تعلن محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، الجمعة، قراراها بشأن طلب جنوب أفريقيا توجيه أمر لإسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة.
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالوقف "الفوري" لجميع العمليات العسكرية في غزة، بما يشمل مدينة رفح التي باشرت عمليات برية فيها، في 7 مايو، رغم معارضة المجتمع الدولي.
وقالت المحكمة في بيان إن "جلسة عامة ستُعقَد في الساعة الثالثة بعد الظهر في قصر السلام في لاهاي" الجمعة.
وفي عشية القرار المنتظر تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن البلاد "تستعد للأسوأ"، إذ يعتقد مسؤولون أن قضاة المحكمة "سيقبلون الطلب جزئيا على الأقل"، بحسب تقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وترجح وسائل إعلام إسرائيلية أن يتضمن القرار إما "وقف العملية في رفح أو وقفا كاملا للحرب".
ما أهمية قرار محكمة العدل الدولية؟
وتبتّ محكمة العدل الدولية في النزاعات بين الدول، وأحكامها ملزمة قانونا، لكن ليست لديها آليات لتنفيذها.
ويأتي هذا القرار في الوقت الذي يدافع فيه الفريق القانوني الإسرائيلي عن العمليات العسكرية في رفح باعتبارها "ضرورة" للقضاء على حماس، والعثور على الرهائن، ووصف عملياته بأنها "محدودة ومحلية" بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
كما أن هذا القرار يُعتبَر جزءا من قضية أوسع تتهم جنوب أفريقيا فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية.
إلا أن اتخاذ قرار لصالح جنوب أفريقيا سيكون بمثابة ضربة جديدة لإسرائيل بعدما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إصدار مذكرات توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، وثلاثة من من قادة حماس هم إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم مفترضة في قطاع غزة وإسرائيل، وفقا لتقرير لوكالة فرانس برس.
وقبل توغله في رفح، أمر الجيش الإسرائيلي بعمليات إخلاء واسعة النطاق في شرق المحافظة حيث يقول إنه يريد تدمير آخر كتائب حماس، وشبكة أنفاقها، وإنقاذ الرهائن.
ووفقا للأمم المتحدة، تسببت هذه العمليات في نزوح 800 ألف شخص، في حين يواجه مليون فلسطيني في غزة "مستويات كارثية من الجوع".
وتشير وكالة رويترز إلى أنه من الممكن أن يضر الحكم ضد إسرائيل بسمعتها الدولية ويشكّل سابقة قانونية.
ماذا يقول الإعلام الإسرائيلي؟
وقال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية قبل صدور القرار: "لا توجد قوة على الأرض يمكنها أن تمنع إسرائيل من حماية مواطنيها وملاحقة حماس في غزة".
وتشير صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أن تقريرا نشره موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقل عن أحد المسؤولين الذي لم تذكر اسمه يعتقد أن "هناك فرصة ضئيلة لرفض محكمة العدل الدولية طلب جنوب أفريقيا بوقف الأعمال العدائية"، وهناك فرصة "متوسطة" بأن تقبل "المحكمة الطلب بوقف الحرب في غزة"، واحتمال "متوسط إلى مرتفع" بأن يركز القرار على "وقف إطلاق النار في رفح".
كما ترجح بعض السيناريوهات "احتمالا كبيرا بأن تصدر المحكمة أوامر إضافية لزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة".
من جانبها نقلت "القناة 12" عن مسؤولين لم تذكر أسماءهم أن إسرائيل "لا تنوي تأييد مثل هذه القرارات".
"إبادة جماعية"
تطالب جنوب أفريقيا باتخاذ إجراءات طارئة في انتظار النظر في جوهر القضية، وهو اتهام إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية.
وكانت المحكمة أمرت إسرائيل، في يناير، ببذل كل ما في وسعها لمنع أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
لكنها لم تذهب إلى حد إصدار أمر بوقف إطلاق النار. وترى جنوب أفريقيا أن تطور الوضع على الأرض وخصوصا العمليات في رفح، يتطلب أمرا جديدا من محكمة العدل الدولية.
جنوب أفريقيا التي تطالب محكمة العدل الدولية للمرة الرابعة باتخاذ إجراءات طارئة في هذه القضية، قالت خلال جلسات الاستماع، الأسبوع الماضي، إن "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل وصلت إلى "مستوى مروّع"، مشيرة إلى العثور على مقابر جماعية وتسجيل أعمال تعذيب وعرقلة المساعدات الإنسانية.
وقال فوغان لوي، وهو محام يمثل جنوب أفريقيا، إن العملية الإسرائيلية في رفح هي "الخطوة الأخيرة في تدمير غزة وشعبها الفلسطيني".
وفي اليوم التالي ردت إسرائيل أمام القضاة بأن اتهامها بارتكاب "إبادة جماعية... منفصل تماما" عن الواقع.
