إسرائيل- بنك (تعبيرية)
الوكالة أبقت على توقعاتها الائتمانية عند "سلبية" ما يعني إمكانية خفض التصنيف مرة أخرى

بعد أربعة أشهر على بداية حربها ضد حماس، بدأت التداعيات الاقتصادية على إسرائيل تتكشف، حيث أن وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، خفضت تصنيفها من "A1" إلى "A2" مع نظرة مستقبلية من "مستقر" إلى "سلبي".

وذكرت موديز أن تأثير الحرب يثير مخاطر سياسية ويضعف المؤسسات التنفيذية والتشريعية في إسرائيل وقوتها المالية في المستقبل المنظور، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.

وتم خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى "A2"، وهو أعلى بخمس درجات من الدرجة الاستثمارية، في حين أبقت الوكالة على توقعاتها الائتمانية عند "سلبية" ما يعني إمكانية خفض التصنيف مرة أخرى.

"دوامة"

تعليقا على ذلك، قال المحلل الإسرائيلي، إيدي كوهين، إن هذا التخفيض كان متوقعا، لأن إسرائيل كانت في "دوامة منذ نحو ستة أشهر".

وفي اتصال مع موقع الحرة، لفت إلى أن فترة الحرب أثرت على إسرائيل، لكنه أكد أن السياسية في إسرائيل لم تكن مستقرة حتى قبل بداية الحرب.

وكانت موديز قالت في بيانها بالخصوص "في حين أن القتال في غزة قد يتراجع أو يتوقف فإنه لا يوجد حاليا اتفاق على إنهاء العمليات القتالية بشكل دائم ولا يوجد اتفاق على خطة أطول أمدا من شأنها استعادة الأمن لإسرائيل بشكل كامل وتعزيزه في نهاية المطاف".

وتوقعت الوكالة ارتفاع أعباء الدين في إسرائيل عن توقعات ما قبل الحرب وأن يصل الإنفاق الدفاعي إلى ضعف مستوى عام 2022 تقريبا بحلول نهاية هذا العام.

ويقول كوهين في الصدد، إن "هذا الوضع نتيجةٌ للحرب التي أُجبرنا أن ندخل فيها".

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس، في السابع من أكتوبر عقب هجوم غير مسبوق على إسرائيل، نفذه مسلحو الحركة، أسفر عن مقتل أكثر 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، بحسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.

كذلك، اختطف في الهجوم نحو 250 رهينة، تقول إسرائيل إن 132 بينهم ما زالوا في غزة، و29 منهم على الأقلّ يُعتقد أنهم قُتلوا، بحسب أرقام صادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وتردّ إسرائيل على الهجوم بحملة قصف مركز أتبعتها بهجوم بري واسع في القطاع، ما أسفر عن مقتل 28064 شخصا غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.

يذكر أن وكالة موديز، كانت قد وضعت تصنيف إسرائيل الائتماني تحت المراقبة في 19 أكتوبر، أي بعد 12 يوما على هجوم حماس واندلاع الحرب.

"بيانٌ متشائم"

في أول تعليق له على تخفيض تصنيف إسرائيل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إنه "لا يوجد ما يدعو للقلق". 

وأضاف أن "اقتصاد إسرائيل قوي، وخفضُ التصنيف ليس له علاقة بالاقتصاد، بل يرجع بالكامل إلى كوننا في حالة حرب،  وبالتالي فإن"التقييم سوف يرتفع في اللحظة التي ننتصر فيها في الحرب، وسوف ننتصر" وفق ما نقلت عنه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" .

من جانبه، انتقد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، السبت، تقييم الوكالة، قائلا إن القرار المرتبط بحرب غزة لم يستند إلى منطق اقتصادي سليم ويمثل "بيانا" متشائما.

وأضاف "الاقتصاد الإسرائيلي قوي بكل المقاييس وهو قادر على مواصلة تحمل المجهود الحربي كاملا سواء على الجبهة الخارجية أو الداخلية حتى تحقيق النصر بعون الله".

كوهين أيضا، شدد على أن اقتصاد إسرائيل قوي، وقال "الاقتصاد الإسرائيلي من أقوى اقتصادات العالم" مشددا على أن إسرائيل "ليس لها ديون مرتفعة، ولها دخل قومي قوي".

