شهدت إسرائيل، الاثنين، حالة من الجدل السياسي بعد تراشق وتبادل اتهامات بين الحكومة والمؤسسة الأمنية على خلفية إطلاق سراح عشرات الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
وقال جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" في بيان، الاثنين، إنه تكلف إلى جانب الجيش الإسرائيلي "بإطلاق سراح عشرات السجناء من أجل توفير أماكن في معتقل سدي تيمان"، المخصص لاحتجاز المعتقلين لفترات قصيرة.
وأضاف الجهاز في البيان أنه "نظرا للحاجة الوطنية التي حددها مجلس الأمن القومي فقد تقرر إطلاق سراح عدد من المعتقلين من غزة الذي يشكلون خطرا أقل، بعد تقييم واسع للمخاطر بين جميع المعتقلين".
وعقب تلك الخطوة تبادل وزراء ومسؤولون أمنيون بارزون اللوم، وحاولوا تجنب المسؤولية، وفقا لما ذكرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وقال رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، إن المحكمة العليا تتحمل المسؤولية جزئيا على الأقل، فيما قال زعماء المعارضة إن الحكومة "فشلت" في مهمتها بالحفاظ على الأمن.
وقال مكتب وزير الدفاع، يوآف غالانت، من جانبه، إن "سلطة حبس السجناء الأمنيين وإطلاق سراحهم تابعة للشاباك ومصلحة السجون الإسرائيلية، ولا تخضع لموافقة وزير الدفاع".
وبعد هذه العملية، طالب وزير الأمن القومي المتشدد، إيتمار بن غفير، بإقالة مدير "الشاباك"، رونين بار، معتبرا ذلك بأنه "تهور أمني".
في المقابل، قال "الشاباك" إنه كان يحذر منذ عام من عدم وجود عنابر كافية لاحتجاز المشتبه بهم، وأن بن غفير ومسؤولين آخرين في الحكومة تجاهلوا تلك التحذيرات.
"أهداف سياسية"
المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، يرى أن كل "خطوة طبيعية" في إسرائيل "تتحول لنقطة خلافات سياسية"، مضيفا في حديثه لموقع "الحرة" أن "كل طرف سياسي يريد استغلال ما يحدث لتحقيق أهدافه".
وقال شتيرن إن "السجون مكتظة بالمعتقلين (الفلسطينيين) ويجب تفريغها؛ بحيث يتم إطلاق سراح كل من ليس له صلة بحركة حماس وهجمات السابع من أكتوبر".
وبحسب منظمة "هموكيد" الإسرائيلية الحقوقية، فإن عدد السجناء "الأمنيين" في السجون الإسرائيلية بلغ 9623 شخصا حتى الأول من يوليو 2024.
وأوضح شتيرن أن هذه المهمة من صميم عمل جهاز الأمن العام (الشاباك) لتحديد من يجب أن يبقى في السجن، ومن يتم الإفراج عنه والعودة لقطاع غزة.
وتابع: "الحكومة تتهم المستويات الأمنية.. والمعارضة تتهم الحكومة، واليمين يلقي اللوم على الجيش والمؤسسة الأمنية.. هذا ليس جديدا؛ فكل طرف يريد أن يستغل ذلك لإثبات موقفه".
من جهته، يعتقد الحقوقي والمحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، أن "الضجة والخلاف بين المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل" تعكس ما اعتبره "انقلابا من العسكر على الائتلاف الحاكم".
وقال العكة لموقع "الحرة" إن "التفاعلات الداخلية في إسرائيل (بشأن هذه القضية) ومحاولة جميع الأطراف بالتنصل من المسؤولية تعكس رغبة المؤسسة الأمنية والعسكرية بفرض رؤيتها على نتانياهو والائتلاف الحاكم".
ويوضح ذلك قائلا: "نتانياهو يريد إدارة الحرب بالطريقة التي يراها مناسبة بما يخدم مصالحه السياسية ومصالح ائتلافه، بعيدا عن رؤية الجيش الذي يعتبر أنه حقق إنجازات تكتيكية، ولكنها مهمة في سياق تعزيز صورة النصر التي تحتاجها الدولة الإسرائيلية لإظهار أنها استطاعت الحد من قدرات حماس العسكرية".
