أعلنت السلطات الإسرائيلية، الثلاثاء، توسيع أهداف الحرب الحالية في غزة، لتشمل عودة مواطني الشمال إلى منازلهم قرب الحدود مع لبنان، في خطوة يمكن اعتبارها بمثابة خطوة تمهيدية لاحتمال شن هجوم ضد حزب الله اللبناني الذي يتبادل مع إسرائيل الضربات على مدار عام تقريبا.
وقال مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلي في بيان، الثلاثاء، إن القرار اتخذ خلال اجتماع مجلس الوزراء الأمني المصغر (الكابينت) الليلة الماضية.
وكاد حزب الله وإسرائيل أن ينزلقا إلى حرب شاملة، الشهر الماضي، بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية قياديا كبيرا بحزب الله في بيروت، ردا على هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 12 طفلا وقاصرا في الجولان.
وفي أحدث التطورات، شهدت مناطق لبنانية عدة، خاصة الضاحية الجنوبية لبيروت، سلسلة من الحوادث المفاجئة، الثلاثاء، حين انفجرت بشكل متزامن أجهزة اتصالات محمولة "بيجر" يستخدمها عناصر من حزب الله، مما أدى إلى سقوط قتلى ومئات الجرحى.
وقال مسؤول من حزب الله أن تفجير أجهزة الاتصال يشكل "أكبر اختراق أمني حتى الآن" تعرض له الحزب.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أن الأجهزة التي تعرضت للاختراق الأمني هي من نوع "بيجر" وقد تم تفجيرها باستخدام تقنيات متطورة، مما أسفر عن إصابة عشرات الأشخاص، الذين تم نقلهم إلى المستشفيات بواسطة سيارات الإسعاف.
وأكد مصدر مقرب من حزب الله لوكالة فرانس برس أن الحادث "خرق اسرائيلي".
ما معنى قرار نتانياهو؟
وفيما يتعلق بقرار توسيع أهداف الحرب، قال المحلل الإسرائيلي، إيلي نيسان، إنه بعد أكثر من 11 شهرا من الحرب هناك "أكثر من 70 ألف نازح في إسرائيل، وقرار الكابينت يعني أن هناك إمكانية لاستهداف كل مواقع حزب الله".
لكن نيسان عاد وطرح سؤالا في حديثه مع موقع الحرة: "هل ترغب إسرائيل في دخول حرب شاملة ضد حزب الله بهدف إبعاده عن الحدود وإعادة السكان إلى منازلهم في الشمال؟ الخلاف كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة التي تفضل الحل السلمي الدبلوماسي مع حزب الله".
وحذرت الولايات المتحدة، إسرائيل، من شن حرب ضد لبنان، وذلك على لسان المستشار البارز للرئيس جو بايدن، المبعوث الأميركي إلى لبنان، آموس هوكستين، خلال لقاء مع مسؤولين بارزين في إسرائيل.
وقالت مصادر مطلعة لموقع "أكسيوس" الأميركي، إن هوكستين حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من "شن حرب في لبنان" قد تزداد اتساعا.
ونقل الموقع أن هوكستين، أكد لنتانياهوK ووزير الدفاع يوآف غالانت، خلال اجتماعه معهما بشكل منفصل، أن الولايات المتحدة "لا تعتقد أن اندلاع صراع أوسع مع لبنان، سيحقق هدف عودة النازحين إلى الشمال".
وأوضح نيسان أن وجهة النظر الإسرائيلية تختلف عن الأميركية في هذا الشأن إذ ترى أنه "لا يمكن أن تبقى منظمة إرهابية لديها 120 ألف صاروخ على الحدود، وكما يتم القضاء على حركة حماس في غزة، يجب القضاء على قدرات حزب الله".
وأشار إلى أن إسرائيل "خططت لذلك خلال ضربتها الاستباقية في 25 أغسطس، ولكن واشنطن منعت ذلك خشية تطور الأمور إلى حرب إقليمية".
وأعلن حزب الله (المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة ودول أخرى)، شن هجوم في أغسطس، تخلله إطلاق عدد كبير من المسيرات و"أكثر من 320 صاروخ كاتيوشا" على مواقع عسكرية في شمالي إسرائيل، في إطار رده على مقتل القيادي البارز في التنظيم، فؤاد شكر، بغارة إسرائيلية في 30 يوليو الماضي.
وسبق ذلك ضربات استباقية إسرائيلية ضد أهداف لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية، وقال حينها، دبلوماسيان لرويترز إن إسرائيل وحزب الله تبادلا الرسائل عقب تبادل إطلاق النار، الأحد، من أجل عدم زيادة التصعيد. ووفق ما أوردته الوكالة، فإن الرسائل تفيد بأن أيا منهما "لا يريد التصعيد" أكثر من ذلك.
لكن المحلل الإسرائيلي أوضح أنه "لا يمكن استمرار الوضع شمالي إسرائيل هكذا، في ظل إطلاق الصواريخ والمسيرات على القرى والبلدات... الكابينت منهمك في اتخاذ قرار إعادة السكان من خلال توجيه ضربة قاضية لحزب الله".
منطقة عازلة ومعضلة المشروعية
وكشفت تقارير إسرائيلية، أن قائد المنطقة الشمالية في الجيش، أوري غوردين، بدأ ممارسة "ضغوط" على القادة من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم بري جنوبي لبنان، يهدف إلى إنشاء "منطقة عازلة".
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية والقناة الـ13 العبرية، أن غوردين "يضغط على صناع القرار لبدء توغل واسع في لبنان".