"مخاطر"

من جانبه، قال  الخبير الاقتصادي، والمحلل لشؤون الشرق الأوسط، سامي نادر، إن تخفيض موديز لتصنيف إسرائيل "يعني أن المخاطر المتعلقة بإسرائيل زادت" وإن ذلك يعني ارتفاع الكلفة الاقتصادية عموما.

وفي اتصال مع موقع الحرة، أشار نادر، إلى أن قرار موديز "سيحد حتما  من قدرة إسرائيل على الاستدانة ما يؤثر أيضا على الاستثمارات في البلاد".

في ذات السياق، لفت تحليل نشر على موقع صحيفة "هآرتس" إلى أن وكالة موديز قالت إن "الصراع العسكري المستمر مع حماس، وتداعياته والعواقب الأوسع نطاقا تزيد بشكل ملموس من المخاطر السياسية على إسرائيل، فضلا عن إضعاف مؤسساتها التنفيذية والتشريعية وقوتها المالية، في المستقبل المنظور. 

التحليل علق على ذلك بالقول "بعبارة أخرى، لا يتعلق الأمر بالحرب فحسب، بل بالمؤسسات التنفيذية والتشريعية الضعيفة، أي حكومة نتانياهو والكنيست التي يهيمن عليها ائتلاف اليمين المتطرف والديني المتطرف الذي يهدد اقتصاد إسرائيل".

ورد التحليل الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل لما وصفه بـ"رفض الحكومة للخطط التي قدمتها الولايات المتحدة والدول العربية التي تشمل إطارًا جديدًا للحكم والقيادة السياسية في غزة، والذي يمكن أن يساهم بدوره في تحسين الأمن لإسرائيل".

وأنهى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع، جولة خامسة له في المنطقة منذ اندلاع الحرب، لوضع الأسس لمرحلة ما بعد انتهاء القتال، والتي يرى أنها يجب أن تتضمن سلطة فلسطينية بعد إصلاحها، وطريقاً نحو إقامة دولة فلسطينية وتطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية.

تعليقا على هذه الزيارة التي قادته إلى إسرائيل أيضا، قالت صحيفة "فاينانشل تايمز" إنه "كان هناك تباين صارخ"، بين بلينكن ونتانياهو في تقييمهما للشروط الأخيرة التي عرضتها حماس في إطار اقتراح الإفراج عن رهائن، حيث لا يزال ما يقرب من 130 رهينة لدى حماس.

US Secretary of State Antony Blinken (2nd-L) meets with former Israeli army chief of staff Gadi Eisenkot (not in frame) and…
زيارة بلينكن الأخيرة لإسرائيل "كشفت عمق التباين" بشأن غزة
تعتبر الولايات المتحدة أقوى حليف لإسرائيل، وكانت من أكثر البدان التي وقفت إلى جانبها منذ الهجوم الدامي الذي نفذه مسلحون من حركة حماس عليها في السابع من أكتوبر الماضي، لكن خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، "تجلت انقسامات عميقة بين البلدين" وفق تعبير تقرير لصحيفة "فاينانشل تايمز".

وقال بلينكن إنه في حين أن الاقتراح -الذي دعا إلى وقف الأعمال العدائية لمدة 135 يوما، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والإفراج عما لا يقل عن 1500 سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية- صعب التحقيق، إلا أنه عرض مع ذلك "مساحة للتوصل إلى اتفاق".

لكن نتانياهو رفض هذه المقترحات ووصفها بأنها "وهمية".

وبدلاً من ذلك، أصر على أن الطريقة الوحيدة لتحرير المختطفين هي "النصر الكامل" على حماس، وهو ما يراه تحليل "هآرتس" وراء تراجع تصنيف إسرائيل لدى وكالة موديز حيث قال متسائلا "كيف يمكن النظر بإيجابية لمستقبل إسرائيل إذا كانت حكومتها لا تفعل شيئاً للتخطيط لمثل هذا المستقبل؟".

التحليل الذي كتبه أنشيل فيفر، حمل حكومة نتانياهو مسؤولية "تراجع التصنيف" وذكّر بأنه قبل سبع سنوات، عندما كانت وكالة موديز وغيرها من وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية تفكر في رفع مستوى الاقتصاد الإسرائيلي، أرسلت فرقاً من المحللين لإجراء مقابلات مع مجموعة واسعة من الاقتصاديين والخبراء والصحفيين الإسرائيليين. 

