دخل حزبان قوميان دينيان ضمن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم فيما وصف بأنه "نزاع مرير" على خلفية قضية عقائدية في البرلمان (الكنيست)، مما أدى لعدم التصويت على مشروع القانون، الاثنين، في وقت لا تزال تعيش فيه البلاد حربا ضد حركة حماس بقطاع غزة.
ويقود رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ البلاد منذ ديسمبر 2022 بعدما شكل ائتلافا حاكما من الأحزاب القومية والدينية المتشددة.
وكان حزب "شاس" اليهودي المتشدد طرح مشروعا في الكنيست يختص بالمجالس الدينية، الاثنين، لكن التصويت على مشروع القانون تأجل بسبب رفض حزب "القوة اليهودية" دعمه.
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، إنها "المرة الأولى" التي تشهد فيها البلاد تراشقا إعلاميا بين حزبين دينيين من الائتلاف الحاكم، منذ اندلاع الحرب بقطاع غزة.
وأضاف شتيرن في حديثه لموقع "الحرة" أن المفارقة تكمن بأن "الخلاف بين الحزبين ليس عقائديا، بل يتعلق بتوزيع الأدوار والمسؤوليات على صنع القرار السياسي".
ومساء الاثنين، انخرط حزب "القوة اليهودية" بزعامة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، مع حزب "شاس" الذي يقوده، أرييه درعي، في حرب كلامية من خلال إصدار بيانات متكررة تبادلا فيها إلقاء اللوم على بضعهما البعض وهددا بمستقبل الائتلاف الحاكم.
وهدد بن غفير بعدم دعم حزبه لمشروع القانون الذي طرحه "شاس" بشأن المجالس الدينية، إذا لم يتم منحه سلطة اتخاذ قرارات بشأن الحرب، وذلك بعد أن حل نتانياهو المجلس الحربي المصغر مؤخرا والذي لطالما طلب الوزير المتشدد الانضمام له.
وأصدر بن غفير بيانا اتهم فيه حزبي "الليكود" و"شاس" بالتوصل إلى اتفاق مع الأحزاب العربية لمنعه من الحصول على مقعد في حكومة الحرب، وانتقد في وقت لاحق نتانياهو ووصفه بأنه يدير "حكومة الرجل الواحد".
بعد تهديدات بن غفير بعدم دعم مشروع القانون، سحبت الحكومة التشريع من جدول الأعمال، وانسحب عدد من أعضاء الكنيست عن حزب "شاس" من القاعة احتجاجا على ذلك.
وفي المقابل، انتقد "شاس" بن غفير بدعوى أنه "خلق انقسامات في الحكومة" واتهمه بمحاولة إسقاط الائتلاف.
وقال الحزب في بيان إن "كتلة اليمين اكتشفت هذا المساء أن بن غفير ليس سوى بالون منتفخ"، مسلطا الضوء على "سلسلة الإخفاقات المحرجة في مجالات مسؤوليته"، بحسب ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وقال المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، خلدون البرغوثي، إن هذه المناكفات السياسية تأتي من قضية ليس لها علاقة بالسياسة.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، قال البرغوثي إن بن غفير "يربط القضايا ببعضها البعض للمساومة على مصالح أخرى".
ويشرح ذلك قائلا: "القضية تتعلق بأن شاس يسعى لتغيير قانون تعيين الحاخامات في مناطق البلاد، إذ يتم انتخاب هؤلاء الحاخامات من سكان الأحياء أنفسهم فيما يكون للمؤسسة الرسمية نسبة بسيطة من قرارات التعيين، والآن يريد شاس قلب هذه المنظومة بحيث يكون للمؤسسة الرسمية النسبة الأكبر بالتعيين".
وأوضح البرغوثي أن هدف "شاس" من هذا القانون يتمثل في تعيين الحاخامات المحسوبين على تياره، مما يساعد على زيادة شعبية الحزب وانتشاره.
"الصراعات في أوجها"
ولم يصمت بن غفير عن بيان "شاس"، ورد متهما درعي بأنه ينتمي لليسار "من أوسلو وحتى اليوم" في إشارة إلى قرار الحزب بالامتناع عن التصويت في الكنيست لصالح اتفاقات أوسلو عام 1993 مع الفلسطينيين.
ويرى البرغوثي أن بن غفير "ينتهز كل الفرص للابتزاز السياسي لأنه يعلم أن نتانياهو بحاجة شديدة لكل مكونات الائتلاف"، مردفا أن "انهيار الائتلاف الحالي قد لا يعيد نتانياهو للحكم في أي انتخابات مستقبلية بحسب استطلاعات الرأي".
وتابع: "عادة نتانياهو ذكي ويعرف كيفية إدارة الأمور بشكل عام، ولكن الضغوط عليه تزداد من كل جهة" في إشارة إلى التهديدات الداخلية والضغوط الخارجية بشأن إيقاف الحرب.
وأشار إلى أن تأجيل مشروع القانون الذي طرحه "شاس" يأتي "حتى يخرج بصيغة يقبلها الجميع"، وهذا ما يمنح نتانياهو مزيدا من الوقت.
وبعد التراشق العلني بين "القوة اليهودية" و"شاس"، دخل بيني غانتس الذي استقال من حكومة الحرب، قبل أن يعلن نتانياهو حل هذا المجلس المصغر، على خط الأزمة.
وقال غانتس في بيان إن "المعركة" بين الطرفين كانت "مثالا حزينا" على عدم قدرة الحكومة على العمل في لحظة حرجة.
وأضاف: "ربط رئيس الوزراء أمس عودة الرهائن بسقوط الحكومة. اليوم، يربط بن غفير مكانا في مجلس الوزراء (الحرب) الضيق مع الأصوات السياسية في الكنيست. لقد وقع أمن إسرائيل خلال أصعب حروبها في التاريخ ضحية للأهواء السياسية".
وبجانب وزير الدفاع، يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، تشكل مجلس الحرب بعد انضمام غانتس إلى نتانياهو في حكومة طوارئ بعد بداية الحرب في أكتوبر.
وضم المجلس أيضا غادي أيزينكوت الذي ينتمي إلى حزب غانتس وأرييه درعي بصفة مراقبين.
وقال شتيرن إن "الصراعات السياسية في أوجها" الآن بعد أن كانت موجودة سابقا، مبررا ذلك بأن "هناك إحساس لدى كثير من السياسيين أن الانتخابات اقتربت".
وعندما تطفو الصراعات إلى السطح بهذه الطريقة التي تشير إلى أن نتانياهو لا يملك إمكانية السيطرة عليها، فإن الديناميكيات في السياسية الإسرائيلية تؤدي في مثل هذه الحالات لانتخابات مبكرة، حسبما قال شتيرن.
وتابع: "لا يمكن الاستمرار في مثل هذا الحال؛ فالصراعات هنا إلى مالا نهاية في كل مشروع قانون يطرح في الكنيست".