وقال كبير المحامين الممثلين لإسرائيل، جلعاد نوام، إنه لم يحصل هجوم "واسع النطاق" في رفح، بل "عمليات محددة سبقتها جهود إخلاء ودعم للنشاطات الإنسانية".
وشنت إسرائيل حملة عسكرية على قطاع غزة بعد هجوم مسلحي حماس عليها في السابع من أكتوبر، مما أسفر، وفقا لإحصاءات إسرائيلية، عن مقتل 1200 واحتجاز أكثر من 250 رهينة.
وتقول وزارة الصحة في قطاع غزة إن ما يقرب من 36 ألف فلسطيني قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على غزة منذ ذلك الحين، ويعتقد أن ما لا يقل عن عشرة آلاف آخرين في عداد المفقودين.
قضية جنوب أفريقيا بالتسلسل
جاء في الملف الأولي الذي قدمته جنوب أفريقيا بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب ويتكون من 84 صفحة أن قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة وإلحاق أذى نفسي وجسدي جسيم بهم وخلق ظروف معيشية تهدف إلى "تدميرهم جسديا" يعد إبادة جماعية.
وركزت جنوب أفريقيا في جلسات الاستماع، في يناير، على ما وصفته بـ "تقاعس" إسرائيل عن توفير الغذاء الأساسي والمياه والأدوية والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية لغزة خلال الحرب الدائرة مع حركة حماس.
وفي 16 مايو الحالي، طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة إصدار أمر للقوات الإسرائيلية بوقف عملياتها في رفح بجنوب غزة حيث يحتمي نحو نصف سكان القطاع وعددهم 2.3 مليون شخص بعد نزوحهم بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال. كما طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالانسحاب الكامل من قطاع غزة.
ما هو رد إسرائيل؟
رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، اتهامات الإبادة الجماعية ووصفها بأنها شائنة. وتقول إسرائيل إنها تفعل ما في وسعها لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وتتهم حركة حماس باستخدام الفلسطينيين دروعا بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وتقول إسرائيل إن حق الدفاع عن النفس يجب أن يكون مكفولا لها بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
وفي دفاعها أمام محكمة العدل الدولية، في 17 مايو، قالت إسرائيل إن طلب جنوب أفريقيا "يستخف باتفاقية منع الإبادة الجماعية"، وطلبت من القضاة رفضه.
ماذا تقول واشنطن عن قرارات المحكمة الجنائية؟
قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، إن الولايات المتحدة لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية وإنه لا يمكن المقارنة بين إسرائيل وحركة حماس.
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قال، الثلاثاء، إن الإدارة الأميركية مستعدة للعمل مع الكونغرس على فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسبب طلب المدعي العام إصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيليين بشأن حرب غزة.
وطلب السيناتور الجمهوري، ليندزي غراهام، من بلينكن في جلسة للجنة الفرعية للمخصصات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي إعادة فرض العقوبات الأميركية على المحكمة ردا على الخطوة التي اتخذها مدعي المحكمة، خان، الاثنين الماضي.
وأضاف غراهام "أريد أفعالا، وليس كلمات فحسب... هل ستؤيد جهود الحزبين لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ليس فقط للوقوف بجانب إسرائيل ولكن لحماية مصالحنا في المستقبل؟".
ورد بلينكن قائلا: "أرحب بالعمل معك في هذا الشأن".
وانتقد بايدن وخصومه السياسيون على السواء إعلان خان بشدة قائلين إن المحكمة ليست مختصة بالنظر في مسألة الصراع بغزة وأثاروا مخاوف تتعلق بالإجراءات.
والولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة، لكنها أيدت محاكمات سابقة بما في ذلك قرار المحكمة العام الماضي بإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسبب الحرب في أوكرانيا.
ما هي قرارات محكمة العدل في القضية حتى الآن؟
بعد الجولة الأولى من جلسات الاستماع المتعلقة بالتدابير الطارئة في يناير، ارتأت المحكمة أنه من المعقول أن إسرائيل انتهكت بعض الحقوق المكفولة للفلسطينيين في قطاع غزة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وأمر القضاة إسرائيل بالكف عن أي أعمال يمكن أن تندرج تحت اتفاقية منع الإبادة الجماعية وضمان عدم ارتكاب قواتها أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
وتشمل تلك الأعمال بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما وإلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم وتعمد الإضرار بالأحوال المعيشية بقصد تدمير الجماعة كليا أو جزئيا.
وأمر القضاة إسرائيل أيضا باتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وأعلنت المحكمة، في مارس، المزيد من التدابير الطارئة حينما أمرت إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية والفعالة لضمان وصول الإمدادات الغذائية الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزة.
وتصدر المحكمة، الجمعة، 24 مايو، قرارها بشأن أحدث طلب لجنوب أفريقيا بالتدخل الفوري أو فرض تدابير طارئة على إسرائيل، وليس بشأن قضية الإبادة الجماعية الأوسع التي قد يستغرق الحكم فيها سنوات.