وقال فيفر "وقتها التقيت باثنين من أعضاء الفريق وأذهلتني حقيقة أن همّهم الرئيسي لم يكن الوضع الأمني في إسرائيل، لقد توصلوا بالفعل إلى نتيجة مفادها أن الاقتصاد الإسرائيلي أثبت أنه قوي، ما أرادوا معرفته هو ما إذا كان يمكن الوثوق بالنظام السياسي الإسرائيلي" في إشارة أخرى إلى أن الحرب لم تكن وحدها وراء تخفيض التصنيف.

التداعيات؟

يقول كوهين، إنه لا يتوقع أن تخفيض تصنيف موديز "ستكون له انعكاسات طويلة الأمد على إسرائيل".

وأضاف "الانعكاسات ستكون قصيرة المدى، مثل ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملة المحلية، وتراجع مستوى الاستثمارات" ثم استدرك" بالنهاية، من يريد الاستثمار في زمن الحرب؟".

سامي نادر من جانبه، جدد التأكيد على أن إسرائيل ستعرف تراجعا محسوسا في الاستثمارات مع ما قد ينجر من ارتفاع أسعار الفائدة جراء التصنيف الجديد.

لكنه هو الآخر، قال إن التخفيض من "A1" إلى "A2" لا يُعد تراجعا كبيرا ومن ثم لن تكون له تداعيات كبيرة على إسرائيل في الوقت الحالي.

يذكر أن وكالة موديز أوضحت أيضا أنّ "خطر حصول تصعيد يشمل حزب الله في شمال إسرائيل لا يزال قائما، وهو ما يُحتمل أن يكون له تأثير سلبي أكثر بكثير على الاقتصاد".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يدخلان البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، 7 أبريل/نيسان 2025. رويترز - صورة أرشيفية
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يدخلان البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، 7 أبريل/نيسان 2025. رويترز - صورة أرشيفية

 يحاول المسؤولون الإسرائيليون التظاهر بعدم الاكتراث في تعاملهم مع تجاهل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لهم في رحلته إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، لكن الواقع هو أن قراره يزيد القلق في إسرائيل بشأن وضعها بالنسبة لأولويات واشنطن.

فبعد أيام قليلة من الإعلان عن خطط لعملية عسكرية موسعة في غزة، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس الأحد إن الولايات المتحدة أبلغته باتفاق لإطلاق سراح الرهينة الأميركي الإسرائيلي، إيدان ألكسندر، بعد محادثات بين واشنطن وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) لم تشمل إسرائيل.

وأثار ترامب، الذي سيزور السعودية وقطر والإمارات، ذعر إسرائيل الأسبوع الماضي بإعلانه فجأة أن الولايات المتحدة ستتوقف عن قصف الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بعد أيام من سقوط صاروخ أطلقته الحركة بالقرب من المطار الرئيسي في إسرائيل.

وكتب إيتمار آيشنر المراسل الدبلوماسي لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في تعليق يعكس ما قاله معلقون إعلاميون عبر مختلف ألوان الطيف السياسي، "كانت الرسالة واضحة للمنطقة: إسرائيل لم تعد على رأس أولويات الولايات المتحدة".

وقال مسؤول إسرائيلي إن إعلان ترامب بشأن الحوثيين كان "محرجا إلى حد ما" وإن تصرف الرئيس "سلاح ذو حدين".

وتعقد إسرائيل محادثات مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب، ويقول مسؤولون إن العلاقات على المستوى الرسمي لا تزال قوية، لكن بعض المسؤولين يُقرون بصدمتهم من قرارات ترامب.

وقال مسؤول كبير في دائرة نتانياهو، طلب عدم الكشف عن هويته، إن هناك "فوضى" في إدارة ترامب، حيث يعتمد كل شيء على ما يقرره الرئيس في أي لحظة. وأضاف المسؤول أن ذلك يُفيد إسرائيل أحيانا ويُضر بها أحيانا أخرى.

وزاد القرار المتعلق بالحوثيين، الذي لم يُناقش مع إسرائيل مُسبقا، قلق إسرائيل إزاء المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامج طهران النووي، والتي قد تضعف أي تهديد إسرائيلي بعمل عسكري ضد عدوها اللدود.

وزاد قلق إسرائيل أكثر بعد أن ذكرت وكالة رويترز أن الولايات المتحدة لم تعد تطالب السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل كشرط لإحراز تقدم في محادثات التعاون النووي المدني.

وقال وزير الخارجية، جدعون ساعر، أمس الأحد "نحن ننسق. هذا لا يعني ضرورة الاتفاق التام 100 بالمئة على كل قضية. الولايات المتحدة دولة ذات سيادة. إسرائيل دولة ذات سيادة. لكنني أعتقد أن لدينا أرضية مشتركة كبيرة للغاية في المواقف مع هذه الإدارة أكثر من أي وقت مضى".

وعقد آدم بولر مفاوض ترامب بشأن الرهائن في مارس ما وصفته حماس باجتماعات "مفيدة للغاية" مع الحركة، تجاوزت إسرائيل وركزت على إطلاق سراح ألكسندر.

وفي الأسبوع الماضي، نفى السفير الأميركي، مايك هاكابي، أن يكون ترامب ينأى بنفسه عن إسرائيل. وقال إن العلاقة غالبا ما توصف بأنها متينة، وأن "هذه الكلمة لا تزال سارية".

وأضاف "لقد كان الرئيس ثابتا في دعمه وشراكته، وليس لدي ما يدعو للاعتقاد بأن ذلك لن يستمر".

"فوضى"

تعرض نتانياهو وحكومته لانتقادات، الاثنين، على الرغم حتى من تطلع الإسرائيليين لإطلاق سراح ألكسندر، مع زيادة الإدراك لدى الجمهور بأن للدولتين الحليفتين أولويات مختلفة.

قال جاك جوتليب وهو متقاعد من تل أبيب "كل ما هنالك أنه لا توجد قيادة الآن". وأضاف أنه "لا شك" في أن الصفقة أُبرمت من وراء ظهر نتانياهو، أو أن برنامجي العمل الأميركي والإسرائيلي يختلفان في الوقت الراهن.

ومضى يقول "في الوقت الحالي، كل يركز على مصلحته".

ولم يكن أمام نتانياهو خيار سوى قبول قرار التوقف عن قصف الحوثيين، الذين أوضحوا أنهم لن يتوقفوا عن محاولة ضرب إسرائيل بإطلاق صاروخ آخر بعد ذلك ببضعة أيام.

اعتمدت إسرائيل على الدعم العسكري والدبلوماسي الأميركي منذ قيامها عام 1948. وأي تراجع في الاهتمام الأميركي، في ظل الضغوط الدولية التي تواجهها إسرائيل بسبب حرب غزة، من شأنه أن يشكل ضربة قاسية.

وسلط قرار إسقاط مطلب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل الأضواء على الضرر الذي لحق بإسرائيل على الصعيد الدولي بسبب هذه القضية. والهدف من إسقاطه تجاوز إصرار الرياض على موافقة إسرائيل على التحرك نحو تسوية مع الفلسطينيين.

كان ضم السعودية إلى الإمارات والبحرين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم خلال ولاية ترامب الأولى هدفا رئيسيا لنتانياهو، لكنه تأجل إلى أجل غير مسمى على ما يبدو.

وواجه جو بايدن، سلف ترامب، انتقادات لاذعة من المتشددين الإسرائيليين بعد وقف تصدير بعض الذخائر الثقيلة التي تستخدم في غزة وفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين ينتهجون العنف في الضفة الغربية.

وعلى النقيض من ذلك، تحدى ترامب في ولايته الأولى الرأي العام العالمي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، التي تعتبرها إسرائيل عاصمة لها، واعترف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان التي احتلتها من سوريا في حرب عام 1967.

وقال مسؤولون إسرائيليون في وقت سابق إنهم يدركون المخاطر التي تواجهها إسرائيل في ظل وجود رئيس لا يمكن التنبؤ بسلوكه مثل ترامب، والذي لم يبد أي تردد في الانقلاب على حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين.

وقال أحدهم "لكن ليس لدينا خيار آخر".