في صباح أول أيام عيد الأضحى، الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن "توقف تكتيكي" للقتال جنوبي قطاع غزة قبل أن يصدر توضيحا بعد ساعة يشير فيه إلى أن القتال مستمر في رفح.
وأوضح الجيش أن الهدنة التي كان قد أعلنها من جانب واحد، قبل النفي، ستكون سارية حتى إشعار آخر ويتم تنسيقها مع الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية.
وفي المقابل، أكد المسؤول في حماس، باسم نعيم، أن الحركة لم يتم "إبلاغها رسميا" بالتوقف الأحادي الجانب من قبل إسرائيل، وألقى باللوم عليها في الوضع الإنساني المتردي، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
ويعتبر إعلان الجيش الإسرائيلي، الأحد، هو "التوقف الأكثر أهمية" في النشاط العسكري منذ اندلاع الحرب على اعتبار أنه يستمر لساعات أكثر من المعتاد وعلى امتداد منطقة أوسع، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
ومع ذلك، أصدر الجيش توضيحا بعد ساعة من الإعلان الأول ذكر فيه أنه "يوضح أنه لا يوجد وقف للقتال في جنوب قطاع غزة، والقتال في رفح مستمر".
وقال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي إن التوقف يتماشى مع توجيهات رئيس الوزراء بزيادة المساعدات لغزة قبل الجلسة المقبلة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، وفي أعقاب الحوادث التي قُتل فيها عمال إغاثة بنيران الجيش الإسرائيلي، بحسب صحيفة "هآرتس".
لكن مكتب نتانياهو نفى أن يكون رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد، على علم بالسياسة الجديدة. وقال المكتب: "عندما سمع رئيس الوزراء صباح الأحد التقارير المتعلقة بهدنة إنسانية لمدة 11 ساعة يوميا، أبلغ سكرتيره العسكري أن هذا غير مقبول".
ونقلت "هآرتس" عن مصادر قريبة من وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، قولها إنه ليس لديه علم بقرار الجيش وقف القتال في المنطقة. وبحسب ما نقلته المصادر عن غالانت، فإن مجلس الوزراء الحربي لم يوافق على أي قرار من هذا القبيل.
"الفوضى البناءة"
ويرى محللون أن أسباب الإعلان الأولي ثم ما أعقبه لاحقا يعود إلى "قرارات مدروسة" لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويشير المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، إلى أن ما حدث، الأحد، يمثل "فوضى بناءة" خلقها نتانياهو لتوجيه رسائل معينة إحداها للداخل والأخرى للخارج.
وفي حديثه لموقع قناة "الحرة"، قال شتيرن إن هذه "الفوضى المختلقة نابعة من احتياجات نتانياهو السياسية"، مضيفا: "هذه القرارات ليست صدفة، بل هي لإرضاء اليمين المتطرف في الداخل وتمرير رسائل للخارج بشأن محكمة العدل الدولية".
وتابع: "هذا أسلوب نتانياهو في اتخاذ القرارات عندما تكون هناك معارضة داخلية.. أنا متأكد أننا سنرى وسنسمع أنه تم طرح هذا الموضوع على جدول أعمال مجلس الحرب، الذي سيقره خلال أيام".
وأوضح قائلا أن "هناك حاجة فعلية لمثل هذا القرار على اعتبار أن محكمة العدل الدولية تستعد لمناقشة الموضوع في لاهاي.. وما حدث اليوم ليس عشوائيا".
وعلى مدى أكثر من شهر، كافحت منظمات الإغاثة لإيصال الغذاء والوقود والإمدادات الأخرى الأساسية إلى غزة بعد أن أدت العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح إلى إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي للقطاع مع مصر.
ومنذ إغلاق معبر رفح، مطلع مايو، سُمح لبعض شاحنات المساعدات بالدخول عبر معبر كرم أبو سالم الأصغر، وأعيد فتح المعابر الأخرى في الشمال، لكن الحجم لا يزال غير كاف لتلبية الاحتياجات في غزة بعد أكثر من 8 أشهر من الحرب.
وقال سكوت أندرسون، مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة، إن الإعلان عن وقف إطلاق النار "مرحب به للغاية"، لكنه عاد فحذر من أن "هذا ليس وقفا لإطلاق النار" مع استمرار العمليات العسكرية في جنوب غزة.
