داني ميران

لم يُثنه برد الشتاء ولا قيظ الصيف، يجلس داني ميران وسط تل أبيب، في خيمة صغيرة، نصبها سكان ناحال عوز ـ القرية الجنوبية ذاتها التي اختطف فيها مقاتلو حماس في 7 أكتوبر، ابنه، عمري.

مرّت شهور طويلة منذ ذلك اليوم الدامي، لكن بالنسبة لداني، تكثف الزمن في لحظة غياب مؤلمة:

لا قبر يزوره، ولا وداع يفاوض به نيران الفقد ـ لم يبق له غير صور عمري ذي الـ46 عاما، وهو زوج، وأب لفتاتين صغيرتين.

كانت "علما"، أصغر البنتين، في شهرها السادس، عندما اختُطف أبوها، يروي داني لموقع "الحرة".

اليوم، عندما تقول "بابا"، فهي تشير إلى صورة معلقة على حائط. 

لا تتذكر أنها أمسكت بيد والدها قط.

تروي لها الأسرة قصصا عن والدها الغائب ـ الحاضر. "بابا يحبك. بابا شجاع".

لكن الطفلة لا تعرف الرجل الذي تنتظر عودته.

"عمري خسر كل هذه الأيام، خسر أن يرى ابنته تكبر". يتحسر داني عندما يتحدث عن ابنه.

اما روني، الابنة الكبرى، فكانت تبلغ 26 شهرا في 7 أكتوبر. هي تفهم أكثر، وأحيانا تحدّث أمها عن "أشخاص شريرين خطفوا والدها".

يسكن عمري في نحال عوز منذ ثلاثة عشر عاما. ويوم 7 أكتوبر، فتح باب منزل لإنقاذ طفل أحد الجيران، فاختُطف من عائلته.

معبد انتظار

أضحت الساحة أمام متحف تل أبيب ساحة احتجاج، ومعبد انتظار لعودة المختطفين.

داخل خيمة داني، رسائل كثيرة مكتوبة بخط اليد ـ بالعبرية والعربية والإنكليزية ـ عُلّقت بجانب صور الرهائن. وتتكدس بقايا شموع على الأرض قرب أرجل الكراسي. لا موسيقى، همسات فحسب، وصوت أصابع الناشطين تضرب على لوحات مفاتيح أجهزة كمبيوتر.

ما أسهل أن يتحول الألم إلى كراهية. لكن ليس عند داني، الأب الذي لا يطلب أكثر من عودة ولده. هو يتحدث بإصرار عن السلام والحوار والتواصل. يقول: "العالم العربي هام بالنسبة لي،" ويرى أن من الضرورة أن يتوجه الحديث إلى العرب.

يقول عبر موقع "الحرة":

"حماس لا تمثل الإسلام. الإسلام ديانة متسامحة، وفي القرآن تم تحريم قتل النساء والأطفال وكبار السن والمرضى". 

ويتابع "في القرآن هناك وصايا مهمة، ولكن حماس قتلت الأطفال وكبار السن والنساء ومرضى ... وقاموا بذبح الأشخاص. في القرآن هناك أمور جميلة، ولذا فأنا لا أستطيع أن أفهم أولئك الذين يدعمون حماس وكأنهم هم مسلمون". 

"هذا غير إنساني، أن تحتض إرهابيين،" يقول.

يوم سقطت السماء على الأرض

شهد هجوم السابع من أكتوبر، الملقب بـ"السبت الأسود" في إسرائيل، مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة. اخترق مقاتلو حماس الحدود بين غزة وإسرائيل في هجوم غير مسبوق، وصفه بعض المحللين بأنه "لحظة 11 سبتمبر" بالنسبة لإسرائيل. كان عمري من بين عشرات أخذهم مقاتلو حماس رهائن من قرية ناحال عوز.

ولا يزال 59 رهينة في غزة ـ 24 منهم فقط يُعتقد أنهم أحياء.

وردا على هجوم حماس، شنت إسرائيل هجوما على غزة، أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

رسالة في هاتف مهرب

يبعث داني رسائل في مقاطع مصورة من داخل الخيمة، على أمل أن تصل إلى عمري. يحلم أن يحظى ابنه بهاتف مُهرَّب، أن تصله كلمة عابرة من غريب طيّب. 

في أحد المقاطع المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، يتقطع صوته وهو يتحدث إلى ابنه عبر الكاميرا. يقول لابنه إنه وبقية أهالي الرهائن في الساحة. يقول إن وكل إسرائيل تقاتل لإعادة كل رهينة.

ما وراء الخيمة

قدّم داني التماسات لحكومات أجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر ومصر، للضغط على حماس. انتقد كثيرا ما يسميه "شلل الدبلوماسية"، وخاصة في دول يعتقد أنها "تتمتع بنفوذ وتختار الحياد".

في تصريحات كثيرة منذ اختطاف ابنه، عبر داني عن اعتقاد بأن السلام عطاء متبادل، وأن على إسرائيل أن تكون مستعدة للعطاء. يقول: "لسنا كاملين. لكن السلام يحتاج إلى تنازلات من الجانبين ـ وإلا، فهو مجرد حلم".

في أحد مقاطع الفيديو، يبتسم ابتسامة حزينة كأنه يعتذر: "لست هنا للجدال حول الحدود أو الأعلام. أنا هنا لأنني أفتقد ابني".

في يوليو 2024، زار داني الفاتيكان، وشارك البابا فرنسيس الراحل، لإيصالها إلى المسيحيين على نطاق أوسع.

قال: "بعد الحرب العالمية الثانية، أدركت الشعوب الأوروبية أن الحروب لن تقودهم إلى أي مكان. لذلك، قرروا السعي لتحقيق السلام والازدهار بفتح الحدود، وكان هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما. أدعو من قلبي أن يأتي اليوم الذي يحدث فيه الشيء نفسه في منطقتنا: أن نفتح قلوبنا، وأن نفتح حدودنا، وأن نعيش بسلام في ما بيننا".

وقال في الفاتيكان بحضور حجاج كاثوليك:

"كيهودي، كمؤمن"، قال ميران، "أؤمن أيضا أنه أينما ذهبتُ في إطار الديانات التوحيدية الثلاث - اليهودية، والمسيحية، والإسلام - إذا دُعيتُ للصلاة، فسأنضم إليها لأن الإله واحد". 

لكن "ما حدث في السابع من أكتوبر كان مخالفا تماما لمعتقدات الديانات الإبراهيمية الثلاث"، أضاف.

ألبوم العائلة

في منزل العائلة، يمتلئ "ألبوم" بصور روني إلى جانب صور أبيها. أحيانا تتحدث إلى صوره كما تتحدث طفلة إلى دميتها. تتساءل: لماذا ليس لها أب مثل الأطفال الآخرين؟

في يوم من الأيام، يأمل داني أن ترى روني الرجل نفسه، أباها. لكنه إلى ذلك الحين، سيبقى في الخيمة، أبا وجدا يتمسك بالمستقبل بيدين راعشتين، وأمل كالماء لا ينكسر.
 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يدخلان البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، 7 أبريل/نيسان 2025. رويترز - صورة أرشيفية
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يدخلان البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، 7 أبريل/نيسان 2025. رويترز - صورة أرشيفية

 يحاول المسؤولون الإسرائيليون التظاهر بعدم الاكتراث في تعاملهم مع تجاهل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لهم في رحلته إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، لكن الواقع هو أن قراره يزيد القلق في إسرائيل بشأن وضعها بالنسبة لأولويات واشنطن.

فبعد أيام قليلة من الإعلان عن خطط لعملية عسكرية موسعة في غزة، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس الأحد إن الولايات المتحدة أبلغته باتفاق لإطلاق سراح الرهينة الأميركي الإسرائيلي، إيدان ألكسندر، بعد محادثات بين واشنطن وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) لم تشمل إسرائيل.

وأثار ترامب، الذي سيزور السعودية وقطر والإمارات، ذعر إسرائيل الأسبوع الماضي بإعلانه فجأة أن الولايات المتحدة ستتوقف عن قصف الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بعد أيام من سقوط صاروخ أطلقته الحركة بالقرب من المطار الرئيسي في إسرائيل.

وكتب إيتمار آيشنر المراسل الدبلوماسي لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في تعليق يعكس ما قاله معلقون إعلاميون عبر مختلف ألوان الطيف السياسي، "كانت الرسالة واضحة للمنطقة: إسرائيل لم تعد على رأس أولويات الولايات المتحدة".

وقال مسؤول إسرائيلي إن إعلان ترامب بشأن الحوثيين كان "محرجا إلى حد ما" وإن تصرف الرئيس "سلاح ذو حدين".

وتعقد إسرائيل محادثات مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب، ويقول مسؤولون إن العلاقات على المستوى الرسمي لا تزال قوية، لكن بعض المسؤولين يُقرون بصدمتهم من قرارات ترامب.

