يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات متلاحقة منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر، مع ارتفاع الإنفاق الحكومي والاقتراض، وانخفاض عائدات الضرائب، إلى جانب تراجع مردودية قطاعات اقتصادية مؤثرة.
والاثنين، خفّض بنك إسرائيل المركزي، أسعار الفائدة على الاقتراض قصير الأجل للمرة الأولى منذ ما يقرب من أربع سنوات، لتكون إسرائيل أول دولة متقدمة تيسر سياستها النقدية، وفقا لرويترز.
واتجه البنك المركزي لخطوة سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة من 4.75 بالمئة إلى 4.50 بالمئة، بعد صدور بيانات أظهرت ضعف الاقتصاد وتراجع التضخم نتيجة لحرب إسرائيل الدائرة ضد حماس في غزة.
وقال البنك إن "للحرب تداعيات اقتصادية كبيرة سواء على النشاط الاقتصادي الحقيقي أو على الأسواق المالية، مؤكدا على حالة "عدم اليقين" فيما يتعلق بـ"خطورة الحرب المتوقعة ومدتها، وهو ما يؤثر بدوره على مدى تأثيرها على النشاط".
في السياق ذاته، ذكر تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، أن تداعيات الهجوم على الاقتصاد الإسرائيلي كانت قوية، مشيرا إلى أن بعض الاقتصاديين يتوقعون "صدمة" شبيهة بالأضرار التي لحقته جراء جائحة فيروس كورونا، بينما يتوقع آخرون أن تكون "أسوأ" مع تضرر التصنيف الائتماني للبلد.
وينتظر أن يعرف الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا من توقعات، كانت تشير إلى من 3 بالمئة في 2023 إلى 1 بالمئة في 2024، بحسب أرقام بنك إسرائيل المركزي.
وقالت الصحيفة، إن تأثيرات الحرب على قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يعد محركا رئيسيا للاقتصاد الإسرائيلي "مثيرة للقلق"، موردة أن شركات عاملة في المجال تكافح من أجل مواصلة استثمارها في البحث والتطوير والحفاظ على حصتها في السوق، في ظل تجنيد الآلاف من عمالها.
والأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي تسريح بعض جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم لمحاربة حماس في غزة، في خطوة قال إنها ستساعد الاقتصاد في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لحرب طويلة الأمد.
وقال المتحدث باسم الجيش الأميرال دانيال هاغاري "سيعود بعض جنود الاحتياط إلى عائلاتهم ووظائفهم هذا الأسبوع".
واقع الاقتصاد
وأوردت الصحيفة، أن إسرائيل أنفقت، على مدار الأشهر الثلاثة الماضية أموالا ضخمة، من أجل نشر ودعم رواتب أكثر من 220 ألف جندي احتياطي.
وكشفت أن العديد من هؤلاء الجنود، يعملون في قطاعات التكنولوجيا الفائقة الدقة والزراعة والتمويل والملاحة والذكاء الاصطناعي والمستحضرات الصيدلانية ومجال تقدم الحلول المناخية.
ولا يتحمل الاقتصاد تبعات دفع تكاليف قوات الاحتياط والقنابل والذخيرة فحسب، بل أيضا مصاريف مئتي ألف شخص من الذين تم إجلاؤهم من القرى الإسرائيلية على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان، والتي تتعرض لقصف يومي من حزب الله.
ويتم إيواء العديد من هؤلاء الأشخاص وإطعامهم في فنادق، بالشمال والجنوب، على نفقة الحكومة.
كما أن كثيرين مصابون بصدمات نفسية، وآخرون غير قادرين على العمل.
ولم يكن القطاع السياحي بمعزل عن الصدمة الاقتصادية التي يواجهها البلد، حيث أن شواطئ تل أبيب والبلدة القديمة في القدس خالية من الزوار الأجانب، كما ألغيت احتفالات أعياد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية.
ويعرف القطاع السياحي حالة من الانهيار مع انخفاض عدد السياح بنسبة 90 بالمئة، شهر نوفمبر، وفقا لأرقام لوزارة السياحة الإسرائيلية، نقلها موقع "JNS".
ويأتي هذا الانخفاض الحاد في الوقت الذي كان مسؤولو الوزارة يتوقعون تحقيق القطاع السياحي لأرقام قياسية للسياحة بعد التعافي العالمي من جائحة كورونا.
من جهته، يعاني قطاع البناء الذي يعتمد عادة على العمالة الفلسطينية من نقص كبير في العمال، بعد أن علقت السلطات الإسرائيلية تصاريح العمل الخاصة بأكثر من 100 ألف فلسطيني.