وأضاف في مقابلة أوردتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: "خلال الأسبوعين الماضيين، وقعت حوادث، إذ كان هناك نشاط بالقرب من قافلتنا على مسافة تصل إلى 100 متر وهو أمر مخيف".
الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء متقاعد محمد عبدالواحد، يعتقد أن مثل تلك القرارات في إسرائيل غير مستغربة.
وقال في حديثه لموقع "الحرة" إنه "منذ بدء العملية، هناك حالة عدم الثقة بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل"، مضيفا: "كل منهما يريد أن يسقط على الآخر".
وأضاف أن "المكاسب ستعود للجيش في حال تحققت على الأرض، ولكن إن لم يحقق (الجيش) مكاسب سيلقي بكل المسؤولية على المستوى السياسي على اعتبار أن أهدافه كانت أكبر من إمكانيات الجيش، وهو الذي وضعهم في هذا الموقف".
وتابع: "الجيش يحاول إحراج رئيس الوزراء ويلقي عليه المسؤولية على اعتبار أن نتانياهو لديه مصالح ضيقة ويسعى لإطالة أمد الصراع".
واستشهد عبدالواحد بالخسائر البشرية الكبيرة التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين في قطاع غزة.
وقُتل 8 جنود إسرائيليين من الهندسة القتالية، السبت، في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة عندما دمرت ناقلة جند مدرعة بواسطة ما قال مسؤولون إنه من المرجح أن يكون صاروخا مضادا للدبابات أطلقته حماس.
كما قتل جنديان آخران في شمال غزة خلال وقت لاحق من اليوم ذاته، بينما توفي ثالث متأثرا بجراحه التي أصيب بها في رفح مطلع الأسبوع الماضي.
"يستطيع الموازنة"
وصعّد سياسيو المعارضة وجماعات الاحتجاج انتقاداتهم للائتلاف الحاكم لنتانياهو، إذ خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في تل أبيب مساء السبت للمطالبة باتفاق وقف إطلاق النار مع حماس وإجراء انتخابات مبكرة.
وأوضح شتيرن أن "الفجوة بين موقف نتانياهو والمؤسسة العسكرية من جهة وشركائه في الائتلاف الحاكم من جهة أخرى هي المشكلة".
وتابع: "نتانياهو يقوم بإبعاد شركائه عن مراكز اتخاذ القرار وعندما يصدر قرارات لا يتقبلها (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير و(وزير المالية بتسلئيل) سموتريتش، نرى الارتباك وما يدل على ذلك تصريحات بن غفير اليوم الذي انتقدفيها القرار".
وبعد بيان الجيش الأولي، قال بن غفير إن من قرر مثل هذه السياسة "أحمق لا ينبغي أن يستمر في منصبه".
وأضاف: "للأسف لم يتم عرض هذه الخطوة على مجلس الوزراء وهي تتعارض مع قراراته. لقد حان الوقت للخروج من المفهوم (الأمني الذي عفا عليه الزمن قبل 7 أكتوبر) ووقف النهج المجنون والواهم الذي لا يجلب لنا إلا المزيد من القتلى والسقوط".
واندلعت الحرب في أعقاب هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، أسفر عن مقتل 1194 شخصا، غالبيتهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفقا لتعداد أجرته وكالة فرانس برس بالاستناد إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
وردا على ذلك، شن الجيش الإسرائيلي هجوما واسع النطاق في غزة خلف حتى الآن 37337 قتيلا، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفقا لبيانات وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس. وتتعرض إسرائيل لضغوط دولية مع استمرار الحرب المدمرة وارتفاع الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين.
وقال شتيرن إن "اليمين المتطرف يسبب الحرج لإسرائيل أمام المجتمع الدولي بمطالباته باستمرار الحرب وتجاهل الانتقادات ومحاربة حماس بلا هوادة حتى لو تم استهداف مدنيين".
ومع ذلك، أشار المحلل السياسي الإسرائيلي إلى أن "نتانياهو سياسي يستطيع الموازنة بين اليمين في الداخل والمجتمع الدولي خارجيا؛ لأنه يفهم جيدا الاعتبارات الدولية ويعرف كيفية الحصول على ضوء أخضر من حلفاء إسرائيل لمواصلة الحرب".