في وقت تتواصل فيه الدعوات الدولية والإقليمية للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يصنف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" منظمة إرهابية، في خطوة أثارت تنديد العديد من الدول حول العالم.
وطالما اتهمت إسرائيل المنظمة الأممية بأنها "مرتبطة" بحركة حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى)، ووصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في وقت سابق هذا العام، بأنها "مخترقة بالكامل من حماس".
لكن حسب العديد من المنظمات الإنسانية والدولية، لا يوجد بديل يمكنه القيام بدور الأونروا وتقديم الخدمات للفلسطينيين في كل مناحي الحياة. ويرى البعض أن الانتقادات والتحركات الإسرائيلية ضد المنظمة "تهدف إلى القضاء على فكرة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة إلى أراضيهم التي رحلوا منها في أعقاب قيام إسرائيل عام 1948".
ما مصير المشروع؟
قال عضو الكنيست السابق، سامي أبو شحادة، لموقع الحرة، إنه كأي مشروع قانون، يتم عرض قراءة تمهيدية أولى له على المجلس، ثم تدرسه اللجنة المختصة، ويتم تقديم قراءة أولى له أمام أعضاء الكنيست.
وتابع أنه بعد وضع الملاحظات وتمريره من جانب الأعضاء، يعود مجددا إلى اللجنة المختصة، لقراءة ثانية وثالثة على الكنيست، ثم تمريره بعد ذلك، موضحًا أن الفترة التي يستغرقها تمرير مشروع القانون "ترتبط بجدية الحكومة نفسها في تقديم القانون".
وقدمت يوليا ميلينوفسكي، عضوة الكنيست عن حزب "يسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، مشروع القانون المعروض أمام الكنيست حاليًا، والذي أيده في القراءة التمهيدية 42 عضوا وعارضه 6 فقط.
ويقضي المقترح بأن قانون محاربة الإرهاب الإسرائيلي يسري على الأونروا، وينص على "وقف كافة الاتصالات والعلاقات بين إسرائيل ومواطنيها وبين الأونروا، وإغلاق مكاتب الوكالة في إسرائيل"، بجانب تطبيق بنود قانون العقوبات التي تسري على "المنظمات الإرهابية".
وأضاف أبو شحادة للحرة: "لو كانت الحكومة تريد مجرد ضجة إعلامية، فلا تستعجل مراحل مشروع القانون، وعلى النقيض، يمكن تمريره في خلال شهر لو كانت هناك جدية في طرحه".
ما الهدف؟
كرر كبار مسؤولي الأمم المتحدة أن "الأونروا"، "لا يمكن تعويضها في غزة"، حيث تشكل العمود الفقري للمساعدات الإنسانية.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أواخر يناير الماضي، الوكالة بأنها "العمود الفقري لجميع الجهود الإنسانية في غزة".
وفي صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الجمعة، كتب المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، مقالا بعنوان "على إسرائيل وقف حملتها ضد الأونروا"، قائلا إن "الحرب في غزة تسبب ازدراء فاضحا بمهمة الأمم المتحدة، بما في ذلك الهجمات الصارخة ضد الموظفين والمنشآت والعمليات" التي تقوم بها الوكالة.
وأضاف في مقاله" "إن المسؤولين الإسرائيليين لا يهددون عمل موظفينا فحسب.. بل يعملون أيضا على نزع الشرعية عن الأونروا، من خلال تصويرها كمنظمة إرهابية تروج للتطرف، ووصف قادة الأمم المتحدة بأنهم إرهابيون متواطئون مع حماس".
ودعا المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، المجتمع الدولي إلى "التحرك بحزم ضد الهجمات غير المشروعة على الأمم المتحدة".
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن "من أخطر ما تقوم به إسرائيل هو ترسيخ واقع جديد عبر القوانين"، مضيفًا في حديثه لموقع الحرة، أن السبب وراء مشروع القانون هو أن "الأونروا هي الجهة الدولية الوحيدة الشاهدة على مأساة اللجوء الفلسطيني".