كما عاد آلاف العمال الأجانب من الصين وتايلاند والفلبين ودول أخرى إلى بلادهم بعد الهجوم الصادم، مع توقف الاقتصاد، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وأشارت الصحيفة إلى أنه، في ظل هذا الواقع الجديد يتنافس المقاولون الإسرائيليون على عدد أقل من العمال، ويدفعون أجورا أعلى في الساعة، آملين في أن يؤدي قرار الحكومة بالسماح بدخول اليد العاملة الأجنبية في تخفيف الصعوبات التي يواجهونها.
وإلى جانب كل ما سبق، انخفضت صادرات البلد في جميع المجالات، وأغلقت حقول الغاز الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، في أيام الحرب الأولى قبل أن تستأنف نشاطها، وفقا لواشنطن بوست.
تكلفة الحرب
ويقدر اقتصاديون أجرت الصحيفة الأميركية، مقابلات معهم، أن الحرب الجارية كلفت الحكومة حوالي 18 مليار دولار، أي ما يعادل 220 مليون دولار يوميا.
وأجرى زفي إيكشتاين، نائب محافظ بنك إسرائيل السابق والخبير الاقتصادي في جامعة رايخمان، بحثا مع اقتصاديين آخرين، وأفادوا بأن التأثير على ميزانية الحكومة، بما في ذلك انخفاض عائدات الضرائب، للربع الرابع من عام 2023 بلغ 19 مليار دولار ومن المحتمل أن يصل إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024.
وإذا استمرت الحرب من خمسة إلى عشرة أشهر أخرى، يمكن أن تكلف إسرائيل ما يصل إلى 50 مليار دولار، وفقا لصحيفة "كالكاليست" المالية، أي ما يعادل 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويقول يارون زليخة، الأستاذ في كلية أونو الأكاديمية، وهو خبير اقتصادي سابق في وزارة المالية الإسرائيلية، إن تكاليف الحرب، تشمل الميزانية المخصصة للعمليات، والانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي وما نتج عنه من انخفاض في الإيرادات.
ويضيف الفاعل الاقتصادي، أنه ينتج عن العجز في الإنفاق ارتفاع تكاليف الاقتراض، والتي ستؤثر على الميزانية لفترة طويلة حتى بعد انتهاء القتال.
التأثير على العمال
وتسبب استدعاء قوات الاحتياط وعمليات النزوح، وباقي الآثار غير المباشرة للحرب في "تعطيل ما يصل إلى 20 بالمئة من العمال الإسرائيليين".
وكشف ميشال دان هاريل، المدير الإداري لشركة "مانباور إسرائيل"، أكبر وكالة توظيف في البلاد، إن "الاقتصاد الإسرائيلي شهد موجة صدمة مماثلة لذروة جائحة كورونا".
وأكد أن "أجزاء كبيرة من الاقتصاد، توقفت لمدة أسبوعين تقريبا. كان الناس في حالة صدمة. كل يوم يكشف حجم الأزمة".
واعتبر هاريل أت تأثير عمليات نشر جنود الاحتياط كان دراماتيكيا بشكل خاص، أن تأثير عمليات نشر جنود الاحتياط "كان دراماتيكياً بشكل خاص"، لأنه "يجري استدعاء الأفراد دون معرفة متى سيعودون إلى العمل، ولم يتوقع أحد أن يجري تجنيد الأشخاص لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر".
ووقّع أكثر من 191 ألف إسرائيلي على طلبات الحصول على إعانة بطالة، منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر وحتى أواخر الشهر الماضي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
آراء الإسرائيليين؟
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة "لاتيت" أن 45 بالمئة من الإسرائيليين يعترفون بـ"القلق" من أن الحرب ستسبب لهم صعوبات اقتصادية.
وقال اقتصاديون للصحيفة، إن هجمات حماس كانت "كارثة"، أدت إلى تآكل ثقة المواطنين والشركات والمستثمرين في الحكومة والجيش، مشيرين إلى أن استعادة هذه الثقة سيستغرق وقتا.
وبالرغم من التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه البلد، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أن البلاد بحاجة إلى زيادة إنفاقها الدفاعي بنحو 30 مليار شيكل (8.3 مليار دولار) خلال العام المقبل، حسبما نقلته وكالة بلومبرغ.
وأشارت الوزارة إلى أن "الموازنة بشكل عام ستصل إلى نحو 562 مليار شيكل مقارنة بحوالي 513 مليار (139 مليار دولار) تم إقرارها مع طرح خطة الإنفاق في مايو الماضي".
وبجانب الإنفاق العسكري، قالت وزارة المالية إنها "ستكون بحاجة إلى 10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار)، لتغطية نفقات إجلاء نحو 120 ألف شخص من الحدود الشمالية والمناطق الجنوبية في البلاد، وزيادة ميزانية الشرطة والجهات الأمنية الأخرى، بجانب إعادة بناء الكيبوتسات التي دمرتها حماس خلال هجوم السابع من أكتوبر".