واندلعت الحرب بعد هجوم غير مسبوق لحماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، بدأ على أثرها الجيش الإسرائيلي حملة قصف مركّز ألحقها بهجوم بري واسع النطاق على قطاع غزة.
وأسفرت هجمات حماس عن مقتل 1195 شخصا معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، بحسب حصيلة لفرانس برس تستند إلى أرقام رسمية إسرائيليّة.
واختطف المهاجمون 251 رهينة ما زال 116 منهم في غزة، بينهم 42 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.
وقتل ما يقرب من 38 ألف شخص في قطاع غزة من جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، بحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.
"لا أحد يتحدث عن بقية السجناء"
ومن بين السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم مدير مستشفى الشفاء بقطاع غزة، محمد أبو سلمية، الذي أدى إطلاق سراحه لتبادل الاتهامات بين المسؤولين الإسرائيليين، حسبما قال شتيرن، موضحا أن القضية أصبحت "خلافية" لأن أبو سلمية "شخصية معروفة".
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي: "لا أحد يتحدث عن بقية السجناء".
وكانت القوت الإسرائيلية اعتقلت أبو سلمية في نوفمبر الماضي بعد اتهامه بتسهيل مهمة حماس لاستغلال المستشفى لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وقال الوزير بن غفير عبر منصة "إكس" إن "الإفراج عن مدير مستشفى الشفاء الطبي في غزة إلى جانب عشرات الإرهابيين الآخرين، تنازل عن الأمن".
وذهبت وزيرة المستوطنات اليمينية، أوريت ستروك، في الاتجاه ذاته متسائلة عن السلطة التي يملكها بار لاتخاذ مثل هذا القرار.
كما ألقى زعيم الوحدة الوطنية بيني غانتس، ورئيس حزب الأمل الجديد جدعون ساعر، اللوم في إطلاق سراح مدير مستشفى على الحكومة، وليس على أجهزة المخابرات والأمن.
وانضم زعيم المعارضة، يائير لبيد، إلى الأصوات المنتقدة للحكومة، مدعيا أن خبر إطلاق سراح أبو سلمية كان "استمرارا مباشرا لتهور الحكومة الإسرائيلية واختلال وظائفها، مما يتسبب في الإضرار بأمن مواطني إسرائيل".
وفي المقابل، قال مكتب نتانياهو في بيان إن "قرار إطلاق سراح السجناء جاء بعد مناقشات في المحكمة العليا بشأن التماس ضد احتجاز السجناء في معتقل سدي تيمان".
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلا عن مصلحة السجون أن مدير مستشفى الشفاء "أبو سلمية لم يكن محتجزا في سدي تيمان، بل في سجن نفحة".
وزعمت مصلحة السجون أن مدير المستشفى لم يتم الإفراج عنه بسبب أزمة الاكتظاظ، مضيفة أنه تم إطلاق سراحه من سجن نفحة، وفق ما نقلت الصحيفة.
ونشرت مصلحة السجون خطابا يفيد بأن الإفراج عن أبو سلمية جاء بقرار من "الشاباك" والجيش"
ويخضع "الشاباك" لسلطة مكتب رئيس الوزراء، بينما تخضع مصلحة السجون الإسرائيلية لوزارة الأمن القومي، التابعة لبن غفير.
وجاءت إطلاق سراح السجناء الـ54 وهم من قطاع غزة دون السجناء الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية.
وقال "الشاباك" في بيانه إنه "ضد إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بسبب مخاوف فورية من عودتهم إلى تنفيذ الهجمات، وكذلك أعضاء قوة النخبة التابعة لحماس وغيرهم من الإرهابيين في غزة المشاركين في القتال ومهاجمة المدنيين".
ومع ذلك، أضاف "الشاباك" أنه في حين أن مدير مستشفى الشفاء أبو سلمية "يلبي جميع المتطلبات المتعلقة بمستوى الخطر الذي يشكله"، فإنه سيحقق في إطلاق سراحه.
وفي وقت لاحق، أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا جديدا قال فيه إن إطلاق سراح أبو سلمة جاء "دون علم المستوى السياسي"، معتبرا أن ذلك القرار "خطأ فادح وفشل أخلاقي".