وأضاف مطاوع أن إسرائيل "تعتقد أنه بمنع عمل الأونروا، ستحقق أهدافا سياسية أهم، هي إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين".
واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في 14 مايو الماضي، الأونروا بأنها "ذراع لمنظمة حماس".
وفي نهاية العام الماضي، كشف تقرير إسرائيلي أن هناك "محاولات من الحكومة في إسرائيل، لإخراج الأونروا من قطاع غزة". ونقلت القناة 12 الإسرائيلية أن تقريرا لوزارة الخارجية "شديد السرية"، يشمل توصيات بأن تحدث تلك الخطوة على 3 مراحل.
وأشارت إلى أن "المرحلة الأولى تكمن في الكشف في تقرير شامل عن تعاون مزعوم بين الأونروا وحركة حماس" المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية، بينما المرحلة الثانية "قد تشمل تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة".
أما المرحلة الثالثة فستكون عبارة عن "عملية نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب".
من جانبه، واصل لازاريني مقاله، قائلا: "منذ 7 أكتوبر، يتعرض موظفون في الأونروا للمضايقة والإهانة بشكل منتظم عند نقاط التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية"، كما أعرب عن أسفه لأن مرافق تتبع للوكالة في قطاع غزة "تستخدمها القوات الإسرائيلية وحماس وفصائل فلسطينية أخرى لأغراض عسكرية".
وعانت الوكالة الأممية التي تنسّق غالبية المساعدات في غزة، من أزمة، بعدما اتهمت إسرائيل في يناير، 12 من موظفيها البالغ عددهم 13 ألفا في غزة، بالتورط في الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر.
وتسبب الاتهام في تعليق عدد من الدول تمويل الوكالة بشكل مفاجئ، بينها الولايات المتحدة، الجهة المانحة الرئيسية، مما هدد عملها في غزة، قبل أن تستأنف بعد ذلك عدة دول التمويل في وقت لاحق.
"لا مفاجأة"
من جانبه، أشار عضو الكنيست السابق، أبو شحادة، إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية "الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.. فلا نستغرب منها أي شيء، ولا مفاجأة في السعي لإقرار مشروع قانون تصنيف الأونروا كمنظمة إرهابية، خاصة أن نتانياهو يريد إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين منذ ما يقرب من عقدين من الزمن".
وتابع: "لقد قام بخطوات عديدة لإغلاق ملف اللاجئين، مثل إصدار قانون سمح بمصادرة كافة أملاك اللاجئين وخصخصتها، بجانب محاولات استهداف الأونروا وإغلاق مكاتبها إبان حكم (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب".
وحول إمكانية تمرير مشروع القانون رغم الضغوط الدولية الرافضة للخطوة، قال أبو شحادة: "نتانياهو منذ ما قبل الحرب وبعدها، يحاول ويرغب في إنهاء ملف اللاجئين، فمن الوارد جدا أن يتقدم في هذا الأمر".
وكان المجلس النرويجي للاجئين، الذي يعمل في قطاع غزة ويقدم خدمات إنسانية للفلسطينيين، قد أبرز دور الأونروا بشكل كبير، واصفا إياه بأنه "منقذ للحياة في قطاع غزة".
وطالما اتهمت إسرائيل الأونروا بـ"إدامة الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني، عبر توسيع وضع اللاجئين ليشمل الملايين من أحفاد الفلسطينيين الذين هربوا أو أُجبروا على الفرار من منازلهم إبان تأسيس إسرائيل عام 1948، وترى أن وصف اللاجئ "يقتصر على اللاجئين الأصليين" كما يحدث مع مجموعات اللجوء حول العالم، حسب تقرير سابق لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
كما تزعم إسرائيل منذ فترة طويلة أن مواد التعليم في مدارس الأونروا "تمجد الإرهاب والتحريض ضد إسرائيل"، وفق الصحيفة، التي لفتت إلى أن نتانياهو طالما كرر انتقاداته للوكالة الأممية، ووصل الحد إلى تحميلها مسؤولة "إدامة محنة الفلسطينيين بدلا من تخفيفها"، وقد دعا الأمم المتحدة إلى حل الأونروا.