كما قال غالانت خلال لقاء جمعه بالمبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إن إمكانية الحل الدبلوماسي للوضع على الحدود الشمالية "انتهت"، معتبرا أن سبب ذلك يعود إلى "استمرار حزب الله في ربط نفسه بحماس، ورفضه إنهاء الصراع".
وأضاف: "الطريقة الوحيدة لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، ستكون عبر عمل عسكري".
ويعيد الحديث عن منطقة آمنة فكرة "الحزام الآمن"، والحديث عن القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006 الذي ينهي الحرب التي شنتها إسرائيل آنذاك، وفيه دعا مجلس الأمن الدولي لبنان وإسرائيل إلى وقف دائم لإطلاق النار استنادا إلى عدد من المبادئ والعناصر.
وأشار خلالها إلى "الاحترام التام للخط الأزرق، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان".
والخط الأزرق، الذي يمتد لمسافة 120 كيلومترا على طول حدود لبنان الجنوبية، "خط انسحاب" وضعته الأمم المتحدة عام 2000 لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
ويرى الخبير العسكري اللبناني، ناجي ملاعب، أن حزب الله أكد منذ بداية الحرب أنه سوف يتوقف عن تنفيذ هجماته، لو وافقت "المقاومة في غزة على اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن لم يتمكن الإسرائيليون بعد من التوصل لاتفاق هناك.. وفشلهم في ذلك جعل حزب الله يستمر في عملياته".
ولفت ملاعب إلى تحذيرات سابقة من قادة عسكريين إسرائيليين بأنه "لا يمكن للجيش الاستمرار في القتال وتمديد خدمة قوات الاحتياط... وهذا يمهد لما يمكن أن يحدث في لبنان"، في إشارة منه إلى الصعوبات التي ستواجه إسرائيل حينها.
كما أوضح أن القتال الحالي "ضد فئة واحدة وليس لبنان ككل.. ولو سعت إسرائيل إلى توسيع عملياتها لأبعد من تلك الفئة (حزب الله)، سوف تفقد مشروعيتها".
من جانبه قال نيسان : "حزب الله هو من صنع حزاما أمنيًا حاليا داخل إسرائيل، حيث نزح المواطنون الإسرائيليون في المناطق الشمالية بسبب الهجمات وتغيرت حياة الناس، وبالتالي بات على إسرائيل اتخاذ ما يلزم من تدابير لإعادة النازحين سواء بالوسائل السلمية أو الحرب".
وتابع في حديثه للحرة: "في الماضي كان الحزام الأمني داخل الأراضي اللبنانية، لكن انسحبت القوات الإسرائيلية حينها من المنطقة.. لا أعتقد أن إسرائيل ترغب في استمرار وجود قوات لفترة طويلة فيما يمكن تسميته حزاما أمنيا أو منطقة عازلة، لأن ذلك يتطلب المزيد من القوات".
وأوضح أن "نية القوات الإسرائيلية حال شنت هجوم ضد حزب الله ستكون إبعاده إلى ما وراء نهر الليطاني، والعودة إلى القرار 1701".
وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم"، ذكرت أن قائد المنطقة الشمالية، غوردين، يعتقد بأن "دفع مسلحي حزب الله بعيدا عن الحدود يمكن تحقيقه بسرعة"، إذ قُتلت معظم قوات النخبة التابعة لحزب الله على طول الحدود في الغارات الإسرائيلية، أو فرت بالفعل شمالا، ويُعتقد أن ما يقدر بنحو 80 بالمئة من المدنيين جنوبي لبنان غادروا المنطقة أيضا".
وبحسب التقرير الذي نقلته "تايمز أوف إسرائيل" بالإنكليزية، فإنه يرى أيضًا أن مثل هذه الخطوة "من شأنها أن تؤمّن شمالي إسرائيل في الأمد البعيد، وتمنحها نفوذا أكبر من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي أكثر فائدة".
من جانبها، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن نتانياهو يدفع باتجاه عملية في لبنان، وإن كانت "أكثر محدودية"، إذ هدد أحد مساعدي رئيس الوزراء الذي لم يذكر اسمه، باستبدال غالانت "إذا حاول إحباط عملية في الشمال".
وأشار ملاعب في حديثه للحرة، أنه في حال تم شن عملية إسرائيلية داخل المناطق اللبنانية، فإن "الجيش اللبناني في مناطق وجوده في الجنوب، لن يكون بعيدا عن صد الاعتداء بما يتوفر له من وسائل".
كما أوضح أن إسرائيل ستواجه "صعوبة في اجتياز الحدود باستخدام الدبابات، بسبب الكمائن التي يمكن أن تستحدثها جماعة حزب الله في المواقع، كما حدث في حرب 2006. وهناك خوف على قوى الجيش اللبناني التي سيتم معاملتها كعناصر حزب الله".
فيما أوضح أن قوات اليونيفيل الأممية سترفع راياتها وتوضح مواقعها وستكون بعيدة كل البعد.
لكن ملاعب أشار إلى أن إسرائيل ربما "لا تتدخل بريًا بل تقوم بعمليات إنزال بري أو بحري وتعمل على قطع خطوط الإمداد لحزب الله من سوريا من ناحية الجولان، ولكن بالنهاية كل هذه توقعات وكل الاحتمالات مفتوحة في ظلما يمكن أن يحدث على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهل يمكنها تحمل الخسائر الكثيرة التي قد تتكبدها بمثل هذا الهجوم؟"
وقتل 622 شخصا على الأقل في لبنان، معظمهم مسلحون في حزب الله و142 مدنيا على الأقل منذ بدء التصعيد، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية ونعي حزب الله ومجموعات أخرى.
وفي الجانب الإسرائيلي والجولان، أعلنت السلطات مقتل 24 جنديا، و26 مدنيا.