وقال مسؤول كبير في دائرة نتانياهو، طلب عدم الكشف عن هويته، إن هناك "فوضى" في إدارة ترامب، حيث يعتمد كل شيء على ما يقرره الرئيس في أي لحظة. وأضاف المسؤول أن ذلك يُفيد إسرائيل أحيانا ويُضر بها أحيانا أخرى.

وزاد القرار المتعلق بالحوثيين، الذي لم يُناقش مع إسرائيل مُسبقا، قلق إسرائيل إزاء المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامج طهران النووي، والتي قد تضعف أي تهديد إسرائيلي بعمل عسكري ضد عدوها اللدود.

وزاد قلق إسرائيل أكثر بعد أن ذكرت وكالة رويترز أن الولايات المتحدة لم تعد تطالب السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل كشرط لإحراز تقدم في محادثات التعاون النووي المدني.

وقال وزير الخارجية، جدعون ساعر، أمس الأحد "نحن ننسق. هذا لا يعني ضرورة الاتفاق التام 100 بالمئة على كل قضية. الولايات المتحدة دولة ذات سيادة. إسرائيل دولة ذات سيادة. لكنني أعتقد أن لدينا أرضية مشتركة كبيرة للغاية في المواقف مع هذه الإدارة أكثر من أي وقت مضى".

وعقد آدم بولر مفاوض ترامب بشأن الرهائن في مارس ما وصفته حماس باجتماعات "مفيدة للغاية" مع الحركة، تجاوزت إسرائيل وركزت على إطلاق سراح ألكسندر.

وفي الأسبوع الماضي، نفى السفير الأميركي، مايك هاكابي، أن يكون ترامب ينأى بنفسه عن إسرائيل. وقال إن العلاقة غالبا ما توصف بأنها متينة، وأن "هذه الكلمة لا تزال سارية".

وأضاف "لقد كان الرئيس ثابتا في دعمه وشراكته، وليس لدي ما يدعو للاعتقاد بأن ذلك لن يستمر".

"فوضى"

تعرض نتانياهو وحكومته لانتقادات، الاثنين، على الرغم حتى من تطلع الإسرائيليين لإطلاق سراح ألكسندر، مع زيادة الإدراك لدى الجمهور بأن للدولتين الحليفتين أولويات مختلفة.

قال جاك جوتليب وهو متقاعد من تل أبيب "كل ما هنالك أنه لا توجد قيادة الآن". وأضاف أنه "لا شك" في أن الصفقة أُبرمت من وراء ظهر نتانياهو، أو أن برنامجي العمل الأميركي والإسرائيلي يختلفان في الوقت الراهن.

ومضى يقول "في الوقت الحالي، كل يركز على مصلحته".

ولم يكن أمام نتانياهو خيار سوى قبول قرار التوقف عن قصف الحوثيين، الذين أوضحوا أنهم لن يتوقفوا عن محاولة ضرب إسرائيل بإطلاق صاروخ آخر بعد ذلك ببضعة أيام.

اعتمدت إسرائيل على الدعم العسكري والدبلوماسي الأميركي منذ قيامها عام 1948. وأي تراجع في الاهتمام الأميركي، في ظل الضغوط الدولية التي تواجهها إسرائيل بسبب حرب غزة، من شأنه أن يشكل ضربة قاسية.

وسلط قرار إسقاط مطلب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل الأضواء على الضرر الذي لحق بإسرائيل على الصعيد الدولي بسبب هذه القضية. والهدف من إسقاطه تجاوز إصرار الرياض على موافقة إسرائيل على التحرك نحو تسوية مع الفلسطينيين.

كان ضم السعودية إلى الإمارات والبحرين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم خلال ولاية ترامب الأولى هدفا رئيسيا لنتانياهو، لكنه تأجل إلى أجل غير مسمى على ما يبدو.

وواجه جو بايدن، سلف ترامب، انتقادات لاذعة من المتشددين الإسرائيليين بعد وقف تصدير بعض الذخائر الثقيلة التي تستخدم في غزة وفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين ينتهجون العنف في الضفة الغربية.

وعلى النقيض من ذلك، تحدى ترامب في ولايته الأولى الرأي العام العالمي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، التي تعتبرها إسرائيل عاصمة لها، واعترف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان التي احتلتها من سوريا في حرب عام 1967.

وقال مسؤولون إسرائيليون في وقت سابق إنهم يدركون المخاطر التي تواجهها إسرائيل في ظل وجود رئيس لا يمكن التنبؤ بسلوكه مثل ترامب، والذي لم يبد أي تردد في الانقلاب على حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين.

وقال أحدهم "لكن ليس لدينا خيار آخر".