وذكر البيان أن رئيس الوزراء أمر "بإجراء تحقيق شامل في كيفية حدوث ذلك. ومن المتوقع أن يقدم رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) نتائج التحقيق إلى رئيس الوزراء غدا (الثلاثاء)".
"تعذيب ممنهج"
وتعيد إسرائيل بانتظام المعتقلين الفلسطينيين إلى قطاع غزة بعد التأكد من عدم الاشتباه في قيامهم بنشاط إرهابي، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
ولدى عودته لغزة بعد 7 أشهر من الاعتقال، اتهم أبو سلمية، إسرائيل بـ"التعذيب"، قائلا إن "هناك جريمة ترتكب بحق الأسرى، عشرات الأسرى يذوقون العذاب الجسدي والنفسي، بعضهم استشهد في أقبية التحقيق".
ووفقا لأبو سلمية الذي جدد المزاعم الموجهة لإسرائيل بأنها تسيء معاملة السجناء الفلسطينيين، فإنه "لمدة شهرين لم يأكل أي من الأسرى سوى رغيف خبز واحد يوميا".
وأضاف الطبيب الفلسطيني: "اعتدوا علينا بالكلاب البوليسية، بالهراوات، بالضرب، سحبوا منا الفراش والأغطية".
وفيما يتهم العكة أيضا إسرائيل بإساءة معاملة السجناء الفلسطينيين بشكل "ممنهج"، قال شتيرن إنه "متأكد من أن وضع المعتقلين الفلسطينيين سيء".
وتابع شتيرن: "هذه ليست أوقات عادية؛ حيث إن مصلحة السجون ليس لديها الإمكانية لاستيعاب أعداد كبيرة من المعتقلين، وهذا بدوره يؤدي إلى ظروف صعبة في الحجز".
وأشار إلى أن السلطات المعنية "يجب عليها اتخاذ كل التدابير اللازمة لاحتجاز المعتقلين بظروف إنسانية".
وكانت مصلحة السجون الإسرائيلية شددت على ظروف اعتقال الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، بحسب فرانس برس.
ومن بين الإجراءات الجديدة التي اتبعتها مصلحة السجون، وفقا للوكالة ذاتها، حرمان المعتقلين من مغادرة الزنازين، ومن استخدام وسائل التدفئة والطهي والشراء من المقصف، بالإضافة إلى إجراء عمليات تفتيش مفاجئة تزيد من التوتر.
وفي رده على استفسارات موقع "الحرة"، قال متحدث باسم مصلحة السجون الإسرائيلية، الثلاثاء، عبر البريد الإلكتروني، "نحن لسنا على علم بالادعاءات" التي تحدث عنها مدير مستشفى الشفاء.
ومع ذلك، يحق للسجناء والمعتقلين في مصلحة السجون الإسرائيلية تقديم شكوى يتم دراستها ومعالجتها بشكل كامل من قبل الجهات الرسمية، بحسب البيان.
وجاء في الرد أن "مصلحة السجون الإسرائيلية هي منظمة لتطبيق القانون تعمل بموجب أحكام القانون وتحت إشراف مراقب الدولة والعديد من الجهات الرسمية الأخرى".
وتابع البيان: "ويتم احتجاز كافة السجناء وفقا للقانون. يتم تطبيق جميع الحقوق الأساسية المطلوبة بشكل كامل من قبل حراس السجن المدربين بشكل احترافي".
لكنها تقول عبر موقعها إنها "منظمة أمنية ذات هدف اجتماعي تنتمي إلى جهاز تطبيق القانون، مضيفة أنها توفر "ظروفا آمنة ولائقة" لاحتجاز النزلاء مع "توفير احتياجاتهم الأساسية والحفاظ على كرامتهم ومع توفير الأدوات المصححة لجميع السجناء".
وقال شتيرن إنه لا يوجد "إثباتات" تدين مصلحة السجون الإسرائيلية بأنها تسيء معاملة السجناء الفلسطينيين بشكل ممنهج ومتعمد، بما في ذلك عمليات التعذيب المزعومة.