تسلط سلسلة الانفجارات التي طالت أجهزة اتصال يستخدمها عناصر في حزب الله في لبنان خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، الضوء على القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية والعسكرية المتطورة التي تمتلكها إسرائيل في مواجهة إيران ووكلائها في الخارج، لكنها تطرح في الوقت ذاته أسئلة عدة حول الكيفية التي فشلت فيها في تفادي هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
الأربعاء، انفجر عدد من أجهزة الاتصال اللاسلكية في الضاحية الجنوبية لبيروت تزامنا مع تشييع عناصر من حزب الله قتلوا، الثلاثاء، في انفجارات مماثلة.
وحتى ساعة نشر هذا التقرير، بلغت حصيلة القتلى 21 شخصا، فيما أصيب أكثر من 3 آلاف آخرين، من بينهم العديد من مسلحي حزب الله والسفير الإيراني لدى لبنان، كما أعلنت السلطات الصحية اللبنانية.
وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر لرويترز إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل أجهزة البيجر التي استوردها حزب الله قبل أشهر من تفجيرات الثلاثاء.
ولإسرائيل تاريخ طويل في تنفيذ هجمات معقدة على أراض أجنبية على الرغم من أنها لا تعلن في معظم الأحيان عن مسؤوليتها.
خلال العقد الماضي، نجحت إسرائيل في اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين، منهم محسن فخري زاده في 2020، والذي كان يعتبر العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني.
وقبل ذلك يعتقد أنها نجحت في سرقة الأرشيف النووي الإيراني من مخزن في طهران في عام 2018 في عملية معقدة.
مؤخرا تمكنت إسرائيل من اغتيال قادة بارزين في حزب الله وحركة حماس، أبرزهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية أثناء زيارته لطهران قبل عدة أسابيع. كذلك قتل القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في غارة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية في يوليو.
وفي يناير الماضي، قتل نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت في ضربة نُسبت إلى إسرائيل.
ولم تعلق إسرائيل على التفجيرات الأخيرة، ولم تعلن مسؤوليتها عنها أو تنفيها وكذلك فعلت مع باقي العمليات المنسوبة لها.
وعلى الرغم من كل هذه العمليات، إلا أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فشلت في تفادي الهجوم واسع النطاق الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر على بلدات جنوبي البلاد وراح ضحيته أكثر من 1200 شخص، غالبيتهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال.
وخُطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.
يقر المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان بحصول "فشل استخباري دفع الإسرائيليون ثمنه في السابع من أكتوبر."
ويقول نيسان لموقع "الحرة" إنه "كانت هناك معلومات استخبارية بشأن ما سيحدث في غزة من تحضيرات قبل هجوم السابع من أكتوبر، لكن المسؤولين الإسرائيليين اعتقدوا أن حماس لن تجرؤ على شن مثل هكذا عملية".
ويضيف نيسان أن "المعلومات الاستخبارية كانت موجودة بالفعل وحتى كانت هناك توقعات حول عدد الرهائن الذي من المحتمل أن تختطفهم حماس".
ويبين نيسان أن "المسؤولين السياسيين، وليس العسكريين، لم يولوا أية أهمية لكل هذه الإنذارات"، مضيفا أن "هذا كان خطأ كبيرا دفعت إسرائيل ثمنه".
أثار تفجير الآلاف من أجهزة الاتصال اللاسلكي (بيجر) التي يحملها مسلحو حزب الله ومسعفون وآخرون حالة من الارتباك والذعر في صفوف الجماعة التي كونها الحرس الثوري الإيراني عام 1982.
ووصف مسؤولون في حزب الله الهجوم بأنه أخطر خرق أمني في تاريخ الجماعة، حيث ألقى البعض أجهزته في الوقت الذي تردد دوي الانفجارات في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة في بيروت ومناطق أخرى من لبنان فيما دفنها آخرون.
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي محمد عبد الواحد إن "عملية أمس كانت استخبارية شديدة التعقيد، وقبلها كذلك باقي العمليات التي يعتقد أن إسرائيل تقف خلفها".
ويضيف عبد الواحد لموقع "الحرة" أن "العمل الإسرائيلي يدل على تفوق واضح لأجهزتها الاستخبارية، وأن هناك بالتأكيد مساعدة تحصل عليها إسرائيل من دول حليفة وأجهزة استخبارات أخرى متفوقة".
ويشير عبد الواحد إلى أن "معظم العمليات الاستخبارية الإسرائيلية مؤخرا كانت عالية الدقة سواء في إيران أو لبنان أو اليمن أو سوريا وأماكن متعددة، والسبب برأيي أن هناك تعاون استخباراتي أجنبي واضح معها".
ويرى خبراء أن التمدد الذي شهده ما يعرف باسم "محور المقاومة" التابع لإيران والمكون من ميليشيات وجماعات مسلحة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، ساهم في النجاحات الإسرائيلية على الصعيد الخارجي.
يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط عمرو صلاح أنه "كلما تمددت قوتك العسكرية بشكل أكبر كلما كان التعرض لخطر الانكشاف أكبر".
ويضيف صلاح لموقع "الحرة" تعليقا على العمليات اتي نفذتها إسرائيل ضد ما يعرف باسم "محور المقاومة" أن "من الخطأ مقارنة إيران او أية دولة معينة بحماس أو حزب الله.
ويشير عمرو إلى أن "إيران دولة بيروقراطية مع نظام شمولي وبالتالي هناك مساحة من الفساد وظروف اقتصادية صعبة يعيشها السكان نتيجة العقوبات، وهذه كلها معطيات تزيد من إمكانية الاختراق".
ويتابع أنه "وعلى عكس حماس التي هي عبارة عن تنظيم صغير يتحرك في مساحة جغرافية محدودة مما يعطيه نوعا من الأمان خلال المواجهة".
وبحسب خبير الدفاع الفرنسي بيير سيرفينت فإن العملية الأخيرة ضد حزب الله من شأنها أن تساعد أجهزة المخابرات الإسرائيلية على استعادة سمعتها، التي تضررت بشدة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر.
وقال سيرفينت لوكالة فرانس برس إن "سلسلة العمليات التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية تمثل عودتها (أجهزة المخابرات الإسرائيلية) الكبيرة، مع الرغبة في الردع وتوجيه رسالة: لقد أخفقنا لكننا لم نمت".