من جانبه، واصل مطاوع حديثه للحرة، وقال إن "الفكرة لا تتعلق بمن يقدر على القيام بدور الأونروا، حيث أن مشروع القانون الإسرائيلي سياسي، لأنها مؤسسة أُنشئت لخدمة اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من أراضيهم، لذلك يسعى إلى القضاء على الرمزية السياسية لهذه الخدمة".
إدانات دولية
خرجت إدانات قوية من عدة دول حول العالم لمشروع القانون الإسرائيلي بشأن الأونروا، وخصوصا من دول عربية ومن الاتحاد الأوروبي.
وقال مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان، الأحد، إن التكتل "يشعر بقلق عميق إزاء المناقشات في الكنيست بشأن تصنيف الأونروا منظمة إرهابية، وسحب الحصانة والامتيازات (الدبلوماسية) لأعضائها".
وأضاف أن "الاتحاد الأوروبي يدعم الأمم المتحدة بحزم، ونحض السلطات الإسرائيلية على السماح للأونروا بمواصلة تأدية عملها الذي لا غنى عنه، بما يتوافق مع تفويضها".
كما أصدرت دول من بينها قطر والسعودية والأردن وسلطنة عمان، بجانب منظمة التعاون الإسلامي، بيانات تندد بالخطوة الإسرائيلية.
فيما اعتبر أمين عام منظمة "أطباء بلا حدود"، كريستوفر لوكيير، في بيان، الجمعة، أن مشروع القانون الإسرائيلي يمثل "هجوما شنيعا على الإغاثة الإنسانية وعقابا جماعيا ضد الفلسطينيين. ندين بأشد العبارات هذا التصنيف المقترح ونقف متضامنين مع الأونروا التي تمثل شريان حياة يقدم الإغاثة الأساسية لملايين الفلسطينيين، وتُعتبر عمودًا فقريًا لإيصال المساعدات إلى الناس في قطاع غزة والضفة الغربية والمنطقة".
معلومات عن "أونروا"
تأسست وكالة الأونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر عام 1949، "لتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل مباشرة" للاجئين الفلسطينيين. وبدأت عملياتها في الأول من مايو عام 1950، وفق الموقع الرسمي للوكالة الأممية.
ويشير الموقع إلى أن الأونروا تقدم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين "ريثما يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم".
كما أن مهام الوكالة تطورت على مر السنين "لتمتد إلى توفير خدمات الطوارئ للأشخاص في منطقة عملياتها من النازحين حاليا والذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة المستمرة نتيجة الأعمال العدائية التي حدثت عام 1967 والأعمال العدائية اللاحقة".
وأشار الموقع إلى أن "التفويض تطوّر أيضا لاستيعاب الاحتياجات المتغيرة والوضع السياسي للاجئي فلسطين، بما في ذلك ما يتعلق بأنشطة الحماية".
وتقدم الأونروا المساعدة الإنسانية وتساهم في حماية اللاجئين من خلال تقديم الخدمات الأساسية، في المقام الأول في مجالات التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ورعاية الصحة العقلية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والقروض الصغيرة والمساعدة الطارئة، بما في ذلك في حالات النزاع المسلح، إلى الملايين من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين والموجودين ضمن أقاليم عملياتها الخمسة (الأردن، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية، وغزة).
ووفق التعريف العملياتي للأونروا، فإن لاجئي فلسطين "هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948" .
وتتيح الوكالة خدماتها "لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها، الذين ينطبق عليهم ذلك التعريف والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة للمساعدة. إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى الأونروا. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن حوالي 5 ملايين و900 ألف لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا".