاع من ديارهم، وهم يعانون من نقص في المياه والغذاء والمأوى، ومن رعاية صحية محدودة للغاية، وانقطاع للكهرباء والاتصالات، وتحذر منظمات الإغاثة الدولية من تزايد المجاعة، ويقول شوارتز "ليس لدي أي تعاطف مع سكان غزة الذين استيقظوا في 7 أكتوبر وسار بعضهم على عكازين لقتل اليهود واغتصابهم وتعذيبهم، في أي دين، هناك مبدأ واضح: من جاء لقتلك، قم مبكراً لقتله".
تم قبول ناثان راكوف، وهو مواطن بريطاني عاش في إسرائيل معظم حياته، في الجيش وينتظر أن يتم تكليفه بدور، وقال "إن وفاة أي شخص بريء هو أمر مؤلم وغير عادل. من ناحية أخرى، فإن الحفاظ على حياتي وحياة أطفالي وإخوتي مرتفعة كإنسان ويهودي ورجل متدين".
وأضاف أن أحداث 7 أكتوبر جعلته يشعر بالوطنية بقدر ما يشعر بالتدين، وحين سئل فيما إن كان يشعر بأنه إسرائيلي أكثر الآن، أجاب "نعم".